د. محمود عباس
بدأت تتسرب معلومات دقيقة وحساسة من أعماق الأروقة السياسية في واشنطن، خاصة من دوائر الحزب الديمقراطي، وبعض مراكز الدراسات الاستراتيجية ذات الصلة بالبنتاغون، إضافة إلى خبراء عسكريين يعملون في مجال الأمن القومي، وتتقاطع هذه التسريبات مع ما تصفه مصادر دبلوماسية أوروبية وأمريكية بـ “إعادة ترتيب المسرح الجيوسياسي” في الشرق الأوسط.
ووفقًا لهذه التسريبات، فإن عملية قصف المنشآت النووية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة لم تكن بالحجم التدميري الذي رُوّج له، بل تشير إلى أن العملية حملت طابعًا “استعراضياً”، يُراد منه وقف التصعيد، بعد أن مارست واشنطن ضغوطًا مكثفة على إسرائيل للقبول بالشروط الأمريكية، وبالمقابل إقناع إيران بالتراجع مؤقتًا عن مشروعها النووي، على أن تُمنح لاحقًا فرصة استئنافه في ظروف أكثر ملاءمة سياسيًا.
وفي هذا السياق، يتضح أن طهران قدّمت العملية في الداخل الإيراني على أنها انتصار رمزي، مؤكدة على صمودها ونجاحها في ردع العدوان، بينما أوحت في الإعلام الخارجي بأن منشآتها تعرضت لتدمير واسع، وذلك لترسيخ رواية “المظلومية” أمام الرأي العام العالمي، أما إسرائيل، فقد ذهبت في الاتجاه ذاته، حيث صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس (Israel Katz)، بأن “البنية التحتية النووية لإيران قد تضررت بشكل كبير، وقد تحتاج إلى عامين على الأقل لإعادة تشغيل بعض المنشآت”.
من جهتها، انبرت إدارة ترامب، ومعها الإعلام الموالي مثل Fox News وواشنطن إكزامينر، في نفي أي شكوك تحيط بجدوى العملية، مؤكدين بتكرار شبه ممنهج أن “الضربة الأمريكية أخرجت إيران من حافة إنتاج القنبلة النووية”، وأن العملية كانت حاسمة وجراحية في استهداف الأعصاب الرئيسية للمشروع النووي الإيراني.
لكن الغرابة، بل التناقض اللافت، هو في تماهي الروايات الرسمية لكل من إيران، وإسرائيل، وإدارة ترامب، على أن القصف ألحق دمارًا بالغًا، بينما تشير التسريبات المتزايدة، والمتداولة في أوساط ديمقراطية معارضة لترامب، إلى أن العملية لم تكن سوى رسالة محسوبة، بل وربما صفقة سياسية مموّهة، تم فيها إبلاغ الأطراف المعنية مسبقًا؛ إيران، وروسيا، والصين، وبالطبع إسرائيل، بكل تفاصيل العملية، بل إن أحد التقارير المسربة من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أشار إلى أن “نقاط القصف لم تكن ذات حساسية كافية لتعطيل عمل البرنامج النووي على المدى الطويل”.
وفي هذا السياق، برزت تقارير استخباراتية تداولها الإعلام الأوروبي وبعض الإعلام الأمريكي كقناة سي ن ن، تفيد بأن القصف الأمريكي جاء بعد تنسيق مباشر مع موسكو وبكين، وقد جرى إخطار طهران مسبقًا بموعد الضربة، ما يُفسر خلو المواقع المستهدفة من أي نشاط حساس لحظة الهجوم، ويُعزّز هذا الطرح ما تم تسريبه بشأن القاعدة الأمريكية في قطر، والتي أُخليت بالكامل قبل قصف إيراني تم لاحقًا كرد فعل “متفق عليه” يهدف إلى تهدئة الداخل الإيراني وتجنب التصعيد.
في جانب آخر من المشهد، تتوجه بعض التحليلات إلى اتهام ترامب بأنه مارس ضغوطًا مباشرة على الحكومة الإسرائيلية لإيقاف الحرب، مع تهديد ضمني بتقليص الدعم الأمريكي، كما حدث مع أوكرانيا، وذكرت صحيفة “هآرتس” أن “نتنياهو تلقى رسالة واضحة من واشنطن، الالتزام بالهدنة الآن وإلا فستُترك إسرائيل لمصيرها في المواجهة مع إيران” وقد حاولت إسرائيل في البداية الاستمرار في التصعيد، لكنها رضخت تحت ضغط التهديد بخسارة الغطاء الأمريكي الاستراتيجي.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
25/6/2025م
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=71204