صياغة متألقة في ابداعها الروائي الحديث في اسلوبية مدهشة في البناء الروائي وهندسته , الذي يمتلك الابتكار والخلق في الطرح المرهف في تصاعد وتيرته الانفعالية نحو الذروة , بتناول أصعب القضايا الحساسة في نبش الماضي , أحداث عاصفة بخطورتها وبطرحها في أسلوب سلس ورشيق وجذاب , يشد القارئ كالمغناطيس كتوثيق في أسلوب روائي في سرد الأحداث , تعتمد على الجرأة والصراحة في تسليط الضوء الكاشف , بالزلزال السياسي الذي هز كيان العراق هزاً , في انعطافات خطيرة أن يتخذ الجانب السياسي أسلوب العنف الدموي , أن هذا العمل الروائي , يشكل وثيقة تؤرخ تلك المرحلة في جوانبها الخفية والظاهرة , يمتلك الحس الروائي خبرة عميقة في الاطلاع على تلك المرحلة المشؤومة وتجسيدها في الفن الروائي , واسلوبية الطرح بشكل غير مسبوق في المنظور الروائي الحديث , رواية سياسية بامتياز , تبحث في الشؤون السياسة من زاوية السرد في قلب الحدث وباللغة التي تشكل اساس وعقلية الشخوص بطعمها باللهجة العراقية , كما ابدعت رواية ( النخلة والجيران ) للراحل الروائي الكبير غائب طعمة فرمان , وتميزت في مواصفات تكوينية مدهشة البناء الروائي , أن توظيف اللهجة العراقية , لكي تنسجم مع احساس شخوصها في سلوكهم وتصرفاتهم , وفي عقلياتهم السياسية والحزبية , في الحدث السردي الذي جعله يحلق عالياً بجناحي : السرد والدراما والحوار . بما يمتلك من دلالات فكرية عميقة في المغزى والمعنى , وهو يرسم صورة المشهد السياسي من كل جوانبه بالضوء الكاشف عن فترة سياسية تاريخية حرجة وصعبة , التي فتحت باب العنف الدموي بعد مقتل الملك الشاب ( فيصل) ان هذه الفعلة الخسيسة في بشاعتها بالقتل الهمجي , والتي انتهت بمجزرة للعائلة المالكة , انها جريمة لاتغتفر , وهي ايضاً فتحت باب الصراع السياسي الدموي بين الأطراف السياسية المتخاصمة . بهدف إجهاض الثورة والعهد الجمهوري الوليد , وتميزت الخارطة السياسية آنذاك , بالفوضى والانفلات والتهديد بالانتقام من كل الأطراف السياسية , مما دلفت الحياة إلى العنف , وبرزت طفيليات من المستنقع العفن , أو من قاع المجتمع , أو من الحثالات الساقطة في الأخلاق والسلوك والتصرف , تتميز بالسفالة والرذيلة , أصبحت تتحكم في مصير الناس , وتنتهك الشرف والأعراض , لأنها تربت في بيئة منحطة بكل أشكال الرذيلة السافلة بلا اخلاق وشرف , ودفعت الحياة السياسية الى الابتذال والانحطاط . وقد برع السرد الروائي في الوصف الدقيق لتلك المرحلة الكالحة , من مليشيات الموت ( الحرس القومي ) الذين تمادوا في غطرستهم وعقيلتهم المتوحشة , التي لا تعرف سوى القتل والشبق الجنسي الشاذ والمبتذل ,ليصلوا بغدرهم بقتل قائد الثورة ( عبد الكريم قاسم ) الذي انتهج معهم سياسة التسامح على نهجهم الإجرامي , أسلوب التراخي في نهج عفا الله عما سلف , رغم انه يملك الاداة الفعالة لردع وكسر ظهرهم , بما يمتلك من زخم جماهيري واسع , وخاصة من شرائح الفقراء , رغم انه يملك حب الناس