الجمعة, نوفمبر 22, 2024

الكاتبة ديالا علي: إلى جينا آميني المرأة التي أحدثت فرقاً شاسعاّ في القضايا النسوية

حياتنا، نحن النساء، مليئةٌ بأحداثٍ ومواقفَ مؤلمةٍ أثّرت فينا سلباً منذ الصغر إلى الآن، جحيم نعيشه اليوم ونتعايش معه طواعيةً،  لإرضاء العقول التي فرضت علينا قيوداً وأعرافاً لم تناسبنا يوماً، لكننا بحكم الخوف قبلناها على أنفسنا ومارسناها فيما بعد على أولادنا، لتصبح بعد ذلك عادات تفتخر بها المجتمعات، لشدة تواطئها وسحقها. ليس غريباً على العالم المتحضر أنْ يفرضَ الحجابَ على امرأة ما، لتخفيَ به شعرها خوفاً من العار، أن تطلب منهن الاحتشام لإخفاء انحناءات أجسادهن تحت سقف الأدب والاحترام، أن يكبتن حاجاته درءاً للفضيحة، أن يقيدوا أحلامنا وأفكارنا خوفاً من البصيرة والتنوير ليس غريباً قط، فحادثة “جينا آميني” التي أدمت قلوبنا جميعاً، أحدثت شرارةً واسعةً من الغضب والرفض لدى النساء، جعلتنا ولو لدقيقة واحدة نفكّر بحالتنا التي يرثى لها، نساء عبيدات للذهنية الذكورية بإرادتنا وقناعاتنا المكتسبة من تلك التربية السلطوية التي لازالت تهدف إلى تدميرنا. فمع مرور سنة على استشهاد شعلة المرأة العنيدة “جينا آميني” التي رفضت التخلي عن طبيعتها كأنثى وتباهت بشعرها الطويل الأنثوي ضد أخطر نظام وأكثر الحكومات قمعاً عرفها التاريخ “النظام الإيراني”  اكتشفنا ملياً بأننا مرة أخرى نحن الضحايا ولا ندري، سجينات ولا ندري، كما أننا، مازلنا نستنشق هواء النفاق والتبعية الذكورية، وأننا ضلع قاصر يشفق عليه كل من رآنا وتعامل معنا. لنكن واقعيين قليلاً ونمعّن في أنفسنا لبرهة من الزمن هل حقاً أننا هكذا رخيصات في أعين المجتمع والحكومات حتى نقتل دون رحمة أو شفقة؟ أم نستحق ما يحدث لنا من تدمير كلي على جميع الأصعدة لهول طبيعتنا العاطفية؟؟! ما الذنب الذي ارتكبته تلك الفتاة العشرينية المقبلة على الحياة في أوج بزوغها حتى تقتل بكل دم بارد؟؟!

ضربوها، عذبوها ومن ثم اقتادوها إلى أقرب مركز أمني. في تلك اللحظة كانت الإنسانية عمياء، حقوق الإنسان تقف جانباً، تنظر بلا مبالاة فظيعة، لنقول إن الضمائر كانت حية ذات يوم.

كل هذا يحدث لنا ونحن صامتات، خائفات ومرعوبات من أنفسنا اولاً، نخاف التحدث عن الحقيقة أمامها، نخفيها قدر المستطاع ونتستر على مجرمي وقاتلي الإنسانية فينا بابتسامة وملامح تبدو عليها الرضى والاقتناع. مع كل جريمة ترتكب في حق أية امرأة كانت على هذه الأرض، يجب أن نعيد حساباتنا ونذكر أنفسنا بأننا لا زلنا مستعبدات، لا زلنا ناقصات في الأذهان والأديان والقوانين، لا زلنا نقتل على أشياء كانت ولا زالت من حقنا ولا ندري.

إن قلة الوعي التراكمي حول طبيعتنا كإناث، والتي تم حجبها عنا  لعقود طويلة، جعلتنا نتنازل، نصمت ونتغاضى عن الظلم الذي نتعرض له من العالم أجمع. جينا آميني ماذا فعلت لتكون نهايتها هكذا، أم أننا من هول ما يحدث لنا أصبحنا صامتات، عاجزات وناكرات كل هذا الاستبداد على أنفسنا؟

الحركات النسوية، الجمعيات، وحتى القوانين لم تستطع أن تحقق لنا كرامتنا، ولم تستطع تغيير العقول. هذا كله لا يجدي نفعاً إلى حد ما من منظوري الشخصي يتوجب علينا أن نواجه كل هذا القمع، أن ننظر إليه جيداً، ولا نستسلم له ونضعف أمامه مادام هناك قضية نؤمن بها ونناضل في سبيلها. إن تكاتف النساء واتحادهن في الألم قبل الدم والقضية يقصّر عليهن رحلات طويلة من المشقة والمذلة. بالثورة وحدها نستطيع إثبات أنفسنا، ثورة العقول قبل كل شيء، لا نستطيع تغيير الواقع والأشخاص الذين نعيش معهم إلا بإحداث انتفاضات نابعة من القهر الذي عشعش في عقولنا لعقود طويلة، نقول للعالم أجمع كفى استعباداً، كفى ظلماً و كفى تحكماً بمصيرنا نحن قادرات، لا يحق لكم قيادتنا وفق أهوائكم، نحن بشر كفى انتقاصاً من قوتنا. تتجسد شخصية جينا آميني في روح كل واحدة فينا، كل امرأة تقتل هي واحدة منا، نسير على دروبهن ونسطر أسماءهن في وجداننا خالدات فيها إلى الأبد.

​المصدر: اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان

شارك هذه المقالة على المنصات التالية