تطورات الوضع السوري إلى أين؟
-1-
بعد سقوط نظام البعث، واستيلاء هيئة تحرير الشام وحلفاؤها على الحكم في دمشق، وتشكيل الحكومة المؤقتة فإن الأوضاع في البلاد لم تستقر بعد، ولم يتم تحديد مصير البلاد، وبالرغم من أن اجتماع مؤتمر العقبة قد وضع بعض الأسس الرئيسية التي يجب أن تكون مرشداً للحكام الجدد، وبالرغم من الزيارات العديدة لممثلي الدول العربية والأجنبية إلى دمشق، وبالرغم من زيارات وفود الحكم الجديد إلى عدد من الدول الخليجية والأردن وتركيا، فإن جميع دول العالم والدول العربية بما في ذلك دول الجوار ماعدا تركيا وقطر لم تعترف بعد بشرعية الحكم الجديد، ولا شك أن بعض الحوارات الداخلية قد أجريت مع بعض الأطراف كما الحال في الحوار الذي تم إجراؤه مع قائد قوات سوريا الديمقراطية، لكنها تبقى حوارات جزئية إضافة إلى أنها لم تسفر عن مواقف نهائية، خاصة أن المؤتمر الوطني الموعود لايزال مؤجلاً إلى وقت غير محدد، إضافة إلى الغموض الذي يكتنف طبيعة هذا المؤتمر والقوى والشخصيات التي ستشارك فيه، ولا يزال موعد صياغة دستور للبلاد مؤجلاً أيضاً إلى وقت غير محدد، وتترافق مع كل ذلك حالة اللا استقرار التي تعم جميع أنحاء البلاد، فلا تزال حملات القتل الميدانية والتمشيط والانتقامات ضد أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري وفي حمص وحماة وغيرها، وكذلك الممارسات الطائفية ضد المسيحيين في أحيائهم وأماكن عباداتهم مستمرة بصورة وحشية، ولازالت السويداء وحوران ومناطق شمال وشرق سوريا خارج سلطة الحكم الجديد، يضاف إلى كل ذلك أن تركيا لاتزال تحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية وبخاصة المناطق الكردية مثل عفرين وسريكانيه وكري سبي وغيرها دون أن تتخذ الإدارة الجديدة موقفاً واضحاً من هذه الاحتلالات بل أن تركيا ومرتزقتها من ما يسمى بالجيش الوطني السوري لاتزال تشن هجمات واسعة على مناطق الإدارة الذاتية دون موقف واضح من الحكام الجدد في دمشق، ولم يقم الجيش الوطني بحل نفسه كما طالبت بذلك الإدارة الجديدة ولا يزال مصير المهجرين والنازحين على حاله، وهذا يدل على أن الأوضاع في سوريا لاتزال على حالها منذ استيلاء الإدارة الجديدة على الحكم قبل شهرين.
وإذا كانت الأوضاع في البلاد تسير بهذا الشكل بالرغم من مضي شهرين على التغيير، فإن أحداً لا يمكنه التكهن بكيفية تشكيل الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها في الأول من شهر آذار القادم، وكل ذلك يطرح أسئلة كبرى تدور حول الإجابة على السؤال التالي: هل ستتمكن هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من إدارة البلاد والاستمرار وتعميم الاستقرار فيها؟
-2-
إن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، وهي حقيقة قائمة على الأرض السورية، ولا يمكن لأحد القفز من فوقها، بل ولا يمكن الاستمرار في إلغائها وعدم الاعتراف بها، بل والتمادي في إنكارها ودون الاعتراف الدستوري بها، وضرورة تمتع جميع المكونات بخصوصياتها وحمايتها دستورياً، وهذا المطلب لم يعد محلياً فقط، وإنما أصبح مطلباً دولياً وإقليمياً أيضاً، بل لا يمكن الحفاظ على وحدة البلاد دون إيجاد حلول حقيقية لها، هذه هي الهوية الوطنية السورية، الوطن السوري هو الهوية الجامعة، وهذه الهوية لا تلغي الهويات الفرعية، بل يجب الاعتراف بها، وهذه الهوية تؤكد بأن الديمقراطية هي الحل المفتاحي لجميع قضايا البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، علماً أن كلمة الديمقراطية لم ترد في أي تصريح لأي مسؤول للإدارة الجديدة خلال الشهرين المنصرمين.
