المرصد السوري: مناطق “نبع السلام” في أيار.. انتهاكات مستمرة يعاني منها أهالي رأس العين (سري كانييه)

المرصد السوري: مناطق “نبع السلام” في أيار.. انتهاكات مستمرة يعاني منها أهالي رأس العين (سري كانييه)

تتصاعد معدلات الانتهاكات الحقوقية في مناطق نفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها في ريفي الحسكة والرقة، المعروفة بمناطق “نبع السلام”، والتي سيطرت عليها في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019.

تصاعد الانتهاكات يأتي مقابل تحقيق المآرب والأطماع السياسية والاقتصادية على حساب استغلال هذه الأراضي وثرواتها ومواردها وأهلها أسوء استغلال، وقد رصد ووثق نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان جميع الأحداث التي شهدتها تلك المناطق خلال الشهر الخامس من العام 2023.

حيث بلغت حصيلة الخسائر البشرية خلال الشهر الفائت قتيلين اثنين وفقاً لتوثيقات المرصد السوري، توزعوا على النحو التالي:

– طفلة برصاصة عشوائي خرجت من سلاح والدها أحد عناصر الجيش الوطني بقرية تل أرقم غرب مدينة رأس العين.

– قيادي في لواء صقور الشمال برصاص مسلحين في قرية تل حلف بريف رأس العين.

ولم تشهد مناطق “نبع السلام” خلال شهر أيار، أي تفجير لكنها شهدت اقتتال وحيد خلف جرحى، ففي مطلع أيار أصيب مواطن جراء اندلاع اقتتال عشائري بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين عشيرة القرعان من جهة، وعشيرة البو رحمة من جهة أخرى، وهما من قبيلة العكيدات، في ريف مدينة رأس العين بريف الحسكة، إثر خلافات مجهولة، تم نقل المصاب إلى إحدى المشافي لتلقي العلاج، يشار إلى أن المقاتلين من أحرار الشرقية، والمصاب من أبناء بلدة الجرذي بريف دير الزور الشرقي.

وفي ملف الانتهاكات المستمرة من قبل الفصائل الموالية لتركيا، رصد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال شهر أيار، 6 حالات اعتقال، ففي الرابع من أيار اعتقلت الشرطة المدنية في مناطق “نبع السلام”، بأمر من والي أورفا التركية، نائب رئيس مجلس مدينة رأس العين مع 5 أشخاص آخرين يعملون في الفرن الآلي للمدينة، بتهمة الفساد واختلاس المال العام والعمالة لصالح “قسد” والعمل على إفساد المجلس، واقتادتهم إلى المراكز الأمنية.

فيما تشهد مدينة رأس العين (سري كانييه) وريفها عملية عرض واسعة لبيع المنازل والأراضي والمحلات التجارية من قبل المسلحين والقيادات الذين استولوا على تلك الممتلكات بعد نزوح سكانها منها بفعل العملية العسكرية التركية، دون ان يكون هناك من يشتري المعروض رغم ان السعر الذي يطلب في المعروض هو نصف أو اقل من سعره الحقيقي.

وفي هذا السياق تقول السيدة (ش.ع)، في شهادتها للمرصد السوري لحقوق الإنسان، رأيت صورة لمنزلنا الذي ولدنا وعشنا فيه في مدينة “سري كانيه” وهو يعرض للبيع على إحدى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي ودخلت باسم مستعار وطلبت معرفة سعر منزلنا لم اتفاجئ ابدا بالسعر المعروض الذي هو نصف سعره الحقيقي حيث أن الذين عرضوا المنزل يطلبون فيه 4 آلاف دولار في حين أن سعره قبل تهجيرنا من المدينة كان يساوي 35 ألف دولار أمريكي.

مضيفة، إنهم استولوا على منازلنا ويعرضونها للبيع بأسعار بخسة جدا لكونهم قاموا باحتلاله، لكن عمليات البيع هذه لا شرعية لها ولا تعني لنا شيء فكل من سيطر ويقوم بالبيع هم محتلون وسوف يخرجون منها مهما طال الزمن.