الطاغي , لم يستخدم العنف مقابل العنف , لم يعالج سلبيات التناحر السياسي بالردع الصارم , وخاصة من القوى المضادة للثورة التي تتوعد بالانتقام وتهديد الثورة الفتية , وراحت تدير المكائد والدسائس وتخلق الاضطراب والفوضى بهدف إسقاط الثورة , والتي انتهت بقتل زعيمها بشكل بعيداً عن الاخلاق . لكي تتخلص منه سريعاً لانه محبوب الناس . وصندوق العجوز ( الجدة ) يكشف الخفايا والكثير من الاحداث الدراماتيكية بعد مقتل الزعيم , لقد وصفت حزنها وحرقة لوعتها الحارقة بالقتل الغادر والخسيس لمحبوب الشعب ( ألم أقل لك حاذر , تركتنا نصارع اليتم . طيبتك رمت بك وبنا الى التهلكة , ما عسانا نفعل ووحوش الموت بدأت تملأ الطرقات . . ألم أقل لك أن الحذر غلب القدر , لكنك اندهرت بكرم عفوك …. أما رأيت فوهات البنادق وهي تتوعدك ….. ما كان عليك أن تصمت , لا لأجلك بل لاجلنا , ما فادت أغانينا في حمايتك , عبدالكريم رب العباد يرعاك ) ص12 . والحدث السردي افرز قطبي الصراع . قطب الحب للزعيم وهو يمثل عنوان الوطنية والانسانية , والقطب الآخر هو عنوان الكراهية والرذيلة والسفالة والعهر , أن تقوم فرق الموت ( الحرس القومي ) في ارتكاب جرائم ضد الانسانية , والسرد الروائي يكشف الكثير من الخفايا , التي لا يمكن تغطيتها بالغربال , تناولها بالتصوير الدقيق لحالة العنف والدماء في دوامة لعلعة الرصاص , والتهديد بحبائل المشانق في خارطة الصراع السياسي , الذي اتسم بالفوضى والانفلات في المشهد السياسي المتخبط , ولكن السؤال الذي يستفز العقل : كيف قبلنا أن نكون حطباً واحلامنا الخضراء تجف او تتيبس ؟ بهذا الشكل في المشاهد تمثل اسوأ الجنون في الشأن السياسي المتهور ( دوامة رصاص , مشانق … هههههههههه هههه ماكو مؤامرة تصير والاحبال موجودة .. هههههه هوب هوب عفلق كدامك الطسه جمال نايم بالخره وما نسمع حسه … وحده ما يغلبها غلاب عربانه ومليانه جلاب …. ههههههههه نزيهه بالت عل جسر واتمزلك المهداوي ) ص160 . وبعد مقتل الزعيم في انقلاب دموي , أطلق العنان للوحوش الضارية من الذئاب المتوحشة , التي جاءت من قاع حثالات المجتمع , حثالات منخورة في الشرف والعرض والأخلاق, حثالات ساقطة في أعماق الرذيلة والعهر . ابطالها ( الكركدن , وسلمان بن مديحة الحفافة , وغيرهم على شاكلتهم المنحطة ) أن يحملون رشاشات بورسعيد , ويجيبون الطرق والشوارع , يجلبون الموت بحجة القضاء على الشيوعية والشيوعيين ( – لا نريد الشيوعية في محلتنا , هي كفر والحاد , قدموا البراءة من الدم الأحمر , نريدها قومية ناصرية . اسمعتم .. عبدالناصر حبيب الجماهير وحلم عروبتنا المحتاجة إلى الوحدة ) ص32 . لذلك اصبح الموت رخيصاً والحياة تافهة بالصراع الدموي , دفع العراق الى هاوية الخراب وحمامات الدم , لكي يصاب الواقع بالخيبة والخذلان والانهزام . من عناصر شاذة ومنحطة تطوعت في ميليشيات ( الحرس القومي ) لكي تغطي على عهرها وشذوذها وسمعتها السيئة في المجتمع ( – أرقص سطل …. ارقص !!