في أي نظام مستقبلي وانطلاقاً من مبادئ الديمقراطية يجب التأكيد في الدستور السوري على فصل الدين عن الدولة، ورفض الدولة الدينية، لأن المجتمع السوري متعدد، وتوجد أكثر من ديانة واحدة في سوريا، وتقع على رأس الأولويات في سوريا الجديدة ضرورة صياغة دستور ديمقراطي توافقي ينسجم مع طموحات وتطلعات الشعب السوري بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية، ويجب تعداد تلك المكونات في هذا الدستور باعتبارها مكونات سورية أصيلة، ومن حقها التمتع بكامل حقوقها، كما يجب التأكيد على ضرورة تحرير جميع الأراضي التي احتلتها تركيا ومرتزقتها وبخاصة عفرين، سريكانيه، كري سبي وغيرها، وكذلك إلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تضر بمصالح الشعب السوري ومكوناته، بما في ذلك اتفاقيات أضنة الأمنية الموقعة بين تركيا والنظام السوري السابق. وعلى الإدارة الجديدة أن تعلم جيداً أن الشعب السوري يرفض أية وصاية أجنبية على بلاده، وأنه لا يقبل أن تملأ تركيا الفراغ الذي شكله الوجود الإيراني، لأن تركيا اليوم لا تحتل فقط أراض سورية وإنما تتحكم في جميع مفاصل الدولة السورية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وإذا استمر الوجود التركي بهذا الشكل فلن تحل الأزمة السورية، خاصة أنها مع إيران تتحمل مسؤولية تدمير الوطن السوري، ونؤكد أيضاً للإدارة الجديدة بأن سوريا لا يمكنها الاستمرار في النظام المركزي، وأن هذا النظام مرفوض من كل المكونات السورية، وبخاصة الكرد والعويين والدروز والمسيحيين والإسماعيليين، واللامركزية المطروحة ليست لامركزية إدارية على غرار القانون /107/ لعام 1971، وإنما هي لامركزية سياسية (فيدرالية) تدير فيها الأقاليم السورية نفسها بنفسها من خلال حكوماتها المحلية بمجالسها التشريعية والتنفيذية والقضائية المستقلة.
-3-
لقد عانى الشعب الكردي من النظام السابق أكثر من جميع المكونات السورية، إذ إضافة إلى إنكار وجوده طبق بحقه مشاريع عنصرية قاسية مثل مشروعي الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي العنصريين، وغيرها من أعمال القتل والسجون والإبادة الثقافية، وبالرغم من كل ذلك فإن موقف الإدارة الجديدة لازال يكتنفه الغموض وعدم الوضوح، ولا تستطيع بعض الكلمات الاعتباطية من طمأنة الكرد، خاصة أنها – أي الإدارة الجديدة – لا تحمل أي برنامج لحل قضايا المكونات، وبخاصة المكون الكردي، ثم أنه من المعروف أن الإدارة الجديدة لا تتمتع بالاستقلالية عن النفوذين التركي والقطري موقفهما معاد للشعب الكردي، إضافة إلى الأيديولوجية الدينية التي تحملها هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من الأخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي المعروفة بمواقفها من قضايا الديمقراطية وقضايا المكونات السورية وعلى رأسها القضية الكردية.
وبالرغم من اللقاءات التي تمت بين قيادة الإدارة الجديدة والجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية يبدو أنه ليس هناك استعداد لدى الإدارة الجديدة على تنفيذ مطالب قوات سوريا الديمقراطية، ولكن المعروف أن عيون الإدارة الجديدة تتجه فقط نحو موارد مناطق الإدارة الذاتية وبخاصة البترول.
إن الكرد مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ مواقف جذرية واضحة من جميع القضايا التي تواجههم وتواجه سوريا، وفي مقدمتها وحدة الصف الكردي وتعزيز العامل الذاتي لنضال الشعب الكردي، من خلال عقد مؤتمر قومي كردي يضم كافة القوى والأحزاب الكردية دون إقصاء، كما يضم المثقفين والكتاب والشخصيات الاجتماعية تحدد مواقفها ومطالبها تجاه مسألتين رئيسيتين هما:
1- شكل وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجديد في سوريا.
2- تحديد مطالب الشعب الكردي وحقوقه القومية، وحقوق باقي المكونات السورية.
ونرى أن تنصب قرارات هذا المؤتمر على الركائز التالية:
1- إيجاد وضع خاص لقوات سوريا الديمقراطية ككتلة في تشكيل الجيش السوري القادم، وعلى أن يكون مكان تمركزها في مناطق الإدارة الذاتية.
2- القضية الكردية في سوريا قضية وطنية وديمقراطية في آن واحد وقضية أرض وشعب تحل في الإطار الوطني السوري ووحدة البلاد، ولا ينفصل حلها عن القضايا الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السورية، وعن نضال القوى الوطنية والديمقراطية السورية.
3- الاعتراف الدستوري بالوجود القومي للشعب الكردي على أرضه التاريخية، وحل قضيته القومية وفقاً للأعراف والمواثيق الدولية، والاعتراف الدستوري باللغة الكردية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية وضمان حق التعلم والتعليم بها في المناهج الدراسية بكافة مراحلها لأبناء الشعب الكردي، واعتبار حماية المكتسبات التي تحققت في ثورة روجآفاي كردستان واجباً أخلاقياً ووطنياً وقومياً ومسؤولية تاريخية يجب حمايتها.
4- اعتبار الإدارة الذاتية واللامركزية السياسية والفيدرالية نموذجاً لحل الأزمة السورية ولسوريا المستقبل ولحل القضية الكردية في سوريا وقضايا باقي المكونات السورية، وتعزيز استراتيجية العلاقات التاريخية والتوافق والتلاحم بين الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن والشركس والشيشان والتركمان ومختلف شركائهم التاريخيين، خاصة أن الكرد وقوات سوريا الديمقراطية يصبحون اليوم الأمل الأكبر لكافة المكونات.
5- وضع دستور ديمقراطي توافقي للبلاد يضمن إقامة نظام سياسي ديمقراطي يعترف بالتعددية واللامركزية، ويضمن حقوق الشعب الكردي وحقوق جميع المكونات السورية الأخرى، ويتضمن مواد فوق دستورية متفق عليها تضمن حقوق جميع المكونات السورية.
طريق الشعب
الحزب اليساري الكردي في سوريا
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63204