بيان التحالف السوري الديمقراطي بشأن الإعلان الدستوري

بيان:

التحالف السوري الديمقراطي
المكتب السياسي
14 آذار 2025

بيان التحالف السوري الديمقراطي بشأن الإعلان الدستوري
لا شرعية بلا توافق وطني حقيقي

مع التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا بعد الإعلان عن إسقاط النظام السابق، يتابع التحالف السوري الديمقراطي بقلق المسار السياسي الحالي، حيث يتم اتخاذ قرارات وإعلانات دون تحقيق توافق وطني واسع، مما يثير مخاوف من إعادة إنتاج أنماط غير ديمقراطية تحت مسمى المرحلة الانتقالية.

إننا نؤكد أن الشرعية لا تتحقق عبر فرض أمر واقع من خلال مؤتمرات ومخرجات تفتقر إلى تمثيل عادل لجميع السوريين. فـ”مؤتمر النصر” و”مؤتمر الحوار الوطني” ومسودة الإعلان الدستوري الحالية، رغم أهميتها، لم تنجح في تحقيق شمولية كافية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في النهج المتبع لضمان إشراك القوى الديمقراطية والمجتمع السوري بكل مكوناته في رسم مستقبل البلاد.
إن التحالف السوري الديمقراطي يتبنى التذكير الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14/3/2025 بضرورة تنفيذ روح القرار 2254، باعتباره الإطار الأساسي للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في سوريا. كما يؤكد على أهمية البنود الأخرى التي أشار إليها البيان، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حماية جميع المدنيين دون تمييز، وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في الانتهاكات، إضافة إلى دعم جهود العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

ورغم التحفظات، يلحظ التحالف بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن البناء عليها، مثل عدم منح الرئيس الانتقالي سلطة إصدار المراسيم التشريعية أو العفو العام أو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ما قد يحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية. كما نصّ الإعلان على جعل جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري. كذلك نصّ على حماية المرأة من العنف وعلى تجريم إنكار جرائم النظام السابق، وعدم تحصين القرارات والتصرفات الإدارية من رقابة القضاء، وتحديد مدة الطوارئ بثلاثة أشهر كحد أقصى. كذلك، أحدث هيئة للعدالة الانتقالية، وقد يكون ذلك إطارًا نظريًا لمساءلة عادلة، رغم الحاجة إلى ضمانات أوضح. وعلى المستوى الاقتصادي، أشار الإعلان إلى إنهاء الاقتصاد الاشتراكي الموجّه وأعطى توجهًا نحو الاقتصاد الحر التنافسي الذي يأخذ احتياجات المجتمع بعين الاعتبار ومن ضمنها رعاية الدولة للفئات الضعيفة، ويرى التحالف أنّ هذا أمر إيجابي، رغم الحاجة إلى نقاش أوسع حول مستقبل السياسات الاقتصادية.

لكن هذه الإيجابيات لا تلغي المخاوف الجوهرية التي قد تعرقل الانتقال الديمقراطي، لا سيما تركيز الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وغياب آليات رقابية فاعلة، وافتقار العملية الدستورية للتوافق الوطني الضروري. لذا، لا بد من إعادة النظر في هذه الجوانب لضمان أن تكون المرحلة الانتقالية خطوة حقيقية نحو الديمقراطية، لا مدخلًا لاستحواذ جديد على السلطة.

ورغم أنّ اللجنة التي وضعت مسوّدة الإعلان الدستوري كانت قد استندت في تبريرها له إلى نتائج مؤتمر إعلان النصر، التي سمّت الرئيس خلال المرحلة الانتقالية ومنحته سلطة إصدار الإعلان الدستوري وتعيين مجلس الشعب والحكومة خلال المرحلة الانتقالية، إلا أننا نرى أنّ هذا الأساس منقوصٌ في جوهره لما شابه من عيب عدم الشمولية في تمثيل فئات الشعب السوري الذي هو صاحب النصر وليس الفصائل العسكرية وحدها، ولهذا فإنّ التحالف السوري الديمقراطي يسجّل النقاط التالية على هذا الإعلان الدستوري:

تركيز الصلاحيات في يد الرئيس الانتقالي

• يمنح الإعلان الدستوري الرئيس صلاحيات واسعة تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، مما يسمح له بالتحكم في السلطة التشريعية التي يُفترض أن تكون مستقلة.
• كما يتيح له تشكيل المحكمة الدستورية العليا، وهو ما يقوض استقلاليتها ويجعلها خاضعة لسلطة تنفيذية غير مقيدة بأي آليات رقابية حقيقية، وهي التي يجب أن تتولى من بين مهامها الأخرى الرقابة على أعمال رئيس البلاد.

غياب أي ضمانات رقابية حقيقية

• لا تتضمن المسودة أي آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة، فتعيين المحكمة الدستورية من قبل الرئيس يجعلها غير قادرة على مراجعة قراراته أو الطعن فيها.
• ولا توجد أي هيئة مستقلة لضمان شفافية القرارات المتخذة، مما يفتح الباب أمام استخدام المرحلة الانتقالية لترسيخ سلطة غير ديمقراطية.
• يحتفظ الرئيس خلال المرحلة الانتقالية بسلطات تنفيذية مطلقة دون وجود أي توازن دستوري يحُد من تغوّل السلطة.

