تقرير لـ تآزر تحت عنوان “خنق الحياة” يسلط الضوء على آثار الهجمات التركية على شمال شرق سوريا خلال عام 2024
ملخص تنفيذي:
يستعرض هذا التقرير السنوي حصيلة الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا خلال عام 2024، مُسلطاً الضوء على حجم المعاناة الإنسانية والخسائر الناجمة عنها. يوثّق التقرير تفاصيل الانتهاكات عبر بيانات دقيقة وشهادات ميدانية، ويعرض أنماط الاستهداف التي طالت المدنيين والبنى التحتية والمرافق الحيوية. كما يتناول عمليات القصف المزدوجة التي استهدفت نفس المواقع مرتين متتاليتين، إلى جانب شهادات حيّة عن استهداف الصحفيين أثناء تغطيتهم للأحداث.
تصاعدت الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا بشكل ملحوظ خلال عام 2024، حيث نفذت طائرات مسيّرة وحربية هجمات منسقة استهدفت بشكل متعمد البنى التحتية والأعيان المدنية. إضافةً إلى ذلك، شاركت القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” في قصف مدفعي وصاروخي مكثف، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة.
خلال عام 2024، شنّت القوات التركية ما لا يقل عن 638 هجوماً على مناطق شمال شرق سوريا، أسفرت عن مقتل 83 مدنياً، بينهم 14 طفلاً و20 امرأة، وإصابة 173 آخرين، من بينهم 60 طفل و26 امرأة. كما أسفرت هذه الهجمات عن تدمير عشرات المرافق الحيوية بشكل متعمد، بما في ذلك مراكز صحية، ومحطات تحويل الكهرباء، وحقول النفط والغاز، مما حرم السكان من الكهرباء والمياه والغاز لفترات طويلة.
كان القصف الجوي الأكثر فتكاً بالأرواح، حيث شهدت مناطق شمال شرق سوريا 221 غارة جوية، أوّدت بحياة 44 مدنياً، بينهم 11 امرأة و3 أطفال، بينما أُصيب 92 آخرون، بينهم 9 نساء و15 طفلاً. أما القصف المدفعي والصاروخي فقد كان الأكثر عدداً، مُسجلاً 416 حالة قصف، أدّت إلى مقتل 39 مدنياً، بينهم 9 نساء و11 طفلاً، وإصابة 81 شخصاً، من ضمنهم 17 امرأة و45 طفلاً.
اتبعت القوات التركية تكتيك “الضربات المزدوجة”، مستهدفةً المواقع نفسها مرتين متتاليتين، مما يضاعف الخسائر البشرية والمادية، كما حدث في 24 أكتوبر/تشرين الأول، حين تعرض حقل عودة النفطي في ريف القحطانية/تربه سبيه لضربة ثانية أثناء وجود فرق إعلامية كانت توثق الأضرار الناجمة عن القصف الأول، رغم ارتدائهم إشارات تميزهم كصحفيين.
في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024 تعرضت ثلاث فرق إعلامية تابعة لمؤسسات إقليمية ومحلية، تضمّ مراسلين ومصوّرين ومنسقين ميدانيين، للاستهداف المباشر بواسطة طائرة مسيّرة تركية أثناء تغطيتهم لهجوم على حقل العودة النفطي بريف القحطانية/تربه سبيه، رغم ارتداء أفرادها إشارات واضحة تميّزهم كصحفيين. تكرّر الأمر في محطة تحويل الكهرباء بمدينة عامودا، حيث تعرض فريق إعلامي لقناة محلية لهجوم مماثل أثناء توثيقه للقصف على المحطة، دون تسجيل إصابات.
كما قُتل الصحفيان جيهان بلكي وناظم دشتان نتيجة استهداف سيارتهما بشكل مباشر من طائرة مسيرة تركية، بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2024، في هجوم وصفته منظمة “حرية الصحافة للنساء – Women Press Freedom” بأنه جريمة حرب تستوجب تحقيقاً دولياً مستقلاً. وقالت المنظمة في بيان إنّ الصحفيان كانا يوثقان الهجمات على “سد تشرين” عندما تمّ استهداف سيارتهما “بشكل مباشر” من قبل طائرة تركية مسيّرة، كما أُصيب سائق المركبة في الهجوم.
لم تلتزم القوات التركية في هجماتها على شمال شرق سوريا بمبادئ القانون الدولي الإنساني، حيث تسببت هذه الهجمات في إزهاق أرواح المدنيين بشكل مفرط، وإصابة العشرات منهم، وإلحاق أضرار جسيمة بالأعيان المدنية. كما أثّرت الهجمات التركية بشكل كارثي على حياة سكان المنطق، التي تحتضن أكثر من مليون نازح داخلي، مما فاقم الأزمة الإنسانية القائمة بالفعل.
