الكورد في سوريا، من الضحية إلى المتهم. (2)
ماهر حسن
إن فهم الصورة المشوهة للكورد لا يكتمل دون الغوص في الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا التشويه، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسات الإقصائية التي تبنتها الأنظمة الحاكمة في سوريا على مدى عقود، إلى جانب دور الخطاب الإعلامي والثقافي، الذي عمل على تثبيت هذه الصورة ضمن الوعي الجمعي للسوريين.
المرحلة الأولى لهذا التشويه كانت مع انطلاق مشروع “الوطن الواحد”، الذي صاغته السلطة بشكل يتجاهل التعددية القومية والثقافية، مكرساً مركزية أحادية تنظر إلى التنوع كتهديد للوحدة. هذا المشروع، رغم شعاراته البراقة، لم يكن سوى وسيلة لإلغاء الآخر وطمس هويته، وكان الكورد أول من تحملوا عواقبه. القوانين المجحفة، مثل الإحصاء الاستثنائي في عام 1962 الذي حرم عشرات الآلاف من الكورد من الجنسية السورية، ليست سوى مثال صارخ على السياسات التي سعت إلى تقليص حضورهم في الفضاء العام.
لكن تشويه الصورة لم يتوقف عند حدود القوانين والسياسات. بل تجاوزها إلى الخطاب الثقافي والإعلامي الذي مارس عملية ممنهجة لإقصاء الكورد، وتصويرهم كغرباء أو حتى كأعداء داخليين. في السينما، في الأدب، وفي المناهج التعليمية، تم تصوير الكوردي كشخصية هامشية أو كعنصر طارئ لا ينتمي إلى نسيج المجتمع. هذا النوع من الخطاب لم يكن عشوائياً، بل كان جزءاً من استراتيجية مدروسة تهدف إلى تعزيز صورة نمطية عن الكورد كتهديد لوحدة سوريا واستقرارها.
ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم فقط على الأنظمة الحاكمة. هناك مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق القوى المعارضة والمجتمع المدني، التي لم تقدم بديلاً مقنعاً يعترف بالتنوع كقوة إيجابية. بدلاً من ذلك، تبنت بعض هذه القوى ذات النظرة الإقصائية، حيث تعاملت مع الكورد كمكون ثانوي، يمكن التنازل عن حقوقه في سبيل تحقيق أهداف سياسية أكبر. هذا النهج ساهم في ترسيخ حالة العزلة التي يعيشها الكورد، وحرمهم من فرصة تقديم أنفسهم كشركاء حقيقيين في صياغة مستقبل سوريا.
في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري الحديث عن الدور الذي لعبه الكورد أنفسهم في مواجهة هذا التشويه. لقد أظهر الكورد قدرة هائلة على الصمود في وجه محاولات التهميش والإلغاء، ونجحوا في الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية رغم كل الضغوط. لكن هذا الصمود كان مكلفاً، حيث اضطر الكورد في كثير من الأحيان إلى العيش في حالة من النضال المزدوج: نضال من أجل حقوقهم القومية، ونضال من أجل إثبات أنهم ليسوا أعداء للوطن، بل جزء أساسي منه.
إن الحديث عن الكورد كضحايا فقط دون الاعتراف بدورهم في صياغة المستقبل، هو اختزال غير منصف. الكورد، رغم كل ما تعرضوا له، لم يتخلوا عن دورهم الوطني، بل كانوا في مقدمة الصفوف في مواجهة الاستبداد، وقدموا تضحيات كبيرة من أجل الحرية والكرامة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه التضحيات إلى مكاسب سياسية واجتماعية تعيد صياغة العلاقة بين الكورد وبقية مكونات المجتمع السوري، على أسس من الشراكة والاعتراف المتبادل.
لا يمكن فصل الحديث عن الكورد عن السياق الأوسع للأزمة السورية. إن استمرار الصورة المشوهة للكورد لا يخدم إلا أولئك الذين يستفيدون من الانقسامات لإطالة أمد الصراع. لذلك، فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع—منظمات المجتمع المدني، القوى السياسية، والمثقفين—للعمل على تفكيك هذه الصورة، والاعتراف بأن الكورد جزء أصيل من النسيج السوري، وبأن حقوقهم ليست فضلاً أو منة، بل هي جزء من العدالة التي لا يمكن بناء سوريا الجديدة بدونها.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61452