– ابن العاهرة .. أنت ليس اكثر من عاهر … تقبض ثمن ما تقوم به !!
– تعال .. اقترب .. ممانعتك تغريني .. أحب النظر إليك واشتهيك وانت ترقص !!
– سطل …. لولاك لكانت دنيانا هواء في شبك ….. لا اتصور الليل من دونك ….. ارق … صص ) 62 . وكانوا يتصيدون بنات الناس لغايات جنسية متوحشة ويبتزون الناس بحجة بأن ابنائهم شيوعيون ( – أبنك الشيوعي الكافر الذي يمجد الهالك الارعن ويحلم بدولة اشتراكية !! .
رد الاب بصوت تعالى رويداً كأنه يعلن عن بضاعة للبيع .
– من تقصد أبنك الشيوعي , عبدالكريم تربية يدي وانت تعرف من اكون والى من انتمي !!
– انا لا اعرف شيئاً وابنك مطلوب في المقر ) ص41 . هذه النوعيات الساقطة والمنحطة تصبح ابطال الإجرام السياسي . مما خلقوا ضجة واحتجاج واسع في صفوف الناس , في ممارساتهم اللاأخلاقية ( – لعنة الله عليكم وعلى حرسكم القومي , وعلى عبدالناصر ووحدته … كيف نعيش وسط افعالكم المشينة ؟!! ) ص47 . ويستهزئون بالناس بسخرية فجة بتهديد مبطن ( – ولائكم لقاسم نعرفه … لا يمكنكم نسيانه زعيمكم الذي تنوح عليه نسائكم ليل نهار) ص39 . لقد مزقوا جسد العراق طعناً ودماء , وتحويله الى غرفة تعذيب وتحقيق شبيهة بغرفة صالة العمليات ( لا أحد يقدر على تشخيص الشبه الرهيب بين صالة العمليات , وغرف التحقيق , المليئة بالآلات الغريبة ,وغير الواضحة الملامح ؟ ) ص88 . و بغسل ادمغة الشباب بجرهم الى الشعارات المزيفة والى صفوفهم بأسم العروبة وناصر , من أجل إشراكهم في العنف والإجرام ضد الناس ( – أنت منا …. شاباً نشيطاً نطالبه أن يكون يقظاً حذراً من اقرب الناس اليه … رفيق كريم الامة العربية وقيادة عبدالناصر في خطر .. الاستعمار والصهيونية والخونة الاوغاد الذين يريدون هيمنة موسكو علينا , والرجعية .. الرجعية كريم هي البلوى ) ص137 .نصبوا المشانق وحولوا لعراق الى مسلخ للذبح من هذه الحثالات , كأن العروبة لا تأتي إلا بالدماء والشهوات الجنسية المبتذلة , وابطالها ابناء البغايا , ان يصبحوا مناضلين من اجل العروبة , لكنهم اصبحوا مسخرة الناس , بأنهم يمثلون الوجه السيء والمظلم في شعاراتهم الزائفة , وفي صراخهم وضجيجهم وهذيانه الغث بالغثيان ( … دعك من هذا السافل الذي لا يجيد سوى الدناءات …. ابن بائعة الهوى في الصابونجية يريد تحقيق الوحدة العربية … تصور لملوم السفلة يسعى من أجل تحقيق حلم ناصر برشاشات بور سعيد , لا تعرف سوى الغدر ) ص155 .
المتن الروائي قال ويقول الكثير في الايغال في أعماق تلك الفترة الكالحة أو مثل ما يقال ازاح الغطاء عن (القدر ) , وبأسلوب روائي مدهش في الصياغة والرؤية الفكرية الرصينة , في نبش الخفايا والحقائق في تاريخ العراق السياسي لتكون شاهد عيان , في كشف اجرام فرسان انقلاب شباط الاسود .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=26783