الأربعاء, يناير 8, 2025

“خاتوشا” العاصمة الشهيرة للإمبراطورية الحثية

محمد العزو          

“خاتوشا – Ḫattuša” أو (هاتوشا) عاصمة الإمبراطورية “الحثية”. تقع في مقاطعة “جوروم” في قرية (بوغاز كوي” الشهيرة في مرتفعات “الأناضول” على انحناء نهر “كيزيزليرماك” شمال الإقليم القديم في “كبادوكيا”، على بعد حوالي /170 كم/ شرق مدينة “أنقرة”. (خاتوشا) هي واحدة من أكبر مواقع المدن القديمة في العالم.”خاتوشا Ḫattuša أو

“خاتوشا”هي واحدة من أكبر مواقع المدن القديمة في العالم. في عام /1986م/، أضيفت “خاتوشا والحرم الحيثي يازيليكايا Yazılıkaya” المجاور إلى قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. في عام /2001 م/، تم تضمين أرشيفات الألواح المسمارية الموجودة في “ختوشا” في سجل ذاكرة العالم.. تعود آثار الاستيطان الأولى في مدينة “خاتوشا” إلى العصر “النحاسي” في الألف السادس قبل الميلاد. بدأ الاستيطان المستمر في أوائل العصر “البرونزي” قرب نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد. عندما أسس “الحاتيون” مستوطنة ومركز إمارة في الموقع. في وقت مبكر من الألفية الثانية قبل الميلاد.

نشأت على حافة المستوطنة الحاتية “كاروم”، مستعمرة للتجار “الآشوريين”، باسم “خاتوش” (Ḫattuš). بقوافلهم التي تجرها الحمير، نقل “الآشوريون” البضائع عبر مسافات طويلة، داخل “الأناضول وبلاد ما بين النهرين”. ومعهم جاءت الكتابة إلى “الأناضول”. في أثناء هذه الحقبة، تم بناء حصن على ذروة كتلة صخور “بويوكالي”(Büyükkale) للحماية من الأعداء. في القرنين الأولين من الألفية الثانية قبل الميلاد في وسط “الأناضول”، كانت هناك صراعات متكررة بين أمراء حاتيين محليين ومجموعات “الحثيين” المهاجرين الذين يسعون إلى توسيع سلطتهم.

تُظهر الاكتشافات الأثرية أن مدينة “خاتوشا” بنيت حوالي عام /1700 قبل الميلاد/. إلا أنها دُمرت بحريق كبير. وبخصوص تدمير المكان، يوجد خبر منقول في نص مسماري، أفاد فيه ملك “انيتا Anitta” من “كوشارا Kuššara” بأنه ضرب الملك “بيوشتي Piyušti” في “خاتوشا” ودمر مدينته، ولعن المدينة إلى الأبد، وزرعها بـ “الشمر” وأنشأ مركزه التجاري على بعد /160 كم/ في الجنوب الشرقي في مدينة “كانيش”، التي قد كان لها سطوة وهيبة كونها المركز الرئيس للمستعمرات التجارية “الآشورية”.

أُعيد استيطان “خاتوششا” منذ النصف الثاني من القرن /17 قبل الميلاد/. من الأمير الحثي “لابارنا Labarna1565-1540 ق.م” بني هنا مقر حكمه ولاحقًا سمى نفسه باسم “خاتوشيلي Ḫattušili”. والذي يعني (الخاتوشي: منسوب إلى خاتوشا). وهكذا تبدأ قصة “خاتوشا” كعاصمة “الحثيين” ومقر البيت الملكي “الحثي”، الذي يعرف منه بالاسم حتى الآن /27 ملكًا/. في القرن /16 ق.م/.

امتدت منطقة المدينة المسورة من (79 إلى /180 هكتار/. في القرنين 14 و13 ق.م) شهدت المدينة أوج ازدهارها، من خلال التحصينات الضخمة وإعادة بناء مجمعات القصور أو توسيعها، في المدينة العليا نشأت منطقة معابد جديدة. حوالي /1200 ق.م/، عندما انهارت إمبراطورية “الحثيين”، هُجرت عاصمة الإمبراطورية.. تعود آثار الاستيطان المُتعثر خلال العصور الكلاسيكية المظلمة إلى القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد. ومنها أُسِّست بين القرنين التاسع إلى الخامس قبل الميلاد، مرة أخرى، مستوطنة “فريجية” محصنة كبيرة. لاحقًا تكرر الاستيطان في الفترات التالية: في فترة غلطة – “الهلنستية”، وخلال الحكم “الروماني” وأيضًا في فترة الإمبراطورية “البيزنطية”، حتى النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي..

