تركيا/سوريا: “ابصم هنا والتزم الصمت وإلا سأحتجزك وعائلتك لمدة شهر”
بيان:
تزامنت أحداث مدينة “قيصري التركية”، مع موجة ترحيل واعتداءات بدوافع عنصرية واسعة بحقّ لاجئين/ات سوريين وممتلكاتهم في ولايات تركية مختلفة، منها أنطاليا وأضنة وغازي عنتاب وإسطنبول وكلّس وقونية والريحانية، رافقتها ردّة فعل من الجانب السوري في المناطق الشمالية، حيث تمارس تركيا السيطرة الفعلية على أجزاء واسعة، تمثلت في مظاهرات واحتجاجات واسعة وغير مسبوقة، نددت بالاعتداءات العنصرية على اللاجئين السوريين/ات وأعمال العنف التي تعرضوا لها داخل تركيا.
وكانت مدينة قيصري التركية قد شهدت، بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2024، احتجاجات تحولت إلى اعتداءات واسعة على ممتلكات السوريين/ات بعد انتشار شائعة عن تحرّش لاجئ سوري بطفلة تركية، وهو ما تمّ نفيه مساء ذلك اليوم من قبل والي قيصري، حيث أصدر بياناً أوضح فيه أن “اللاجئ السوري اعتدى على طفلة سورية وليس تركية“، وأنّ الحادثة وقعت في حي “Danışmentgazi”، وتمّ القبض على الجاني ووضع الطفلة تحت الحماية، داعياً المواطنين للهدوء.
لكن، ورغم بيان الوالي الداعي للتهدئة، لم تتوقف موجة العنف، بل تصاعدت لتشمل إحراق منازل السوريين/ات، وتحطيم سياراتهم، والاعتداء على محالهم التجارية وإتلاف محتوياتها من قبل مئات المواطنين/ات الأتراك. في المقابل، وفي 2 تموز/يوليو 2024، أعلن وزير الداخلية التركي “علي يرلي كايا”، عبر حسابه على منصة أكس X، عن اعتقال 474 شخصًا على خلفية أحداث الشغب التي شهدتها ولاية قيصري. وأوضح أن 285 من المعتقلين متهمون بارتكاب جرائم مختلفة سابقة، تشمل تهريب المهاجرين والمخدرات والنهب والسرقة وإتلاف الممتلكات ، وأن لديهم سجلات جنائية سابقة. وطالب الوزير المواطنين الأتراك بعدم الانجرار إلى ما أسماه بـ”الاستفزازات”، مضيفاً بأنّه “سينال أولئك الذين يدبرون هذه المؤامرات ضد دولتنا وأمتنا ما يستحقونه“.
ورداً على أحداث قيصري وموجة الاعتداءات العنصرية الواسعة على اللاجئين السوريين/ات وممتلكاتهم داخل تركيا، وبتاريخ 1 تموز/يوليو 2024، شهدت مناطق شمال وشمال غرب سوريا توترات شديدة بعد اندلاع مظاهرات تندد بالاعتداءات العنصرية وأعمال العنف التي قام بها مجموعة من الأتراك بدوافع عنصرية ضد اللاجئين/ات السوريين في ولاية قيصري التركية بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2024.
تطورت هذه الاحتجاجات بسرعة إلى أعمال عنف، بدأت بتحطيم شاحنات تركية في ريف حلب الشرقي، وتلاها صدامات مع الجيش التركي في مدينة عفرين شمال غربي حلب، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل، وفقاً للبيان الصادر بتاريخ 2 تموز/يوليو 2024، عن الشرطة العسكرية التابعة للحكومة السورية المؤقتة، الموالية لتركيا، وإصابة أكثر من 20 مدنياً آخرين.