كما يعرض الكثير ممن بقي في منزله وعلى أرضه للبيع بأسعار بخسة كثيراً وذلك بغية من منطقة “نبع السلام” سواء إلى تركيا ومنها الى أوربا أو نحو الداخل السوري وذلك هرباً من بطش الفصائل والفوضى وسوء الخدمات، وكذلك الأمر بالنسبة لهذه الممتلكات لا يوجد من يشتريها لأن الجميع لا يعرف ما هو مصير ومستقبل المنطقة.

كما توصل كل من “لجنة شيوخ العشائر” التابعة لمجلس مدينة رأس العين ضمن مناطق “نبع السلام” في ريف الحسكة، ومسؤولين في ولاية أورفا التركية، لاتفاق يقضي بالاستمرار في عمليات الحفر وإقامة “المنطقة المحظورة” على طول الحدود السورية-التركية في مناطق “نبع السلام” بشروط جديدة، وسط تخوف الأهالي من عدم التزام الجانب التركي.

واتفق الطرفان على تقليص عمق “المنطقة المحظورة” من 300 متر إلى 20 متر بموازاة الجدار الحدودي التركي، على أن يتم تعويض المزارعين بشكل سنوي عن المساحات المقتطعة من أراضيهم الزراعية والتي ستستخدمها تركيا في عمليات حفر الخنادق.

وبالانتقال إلى الأوضاع الإنسانية والمعيشية، فيعاني سكان رأس العين وريفها من صعوبات جمة، ولا سيما إغلاق المعابر بوجه المدنيين، الذين هم بحاجة إلى العلاج خارج المنطقة، سواء باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام أو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أو باتجاه الداخل التركي، حيث هناك حالات عديدة بين المدنيين، يعانون من الأمراض المزمنة، في حين أن منطقة “نبع السلام” تفتقد إلى كوادر طبية وأدوية للمساهمة في تغطية الحالات المزمنة، ويتزامن ذلك مع منع خروج المرضى من المنطقة.

بالإضافة لذلك، يعاني أهالي وسكان المنطقة، من نقص حاد بالخدمات الأساسية وإهمال للتعليم بشكل كبير بالإضافة إلى احتكار الشركة التركية التي تزود المدينة بالكهرباء بأسعار الكهرباء التي تغذي المدينة، حيث أن المدارس في المدينة تعاني من نقص في الكادر التعليمي ولا يوجد اي جامعات في المدينة وينتهي التعليم في المدينة عند المرحلة الثانوية، ويضاف إلى ذلك استيلاء الفصائل الموالية لتركيا على عدد كبير من المدارس في المدينة وريفها وتحويلها لقواعد عسكرية.

كما تعاني المدينة من نقص في الكوادر الطبية والأدوية، ويعاني الكثير من مرضى اللذين يعانون من الأمراض المزمنة من نقص كبير في الأدوية والكادر الطبي، ويواجهون خطر الموت البطيء ولا سيما أن الفصائل والجانب التركي يمنعون المرضى من التوجه الى تركيا او الداخل السوري لتلقي العلاج.

إلى جانب ذلك، تعاني المدينة نقص في الخدمات المدنية مثل الكهرباء والماء وترميم الشوارع وتنظيفها من قبل البلدية التابعة للمجلس المحلي لرأس العين، فيما تتحكم الشركة التركية التي تزود بعض الأحياء في المدينة بالكهرباء، وترفع بشكل مستمر سعر الكيلو الواط الساعي ليصل مؤخراً إلى 3.20 ليرة تركية للكيلو واط المنزلي و 4.20 للتجاري، وسط استياء كبير للأهالي لما تعيشه المدينة.

كذلك، يتخوف المزارعون في رأس العين وتل أبيض من تحكم التجار في محصولي القمح والشعير وذلك بعد تهربت المجالس المحلية التابعة لتركيا من مسؤوليتها في استلام محاصيل المزارعين وتركهم يواجهون مصيرهم مع جشع التجار المرتبطين بقيادة الفصائل وتجار اتراك، بالإضافة إلى المعاناة التي يواجهها المزارعون الذين تقع أراضيهم بالقرب من الساتر الترابي الذي يفصل مناطق الإدارة الذاتية عن منطقة “نبع السلام” والذي يمتد من تل أبيض شمالي الرقة وصولا إلى أبو راسين شمال شرقي الحسكة.

