المصالح الدولية بين المركزية والديكتاتورية

مسلم شيخ حسن – كوباني

يكشف التاريخ السياسي الحديث أن القوى العظمى غالباً ما تفضل التعامل مع الأنظمة المركزية والديكتاتورية على الأنظمة الديمقراطية والمؤسسية. ورغم الخطاب العالمي الذي يمجّد قيم الحرية والديمقراطية تشير التجربة إلى أن الأنظمة الاستبدادية تقدم لهذه القوى الدولية ما لا تقدمه الأنظمة المنتخبة ،سرعة اتخاذ القرار ووجود قائد واحد يسهل التأثير عليه ومؤسسات ذات طابع رمزي يمكن تجاوزها بسهولة.

فالسلطات المركزية المطلقة تتيح لشخص واحد التحكم بمفاصل الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية دون العودة إلى المؤسسات التي يفترض أن تشرف عليها ودون التقيد بالقوانين التي تُسن غالباً وفق مقاسات النظام نفسه. وهكذا تتحول أجهزة الدولة التنفيذية و التشريعية والقضائية إلى هياكل صورية تشكل بالتعيينات لا بالانتخابات ويصبح الرئيس أو الحاكم صاحب القرار الوحيد في كل أمر، كبيراً كان أم صغيراً بينما تفقد المؤسسات قيمتها الحقيقية وغايتها.

وبما أن هذه البنية تخدم مصالح الدول الكبرى فإن العديد من هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تبني سياساتها الخارجية على دعم الأنظمة التي تقدم لها الولاء والتنازلات مقابل استمرار حكمها وتمديد عمر سلطتها. فالحاكم المستبد غالباً ما يكون أكثر استعداداً لتقديم التنازلات الدولية التي تضمن دعم تلك القوى طالما أن ذلك يمنحه شرعية خارجية ويطيل بقاءه في السلطة.

ومن هذا المنظور يبدو واضحاً أن بعض القوى الدولية لا ترغب فعلاً في إقامة أنظمة ديمقراطية قوية في الشرق الأوسط بل تفضل إبقاء هذه الدول ضعيفة وتابعة وغير ديمقراطية مما يسهل السيطرة على قراراتها ومصادر قوتها. ويظهر هذا التوجه في تصريح المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك بأن الأنظمة الفيدرالية واللامركزية لا تصلح للشرق الأوسط. ولا يمكن اعتبار هذا التصريح مجرد رأي سياسي بل يعكس رؤية استراتيجية أمريكية تفضل الحفاظ على هياكل مركزية أسهل حكماً وأسهل ضغطاً .

إن شكل الحكم في سوريا كما في غيرها من الدول هو حق أصيل للشعب السوري وحده ولا يحق لأي جهة خارجية مهما بلغت قوتها تحديد شكل الحكم أو رسم مستقبله السياسي. فالتدخلات الخارجية من هذا النوع لا تساهم في إيجاد حلول للأزمة السورية المستمرة منذ سنوات بل تعمق المأزق وتطيل أمد الانقسام والعنف وتبقي البلاد تحت تأثير سياسات دولية تتجاهل مصالح شعبها.

إن طريق السلام الحقيقي والاستقرار الدائم في سوريا لا يكمن في إرادة القوى العظمى بل في إرادة الشعب السوري نفسه القادر على اختيار نظام سياسي يضمن العدالة والمشاركة والكرامة. فهو وحده من يملك حق تحديد شكل دولته ومستقبله بعيداً عن الإملاءات الخارجية التي تسعى إلى تشكيل المنطقة وفق مصالحها الخاصة لا مصالح شعوبها.

 

8 / 12 / 2025

Scroll to Top