هذا الوضع أدى إلى استنفار الجيش التركي والاستخبارات التركية، وكذلك قوات “الجيش الوطني السوري/المعارض” الذي تتحكم به تركيا، وإغلاق السلطات التركية جميع المعابر الحدودية مع شمال غرب سوريا. حيث أعلن معبر باب الهوى الحدودي، في شمال إدلب، بتاريخ 1 تموز/يوليو 2024 عن إغلاق حركة المسافرين والمرضى والشاحنات، وفقاً لمنشور على موقعه الرسمي؛ وذلك بالإضافة إلى كل من معبر الحمام في شمال حلب، ومعبري جرابلس والراعي في شرق حلب، والتي عادت جميعها إلى استئناف عملها في 3 تموز/يوليو 2024. شملت حالة الإغلاق معبر باب السلامة الحدودي أيضاً، حيث شهدت أنشطته توقفاً جزئياً بعد الاحتجاجات، ليغلق كلياً بتاريخ 4 تموز/يوليو، وفقاً لأحد مسؤولي المعبر، ويدعى أبو وائل (الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية)،[1] الذي قال:
“في 4 تموز/يوليو، توقف المعبر (كلياً) بقرار من الجانب التركي، واستمر الإغلاق لستة أيام (بما في ذلك فترة التوقف الجزئي) قبل إعادة فتحه للحركة التجارية والأشخاص من يحملون أذون عمل وجنسية التركية”.
بتاريخ 5 تموز/يوليو 2024، انتقد النائب عن حزب الخضر في البرلمان التركي، عمر جرجرلي أوغلو، سياسة الحكومة التركية وردود فعلها تجاه أحداث قيصري. وقال: “إن 70 ألف سوري تضرروا، وإن العنصريين دمروا 21 محلًا تجارياً“، مشيراً إلى أحداث دامية شهدتها تركيا سابقاً في فترات متعددة، مخاطباً حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال جلسة البرلمان التي بثت على الهواء مباشرة.
وفي 17 تموز/يوليو 2024، قدمت مجموعة حزب السعادة والمستقبل طلباً لفتح تحقيق برلماني حول أسباب الأحداث التي بدأت ضد اللاجئين السوريين في الأيام الأخيرة، ومنع تكرارها واتخاذ الإجراءات اللازمة. لكن حزب العدالة والتنمية وشريكه في الحكم، حزب الحركة القومية المتطرف، رفضا المقترح المقدم لفتح التحقيق.
لاحقاً، وفي في 18 تموز/يوليو 2024، أصدرت منظمات المجتمع المدني السوري بياناً أعربت فيه عن مخاوفها البالغة بشأن الارتفاع الحاد في المشاعر المعادية للاجئين السوريين في تركيا وما يصاحبها من أعمال عنف ضدهم. وطالبت الاتحاد الأوروبي بوقف التمويل الذي يقدمه لتركيا من أجل اللاجئين السوريين، والتحرك السريع لحماية حقوقهم.
بالإضافة إلى التسلسل الزمني عن الأحداث التي شهدتها كل من تركيا وشمال سوريا أعلاه، يكشف هذا التقرير عن تفاصيل عمليات ترحيل قسري للاجئين سوريين، مبرزاً كيف أجبر عدد منهم على توقيع أوراق “العودة الطوعية”، بالإضافة إلى تعرضهم لمجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان في مراكز الترحيل، بما في ذلك العنف والإهمال، في ظل تدهور الوضع الإنساني والقانوني للسوريين في تركيا، بسبب المعوقات العديدة المفروضة على حرية تنقلهم.
يستند هذا التقرير إلى 6 إفادات تفصيلية ومباشرة، جمعها الباحثون/ات في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت باستخدام تطبيق تواصل آمن، من ضمنهم خمسة لاجئين سوريين رحلتهم السلطات التركية إلى شمال سوريا قبل وبعد أحداث قيصري.
اطلعت المصادر على الطبيعة الطوعية للمقابلة وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة. آثر المصادر جميعهم إخفاء هوياتهم أو أي معلومات قد تدل عليها، خوفاً من أعمال انتقامية قد تطالهم من قبل الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة، لاسيما وأنه جرى توثيق عمليات اعتقال سابقة بحق المرحلين حال وصولهم إلى الأراضي السورية.