بموجب القانون الدولي الإنساني “تُحظر مهاجمة الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، أو تدميرها، أو إزالتها أو تعطيلها“. لذا، وباستهدافها المباشر لمحطات الكهرباء، منشآت النفط والغاز، المراكز الصحية، وغيرها من المنشآت المدنية في شمال شرق سوريا، وتدميرها بشكل متعمد، تنتهك تركيا التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وترقى أفعالها إلى مستوى جرائم حرب.
تقع على عاتق أي حكومة سورية، سواءً الحالية أو المستقبلية، مسؤولية أخلاقية وقانونية واضحة للتنديد بهذه الانتهاكات الخطيرة والتدخل بشكل فعّال لحماية مواطنيها من الهجمات التي تستهدفهم. إن حماية المدنيين وضمان أمنهم وسلامتهم هو من أهم واجبات أي حكومة، وينبغي عليها أن تتخذ جميع التدابير الممكنة لإيقاف هذه المأساة الإنسانية المتفاقمة.
يشمل ذلك العمل على المستوى الدولي لإدانة هذه الهجمات والمطالبة بمحاسبة الجناة، إلى جانب تعزيز التدابير المحلية لحماية البنى التحتية وضمان وصول الخدمات الأساسية للسكان المتضررين. فالدفاع عن حقوق المواطنين هو الركيزة الأساسية لأي دولة تسعى لتحقيق العدالة وبناء مستقبل مستقر وآمن لشعبها.
مقدمة:
في العام 2024، تصاعدت وتيرة القصف التركي على مناطق شمال وشرق سوريا، لتشمل هجمات عنيفة بالطائرات الحربية والمسيّرات، إلى جانب القصف المدفعي والصاروخي الذي طال أغلب المدن الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا، فضلاً عن استهداف مدينة “تل رفعت” ومنطقة الشهباء شمالي حلب.
تجلّى التصعيد التركي بشكل واضح منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين أعلنت الحكومة التركية رسمياً أنّ عملياتها ستكون موجهة نحو تدمير البنى التحتية والفوقية ومصادر الطاقة في شمال شرق سوريا. جاء التهديد التركي، بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على لسان وزير الخارجية “هاكان فيدان” مُعلناً أنّ “كافة البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا والعراق، باتت أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخباراتية“، عقب هجوم على مقر وزارة الداخلية التركية في “أنقرة” وإصابة شرطيين. رغم نفي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية/قسد، مظلوم عبدي، تورط قواته في هجوم “أنقرة”.
منذ ذلك الحين، تواصل القوات التركية هجماتها على مناطق شمال شرق سوريا، مُستهدفةً البنى التحتية الحيوية والمنشآت المدنية، بما في ذلك المراكز الصحية، محطات تحويل الكهرباء، وحقول النفط والغاز، بالإضافة إلى المصانع والشركات الصغيرة، ما أدى إلى تدمير واسع النطاق وانقطاع الخدمات الأساسية عن السكان.
بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2024، تعرّضت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية “توساش” في العاصمة أنقرة لهجوم أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 14 آخرين، وفقاً لما أعلنه وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا. وسرعان ما وجهت تركيا اتهاماتها إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، زاعمةً أن المسلحين المتورطين تسللوا من مناطق شمال شرق سوريا. كما تداولت وسائل إعلام تركية أخباراً شابتها تناقضات وتضليل في التفاصيل، كما وثّقت منصة (True Platform) للتحقق من الأخبار، مؤكدةً أن الادعاءات حول تسلل المسلحين عبر الجو تفتقر إلى الأدلة الدامغة.
ورغم نفي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أي علاقة بين قواته ومنفذي الهجوم، مؤكداً ذلك في تصريح لوكالة “فرانس برس”، ثم تبني “حزب العمال الكردستاني” الهجوم لاحقاً، إلا أن وزارة الدفاع التركية باشرت حملة عسكرية مساء يوم الهجوم نفسه، مستهدفة مناطق في شمال شرق سوريا.
الحملة العسكرية التركية، التي شملت 107 ضربات جوية ومدفعية، خلفت حصيلة مأساوية من الضحايا. فقد قُتل 14 شخصاً على الأقل، بينهم 3 أطفال و3 نساء، بينما أُصيب 64 آخرون بجروح، بينهم 10 أطفال و11 امرأة. كما أسفر القصف عن تدمير مواقع حيوية للطاقة، مما أثر بشكل كبير على مصادر الغاز، وقود التدفئة، وإمدادات الكهرباء التي تعتبر أساسية لتشغيل محطات ضخ المياه.
