نددت رابطة “تآزر” بالتعيينات العسكرية الأخيرة التي قامت بها الحكومة السورية المؤقتة ضمن تشكيلات “الجيش الوطني السوري” الجديد، والتي شملت شخصيات مصنفة على قوائم العقوبات الدولية ومتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ووصفت الرابطة هذه التعيينات بأنها “نكسة عميقة لمسار العدالة الانتقالية في سوريا، وإعادة شرعنة للجريمة تحت عباءة الدولة والمؤسسات العسكرية”، محذّرةً من إعادة انتاج البنية القمعية القديمة بوجوه جديدة.
“أبو حاتم شقرا” في قيادة رسمية رغم تاريخه الدموي
أحد أبرز هذه التعيينات تمثل في تعيين أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم “أبو حاتم شقرا“، قائداً للفرقة 86 العسكرية برتبة عميد في المنطقة الشرقية. ويُعد “شقرا” القائد السابق لتجمع “أحرار الشرقية”، وهي جماعة مسلحة تُعرف بسجل حافل من الانتهاكات الخطيرة، وسبق أن أدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية على قوائم العقوبات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894، إلى جانب القائد “أبو شقرا” نفسه، لدورهم المباشر في ارتكاب “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا.[1]
بحسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية، بتاريخ 28 تموز/يوليو 2021، فإن جماعة “أحرار الشرقية” بقيادة “أبو حاتم شقرا” شاركت في القتل غير القانوني للسياسية الكُردية هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب “سوريا المستقبل”، مع مرافقيها وسائقها، في جريمة وثّقتها الأمم المتحدة ووصفتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأنها ترقى إلى “جريمة حرب”.
كما ارتكبت الجماعة سلسلة من الانتهاكات واسعة النطاق، شملت:
- قتل مدنيين، من ضمنهم عاملون في المجال الصحي.
- عمليات اختطاف وتعذيب ممنهجة بحق السكان المحليين.
- منع النازحين/ات من العودة إلى منازلهم/ن ومناطقهم/ن الأصلية.
- إدارة سجون سرية خارج حلب، تمّ فيها تنفيذ مئات الإعدامات منذ عام 2018.
- تنفيذ حملات ابتزاز وفدية منظمة استهدفت رجال أعمال وشخصيات معارضة.
- الضلوع في الاتجار بنساء وأطفال من الطائفة الايزيدية، ودمج مقاتلين سابقين في تنظيم “داعش” في صفوف الجماعة.
وتشير التقارير الأمريكية إلى أن “شقرا” كان يقود سجن “أحرار الشرقية” بنفسه، كما يُعتقد أنه أبرم صفقات مباشرة مع عناصر من تنظيم “داعش” قاموا بمبايعته والعمل ضمن جماعته.
“أبو عمشة” و”أبو بكر” على رأس تشكيلات عسكرية
لم يكن “أبو حاتم شقرا” حالة استثنائية. فقد شملت التعيينات الجديدة عدداً من قادة الفصائل المسلحة المتورطين في انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، والمصنّفين أيضاً على قوائم العقوبات الأمريكية، من أبرزهم:
-
محمد الجاسم (أبو عمشة):
القائد السابق لفرقة “السلطان سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات، وقد تمّ تعيينه قائداً للفرقة 62 في حماة برتبة عميد.