بالإضافة إلى الإفادات، استند التقرير على مجموعة من المصادر المفتوحة، بما في ذلك منشورات تمّ التحقق منها على منصات التواصل الاجتماعي، أرقام عن عمليات الترحيل نشرت على مواقع رسمية، وتقارير تناولت موجة العنف في قيصري، الاحتجاجات التي تلتها، وكذلك عمليات الترحيل المرتبطة بها، حيث أدرجت بعض المعلومات الواردة فيها بعد التحقق من صحتها.
تصاعد الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين في تركيا:
سبقت أحداث ولاية قيصري موجة ترحيل واسعة شهدتها مدينة غازي عنتاب التركية، التي تعتبر ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السوريين الخاضعين لنظام ‘الحماية المؤقتة’ بعد إسطنبول، حيث تستضيف أكثر من 429 ألف سوري وسورية، وفقاً لأدارة الهجرة التركية. وخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين في تركيا، الذين فروا من الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة في سوريا. حتى أولئك الذين يحملون الوثائق القانونية اللازمة، يجدون أنفسهم عرضة للترحيل لأبسط الأسباب، رغم أن هذه الأسباب لا تستدعي الترحيل وفقاً لقانون ‘الحماية المؤقتة‘ الصادر في نيسان/أبريل 2014.
وعن عمليات الترحيل إلى سوريا أثناء أحداث قيصري، قال المسؤول الإداري في معبر باب السلامة لـ”سوريون ” ما يلي:
“خلال فترة الإغلاق (عقب أحداث قيصري) لم يتم ترحيل أي سوري من معبر باب السلامة. تم تحويل عمليات الترحيل إلى معبر الراعي، حيث تم ترحيل حوالي 180 شخصاً. كما زادت عمليات الترحيل من معبر جرابلس في نيسان/أبريل 2024 إلى أكثر من 2000 شخص”.
وأضاف المسؤول:
“منذ بداية تموز/يوليو حتى 8 تموز/يوليو 2024، تم ترحيل نحو 160 شاباً من مدينة غازي عنتاب، جميعهم ضمن الحملة الأخيرة. معظمهم يمتلكون بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) الصادرة من ولاية غازي عنتاب، وبعضهم تم ترحيلهم بسبب مخالفة عنوان السكن نتيجة أزمة السكن وارتفاع الإيجارات. ومن بين المرحلين، هناك أقل من 20 شاباً بدون بطاقة حماية مؤقتة، يهدفون للوصول إلى أوروبا”.
تسعى الحكومة التركية لتوزيع المرحلين على عدة معابر ومناطق، منها تل أبيض، وجرابلس، وباب السلامة، وباب الهوى، بهدف توزيعهم على ما تسميه بـ”المناطق الآمنة”، لكن الظروف الصعبة في تلك المناطق تزيد من معاناة المرحلين، وفقاً للمسؤول الإداري.
كما نوه المسؤول الإداري، إلى استمرار القرار التركي بمنع نشر إحصائيات الترحيل القسري من أي معبر يتبع للحكومة المؤقتة، حيث يسمح بنشر بيانات “العودة الطوعية” فقط. وتم تبني هذا القرار بعد تغطية مواقع المعارضة السورية لأعداد المرحلين قسراً واعتماد أرقام المعابر كمصدر رسمي. بالإضافة إلى ذلك، تمنع السلطات التركية إصدار تصاريح رسمية للتصوير داخل المعابر الخاصة بالمرحلين قسراً، وكذلك تصويرهم في منطقة الكراجات، على الرغم من منح التصاريح لتصوير تقارير إعلامية أخرى.