تحديد دين رئيس الجمهورية

• حدّد الإعلانُ الدستوري صراحةً دين رئيس البلاد وحصره بالمسلمين فقط، وهذا يتناقض مع ما ورد في المادة العاشرة من الإعلان نفسه التي تقول إنّ المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييزٍ بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
• إنّ حصر الحق بشغل مهام رئيس الجمهورية بالمسلمين فقط لا يعدّ مناقضًا للإعلان الدستوري ذاته فحسب، بل هو أيضًا مناقض للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية التي باتت جزءًا من ضمير الإنسانية جمعاء.

تحديد اسم الدولة

• حدّد الإعلان الدستوري اسم الدولة بالجمهورية العربية السورية، وهذا يعني إقصاءً لبقية قوميات الشعب السوري التي لا تجد في العروبة هُويّة فرعية شاملة لها، ويحرمها من حق التمتّع بالهُويّة السورية الجامعة.
• لم ينهج الإعلان الدستوري نهج النظام البائد في تكريس اسم الجمهورية المختلف عليه فحسب، بل إنّه تجاهل النقاشات السورية الكبرى التي خاضها السوريون والسوريات بهذا الخصوص خلال السنوات المنقضية من عمر الثورة.

الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع

• رغم الحديث عن دولة مدنية، يُبقي الإعلان الدستوري على الفقه الإسلامي باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع، مما يتعارض مع مبادئ المواطنة والمساواة بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية.
• إنّ من شأن ذلك خلق حالة نظرية قابلة للتطبيق العملي تحتجّ بالنص الدستوري لتعطيل أي تشريع وضعي بحدّة مخالفته لرأي ورد في الفقه الإسلامي.

استمرار بناء المسار الانتقالي على خطوات غير شرعية

• الإعلان الدستوري الحالي يستند إلى مؤتمر النصر ومؤتمر الحوار الوطني، وهما مؤتمران لم يعكسا تمثيلًا حقيقيًا لكل السوريين، بل جاءا كإجراءات غير توافقية فرضت نفسها كأمر واقع.
• مسار الإدارة خلال المرحلة الأولى منذ تسلمها الفعلي قيادة البلاد باعتبارها “سلطات مؤقتة” حسب تعبير البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن، لا يبعث على الطمأنينة لناحية انتهاجها تعيينات اللون الواحد، مما يذكّر بنهج التمكين المعروف عند بعض جماعات الإسلام السياسي التي أتت قيادات الإدارة الجديدة وعناصرها منها أساسًا.

التوصيات والخطوات المطلوبة فورًا

التراجع خطوة إلى الوراء واستكمال المخرجات غير التوافقية

• لا يمكن الاستمرار في البناء على أسس غير شرعية.
• يجب اعتبار مخرجات مؤتمر النصر، ومؤتمر الحوار الوطني، والإعلان الدستوري، خطوات منقوصة الشرعية لأنها لم تأتِ عبر توافق وطني حقيقي، بل عبر مسار أحادي يفرض نفسه على الجميع، وينبغي استكمالها بتشكيل مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاقٍ شرعية لأي مرحلة انتقالية.

عقد مؤتمر وطني تأسيسي بمشاركة واسعة وشفافة

• إن سوريا بحاجة إلى مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاق شرعية لأي مرحلة انتقالية.
• يجب أن يكون المؤتمر قائمًا على معايير التمثيل العادل، وليس مجرد اجتماع لمباركة قرارات اتُّخذت مسبقًا.

إلغاء تركّز السلطة وإعادة توزيع الصلاحيات بشكل ديمقراطي

• يجب إلغاء صلاحيات الرئيس في تعيين أعضاء مجلس الشعب ومجلس القضاء، وضمان استقلالية هاتين السلطتين وفق معايير ديمقراطية واضحة.
• يجب إقرار آليات رقابية حقيقية لضبط صلاحيات السلطة التنفيذية ومنع أي شكل من أشكال التغوّل أو الاستئثار بالقرار.

إرساء أسس دولة مدنية تقوم على المواطنة

• يجب أن يكون التشريع مستندًا إلى المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس إلى مرجعيات دينية أو أيديولوجية تفرض نفسها على المجتمع السوري المتعدد.
• يجب أن يأخذ التشريع مستنده من التعدد القومي والديني والطائفي والمذهبي في البلاد، ويجب ألا ينحاز إلى فئة من الشعب حتى ولو كانت هي الأكثرية العددية الكبرى.

لقد قدم السوريون والسوريات تضحيات كبيرة من أجل الحرية والعدالة، وهم يستحقون مرحلة انتقالية تقوم على أسس ديمقراطية واضحة، وليس على قرارات تُفرض دون مشاركة حقيقية. إن التمسك بمسار أحادي الجانب يهدد فرص بناء دولة ديمقراطية مستقرة، وقد يؤدي إلى تكرار تجارب فاشلة شهدها العالم في مراحل انتقالية سابقة.

يدعو التحالف السوري الديمقراطي جميع القوى الديمقراطية إلى السعي نحو عملية انتقالية قائمة على توافق وطني حقيقي، تضمن مشاركة واسعة، وتمنع إعادة إنتاج الاستبداد بأي صيغة جديدة. فالشرعية الحقيقية لا تُستمد من ترتيبات فوقية، بل من الإرادة الشعبية للسوريين.

التحالف السوري الديمقراطي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية