المتباكون الزائفون في سوريا: وجوه النفاق. الجزء الثالث
ماهر حسن
التجريد من الجنسية
في الوقت الذي حاول فيه البعض الحديث عن معاناتهم ومقارنتها بمعاناة الآخرين، كانت الحقيقة أن الكورد في سوريا عانوا من ظلمٍ فريد من نوعه، يتجاوز في قسوته كل ما يمكن تصوره. إن مقاربة معاناتهم بمعاناة الآخرين، من الذين لم يتعرضوا لما تعرض له الكورد، لا يعدو أن يكون إلا تجنبًا للحقيقة وتشويهًا للواقع التاريخي الذي يرفض هؤلاء أن يواجهوه.
على رأس السياسات التي تعرض لها الكورد كانت سياسة التجريد من الجنسية. فمنذ العام 1962، تم تجريد الآلاف من الكورد من الجنسية السورية في واحدة من أبشع السياسات العنصرية التي مارسها النظام السوري. جاء هذا ضمن إحصاء الحسكة 1962 الذي قسم الكورد إلى ثلاث فئات رئيسية: الفئة الأولى هي الكورد الذين تم منحهم الجنسية السورية، الفئة الثانية هي الكورد الذين تم تجريدهم من الجنسية وتسجيلهم كأجانب رغم أنهم كانوا يعيشون في سوريا لعدة أجيال، بينما الفئة الثالثة هم “مكتومو القيد”، الذين لم يتم تسجيلهم رسميًا في السجلات المدنية، وبالتالي فقدوا أي شكل من أشكال الاعتراف القانوني.
إحصاء الحسكة، الذي أُجري في 5 أكتوبر 1962، حدد يومًا واحدًا فقط لتسجيل الكورد في سجلات الأحوال المدنية، وكان يتعين على الكورد إثبات أنهم يعيشون في سوريا منذ عام 1945. هذا الإجراء، الذي بدا إداريًا، كان في جوهره عملية طمس لهوية الشعب الكوردي وإبعادهم عن حقوقهم المدنية. هؤلاء الذين تم تجريدهم من الجنسية لم يعانوا فقط من فقدان الحقوق السياسية والاجتماعية، بل كانوا في وضعية إنسانية صعبة جدًا، إذ أصبحوا يعيشون في بلادهم دون أن يكون لهم أي حق قانوني أو اجتماعي. هذا الواقع كان يعني أنهم مُحرمون من الحق في التعليم، من الحصول على عمل في القطاع العام، ومن جميع الحقوق التي يحظى بها المواطن السوري العادي.
ورغم أن بعض الأشخاص اليوم يحاولون تقديم أنفسهم كضحايا متساويين مع الكورد، فإن الحقيقة أن معاناتهم لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها بتلك التي عاشها الكورد في سوريا. كيف يمكن لأولئك الذين لم يُحرموا من الجنسية أن يقارنوا أنفسهم بالكورد الذين حُرموا من أبسط الحقوق الإنسانية؟ هؤلاء الذين تم تجريدهم من جنسياتهم كانوا يعيشون في حالة من عدم اليقين القانوني. في الوقت الذي كانت تُمنح فيه الحقوق الأساسية لمواطنين آخرين، كان الكورد محرومين منها تمامًا.
علاوة على ذلك، لم يكن الكورد مجرد ضحايا عابرين لظرف ما، بل كان هذا الاستهداف جزءًا من سياسة ممنهجة استمرت لعقود، بدأت منذ إحصاء الحسكة 1962 وما تبعه من سياسات طرد وتهميش. هؤلاء الذين يبكون اليوم على “ظلمهم”، يجب أن يتوقفوا عن مقارنة معاناتهم بمعاناة الكورد، لأنهم لم يعانوا من نفس الظروف القاسية. كيف يمكن لمن يتمتع بحقوق المواطنة كاملةً، ويعيش في سوريا دون قيد، أن يقارن نفسه بمن كان يُعتبر “أجنبيًا” في وطنه، يُحرم من أبسط حقوقه، ويعيش في خوفٍ دائم؟
الأحداث لا تُمحى. لا يمكن لأي شخص أن يتجاهل الحقائق المتعلقة بمعاناة الكورد في سوريا. فالتجريد من الجنسية لم يكن مجرد قرار إداري، بل كان خطوة استراتيجية تهدف إلى إقصاء الكورد من الوجود السياسي والاجتماعي في سوريا. في حين أن البعض قد يحاول التقليل من أهمية هذه السياسات أو تشويهها، فإن الكورد سيبقون يتذكرون هذا الظلم ولن يسمحوا لأحد بأن يلتف حول حقيقة معاناتهم.
الذين يظنون أن معاناتهم يمكن أن تُقارن بمعاناة الكورد هم ببساطة لا يعرفون حجم المأساة التي عاشها الكورد في سوريا. فالكورد كانوا ضحايا سياسة عنصرية ممنهجة استهدفتهم في هويتهم ووجودهم، وما يزالون يعانون من تبعات هذه السياسات حتى اليوم. لا يمكن لأولئك الذين لم يُحرموا من جنسيتهم أن يتحدثوا عن المظلومية بنفس الطريقة التي يتحدث بها الكورد الذين عاشوا تحت وطأة التجريد من الجنسية لفترات طويلة.
إن هذا التباكي الذي يسعى البعض إلى نشره اليوم لا يعدو أن يكون محاولة لتخفيف مسؤوليتهم عن تشويه الحقائق. الكورد في سوريا لم يكن ظلمهم ظرفيًا أو عارضًا، بل كان جزءًا من سياسة قمعية متواصلة، ولن يستطيع أي أحد أن يطمس هذه الحقيقة.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=60185