في شباط/فبراير الماضي 2024، أعلن وزير الداخلية التركي “علي يرلي كايا” أن “حوالي 625 ألف سوري عادوا طوعاً إلى سوريا”، نتيجةً لتحسن الظروف المعيشية في مدن جرابلس، والباب، وإعزاز الواقعة ضمن “المنطقة الآمنة” بحسب زعمه. غير أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد وثقت في تقريرها الأخير أن هذه المناطق التي يرحل إليها اللاجئون السوريون، ومن بينها مدينة تل أبيض، لا تزال بعيدة عن الأمان. وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في المنظمة أن “العودة “الطوعية” التي تنفذها تركيا إلى “المناطق الآمنة” غالبا ما تكون عودة قسريّة محفوفة بالمخاطر ويشوبها اليأس. تعهُّد تركيا بإنشاء “مناطق آمنة” يظلّ بلا معنى، إذ يجد السوريون أنفسهم مجبرين على خوض رحلات خطرة هربا من الظروف اللاإنسانيّة في تلّ أبيض”.
بتاريخ 18 تموز/يوليو 2024، نشر معبر باب السلامة الحدودي على صفحته الرسمية عبر فيسبوك أن العدد الكلي ” للعائدين” إلى الأراضي السورية بلغ 3035 شخصاً.
يوضّح الرسم البياني التالي إجمالي ترحيلات اللاجئين السوريين حسب المعابر الحدودية في النصف الأول من عام 2024:
التجول في شوارع تركيا خطر على اللاجئين السوريين:
يخشى اللاجئون/ات السوريون من مغادرة منازلهم، حيث يتعرضون للاعتقال والاحتجاز في الشوارع وأماكن العمل، وغالباً ما تُستخدم مبررات ضعيفة لإجبارهم على العودة إلى سوريا، رغم امتلاكهم لأوراق قانونية سليمة. جميع هذه الانتهاكات تحدث في ظل غياب الحماية القانونية للاجئين واللاجئات في تركيا.
أحد هؤلاء اللاجئين، أسعد الحسن (اسم مستعار)،[1] يعيش في غازي عنتاب منذ 2017 ويحمل بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، يروي لـ”سوريون” تفاصيل ترحيله القسري والظروف غير الإنسانية التي تعرض لها في 1 تموز/يوليو 2024:
” بينما كنت عائداً إلى منزلي بعد يوم عمل شاق، اعترضتني سيارة تابعة لإدارة الهجرة التركية قرب شارع (بازار إيران). طلب مني العناصر إبراز أوراقي الشخصية، وعندما تأكدوا من أنني سوري، أمروني بالوقوف مع ما يقارب 30 شخصاً آخر مكبلي الأيدي بحزامات بلاستيكية. رغم توضيحي أن أوراقي سليمة وأني أعيش بشكل نظامي، تم تجاهل كلامي وتكبيل يديّ. بعد حوالي ساعة، زاد عدد الموقوفين إلى 50 شخصاً تقريباً، ثم نُقلنا بواسطة باص كبير تابع لشرطة مكافحة الشغب إلى مخفر قريب من بلدية (شاهين بي). هناك، أخذوا أماناتنا وبياناتنا الشخصية، ثم نقلونا إلى مستشفى (الشهيد كامل) حيث أُجبرنا على التوقيع على تقرير طبي يثبت عدم تعرضنا للتعذيب أو الضرب، ومن ثم أُعدنا إلى المخفر وأمضينا الليلة في زنزانة جماعية”.
وتابع الحسن حديثه:
“بتاريخ 2 تموز/ يوليو 2024، تم تسليم أماناتنا ونقلنا إلى مخيم (أوزلي) الخاص بالمرحلين السوريين. وُضعنا في كرفانات وغرف إسمنتية غير صالحة للسكن. بعدها، أخذوا بصماتي وطلبوا مني التوقيع على ورقة إعادة طوعية. حينها رفضت وشرحت أن أوراقي نظامية ولا أريد العودة إلى سوريا، لكن أحد عناصر الأمن التركي قام بضربني بعصا (بهراوة) وأجبروني على التبصيم تحت التهديد والشتائم، فقمت بالبصم على إعادتي الطوعية مرغماً، وفي صباح 3 تموز/ يوليو 2024، جاء ضابطان لم أستطع تحديد رتبتهما العسكرية، ومعهما خمسة بولمانات سياحية كبيرة، نُقلنا على متنها إلى معبر باب السلامة الحدودي“
وفي شهادة أخرى للاجئ سوري آخر، قال محمد الأحمد (اسم مستعار)،[2] موظف في منظمة مجتمع مدني في مدينة غازي عنتاب التركية منذ ست سنوات، أنه في 27 حزيران/ يونيو 2024، وأثناء تجواله قرب مول “السانكو بارك” مع صديقة له، أوقفته سيارة تابعة لإدارة الهجرة التركية، ليرحل بعدها قسرياً إلى سوريا. روى محمد لـ”سوريون ” ما حدث معه، قائلاً:
“طلب مني أحد عناصر البوليس (الشرطة) إبراز بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) وأمرني بالتوجه إلى سيارة الهجرة للتحقق من أوراقي الشخصية. بعد تدقيق البيانات، أبلغني الموظف بأنني مطلوب للترحيل، بسبب بصمات سابقة على العودة الطوعية إلى سوريا. طلب أحد العناصر تقييد يدي واحتجازي، فاعترضت على الأمر وأكدت أنني لست مجرماً ولن أهرب، فتركني في السيارة دون قيود، ثم نقلوني إلى مشفى الشهيد كامل للحصول على تقرير طبي يؤكد عدم تعرضي للتعذيب”.
وتابع محمد شهادته بالقول:
“نُقلت إلى مخفر (بيكند) حيث احتجزوني مع أربعة عمال سوريين آخرين اعتقلوهم من مكان عملهم في منطقة الصناعة بمدينة غازي عنتاب. بعد خمس ساعات، أُجبرنا على الصعود إلى باص مبيت لقوات مكافحة الشغب التابع لوزارة الداخلية. ثم نُقلنا إلى مخفر (يشيل وادي) حيث وجدت حوالي 25 امرأة مع 5 أطفال، جميعهم سوريون. ثم نُقلت مجموعة إلى منطقة نيزب، ونحن إلى مخيم البيلي في كلس حيث تعرضنا لإساءة لفظية من موظفي شركة أمنية خاصة. أُجبرنا بالقوة على التبصيم للعودة الطوعية إلى سوريا“.
وأضاف:
“في 29 حزيران/يونيو 2024، عند الساعة السابعة صباحاً، نٌقلنا إلى معبر باب السلامة الحدودي حيث اكتشفوا خطأ في معلوماتي الشخصية، ولكنهم تجاهلوا الأمر. أبقونا تحت أشعة الشمس لمدة ساعة قبل دخول الأراضي السورية”.
في حزيران/يونيو الماضي، تم ترحيل حوالي 250 شاباً من ولاية غازي عنتاب عبر معبر باب السلامة، بسبب مخالفات القوانين التركية المتعلقة بتغيير العنوان وعدم الحصول على إذن سفر. في الوقت نفسه، ترفض إدارة الهجرة التركية منح إذن العمل في غازي عنتاب للشباب من الولايات القريبة مثل كلس وشانلي أورفا، حيث لا توجد فرص عمل كافية، وفقاً للمسؤول الإداري في معبر باب السلامة.
ترحيل تحت تهديد السلاح:
مالك عبد اللطيف (اسم مستعار)،[3] خياط يعيش في مدينة غازي عينتاب التركية منذ عام 2015، يحمل بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) ويؤكد من خلال حديث “سوريون ” معه أن بياناته محدثة ولا يحتاج لتحديثها في إدارة الهجرة التركية، حسب قوله.