أدى استهداف المحطات الكهربائية ومصادر الطاقة إلى تعقيد الوضع بشكل أكبر. وفي تصريح لزياد رستم، الرئيس المشترك لهيئة الطاقة في شمال شرق سوريا، قال إنهم يواجهون صعوبات بالغة في تأمين قطع الغيار اللازمة لإصلاح المحطات المتضررة. وأوضح أن أسعار المحولات الكهربائية تتراوح بين 500 ألف ومليون دولار، مما يضيف عبئاً اقتصادياً هائلاً على المنطقة التي تعاني بالفعل من حصار وتحديات إنسانية متعددة.
لم تقتصر تبعات الهجمات على الجانبين البشري والمادي فقط، بل امتدت إلى الجانب الإنساني. ففي بيان صدر بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أعرب منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا (NES Forum)، وهو تحالف للمنظمات الدولية العاملة في المنطقة، عن قلقه البالغ إزاء الهجمات التركية، منذ 23 تشرين الأول/أكتوبر، والتي أسفرت عن مقتل 17 مدنياً وإصابة 160 آخرين، وألحقت أضرار جسيمة بعدد من المواقع الحيوية للبنية التحتية وأصبحت خارج الخدمة، مما سيزيد من تدهور وصول المدنيين إلى المياه والكهرباء. وأضاف البيان أنّ الوصول إلى الكهرباء لأكثر من 1.05 مليون نسمة في 1,322 مجتمعاً، و1,937 مدرسة، و12 مرفقاً طبياً، أصبح مهدداً بشدة في أنحاء شمال شرق سوريا. كما أشار إلى أنّ غالبية الشركاء الإنسانيين العاملين في المناطق المتأثرة، والذين يقدمون خدمات أساسية مثل الصحة والحماية والتغذية والمياه والصرف الصحي، قد أوقفوا حركتهم بسبب تصاعد الأعمال العدائية، مؤكدةً أنّ هذا التوقف لا يعيق الوصول إلى الدعم الحيوي فحسب، بل يزيد من ضعف المجتمعات المتأثرة ومن عزلتها وحرمانها من المساعدات المنقذة للحياة.
كما ندّدت منظمات محلية سورية، بالهجمات التركية المستمرة على البنى التحتية والمنشآت المدنية في شمال شرق سوريا، خلال وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة في مدينة القامشلي، يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 2024، موجهةً نداءً عاجلاً إلى الأمم المتحدة وقوات التحالف الدولي للتدخل الفوري لوقف الهجمات وحماية المدنيين.
المنهجية:
يهدف هذا التقرير إلى توثيق الهجمات التركية المتكررة على مناطق شمال شرق سوريا، مستندًا إلى تحليل شامل للبيانات التي جمعها باحثونا الميدانيون خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير وحتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2024. يتضمن التقرير تقييماً لآثار هذه الهجمات على المدنيين من خلال مصادر متعددة تشمل إفادات الشهود والضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن.
لإعداد هذا التقرير، جمعت “تآزر” 26 إفادة من ناجين/ات، عائلات الضحايا المدنيين، وشهود عيان على الهجمات التركية. تتضمن هذه الإفادات شهادات مباشرة حول الحوادث وتأثيراتها على الأفراد والمجتمعات المحلية. ندرك حجم مسؤوليتنا تجاه الضحايا، ونعتمد في عملنا على استراتيجيات تركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، كجزء أساسي من عملنا اليومي. نحرص على تضمين وجهات نظر متعددة لتطوير فهم عميق وتحليلي للأحداث، مع الالتزام بأعلى درجات الدقة والنزاهة.
بالإضافة إلى المقابلات، تمّت مراجعة وتحليل مجموعة واسعة من المصادر المفتوحة التي تناولت معلومات عن الهجمات التركية على شمال شرق سوريا. تمّ التحقق من صحة المعلومات الواردة في هذه المصادر، واستخدامها كمرجع داعم لتحليلنا.
أثناء جمع وتحليل البيانات، التزمنا بأعلى معايير الدقة والنزاهة لضمان موثوقية المعلومات المقدمة في التقرير. تمّ التحقق من صحة المعلومات من خلال مقارنتها بمصادر متعددة وضمان توافقها مع الشهادات والإفادات التي جمعناها.
تعتبر هذه المنهجية الشاملة والمتكاملة ضرورية لتقديم صورة واضحة ومفصلة عن تأثير الهجمات التركية على المدنيين والبنية التحتية في شمال شرق سوريا، وتعزيز الوعي الدولي بهذه الانتهاكات.
