الوطنية على طريقة ديك الحارة
ماهر حسن
في مشهد جديد من مسرحية “الوطنية المزيفة”، ظهر علينا مؤخراً بعض الشخصيات البائسة التي تشبه الديك الذي يظن أن الشمس لا تشرق إلا بصرخته. هؤلاء قرروا فجأة أن يتحولوا إلى حراس الثورة السورية، إذ لم يكن لهم وجود يُذكر خلال السنوات الماضية، غابوا عن مواجهة النظام أو دعم الثورة في أحلك ظروفها، ثم فجأة، وسبحان من يغيّر الأحوال بين ليلة وضحاها، استيقظوا من سباتهم الطويل ليقرروا أن معركتهم هي مهاجمة وجود الكورد ورموزهم القومية. لم يرَ هؤلاء في الكوارث التي حلّت بسوريا ما يدعوهم للتحرك، لكنهم الآن وجدوا في علم كوردستان إلى جانب علم الثورة ذريعةً لإشعال حرب جانبية لا هدف لها سوى تعميق الانقسامات، وكأن الثورة قامت لتحارب بعضها بدلاً من أن تُسقط الظلم.
هذا السلوك لا يعكس سوى فشل في فهم معنى الثورة الحقيقي الذي يقوم على الحرية لكل السوريين دون استثناء. الثورة لم تكن يومًا ضد مكون أو هوية، بل كانت نداءً لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم. هذه التصرفات تعكس إصرار البعض على إعادة إنتاج مظالم الماضي بدل تصحيحها. سوريا الجديدة يجب أن تكون قائمة على احترام التنوع والتعددية، لا على إقصاء أي طرف، لأن هذه العقلية هي ما أوصل البلاد إلى مآسيها منذ البداية
هؤلاء العباقرة، الذين لا نعرف لهم تاريخاً سوى التهجم على الآخرين، يبدو بعد أن استيقظوا فجأة، قرروا أن العلم الكورد هو أكبر خطر يواجه الثورة السورية. نعم، بعد أن حُلّت كل مشاكل الثورة المزعومة: أُعيد المهجرون إلى ديارهم، وأُخمدت نيران الحرب، وأُعيد بناء هيكلية الدولة من جديد، وجد البعض وقتاً إضافياً لشن حربهم “الخزعبلية” على علم كوردستان. في مشهد يثير السخرية، تحول من مواجهة التحديات الحقيقية، إلى معارك سخيفة تستهدف رموزاً قومية وشعباً عانى من القمع أكثر من بقية السوريين. هذا الانشغال بتأجيج الخلافات على حساب المصالحة الوطنية يهدد مستقبل سوريا التي يفترض أن تتأسس على التعددية واحترام الجميع
لكن دعونا نخبر هؤلاء العباقرة حين قرروا أن يتحولوا إلى خبراء في السياسة بعد فشلهم في كل شيء آخر؟ الكورد رفعوا علمهم منذ عقود في وجه النظام البائد، ورفعوه بجانب علم الثورة، بينما أنتم لم ترفعوا سوى أصواتكم المزعجة التي لا تثمر سوى الفرقة، ولم تقدموا سوى الكلام الفارغ. في الوقت الذي كان فيه الكورد جزءًا من الثورة بكل أبعاده، كنتم أنتم غائبين عن الفعل، وعندما قررتم الظهور، كان اختياركم الوحيد هو مهاجمة من ناضلوا إلى جانب الثورة.
من يهاجم الكورد اليوم لا يعرفون سوى لغة الصراخ والاتهام، وكأنهم يعتقدون أن الوطنية تُقاس بعدد الشتائم التي يمكن أن يطلقوها في الدقيقة الواحدة.
لقد أصبح علم كوردستان بالنسبة لهم مشكلة وجودية، لأنه يذكرهم بأن هناك شعوباً حرة لا تخضع لرغباتهم الصغيرة. إنهم يظنون أن الوطنية هي أن تمنع الآخر من التعبير عن هويته، بينما الحقيقة أن الوطنية الحقيقية هي أن تقبل الجميع كما هم، دون أن تحاول أن تصنع منهم نسخاً مشوهة منك.
عندما ننظر إلى سجل هؤلاء الصارخين، نجد أن بطولاتهم لا تتعدى حدود شاشات هواتفهم. أين كانوا عندما كان الكورد يقدمون الشهداء دفاعاً عن الثورة؟ أين كانوا عندما كانت القرى الكوردية تُقصف في 2004 لأنها رفضت الخضوع للنظام؟ الجواب بسيط: كانوا يجلسون في زوايا مظلمة، يبحثون عن ذريعة ليظهروا أنفسهم أبطالاً ولو على حساب الآخرين.
هؤلاء الحمقى يعتقدون أن رفع العلم الكوردي هو مؤامرة كونية لتقسيم سوريا. إذاً، لماذا لا تطالبون بحظر قوس قزح أيضاً؟ أليست ألوانه كثيرة وقد تسبب لكم أزمة وجودية؟ يبدو أن عقولكم البسيطة لا تحتمل فكرة أن يكون هناك تنوع في هذا العالم، وأن الشعوب الحرة لا تنتظر إذناً منكم لتعيش هويتها.
يا من تصيحون على العلم الكوردي وكأنه العدو الأكبر، اعلموا أن الثورة لم تكن لتقوم أصلاً لولا شجاعة جميع مكونات الشعب السوري، بمن فيهم الكورد. أنتم مجرد ظاهرة صوتية، لا قيمة لها سوى إزعاج الآخرين. الثورة ليست ملكاً لكم، ولن تكون.
في النهاية، الكورد رفعوا علمهم وسيستمرون برفعه، لأنهم لا يحتاجون إذناً من أحد ليعيشوا كرامتهم. الكرامة التي يسعى إليها الكورد ليست منة من أحد، بل حق طبيعي. هذا العلم يمثل شعب وإصرارهم على البقاء، على الرغم من كل التحديات والظروف الصعبة التي مروا بها. أما أنتم، فستعودون إلى زواياكم المظلمة، تصرخون بلا طائل، بينما تستمر مسيرة الشعوب الحرة إلى الأمام.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=59489