بنفسج بيرم وبنفسج مظفر

كوردأونلاين |

د. حسن مدن_
يُنقل عن أحمد شوقي قوله: «لا أخاف على الفصحى غير من عامية بيرم»، ولعلّه عنى، أنه لعمق المفردة الشعرية، وعذوبتها عند بيرم التونسي في قصائده بالعامية، ما يجعل شعراء الفصحى يحسبون له الحساب، وسنجازف بالقول: إنه لو أدرك شوقي زمن الشاعر مظفر النواب، وغاص في كنوز العامية العراقية الثريّة؛ لقال شيئاً مشابهاً عن عامية مظفر.
نقول هذا بمثابة تقديم لكلمات قصيدتين لكل من بيرم ومظفر، الأول كتبها بالعامية المصرية، والثاني كتبها بالعامية العراقية، وكلتاهما أصبحت شهيرة عاشت طويلاً، وستعيش أطول وأطول، فللإبداع الحقيقي، سواء أكان شعراً، أم موسيقا، أم غناء، حياة ممتدة لا تنتهي، كأن الزمن يضفي عليه جمالاً متجدداً، والقصيدتان اللتان نعنيهما هما «ليه يا بنفسج» لبيرم، و«ليل البنفسج» لمظفر، فمفردة البنفسج بكل ما تحمله من دلالات حاضرة بقوة في روح، وبنية القصيدتين.
عن البنفسج نفسه آثرت أن أنقل هذه الفقرة مع شيء من التصرف: «البنفسج من النباتات المعمّرة، تأخذ أوراقه أشكال القلوب، وله روائح عطريّة، وفي الموسم الطويل، الذي يبدأ من نهايات الشتاء، وينتهي مع نهايات الربيع ينتج هذا النبات، ما يعادل مائة وخمساً وعشرين زهرة». وسُمي بالزهر الحزين، لأن زهرته «تميل للتواري بين أوراقها، ولكن يأبى أريجها إلا أن يفوح دالاً على هذا الجمال المختبئ»، لذلك استهلّ بيرم التونسي قصيدته، التي لحّنها رياض السنباطي للمطرب صالح عبد الحي بالقول: «ليه يا بنفسج بتبهج، وأنت زهر حزين؟».
ولمعرفة السنباطي بطريقة صالح عبد الحي في الأداء القريبة من طريقة زكريا أحمد، ومنيرة المهدية، وفتحية أحمد، ومن سبقهم، فإنه، أي السنباطي، الذي كان يصغر عبد الحي بعشر سنوات، راعى ذلك، فحرص على تعشيق المقامات واستعمال الآلات الموسيقية الوترية. أما قصيدة مظفر التي يبدأ مطلعها بعبارة: «يا طعم.. ياليلة من ليل البنفسج»، فقد لحّنها طالب القره غولي، وغناها، بكل جمال، ياس خضر، ويقول الناقد العراقي عادل الهاشمي: «تكمن خصوصية هذه الأغنية في نقلها لأحاسيس بيئة جنوب العراق إلى المناخ البغدادي، الذي كان مختلفاً على مستوى الكلام واللحن»، واصفاً إقدام القره غولي على تلحين القصيدة ب«المغامرة الفنية»، نظراً لصعوبة مفرداتها. وعُدَّت الأغنية من روائع ما يعرف في العراق ب«الغناء السبعيني»، مع أنه منع بثها من السلطات آنذاك، وهناك من يعزو السبب إلى مواقف كاتبها المناهض للسلطة، فيما يعزوه آخرون إلى اقتران الأغنية بمقهى حمل اسم «ليل البنفسج» في مدينة الناصرية، كان هوى رواده معارضاً.

​الثقافة – صحيفة روناهي  

شارك هذه المقالة على المنصات التالية