في 17 آب/أغسطس 2023، أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية مع شقيقه ومجموعته على قوائم العقوبات، ذلك لمسؤوليته المباشرة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، تشمل تهجير السكان الكُرد قسرياً من عفرين ومصادرة ممتلكاتهم، وتوزيع المنازل المُخلاة على أقارب المقاتلين في فرقته، واختطاف مدنيين وطلب فدية مقابل الإفراج عنهم، وتحقيق مكاسب مالية تُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً من عمليات الابتزاز والفدية. كما يُزعم أن “أبو عمشة” اغتصب زوجة أحد عناصر فرقته وهددها هي وعائلتها بالأذى إن لم تلتزم الصمت، وفق ما ورد في البيان الرسمي لوزارة الخزانة الأمريكية.[2]
-
سيف بولاد (أبو بكر):
قائد فرقة “الحمزة”، وقد تمّ تعيينه قائداً للفرقة 76 في حلب برتبة عميد. أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية فرقة الحمزة وقائدها سيف بولاد “أبو بكر” على قوائم العقوبات، بتاريخ 17 آب/أغسطس 2023، بسبب تورطه في عمليات اختطاف نساء كُرديات واحتجازهن لفترة طويلة، وتعذيب المعتقلين/ات بطريقة وحشية أدت إلى وفاة بعضهم/ن. كما تدير الفرقة مراكز احتجاز تُمارس فيها انتهاكات جنسية بحق الضحايا، الذين غالباً ما يُحتجزون كرهائن.[3]
تقويض مسار العدالة وشرعنة الإفلات من العقاب
ترى رابطة “تآزر” أن تعيين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة في مناصب عسكرية رفيعة يُمثّل تهديداً خطيراً لمسار العدالة الانتقالية، ويُعيد إنتاج نفس البُنى الأمنية القمعية التي ساهمت في تفكيك المجتمع السوري، لكن هذه المرة بوجوه “معارضة” تحمل السجل ذاته من القمع والفساد والإفلات من العقاب.
“إن تعيين أشخاص متورطين في جرائم قتل وتعذيب واغتصاب في مناصب رسمية ليس فقط تجاهلاً لحقوق الضحايا، بل هو تثبيت لسلطة الجناة داخل النظام الجديد، ويشكل سابقة خطيرة تُعطّل أي أمل في الحقيقة والعدالة والمصالحة”.
كما نؤكد أنّ شرعنة هذه القيادات تُقوّض عمل روابط الضحايا والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التي ناضلت على مدار سنوات من أجل توثيق الانتهاكات والجرائم، وتحقيق المساءلة، وفتح باب العدالة للضحايا.
دعوة لمساءلة القادة ومراجعة بنية الجيش الوطني
تحمّل رابطة “تآزر” الحكومة السورية المؤقتة المسؤولية المباشرة عن انتهاكات هذه القوات، التي اندمجت رسمياً في “الجيش الوطني السوري”، وتطالب باستبعاد كل من تورط في الجرائم من مواقع النفوذ والسلطة بشكل فوري.
ينبغي على الحكومة السورية المؤقتة أنّ تُعطي الأولوية العاجلة لتوحيد جيشها تحت قيادة واحدة خاضعة للمساءلة، وإخضاع التعيينات لمعايير حقوق الإنسان، بما يشمل تدقيقاً شاملاً في سجلات القادة، وإنشاء نظام قضائي مُستقل قادر على حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
إنّ العدالة في مرحلة ما بعد النزاع ليست ترفاً سياسياً أو مطلباً مؤجلاً، بل هي الضمانة الوحيدة لإعادة بناء سوريا آمنة، خالية من القمع، وتحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون. لن يكون هناك سلام حقيقي ما دام مرتكبو الجرائم يتقلدون المناصب، ويُعاد إنتاجهم كقادة للمستقبل. فالشعوب لا تُشفى من جراحها بالسكوت، بل بالمحاسبة والعدالة.
يذكر أنّ صفحة السفارة الأمريكية في سوريا عبر فيس بوك، نقلت تصريحاً للسفيرة دوروثي شيا، الممثلة الأميركية بالنيابة لدى الأمم المتحدة، قالت فيه: “نتوقع محاسبة جميع مرتكبي [أعمال العنف الأخيرة]، ولا سيما من يتولون مناصب قيادية أو يتمتعون بصفة بارزة. فهذا سيبعث برسالة واضحة إلى جميع السوريين بأن لا أحد فوق القانون في سوريا الجديدة.”
[1] U.S. Department of the Treasury, Treasury Sanctions Syrian Regime Prisons, Officials, and Syrian Armed Group, 28 July 2021 (Available at: https://home.treasury.gov/news/press-releases/jy0292).
[2] U.S. Department of the Treasury, Treasury Sanctions Two Syria-Based Militias Responsible for Serious Human Rights Abuses in Northern Syria, 17 August 2023 (Available at: https://home.treasury.gov/news/press-releases/jy1699).
[3] Ibid.
المصدر: تــآزر
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=68486