في 30 حزيران/يونيو 2024، وعند الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل، طرق باب منزله بشكل مفاجئ. فتح الباب ليجد اثنين من الشرطة التركية يسألونه عن اسمه ومن يتواجد في البيت. عندما سألهم عن سبب الزيارة بهذا الوقت المتأخر، أجابوا بأنهم جاءوا للتحقق من عنوان المنزل. قدم لهم اسمه واسم زوجته وطفله، وطلبوا منه إبراز وثيقة الحماية المؤقتة. عندما طلب المالك رؤية هوياتهم، بسبب خوفه من عمليات الاحتيال المتكررة في تركيا، أثار ذلك غضبهم فبدأوا بالصراخ وإطلاق الشتائم عليه. ثم طلبوا منه مرافقتهم وهددوه بالسلاح. يروي مالك لـ”سوريون” ما حصل معه بالقول:
“رافقتهم بملابس المنزل دون أن يُمنح لي وقت لتبديل ملابسي أو ارتداء حذاء. تم اصطحابي إلى مركز الشرطة حيث سجلوا ضدي محضراً بتهمة الاعتداء على أفراد الشرطة. كان الأمر صادماً، وطلبت الاتصال بمحامٍ لكنهم رفضوا وصادروا هاتفي الجوال. في اليوم التالي، وتحديداً بتاريخ 1 تموز/يوليو 2024، تم أخذ بصماتي وتبين عدم وجود مشاكل قانونية، ورغم ذلك تم تحويلي مع 50 شاباً آخرين من غازي عنتاب إلى مخيم حران، حيث أخبروني أن المخيمات الأخرى ممتلئة”.
في مخيم حران، وجد مالك حوالي 200 شاب معظمهم يحمل أوراقاً نظامية ولكن لديهم مخالفات تتعلق بتثبيت المنزل أو العمل في ولاية أخرى دون إذن. بعض المحتجزين كانوا ينتظرون المحاكمة رغم حصولهم على إخلاء سبيل. كان الوضع في المخيم مزرياً للغاية، حيث كانت المياه ملوثة والطعام غير كافٍ، وفقاً لشهادته. وأضاف مالك:
“بسبب عدم تقديم الرعاية الصحية لنا بالرغم من مطالبتنا بذلك، اخترنا الترحيل إلى سوريا في اليوم السابع من تواجدنا بالمخيم. وذلك بتاريخ 8 تموز/يوليو عبر معبر الراعي. وعندما وصلت إلى سوريا، زرت الطبيب في عفرين الذي قال لي إن المرض في جسدي بسبب التلوث وهذا تسمم للجلد والدم. لم نكن نتلقى إلا علبتين من الفاصوليا الصغيرة في اليوم مع نصف صمونة وكأسين من المياه، كل كأس 200 مل فقط، لذلك كان هناك سوء كبير في التغذية”.
تشير الشهادات في هذا التقرير والأحداث الأخيرة في ولاية قيصري، إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا يواجهون مشكلات كبيرة تتعلق بحقوق الإنسان، مثل الترحيل القسري، والاعتداءات العنصرية، والإهمال في مراكز الاحتجاز. على الرغم من التزامات تركيا بالاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق اللاجئين، فإن الواقع يظهر وجود فجوة كبيرة بين هذه الالتزامات وما يحدث فعلياً.
اعتداءات عنصرية في الشوارع وترحيل قسري:
في منتصف حزيران/يونيو 2024، تعرض زوج اللاجئة السورية راما العبدالله لهجوم عنصري أثناء عودته من عمله في سوق النحاسين في غازي عينتاب التركية، مما أدى إلى طعنه في كتفه ونقله إلى المستشفى. بعد أسبوع من استقرار حالته، عاد إلى المنزل لاستكمال العلاج. تروي راما العبدالله،[4] أم لثلاثة أطفال، لـ”سوريون” شهاداتها بالقول:
“في 6 تموز/ يوليو 2024، كنت أركض حاملة طفلي المريض بنوبة سكري حادة إلى المستشفى عندما أوقفتني سيارة تابعة لإدارة الهجرة التركية. تجاهلت النداء في البداية، لكنهم لحقوا بي وألقوا القبض عليّ. بكيت وشرحت لهم أن طفلي في خطر، لكنهم تجاهلوا توسلاتي وطلبوا أوراقي. عندما لم أتمكن من تقديمها، ضربني أحدهم بأداة بلاستيكية على ظهري. شعرت بألم شديد وصرخت. جاء عناصر آخرون وطلبوا سيارة إسعاف لطفلي، بعد تلقيه العلاج استقرت حالته بنصف ساعة. بعدها أخذوني وابني إلى سيارة الهجرة، حيث بصموني إلكترونياً وقالوا إن بياناتي غير مجددة. رغم تأكيدي سلامة أوراقي، تم احتجازي مع نساء وأطفال آخرين. نُقلنا إلى مخفر الشرطة (بيكاند) في غازي عينتاب ووضعونا في زنزانات جماعية ومنفردة”.