استهداف تركي ممنهج للبنى التحتية الحيوية ومصادر الطاقة في شمال شرق سوريا:
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2024، شنّت تركيا أربع حملات عنيفة باستخدام الطائرات الحربية والمسيّرة، مستهدفةً أكثر من 250 موقعاً حيوياً في شمال شرق سوريا، بما في ذلك البنى التحتية والمرافق الحيوية، كمحطات الكهرباء، وحقول النفط والغاز، بالإضافة إلى المصانع والشركات الصغيرة. كما تكرّر استهداف بعض المنشآت الحيوية والأعيان المدنية بعد صيانتها، ضمن نمط واضح من الاستهداف المنهجي للأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.
بدأت الحملة الأولى يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واستمرت لعدة أيام، إذ قصفت الطائرات التركية أكثر من 150 موقعاً حيوياً في شمال شرق سوريا، بما في ذلك محطات تحويل الكهرباء في المدن والبلدات الرئيسية، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة، ومنشآت الطاقة من نفط وغاز، أبرزها “منشأة السويدية” التي تُزود منطقة الجزيرة/محافظة الحسكة بالغاز والكهرباء. أسفرت الاستهدافات التركية عن مقتل 11 مدني، بينهم طفلين، وإصابة أكثر من 10 آخرين، بينهم طفلة فقدت قدماها، كما حرمت الملايين من سكان المنطقة من المياه والكهرباء لأسابيع.
ومع بدء احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة، شنّت تركيا في 24 كانون الأول/ديسمبر 2023 حملة ثانية استهدفت خلالها أكثر من 50 موقعاً حيوياً، من بينها: محطة نفطية قرب قرية “الكهف/بانا شكفتيه” في ديريك/المالكية، وحقلي “عودة” و “السعيدة” النفطيين في ريف القامشلي. أدى القصف إلى خروج المحطات السابقة عن الخدمة، ما تسبب بحرمان أكثر من مليون شخص من سكان المنطقة من الكهرباء جراء توقف إمدادات الغاز التي توفرها تلك المحطات.
وفي 25 كانون الأول/ديسمبر، وسّعت تركيا نطاق استهدافها ليشمل منشآت خدمية وصناعية، من بينها منشأة طبّية ومعمل للزيتون وورشة للخياطة ومنشآت أعلاف ومجبل للإسمنت وصالة أفراح ومعمل تعبئة أسطوانات الأكسجين الوحيد في المنطقة، بينما وقع الهجوم الأعنف بحقّ عمال مطبعة، وأدّى إلى مقتل 4 موظفين بينهم فتاة.
واعترفت وزارة الدفاع التركية في بيان رسمي بالمسؤولية عن تلك الضربات، التي أسفرت عن مقتل 9 مدنيين، بينهم فتاتين، وجرح 14 آخرين، وبثت الذعر في نفوس الأهالي.
اللافت أنّ بعض المنشآت المستهدفة، مثل مصنع تعبئة أسطوانات الأكسجين، ومحطة كهرباء الدرباسية، كانت قد تلقت دعماً من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، وقد خرجا عن الخدمة تماماً.[1]
ومع مطلع العام 2024، تعرضت مناطق شمال شرق سوريا لحملة ثالثة من الغارات التركية العنيفة، بدأت بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2024، استهدفت خلالها الطائرات الحربية والمُسيّرة نحو 74 موقعاً حيوياً، بما في ذلك منشآت النفط والطاقة التي سبق استهدافها في حملات سابقة، كـ “محطة السويدية” التي تُنتج الغاز والكهرباء، والتي تعرضت لعشر غارات على الأقل، ما أدّى إلى خروجها عن الخدمة نهائياً، وحرمان ملايين السكان من الغاز المنزلي، فضلاً عن انقطاع الكهرباء عن مئات القرى وعدد من البلدات والمدن، الأمر الذي أثر كذلك على تشغيل محطات المياه وغيرها من المرافق الخدمية التي تعتمد على الطاقة. كما أسفرت هذه الحملة عن إصابة ما لا يقل عن 9 مدنيين، بينهم طفلين وامرأة حامل.
ونُفذت الحملة الرابعة من الغارات الجوية والقصف العنيف، خلال الفترة بين 23 و31 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مخلفةً حصيلة مأساوية من الضحايا، فقد قُتل خلالها 14 شخصاً، بينهم ثلاثة أطفال وثلاث نساء، بينما أُصيب 64 آخرون بجروح، بينهم 10 أطفال و11 امرأة. كما أسفر القصف عن تدمير مواقع حيوية للطاقة، مما أثر بشكل كبير على مصادر الغاز، وقود التدفئة، وإمدادات الكهرباء التي تعتبر أساسية لتشغيل محطات ضخ المياه.
