د. محمود عباس
ثالثًا: المحلمية والسريان والهوية الكوردية المنسية
القول إن المحلمية والسريان يتقاطعون لأنهم كانوا مسيحيين فيما مضى، أو لأنهم عاشوا بجوار بعضهم، لا يعني أنهم عرب أو من أصول قبلية واحدة، بل العكس، إن هذا التداخل الديني والثقافي هو أحد خصائص كوردستان التاريخية، حيث عاشت شعوب مختلفة على أرض واحدة، دون أن تذوب هوياتهم، المحلمية كما السريان، ارتبطوا بالفضاء الجغرافي الكوردستاني، لغة، ومكانًا، ونمط عيش، وظلوا جزءًا من النسيج الكوردي رغم اختلاف الأديان والانتماءات المذهبية.
اللغة السريانية التي تُستخدم هنا كدليل على “القربى” تُكذّب هذا الادعاء، فهي لغة كنسية آرامية لا علاقة لها بالقبائل العربية، بل كانت مستمرة في كوردستان بفعل المقاومة الثقافية التي واجهت بها الشعوب المسيحية الاضطهادين العثماني والعربي، وإن كان البعض من المحلميون يتحدثون العربية اليوم، فهذا بفعل “سلطة القرآن”، أي سلطة الدولة الإسلامية التي فرضت التعريب لا كخيار، بل كشرط للوجود.
رابعًا: وحدة “آزخ – زبيد – المحلمية” ليست إلا تحالفًا عشائريًا سياسيًا
ما يُقدّم في النص على أنه “تحالف تاريخي” أو “وحدة أبناء عمومة” بين السريان وزبيد والمحلمية، ليس سوى تحالف عشائري شكلي، أقيم في ظل غياب التمثيل السياسي الحقيقي للسريان، وفي مناخ تُهيمن عليه سرديات العروبة، ويسعى إلى تصوير السريان كمجرد فروع لقبائل عربية، وهي ذروة التجنّي على هوية قومية كاملة، وهي إما القومية الأرامية على أراضي سوريا القديمة، أو القومية الكوردية بالكورد على أرض كوردستان الذين اعتنقوا عدة أديان على مر التاريخ.
والمفارقة، أن هذا التحالف الذي يدّعي مقاومة الطائفية، إنما يُعيد إنتاجها، لأن جوهره يقوم على إلغاء الفروق القومية، وتمرير خطاب “العائلة الكبرى” الذي يستخدمه كل مشروع توسعي عند الحاجة.
خامسًا: هل السريان في كوردستان كورد أم عرب؟
هذه الجدلية تُستغل باستمرار لتفكيك الهوية الكوردستانية، فهناك من يسعى، إما بحسن نية أو لأهداف أيديولوجية، إلى تصوير السريان كعرب مسيحيين، بينما تاريخهم، ولغتهم، وأدبهم، وكنائسهم، وموقعهم الجغرافي، يؤكد أنهم تبنوا ثقافة ولغة الآراميون، لكنهم أبناء كوردستان، ولا شك أن البعض من التبشيريين الأراميين، انتشروا في كوردستان، وتماهوا مع مكوناتها الاجتماعية والسياسية، وأصبح بعضهم جزءًا من النسيج الكوردي، دون أن يكونوا “عربًا” أو “أبناء عمومة لقبائل عربية”.
فسابقا جزءًا واسع من الكورد اعتنقوا الديانة المسيحية مثلما اعتنقوا قبلها اليهودية، وتبنوا السريانية-الأرامية لغة دينية، دون أن يُنتقص من كورديتهم، ودون أن يكونوا عربًا، فاختزال الهويات عبر اللغة أو الدين هو تضليل فج، لا يستقيم مع التاريخ ولا مع المنطق.
خاتمة: تفكيك الخرافة القومية تحت قناع “التحالف الاجتماعي”
إن ما يُروّج له في هذا النص ليس دعوة للتسامح، بل مشروع ناعم لإعادة صياغة الخريطة القومية للمنطقة، فكل محاولة لربط السريان بقبائل عربية، أو تصوير المحلمية كامتداد عشائري لربيعة، هي خطوة نحو نفي الكوردستانية عن الجزيرة، وتحويلها إلى أرض بلا ماضٍ قومي، تمهيدًا لتعريبها وطمس ملامحها الأصلية.
وهذه المحاولات، مهما تلونت بالشعارات الدينية أو العشائرية أو الثقافية، لن تُغيّر من حقيقة راسخة، أن السريان الذين عاشوا في كوردستان، وتكوّنوا فيها هم أبناءها، وأن المحلمية جزء من هذه الجغرافيا، وأن الجزيرة كوردستانية، وستبقى كذلك، رغم كل محاولات التزوير.
وعليه، فإن احترام السريان-الكور والسريان-الأراميين، لا يكون بادّعاء القرابة أو التشارك الهوياتي معهم، بل بالاعتراف الصريح بوجودهم، سواء كقومية مستقلة أصحاب سوريا العريقة، لها لغتها وتاريخها وحقها في التعبير عن ذاتها دون وصاية من سرديات القبائل أو سلطة الدولة أو إغراءات التآخي، الذي إن أُفرِط فيه تحوّل إلى شكل ناعم من أشكال الإلغاء، أو باعتبارهم من أبناء كوردستان، لهم من الحقوق والكرامة ما للكورد المسلمين، والإيزيديين، واليهود والزرادشتيين. فمحاولات تعريبهم بهذا القدر من السذاجة ومن خلفية تاريخية ضحلة لا تُفضي إلى تآلف، بل تُعمّق شرخ الخلافات، وتهدم ما تبقى من أمل في سوريا كـ “وطن للجميع.
الولايات المتحدة الأمريكية
4/7/2025م
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72584