مروان فلو
1. المقدمة
جبل الأكراد هو منطقة جبلية تقع في شمال شرق محافظة اللاذقية، على الطرف الشمالي لسلسلة جبل الأنصارية (جبال الساحل السوري). وتمتد قممه بين 300 و1500 متر، ويشمل امتداداته أجزاء من محافظات إدلب وحماة. تعتبر هذه المنطقة من النقاط الاستراتيجية في تاريخ شمال غرب سوريا، حيث شكلت ملاذًا طبيعيًا للسكان المحليين، ولا سيما الكُرد الذين استقروا فيها منذ العصور الوسطى (١).
تُعد دراسة جبل الأكراد مهمة لفهم ديناميات التواجد الكُردي والذي كان متصلاً في مناطق شمال سوريا الأكثر شهرة (مثل عفرين والحسكة)، وكذلك لفهم العوامل التي أدت إلى تغيرات لغوية وثقافية لدى الكُرد في هذه المنطقة (٢).
2. التواجد الكُردي في جبل الأكراد
2.1 المصادر التاريخية
أول الإشارات التاريخية إلى الكُرد في جبل الأكراد تعود إلى القرن الرابع الهجري، حيث ذكر المؤرخ شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام” أحداث سنة 336 هـ (حوالي 947 م) أثناء غارة الروم على أطراف الشام، فقال إن “سيف الدولة استرد حصن برزية من الكُرد بعد أن نازلوه مدة، وافتتحه سنة 337 هـ”، ما يدل على وجود الكُرد وتنظيمهم العسكري في المنطقة (١).
تؤكد المصادر اللاحقة أن جبل الأكراد شكل جزءًا من المناطق الجبلية التي وفرت للكُرد القدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد الغزاة، سواء كانوا رومان، أو مماليك، أو في مراحل لاحقة العثمانيين (٣).
2.2 الجغرافيا ودور الجبل في حماية السكان
الموقع الجبلي الوعر لجبل الأكراد أعطى سكانه القدرة على إقامة حصون ومنشآت دفاعية، ما جعل هذه المنطقة قاعدة ثابتة للكُرد، وساهم في استمرار التواجد الكُردي لفترات طويلة (٢). بالإضافة إلى ذلك، فإن امتداد الجبل عبر محافظات اللاذقية، إدلب، وحماة، سمح بوجود تواصل بين تجمعات كُردية متفرقة، على الرغم من صعوبة التضاريس (٣).
3. العائلات والألقاب الكُردية في المنطقة
دراسة الأسماء والعائلات في جبل الأكراد تظهر استمرارية الوجود الكُردي، ومن أبرز العائلات:
عائلة برزية: نسبة إلى حصن برزية التاريخي (١).
عائلة شلّو: ظهرت في المصادر المحلية منذ القرنين السادس والسابع الهجري (٢).
عائلات صادقة وأكراد: تشير إلى الانتماء العرقي (٣).
تستمر بعض هذه العائلات في استخدام أسماء كُردية وتقاليد ثقافية محددة، رغم اندماجهم الاجتماعي مع المجتمعات المنطقة والعلوية في المنطقة (٢).
4. أسباب فقدان اللغة الكُردية في جبل الأكراد
يمكن تفسير فقدان اللغة الكُردية في هذه المنطقة بعدة عوامل مترابطة:
الاندماج الاجتماعي: كانت مناطق الساحل السوري مختلطة إثنيًا ودينيًا، مما دفع الكُرد إلى استخدام اللغة العربية في حياتهم اليومية للتفاعل مع السكان المحليين (٢).
غياب المؤسسات التعليمية الكُردية: عدم وجود مدارس أو وسائل تعليمية بالكُردية أدى إلى تراجع نقل اللغة للأجيال الجديدة (٣).
السياسات المركزية: سياسات الدولة العثمانية، ولاحقًا الدولة السورية، التي فرضت التوحيد اللغوي بالعربية، قلصت فرص استخدام الكُردية (٤).
النزاعات والهجرات: النزاعات الداخلية والهجرات ساهمت في تشتيت المجتمع الكُردي، وبالتالي فقدان اللغة تدريجيًا (٣).
5. الهوية الكُردية اليوم في جبل الأكراد
رغم تراجع اللغة، لا يزال سكان جبل الأكراد يتمسكون بالهوية الكُردية عبر:
الأسماء العائلية والتقاليد: استمرار استخدام الألقاب الكُردية والاحتفالات التقليدية (٣).
الوعي العرقي: كثير من السكان يعرفون عن انتمائهم الكُردي، حتى لو لم يمارسوا اللغة (٤).
الاهتمام الثقافي الحديث: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والبحث عن التراث الثقافي يشجع على إعادة ربط الشباب بهويتهم (٤).
مقارنة ببقية المناطق الكُردية في سوريا
في عفرين والحسكة، لا تزال اللغة الكُردية منتشرة وراسخة (٤).
في جبل الأكراد، اللغة شبه مفقودة، لكن الهوية الثقافية قائمة بطريقة رمزية أكثر منها لغوية (٣).
6. الخاتمة
تُظهر دراسة جبل الأكراد أن التواجد الكُردي في شمال غرب سوريا مستمر منذ أكثر من ألف سنة، وأن فقدان اللغة الكُردية لم يكن نتيجة اختفاء السكان، بل نتيجة عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية معقدة. الهوية الكُردية في المنطقة ما زالت موجودة من خلال التقاليد والأسماء والموروثات الثقافية، مما يجعل جبل الأكراد نموذجًا مهمًا لدراسة صمود الهوية العرقية في مواجهة التحولات اللغوية والاجتماعية (١)(٢)(٣)(٤).
++++++++++++++++++++&&&
7. المراجع
الذهبي، شمس الدين. تاريخ الإسلام. الطبعة الحديثة، دار الفكر، بيروت، 1990.
المعلم، أحمد. دراسات في تاريخ الساحل السوري. دمشق: دار العلم، 2005.
حسن، عبد الكريم. الأكراد في سوريا: تاريخ وهوية. حلب: مركز الدراسات الكردية، 2012.
فركوش، علي. الهوية الثقافية والكرد في سوريا. مجلة الدراسات التاريخية، العدد 14، 2018.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=78903

![منطقة نزاع: العنف العابر للحدود، السياسة والذاكرة في منطقة كرداغ السورية[1]](https://kurd-online.com/wp-content/uploads/2024/12/efrin-kocber-300x165.jpg)