تابعت راما شهادتها بالقول:
“في صباح 7 تموز/ يوليو، نُقلنا إلى مستشفى (شهيد كامل) لتقييم صحي. طلبت أدوية لطفلي وأبلغت الأطباء عن تعرضي للضرب، لكنهم تجاهلوا كلامي. بعدها نُقلنا إلى مخيم نيزب، حيث قضينا ليلة مرعبة. وفي 8 تموز/ يوليو، نُقلنا إلى معبر باب السلامة الحدودي وتم ترحيلي إلى سوريا رغم امتلاكي أوراقاً نظامية. دخلت سوريا متوجهة إلى منزل صديقتي في إعزاز، بينما بقي زوجي وأطفالي في غازي عنتاب تحت رعاية والدتي”.
وفي شهادة أخرى، قال خالد العلي (اسم مستعار)،[5] وهو لاجئ سوري في غازي عينتاب التركية منذ 2013. أنّه تعرض في عام 2017 لحادث أثناء عمله في تركيب المصاعد أدى إلى بتر قدمه وإصابة فقرات عموده الفقري، مما جعله عاجزاً عن العمل. يعتمد خالد على مساعدات أقاربه وعمل أخته في الخياطة.
وفي 28 حزيران/يونيو 2024، هاجمت مجموعة من الأتراك وبدوافع عنصري الحي الذي يسكن فيه خالد، وحطموا السيارات والمحال التجارية الخاصة بالسوريين ورموا الحجارة على نوافذ المنازل. يروي خالد لـ”سوريون” مشاهداته بالقول:
“عند الساعة الثامنة ليلاً، خرجت بمساعدة أختي لأجلس عند باب المنزل وأطمئن على جيراني. فجأة، انتشرت سيارات الشرطة التركية في الحي ودخلوا بيوت السوريين بعنف. عندما وصلوا إلينا، سألوني إذا كنت سورياً، ‘ وعندما أجبت بنعم، أخرجوا والدتي وأخوتي من البيت وأمروا بالصعود إلى الباصات. حملني ثلاثة عناصر مع كرسيي إلى الباص، رغم أنني قلت لهم إنني مصاب ومقعد، لم يستجيبوا. تم نقلنا إلى مخفر شرطة (يشيل وادي) في غازي عينتاب”.
أضاف خالد في شهادته ما يلي:
“في 29 حزيران/يونيو 2024، فرزت السلطات التركية العائلات السورية المحتجزة إلى مجموعات. نُقلت أول مجموعتين إلى مخيم البيلي في كلس، بينما رحّلوا الآخرين إلى مخيم أوزلي في غازي عينتاب. في 30 حزيران/يونيو، جاء مترجم مع الحراس وطلبوا منا التقاط صورة جماعية وتسجيل فيديو يظهر رغبتنا في العودة الطوعية إلى سوريا، مهددين بضرب من يعترض. أُجبرنا على التبصيم على العودة الطوعية إلكترونياً أنا وعائلتي. رغم توضيحي للمترجم أنني أعاني من شلل نصفي وبتر في الساق، قال لي (ابصم هنا والتزم الصمت، وإلا سأحتجزك وعائلتك لمدة شهر). في الساعة الثانية ظهراً، أُمرنا بالصعود إلى الحافلات، حيث كبلوا أيدينا بشدة حتى احتبس الدم. بعد ذلك، نُقلنا إلى معبر باب السلامة الحدودي”.