ويعاني المزارعون هذا العام من مشكلة عدم استلام المحاصيل الزراعية للموسم الحالي وتركهم يواجهون مصيرهم مع جشع التجار الذين يشترون المحصول بابخس الأثمان لصالح التجار الأتراك وقادة الفصائل وهذا ما سيكبدهم خسائر في الموسم الزراعي الحالي.

وفي سياق منفصل، أفاد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان في الثلث الأخير من أيار، بوجود حالة استياء كبيرة بين عناصر فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا بسبب تأخر رواتب البعض منهم لأكثر من شهر والبعض الآخر منذ نحو 20 يوماً، في ظل الاوضاع المعيشية القاسية التي يعيشونها في منطقة “رأس العين” شمال غربي الحسكة ضمن منطقة “نبع السلام”.

ووفقاً لمصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، فأن بعض الفصائل تحصل على رواتب عناصرها كل شكل دفعة كل شهرين، والبعض لشهرين ونصف وهناك من يحصل على راتبه بشكل شهري وهم فئة قليلة، وتتراوح الرواتب بحسب الفصيل والمهام الموكلة إليهم من قبل الجانب التركي مابين 500 ليرة تركية إلى 700 ليرة، ويسلم الراتب حصراً بالليرة التركية ويستلم الراتب قائد المجموعة من الجانب التركي ويقوم بتوزيعها على عناصره بعد قطع مبالغ منها لجيبه.

ويشتكي عناصر فصائل “الجيش الوطني” بشكل مستمر من تدني رواتبهم، فهي لا تكفي سوى لنحو 10 ايام كحد أقصى نظراً لارتفاع الأسعار.

يقول (أ.ع) أحد عناصر الفصائل، في شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان : الراتب قليل جدا ولا يكفي سوى لـ 10 أيام فقط، أحصل عليه كل شهرين بمعدل 900 ليرة تركية من قائد الفصيل الذي انتمي إليه بعد قطع 100 ليرة منه لاسباب عديدية يتذرع بها قائد الفصيل وليس لدينا اي مكان نشتكي إليه وإن رفضنا فسيتم فصلنا أو قطع مبلغ أكبر من ذلك.

مشيراً، بأنهم يعتمدون على استثمار المنازل والمحلات التي تم الاستيلاء عليها من قبل الفصيل وذلك عبر إيجارها او فرض إتاوات على اصحابها.

ويضيف: هناك بعض الفصائل تعتمد على التهريب أو فرض إتاوات على طرق التهريب أو السيطرة على الحواحز لجني الأموال منها من المارة وبذلك فإن اعتمادنا ليس على الرواتب.

وأشار، إلى أن القيادات والمقربين منهم استولوا على اراضي زراعية تعود ملكيتها لأهالي رأس العين الذين نزحوا منها عام 2019 ويتم زراعة تلك الأراضي وتوزيع المحصول على الدائرة الضيقة من القيادة فقط، كما أن هناك موارد كثيرة لجني الاموال لتعويض تأخر ونقص الرواتب.

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بتاريخ 13 آذار الفائت، مشاركة العشرات من عناصر “الجيش الوطني” بوقفة احتجاجية عند دوار الدلة في مدينة مارع بريف حلب الشمالي بعنوان “رغم المآسي والكوارث تأخر الرواتب لمطالبة الجانب التركي بضرورة دفع رواتب العناصر المتأخرة منذ أكثر من شهرين.

ورفع المشاركون لافتات كتب عليها “هل الزلزال مرتبط برواتب الجيش الوطني”، و”الراتب صومالي والمعيشة في سويسرا”.

وإجمالاً ستظل هذه الصورة القاتمة تزداد وتتمدد مع استشراء الفساد والاستبداد اللذين تمارسها الفصائل الموالية لأنقرة دون وازع أو رادع يقف أمامهم للحيلولة دون ارتكابهم لمزيد من الجرائم الإنسانية في حق المواطنين السوريين في مناطق “نبع السلام”، وعليه فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالبته للمجتمع الدولي لحماية المدنيين في تلك المنطقة من الممارسات الممنهجة للفصائل والمتمثلة بعمليات سرقة وقتل ونهب وسلب واعتقال واختطاف.

المرصد السوري لحقوق الإنسان

شارك هذه المقالة على المنصات التالية