إلى جانب القوميين الكرد، لعب أغلب وجهاء المسيحيين في الجزيرة دوراً هاماً في الحركة المطالبة بالحكم الذاتي للجزيرة. ففي الوقت الذي كان يتمتع سكان جبل الدروز و سكان جبل العلويين، و سكان لبنان و سكان لواء اسكندرون، و سكان المعمورة السورية (دمشق و حمص و حماه و حلب) بالحكم الذاتي في مناطقهم، كان من المشروع أن يطالب سكان الجزيرة بالتمتع بنفس الحقوق.
كانت النخب العروبية-الاسلاموية السنية و أتباعها، المدعومة من الانكليز و أحياناً من الأتراك و الألمان أيضاً، تحاول مدّ سلطاتها على جميع الأراضي الخاضعة للانتداب الفرنسي. و كانت فضلاً عن تلقيها الدعم الخارجي، كانت تستغل، لتحقيق أهدافها السلطوية، المشاعر الدينية و العربية لدى المسلمين والعرب من أبناء بقية المناطق.
بقي تحالف المطالبين بالحكم الذاتي للجزيرة فاعلاً ومتماسكاً أكثر من عقد من الزمن، و كان يعتمد هذا التحالف بالدرجة الأولى على النخبة الكردية القومية و النخبة المسيحية، وكان يتلقى هذا التحالف أحياناً دعم بعض وجهاء البدو المناوئين لأنصار السلطات الحاكمة في دمشق.
منذ عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، اضطرت السلطات الفرنسية إلى عقد تحالفات مع السلطات التركية و الانكليزية، و تقديم المزيد من التنازلات لها، فانعكس ذلك على توازنات القوى في الأقاليم الخاضعة للانتداب الفرنسي، إذ تم ضم لواء اسكندرون إلى تركية، و تمكنت النخب العروبية- الاسلاموية السنية في دمشق من انتزاع المزيد من الامتيازات السلطوية في الأقاليم الخاضعة للانتداب الفرنسي.
و انعكس ذلك سلباً على المناطق الكردية أيضاً، إذ شعر بعض قادة الحركة المطالبة بالحكم الذاتي بأن مستقبل الوجود الفرنسي غير مضمون في المنطقة، فحاولوا إعادة الجسور مع سلطات دمشق.
كانت قداسة المطران يعقوب حنّا حبى، مثله مثل أغلب وجاء المسيحيين في الجزيرة، من أنصار الحكم الذاتي في الجزيرة، و كان الحليف المسيحي الأقوى للقوميين الكرد، و لعب دوراً بارزاً في معارضة السياسات العنصرية و الطائفية التي كانت سلطات دمشق تطبقها بحق سكان الجزيرة.
لكن منذ اندلاع الحرب العالمية في أوربة، و ارتباك السلطات الفرنسية في إدارة الأقاليم الخاضعة لنفوذها، و إصابة الزعيم القومي الكردي حاجو آغا بالمرض في آذار عام 1940، خشيت الزعامات المسيحية من احتمال هزيمة فرنسا في الحرب، و بالتالي انسحابها الذي قد يجعل الطائفة المسيحية عرضة للمزيد من الاضطهاد على يد موظفي دمشق، و ذلك انتقاماً للمواقف السابقة لوجهائها.
تشكل وفد مسيحي مؤلف من قداسة المطران السرياني الكاثوليكي يعقوب حنّا حبى، و السيد الياس مرشو و السيد عبد الأحد قريو، و زار الوفد العاصمة دمشق، و التقى هذا الوفد مع فخامة رئيس الدولة السيد بهيج بك الخطيب، و قدّم له تقريراً سريّاً عن الحركة الكردية في الجزيرة. تضمن هذا التقرير التركيز على مخاطر الحركة الكردية في الجزيرة، و تضمن مناوأة أعضاء الوفد لهذه الحركة.
تم نقل نسخة من هذا التقرير، إلى مستشار السفارة الفرنسية في دمشق، ممثل المفوض السامي لدى الحكومة السورية، و أرسله هذا الأخير بدوره، في التاسع عشر من آذار عام 1940، إلى المكتب السياسي للسيد بيو، السفير، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سورية و في لبنان.
(صورة من أرشيف عائلة حاجو، تبين صورة قداسة المطران حبى خلف حاجو آغا)
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=20165