بتاريخ 7 تموز/يوليو، أفادت صحيفة “Karar” التركية أن السلطات نقلت عائلة سورية مكونة من ستة أفراد، بينهم والدان مسنان وطفلان، إلى مركز الترحيل بولاية قيصري تمهيداً لترحيلهم، رغم حيازتهم بطاقات (الحماية المؤقتة). جاء هذا الإجراء بعد تقديم العائلة شكوى بتعرضهم لاعتداءات من قبل جيرانهم خلال أحداث العنف ضد السوريين في قيصري. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيران رشقوا منزل العائلة بالحجارة، مما أدى إلى تهديدهم بالترحيل بسبب الشكوى المقدمة.
اللاجئون السوريون ورقة مساومة تركية مع أوروبا:
رغم توقيع تركيا على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق اللاجئين وحمايتهم، تشير العديد من الشهادات والتقارير الحقوقية إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين. أعدت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقارير سابقة تحتوي على شهادات وأدلة حول عمليات الترحيل القسري بحق السوريين. كما نشرت المنظمة تقريراً عن موجة من عمليات الترحيل القسري التي شهدها شهر أيلول/سبتمبر 2023، على الرغم من أن معظم المرحلين يمتلكون أوراقاً قانونية تدعم وجودهم في تركيا، أو ينتمون إلى الفئات الأكثر ضعفاً التي يجب حمايتها.
تركيا طرف في “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية اللاجئين لعام 1951. في المقابل، تنفي الحكومة التركية وجود ترحيل قسري وتصف سياساتها بأنها “نموذجية” في التعامل مع اللاجئين. ومع ذلك، يستمر اللاجئون السوريون في التعرض للخطابات العنصرية من قبل أحزاب المعارضة التي تستخدم وجودهم كورقة انتخابية، متوعدة بإعادتهم إلى سوريا. هذه الخطابات أدت إلى اعتداءات وجرائم لم تُحقق فيها بشكل محايد.
ووفقاً للمسؤول الإداري في معبر باب السلام الحدودي، “من لا يملك بطاقة حماية مؤقتة تُصدر له تركيا بطاقة حماية في مخيم مخصص للترحيل وتبطلها في نفس اليوم، وتوقعه على ورقة العودة الطوعية بالإجبار. غالباً ما تُتخذ هذه الإجراءات لزيادة عدد حاملي بطاقات الحماية المؤقتة المبطلين، ومنعهم من تسوية أوضاعهم في المستقبل بالعودة إلى تركيا، رغم أن استصدار بطاقات الحماية المؤقتة متوقف في عموم تركيا. الهدف من ذلك هو زيادة الأعداد المقدمة للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”. وفي العام 2016، توصل الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى اتفاقية هجرة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، وذلك عبر دعم توطينهم في الأراضي التركية. منذ العام 2011، حصلت تركيا على نحو 10 مليارات يورو (10.8 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
يٌعاني اللاجئون السوريون من سياسات قاسية تُطبق ضدهم، حيث يتم تجاهل الظروف الإنسانية والقانونية التي تفرض حمايتهم. فهذه الانتهاكات ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من نمط واسع يعكس تزايد التوترات الاجتماعية والسياسية في تركيا تجاه اللاجئين. تزداد هذه التوترات بسبب الخطابات السياسية التي تعادي اللاجئين وتستخدمهم كورقة ضغط في السياسة الداخلية والخارجية.
_______________________________________________________________________________________________________________
[1] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 10 تموز/يوليو 2024.
[2] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 9 تموز/يوليو 2024.
[3] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 9 تموز/يوليو 2024.
[4] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 12 تموز/يوليو 2024.
[5] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 13 تموز/يوليو 2024.
[1] أجريت المقابلة من قبل باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الانترنت، بتاريخ 8 تموز/يوليو 2024.
المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=51615