تخللت هذه الحملة استهداف متكرر لفرق إعلامية خلال تغطيتها للأضرار، حيث قالت صحفية لرابطة “تآزر” إنها تعرضت مع فريقها وفرق إعلامية أخرى تابعة لمؤسسات إقليمية ومحلية، تضمّ مراسلين ومصوّرين ومنسقين ميدانيين، للاستهداف المباشر بواسطة طائرة مسيّرة تركية أثناء تغطيتهم لهجوم على حقل العودة النفطي بريف القحطانية/تربه سبيه، يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024، رغم ارتدائهم إشارات واضحة تميّزهم كصحفيين. تكرّر الأمر في محطة تحويل الكهرباء بمدينة عامودا، حيث تعرض فريق إعلامي لقناة محلية لهجوم مماثل أثناء توثيقه للقصف على المحطة، دون تسجيل إصابات.
هذا النمط المنهجي من الهجمات التركية المتعمدة على البنى التحتية الحيوية ومصادر الطاقة في شمال شرق سوريا، مؤشر على نيّة تركيا بتدمير اقتصاد المنطقة وحرمان سكانها من الخدمات والحقوق الأساسية. بحسب تصريحات مسؤولين في الإدارة الذاتية، فإنّ الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية، تُقدّر بملايين الدولارات، كما ذكر تقرير إعلامي، نقلاً عن مسؤولين في قطاع النفط، أنّ الخسائر تُقدّر بأكثر من مليار دولار، وتتضمن حسابات الخسائر، إصلاح الأضرار وخسائر الواردات النفطية وغيرها.
وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في بيان نشرته بتاريخ 11 آذار/مارس 2024، إنّ “أدت الهجمات الجوية التركية ضد محطات الطاقة إلى حرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وتم كذلك قتل مدنيين في هجمات جوية مُوجَّهة، ضمن نمط من الهجمات التركية بالطائرات المُسيَّرة. وقد ترقى مثل هذه الهجمات إلى جرائم الحرب.”
شهادات من الميدان: مدنيون تحت القصف
تتكرر قصص الألم والمعاناة مع كل غارةً تُنفذها تركيا على مناطق شمال شرق سوريا. هذه القصص، التي وثقتها رابطة “تآزر” للضحايا، ليست مجرد أرقام في تقارير حقوق الإنسان، بل هي قصص حقيقية تُظهر بوضوح الفظائع التي تحدث في مناطق النزاع، حيث يدفع المدنيون ثمناً باهظاً نتيجة الهجمات المتكررة التي تنتهك القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان.
-
جسدي مليء بالشظايا:
كانت مناطق متعدّدة في شمال شرق سوريا، بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2024، هدفاً لهجمات مكثّفة بالطائرات المسيّرة والحربية، استهدفت الهجمات المنشآت الحيوية والأعيان المدنية على حد سواء.
كان كابرين الفرحو، البالغ من العمر 32 عاماً، وهو موظف في شركة الكهرباء في الدرباسية، قد انطلق إلى عمله كالمعتاد، حين سمع عن تعرض مركز تحويل الكهرباء في المدينة لقصف بطائرة مسيّرة تركية. دون تردد، فتوجه برفقة زميل آخر له إلى الموقع للتأكد من سلامة زملائهم وتقديم المساعدة في إخماد الحريق. روى كابرين لـ “تآزر” ما حدث بعد وصوله إلى موقع القصف:
“بعد وصولنا بعشر دقائق، تعرضت المحطة للقصف مرةً أخرى. أُصبت بشظايا في مختلف أنحاء جسدي، وتمّ إسعافي إلى مشفى خبات بالمدينة. بعد الإسعافات الأولية، نُقلتُ إلى مشفى آخر في المدينة ومنها إلى مشافي الحسكة“.
أوضح الأطباء أن جسد “كابرين” يحتوي على 18 شظية، وبينما تمّ استخراج بعضها، أخبروه بوجود عدة شظايا أخرى على جدار البطن ستتم إزالتها في وقت لاحق. يقول كابرين: “الآن أعيش مع ذكريات القصف وأحمل شظايا في جسدي من آثارها“.
تغيرت حياة “كابرين” بعد هذا اليوم، فقد أصبحت ذكريات القصف والشظايا جزءاً من يومياته، تذكره دوماً باللحظات العصيبة التي مر بها، وبالتضحيات التي يقدمها المدنيون في ظل استمرار النزاع.
