الأحد, ديسمبر 22, 2024

حسين عبدالعزيز: مصاعب الخطة التركية في الرقة

تشكل محافظة الرقة في الوقت الحالي هدفاً منشوداً لتركيا ولوحدات «حماية الشعب الكردي» المتسترة بغطاء «قوات سورية الديموقراطية» وللنظام وحلفائه على السواء كل لأسبابه.
وفي حين استُبعد النظام من معركة الرقة إلى الآن، حُسم مصير المحافظة لمصلحة «قوات سورية الديموقراطية»، في وقت يبقى مصير التدخل التركي مجهولاً لأسباب محلية وأخرى دولية، أهمها:
1- أن الخطة العسكرية التركية ليست سهلة التطبيق، سواء على صعيد التجهيزات البشرية والعسكرية، أو على صعيد مسار العملية العسكرية ذاتها. فالدخول من تل أبيض يعني الاصطدام مع «قوات سورية الديموقراطية» التي ترفض التخلي عن محافظة الرقة، ليس لربط المحافظة بمناطق سيطرتها في الحسكة شرقاً وحلب غرباً، فمحافظة الرقة ذات ثقل عربي ولا يمكن أن تكون جزءاً من الكانتون الكردي. لكن «وحدات الحماية الشعبية» تفضل أن تبقى المحافظة تحت سيطرة قوة عربية حليفة لها، الأمر الذي يسمح لها بحرية العبور إلى الشرق والغرب.
أما دخول المعركة من جهة حلب، سواء من الباب أو منبج أو جرابلس، فهو مخاطرة عسكرية قد تدفع الستاتيكو العسكري القائم وخطوط التماس الثابتة إلى التحرك، وبالتالي تأزيم الوضع في حلب بعد إنهاء الفوضى العسكرية هناك. فانتقال «درع الفرات» من حلب إلى الرقة يتطلب خطين لا ثالث لهما:
العبور من منبج أو جرابلس نحو الضفة الشمالية لنهر الفرات، وبالتالي عبور مناطق سيطرة «قوات سورية الديموقراطية»، والمشكلة في هذا الخط أنه طويل جداً ويتطلب تواصل الإمداد العسكري في ظل بيئة غير آمنة. أو العبور من مدينة الباب عبر الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وأخطار هذا الخط أنه سيصطدم بقوات النظام الذي سيطر في الفترة الأخيرة على الأراضي الواقعة جنوب الأوتوستراد الدولي الرابط بين الباب والرقة للحيلولة دون إتمام الخطة التركية.
ويعتبر هذا الخط أكثر الخطوط خطراً لمسافته الطويلة من جهة، ولانتشار قوات النظام إلى الشرق من الباب، وانتشار عناصر «تنظيم الدولة» في الصحراء الرابطة بين جنوب شرقي محافظة حلب وجنوب غربي محافظة الرقة بامتداد نحو البادية من جهة ثانية.
2- رفض روسيا دخول تركيا معركة الرقة، ووفق التفاهمات الأميركية – الروسية السابقة، أعطيت الرقة للأميركيين وحلفائهم «قوات سورية الديموقراطية»، في حين أعطيت محافظة دير الزور لروسيا والنظام.
وتخشى روسيا التي فتحت بوابة الشمال لتركيا، أن تتمدد الأخيرة كثيراً في الشمال السوري، وهذه المرة بغطاء أميركي، الأمر الذي قد يدفع أنقرة من وجهة نظر موسكو للمضي قدماً في أهدافها الخاصة التي قد تتعارض على الأغلب مع المصالح الروسية والتفاهمات التي تمت بين الدولتين.
3- التذبذب الأميركي حيال الخطط التركية. صحيح أن ترامب طالب بتغيير خطة أوباما التي تضع ثقل معركة الرقة على كاهل «قوات سورية الديموقراطية»، لكن واشنطن قد تجد نفسها مضطرة للقبول بهذه الخطة التركية التي تتطلب وجود قوات أميركية وإن في الخط الخلفي للمعارك، وهذا أمر لم يحسم بعد أميركياً، كما أن واشنطن تبحث عن جدوى التدخل التركي.
وبالنسبة إلى سير المعارك، أثبتت «قوات سورية الديموقراطية» جدارة واضحة في قتال «داعش»، ولا حاجة عسكرية لقوات أخرى، وبالنسبة إلى غياب الحاضنة الشعبية للأكراد في الرقة، فقد تم الالتفاف على هذه النقطة بتعزيز القوى العربية، وآخرها قوات النخبة التابعة لأحمد الجربا، فضلاً عن دخول بعض العشائر في هذا التحالف.
أغلب الظن أن واشنطن لن تخاطر بالموافقة على الخطة التركية، فالخسائر المترتبة عليها تفوق المكاسب وفق قراءتها الخاصة، غير أن إدارة ترامب قد تعمد إلى تحريك هذه الخطة بما يرضي الأطراف جميعاً، وهي السماح لـقوات «درع الفرات» بالسيطرة على منبج وربما أبعد من ذلك عبور شرق الفرات نحو عين العرب – كوباني، أو تل أبيض شمال محافظة الرقة بسبب طابعها الديموغرافي العربي، مع السماح لـ «وحدات حماية الشعب الكردي» بالتحرك بحرية من الحسكة إلى حلب مروراً بالرقة.
ومن شأن هذه الخطة أن تسمح لمقاتلي «قوات سورية الديموقراطية» المنتشرين في شمال المحافظة الانتقال إلى معركة مدينة الرقة، وبالتالي تعزيز تواجد رفاقهم في المعركة.

* إعلامي وكاتب سوري
“الحياة”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *