تحسين طه.. فنان ملتزم وفن خالد
عبد الرحمن محمد
في عائلة متوسطة الحال ماديا، راقية وعاشقة للفن والثقافة الكردية، كانت ولادة أحد أشهر الفنانين الكرد، تحسين طه، الذي تنوع فنه وإزدان بموضوعاته التي لامست قلب كل كردي، وأوصلت الأغنية الكردية للعالم وخاصة بين عشاق غنائه وصوته، الذين رددوا مقاطع أغنياته التي تأسر القلب، وتريح النفوس وتنعش الروح. في آمدية بمحافظة دهوك الكردية وفي عام 1941 كانت ولادة الطفل الموهوب، ولأبوين كرديين هما طه محمد سليم آميدي، وغربت سليم خان، والوالدان كانا عاشقين للفن عموما وللموسيقا والغناء خصوصا، وكثير التنقل نوعا ما بسبب طبيعة عمل الوالد.
تابع تحسين دراسته الابتدائية في واحي “آميدي ومانكيشك وزاخو” ومن ثم قصد الموصل فانضم إلى مركز الحدباء عام 1958 للدراسة فيه، ولم يطل مكوثه في المركز على خلفية مشاركته في تظاهرات عامي 1956 و1957 فتم إبعاده من المركز ويعود أدراجه إلى مسقط رأسه في آميدي.
في عام 1960 يعود تحسين طه لمتابعة دراسته، فانضم إلى كلية الفنون الجميلة، فرع المسرح، لكنه مرة أخرى يُستبعد من الدراسة بسبب ميوله القومية، ومشاركته في الفعاليات والأنشطة السياسية، وتم اعتقاله وسجنه لفترة، فانضم إلى صفوف البيشمركة عام 1961، ويعود بعدها بعامين لمتابعة دراسته في المعهد مع تولي أحمد حسن البكر رئاسة العراق.
بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة عُين تحسين طه في ناحية مخمود أستاذا للفن ومدرسا في مدرسة “أربيل العلي”.
لم تخبُ جذوة عشقه للغناء والفن رغم الصعاب، ومع بداية عام 1970 عاد مجدداً إلى الغناء في راديو وتلفزيون بغداد، وقام بتسجيل العديد من الأغاني بالتعاون مع الفنانين عزيز ملا وفاضل آكريي، وفي عام 1987 وبالتعاون مع فرقة الفن في دهوك، والتي كان يقودها الموسيقي المشهور عالمياً دلشاد محمد سعيد، سجل العديد من الأغاني مع نخبة من فناني منطقة بهدينان.
اكتسب الفنان تحسين طه شهرة محلية، ما لبثت أن وصلت لأنحاء العالم، بسبب خامة صوته المتفردة وموضوعات أغنياته التي لامست القلوب وحركت المشاعر الجياشة في نفوس محبيه ومستمعيه، وكان قد سجل العديد من الأغنيات في الإذاعة الكردية ببغداد وأذيعت من خلالها، وقد ترنم بأغنيات حملت الطابع الغزلي الرقيق، والتغني بجمال كردستان وطبيعتها وغناها، وغنى للجمال والحب والوطن والطبيعة والمرأة والمقاتل، والفلاح والعامل، وكان بعضها من كلمات والده، وعرفت من أغانيه واشتهرت أغنيات رائعة على سبيل المثال: “رابه جوتيار، بهدينان، جومه زاخوكى، آسو، مِلتيمى، بيريفاني، آي فلك، دستار، كاروان، بريسه…وغيرها” ولم تكن حصة الأطفال غائبة في فنه، فغنى لهم أغنيات خاصة ما زالت ترددها الأجيال.
وصلت شهرته إلى خارج كردستان والعراق، نتيجة تمتعه بإحساس قومي وطني رفيع والتزامه بقضايا شعبه، ما أكسبه شعبية كبيرة، وله إسهامات جليلة وبصمات واضحة في تاريخ الفن الكردي.
الفنان القدير تحسين طه يعد من أحد أبرز الفنانين الكرد الذين أوصلوا الفن الكردي للعالمية، وكانت له بصمة واضحة ومميزة في الفن الغنائي الكردي، وعرف ببعض الأغنيات الحوارية والثنائية، كذلك مع كل من الفنانتين القديرتين “كول بهار، وعيشة شان” والفنانين القديرين شمال صائب، وفؤاد أحمد…الخ.
يقول عنه الفنان الموسيقي أنور قرادغي، في لقاء صحفي سابق: “خدم تحسين طه الفن الكردي ودخل في قلوب الجماهير، وجاهد للحفاظ على مكانته المرموقة لدى جمهوره، فأغنياته مازحت الروح وكانت وطنية غزلية وجدانية، قدم الكثير للغناء والفن وترك بصمة لن تتكرر، وستخلد ذكراه في القلوب”.
ترك تحسين طه خلفة المئات من الأغنيات وما يقارب ثمانية عشر ألبوما غنائيا بالإضافة إلى عشرات الأغنيات، التي قدمها في حفلات وفعاليات عامة وخاصة، لم تلق طريقها للتوثيق.
بعد الشهرة التي حققها في أرجاء كردستان والعراق تلقى الفنان تحسين طه دعوات عدة لإقامة حفلات في الخارج، فكانت رحلته إلى هولندا التي قدم فيها طلب اللجوء عام 1994وبعد إقامته فيها ما يقرب من العام لبى نداء ربه ليرحل عن دنيا محبيه في الثامن والعشرين من شهر أيار عام 1995، لمرض في القلب، الذي ألم به في الغربة، ووصل جثمانه إلى مسقط رأسه بعد ستة أيام من رحيله ليوارى الثرى خالدا في أرض وطنه.
المصدر | صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=64044