وتنتهج تركيا نمط تنفيذ ضربات جوية مزدوجة ومتتالية، من خلال تكرار قصف نفس الموقع لأكثر من مرة، ويعرض ذلك المسعفين والعاملين الإنسانيين للخطر، ويؤدي إلى الحاق أكبر ضرر ممكن بالمنشأة، كما يُسهم في بثّ الذعر في نفوس الأهالي. إنّ تكرار الضربات على نفس الموقع يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ الحماية المنصوص عليها في البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف.
-
فرحٌ أفسده القصف:
في يوم 26 نيسان/أبريل 2024، كانت لجين دشو، الطفلة البالغة من العمر 11 عاماً، مع عائلتها في قرية “عون الدادات” شمالي منبج للمشاركة في حفلة خطوبة إحدى قريباتها. كانت المناسبة مليئة بالفرح والأمل، ولجين ترافق جدتها العجوز لمساعدتها في قضاء بعض الأمور.
وسط الأجواء الاحتفالية، سقطت فجأة قذيفتا هاون أطلقتهما فصائل “الجيش الوطني السوري” على القرية. أدى الهجوم إلى فقدان الجدة سمعها لبضع ساعات، بينما كانت لجين ترتعد من الخوف، ولم يدركوا إصابتها بشظية إلا بعد مرور ساعتين.
تم إسعاف لجين إلى “المشفى التخصصي” في مدينة منبج. بعد الفحوصات الطبية، تبيّن أن شظايا أصابتها في منطقة البطن، مما استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصال جزء من أمعائها بطول 25 سم، وفقاً للتقرير الطبي الصادر من المشفى. قالت وعد دشو، قريبة لجين، لـ “تآزر”.
“كانت لجين في مناسبة عائلية بقصد الفرح، لكنها أصيبت بشظايا من قذيفة هاون، وتم استئصال جزء من أمعائها. هي تتذكر الحادثة في كل مرة وترتعد من الخوف. أثناء علاجها في المشفى، كانوا يجدون صعوبة في الكشف عن جرحها بسبب صغر سنها وخوفها الدائم”.
تسلط قصة “لجين” الضوء على الآثار المدمرة للهجمات العشوائية على المدنيين، وخاصةً الأطفال. إنّ استخدام قذائف الهاون في مناطق مدنية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض حماية المدنيين في النزاعات المسلحة. يجب على جميع الأطراف المتنازعة احترام هذا القانون لضمان حماية الأبرياء وتجنيبهم ويلات الحرب.
-
الموت يُلاحقنا:
عاش “علي عبد الرحمن” الطفل البالغ من العمر 17 عاماً حياةً بسيطة، ملؤها التحديات منذ الصغر. شهد النزوح وعانى من الفقر، ولم يكن له من العمر ما يكفي ليتجاوز هذه الصعاب، حتى انتهت حياته بشكل مأساوي جراء قصف تركي.
بدأت القصة مع العملية العسكرية التركية “غصن الزيتون”، حيث نزح “علي” الذي كان عمره آنذاك 11 عاماً، من عفرين قسراً. احتلت القوات التركية المدينة بمساعدة فصائل “الجيش الوطني السوري”، مما أجبر “علي” وعائلته على الانتقال إلى بلدة “تل رفعت” شمالي حلب بحثاً عن الأمان.
في سن 17 عاماً، وبعد أن اشتد عليه وأسرته ضيق العيش، اضطر “علي” للعمل في مجال البناء والحفر في قرية “بيلونيه”. لكن في 17 آذار/مارس 2024، قصفت طائرات مسيّرة تركية القرية، مما أدى إلى إصابة “علي” بجروح بليغة، في حين أصيب زميل له يبلغ 30 عاماً بشظايا في جميع أنحاء جسده.
تحدثت “تآزر” إلى “زكريا” (27 عاماً) شقيق “علي” الأكبر، وقال:
” اضطر أخي للعمل نتيجة الوضع الاقتصادي السيء، ولم يمرّ أسبوع على بدئه العمل حتى أصيب نتيجة قصف بطائرة مسيّرة تركية. تمّ نقله مع زميله المصاب إلى مشفى تل رفعت، ثم تم تحويلهما إلى مشفى “فافين” في الشهباء. نجا زميله بعد استخراج شظايا من جسده ووضع سيخ معدني في قدمه، لكن إصابة أخي كانت بليغة، فقد أصيب في الرأس والصدر والظهر، وتوفي في المشفى بعد ساعتين فقط من إصابته.”
وختم “زكريا” حديثه بالقول: “كانت حياة أخي بسيطة، كان صغيراً وشهد النزوح، ولم يكبر كفاية حتى مات في القصف“.
-
القصف لا يكترث للأطفال:
في يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024 شهدت مناطق ريف منبج ومناطق الشهباء شمالي حلب قصفاً مدفعياً مكثفاً، أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال. في إحدى القصص المأساوية التي وثقتها رابطة “تآزر”، كان أطفال إحدى العائلات يلعبون أمام منزلهم في القرية، عندما سقطت قذيفة بالقرب منهم، مما أدى إلى وفاة أحد الأطفال وإصابة الآخرين. الشظايا المتناثرة تسببت في هذه الإصابات والوفيات. أحد أفراد عائلة الضحية الذين تواصلت معهم “تآزر” قال إن “القصف لا يكترث للأطفال، وغالباً ما يستهدف المدنيين ومنازلهم”.
-
الغارات الجوية: المأساة تتكرر
الغارات الجوية بالطائرات الحربية والمسيّرة كانت أكثر تدميراً، وزادت من معاناة المدنيين في تأمين احتياجاتهم الأساسية كالماء والكهرباء والوقود. أحد الشهود الذين قابلتهم “تآزر”، والذي فقد أخاه في هذه الغارات، يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أوضح أن أخاه كان يعمل حارساً في معمل غاز السويدية منذ ثلاث سنوات، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال.
عند سماع نبأ القصف، سارع الأخ إلى الموقع للاطمئنان على شقيقه، لكن زملاءه أخبروه بأنه قد أصيب ونُقل إلى المستشفى. بعد بحث مضنٍ في مستشفيات معبدة/كركي لكي والمالكية/ديريك، تبيّن أن أخاه قد فارق الحياة جراء إصابته بالشظايا الناتجة عن الضربة الجوية. عملية التعرف على الجثة كانت صعبة، حيث تم التعرف عليه من خلال صفائح معدنية في قدمه. المأساة لم تنتهِ هنا، بل بدأت معاناة جديدة لعائلته التي فقدت معيلها الوحيد، مما خلّف جرحًا لن يندمل بسرعة.
-
على أعتاب سوريا الجديدة:
في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، عاشت سوريا لحظة فارقة مع سقوط نظام الأسد، حيث ملأت الاحتفالات شوارع العديد من المدن السورية. لكن على النقيض تماماً، كان المشهد في مناطق شمال وشمال شرق سوريا مشوباً بالخوف والنزوح، إذ واجه السكان هناك قصفاً مكثفاً وهجمات شنتها فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا. هذه الهجمات طالت مناطق الشهباء شمالي حلب، ومدينة منبج، وحتى سد تشرين، مستخدمة المدفعية والصواريخ، إلى جانب غارات طائرات مسيّرة وحربية تركية، ما خلف عشرات الضحايا والدمار.
بين 8 و23 كانون الأول/ديسمبر، وثقت رابطة “تآزر” مقتل 45 شخصاً، بينهم 14 طفلاً، نتيجة قصف تركي بالطائرات المسيّرة والمدفعية على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. كما أصيب 14 مدنياً، بينهم 3 أطفال وامرأتين.
في واحدة من أكثر الهجمات دموية، استهدفت طائرة مسيّرة تركية، يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، قرية “المستريحة” في ريف بلدة “عين عيسى” شمال الرقة، مما أسفر عن مقتل 12 مدنياً، بينهم 6 أطفال، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. المشاهد في القرية كانت مؤلمة: منازل مدمرة، جثث الضحايا والأطفال بين الأنقاض، وأسر فقدت أحباءها في لحظات مروعة.
المسؤولية القانونية والتوصيات:
نفذت الحكومة التركية هجمات متعمدة ومعلنة على الأعيان المدنية والبنى التحتية الحيوية في شمال شرق سوريا، ما يُشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني العرفي، حيث تنص مبادئ القانون الدولي الإنساني (IHL) والقانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL) على حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم والبنية التحتية.
يحدد القانون الدولي الإنساني المعايير الأساسية التي يجب أن تلتزم بها الأطراف المتنازعة أثناء النزاعات المسلحة، بهدف حماية المدنيين والأعيان المدنية. تُعتبر الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، كما هو موضح في التقرير، انتهاكاً لعدة مبادئ أساسية في القانون الإنساني الدولي، من بينها:[2]
-
مبدأ التمييز:
ينص هذا المبدأ على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. تُعتبر الهجمات التي تستهدف البنى التحتية الحيوية، مثل محطات الكهرباء، منشآت النفط والغاز، والمرافق الصحية، انتهاكاً واضحاً لهذا المبدأ، حيث تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمدنيين وتعطيل الخدمات الأساسية التي يعتمدون عليها.
-
مبدأ التناسب:
يحظر مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي الإنساني، الهجمات على أهداف عسكرية مشروعة قد يتوقع أن تحدث خسائر عرضية في أرواح المدنيين أو تلحق أذى بالمدنيين أو أضرار بأهداف مدنية أو أن تحدث كل ذلك، مما يشكل إفراطاً في الهجمات، بالقياس على الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة والمتوقعة. كما يجب التأكيد في جميع مراحل هجوم معين على تطبيق مبدأ الاحتياطات بالتزامن مع مبدأ التناسب، وكذلك بشكل مستقل عنه. بمعنى آخر، حتى إذا لم تكن الخسائر العرضية المتوقعة في أرواح المدنيين والإصابة بينهم والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية، مُفرطة مقارنةً بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المرجوة من الهجوم، يتعين على الطرف المهاجم، رغم ذلك، اتخاذ جميع التدابير الممكنة لاختيار وسائل وأساليب قتال تؤدي إلى تجنب وقوع أضرار عرضية بين المدنيين إلى أقصى حد ممكن. يشير تحليل البيانات إلى مقتل وإصابة مدنيين بكثرة نتيجة الهجمات التركية، فضلاً عن تدمير البنى التحتية الحيوية والتسبب في معاناة كبيرة للمدنيين (مثل انقطاع الكهرباء والمياه). لذا لم تُراعِ الحكومة التركية خلال هجماتها على مناطق شمال شرق سوريا، مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي الإنساني.[3]
وتحظر المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الهجمات التي لا تميّز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وتعتبر الهجمات العشوائية التي تؤدي إلى إصابات وقتلى في صفوف المدنيين وتدمير المنشآت المدنية انتهاكاً صريحاً لهذا الحظر.[4]
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL)، فإن الدول ملزمة بحماية حقوق الإنسان الأساسية حتى في زمن النزاعات المسلحة. تشمل هذه الحقوق:
-
الحق في الحياة:
تنص المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويجب على الدول حماية هذا الحق. الهجمات التركية التي أودت بحياة المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، تُعتبر انتهاكاً لهذا الحق.[5]
-
الحق في الصحة:
يتضمن هذا الحق ضمان حصول الأفراد على الرعاية الصحية الأساسية. الهجمات على المنشآت الصحية التي أدت إلى تعطيل الخدمات الطبية تُعتبر انتهاكاً لهذا الحق، كما أن تعطيل إمدادات المياه النظيفة يزيد من خطر انتشار الأمراض، مما يشكل تهديداً إضافياً للصحة العامة.[6]
-
الحق في مستوى معيشي لائق:
يتضمن هذا الحق الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الضرورية لتوفير هذه الخدمات تنتهك هذا الحق بشكل مباشر.
تُظهر الأدلة والوقائع الموثقة في التقرير انتهاكات تركيا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي؛ من خلال الهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية والبنية التحتية الحيوية في شمال شرق سوريا. يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان محاسبة تركيا على هذه الانتهاكات وضمان حماية المدنيين في المناطق المتضررة.
في جميع الأحوال، على الحكومة التركية وقف الاعتداءات على المدنيين والبنى التحتية والمرافق الحيوية بشكل فوري واحترام القانون الإنساني الدولي، كما عليها بدء تحقيق شامل ونزيه في أي خسائر مدنية تنجم عن عملياتها، والامتثال للمعايير والالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وتشمل هذه الالتزامات:
- حماية المدنيين: يجب على تركيا اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين والأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، والامتناع عن الهجمات التي يمكن أن تسبب أضراراً غير متناسبة أو غير مميزة.
- ضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية: يجب على تركيا السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق للمدنيين المتضررين من النزاع، وضمان أنّ لا تتأثر عمليات الإغاثة بسبب العمليات العسكرية.
- المسؤولية عن الأفعال غير القانونية: بموجب القانون الدولي، تُعتبر تركيا مسؤولة عن أي انتهاكات ترتكبها قواتها العسكرية، ويجب أن تُحاسب الأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
- التعويض عن الأضرار: يجب على تركيا تقديم التعويضات المناسبة للضحايا المدنيين الذين تأثروا بالهجمات غير القانونية، بما في ذلك إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية.
يمكنكم/ن قراءة التقرير بالكامل (15 صفحة) من خلال الرابط.
[1] للمزيد اقرأ: تركيا تستهدف مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في شمال شرق سوريا، من منشورات المعهد الكردي للسلام KPI، بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2024.
[2] اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، القانوني الدولي الإنساني، القواعد العرفية.
[3] المادة 51 (5) (ب) من البروتوكول الإضافي الأول، والقاعدة (14) من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
[4] اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، المادة 51.
[5] الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 6.
[6] الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة 12.
المصدر: تــآزر
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61541