المدينة التحتانية والمدينة الفوقانية

 تقع “خاتوشا” في الطرف الجنوبي لسهل على منحدر يصل ارتفاعه إلى /300 متر/ فوق مستوى الوادي الذي يشكل مجرى جدول، ربما تم تنظيم مساره في العصر الحديدي، الحد الفاصل بين المدينة السفلى في الشمال (وتسمى أيضًا المدينة القديمة) والمدينة العليا في الجنوب (وتسمى أيضًا المدينة الحديثة). تبلغ مساحة المدينة العليا أكثر من كيلومتر مربع.

أسوار المدينة والبوابات

 يحيط بالمدينة جدار ضخم يبلغ طوله ثمانية كيلومترات. المدينة السفلى محاطة جزئيًا فقط بجدار في الشمال والشرق. كانت هناك أيضًا جدران بين أحياء المدينة المختلفة، والتي منها بقايا محفوظة. تم بناء أكثر من مائة برج في الجدران المزدوجة في المدينة العليا.. وفقًا للمعرفة الحالية، كانت هناك خمس بوابات للمدينة في الجدار الخارجي للمدينة العليا: بوابتان في الغرب بالإضافة لبوابة الأسود في الجنوب الغربي، وبوابة سفنكس في الجنوب وبوابة الملك في الجنوب الشرقي.

تقع بوابة السفنكس في أعلى نقطة في المدينة. تتميز البوابات الخمسة بكتل ضخمة من الحجر عند المداخل من الخارج والداخل، وأربعة أبواب (جميعها باستثناء بوابة السفنكس) عدا عن ذلك فإن تصميم المداخل كأقواس مكافئة، تصميم فريد في ذلك الوقت. كانت البوابات محاطة من كلا الجانبين بالأبراج. سُميت البوابات الجنوبية الثلاثة حسب التماثيل المعروضة على الكتل الحجرية الضخمة في المداخل:

– عند بوابة الأسود، يوجد أسدان عند المدخل الخارجي، وقد تم نحت نصفيهما من الكتل الحجرية بشكل مُجسم.

– بوابة “السفنكس” وضعت تحت حراسة أربعة (سفنكسات) بالأصل، بقي منها (سفنكسان) على جانب المطل على المدينة، و(سفنكس) ثالثة تالفة على الجهة الخارجية من البوابة. في حالة تمثال “السفنكس”، تم نحت الكتل الحجرية على المقدمة وكذلك على الظهر كتماثيل مجسمة بالإضافة إلى نحت نافر على سطوحها الجانبية.

جُلب اثنان من “السفنكس” إلى برلين بعد اكتشافها في عام /1907م للترميم. وأعيد أحد هذه التماثيل إلى تركيا في عام 1924م/، والآخر أعيد فقط عام /2011/.. تحتوي البوابة التي تسمى بوابة الملك على نحت نافر واحد فقط على الجانب الأيسر من المدخل الداخلي.

بعد الاكتشاف في عام /1907م/، فهم المنقبون أن التمثال ذا الحجم الذي يتجاوز الحجم الطبيعي لإنسان (ارتفاعه إلى ذروة الخوذة 2.25 متر) في البداية على أنه تصوير لملك مع سمات المحارب، ومن هنا جاءت تسمية بوابة الملك. اليوم، يفُسر التمثال على أنه يمثل إله الحرب، إذ يمكن رؤية قرنين على مقدمة الخوذة، وهذه السمة لا توجد إلا في تماثيل الآلهة الحثية.

الكتلة الحجرية بالنحت النافر، التي تشاهد اليوم في خاتوشا هي نسخة. “النحت النافر الأصلي موجود في متحف الحضارات الأناضولية في أنقرة”. فسر “بيتر نيف Peter Neve” البوابات الجنوبية الثلاثة (بوابة الأسود وبوابة السفنكس وبوابة الملك) على أنها عناصر استعراض من شارع للمواكب، التي تبدأ في حي المعبد في البلدة العليا وتعود إليه. من بين أشياء أخرى، كانت “خاتوشا” مدينة المعابد وكانت تعرف باسم (مدينة الألف إله). (في حرم يازيليكايا، على بعد كيلومترين فقط، تم تصوير العديد من الآلهة في نقش نافر، بالإضافة إلى بانثيون الأساطير الحثية).

المعبد الأكبر في “خاتوشا” وقف في المدينة السفلى. بالفعل وكونه قد بني في القرن /14 قبل الميلاد/ كان المعبد الكبير المسمى أيضًا (المعبد واحد). أهم مبنى بمجمع أبعاده /160× 135 مترًا/ مع مبانٍ أخرى. بنيت الجدران الخارجية للمعبد على كتل كبيرة من الحجر الجيري. تُظهر ثقوب الحفر العديدة الموجودة في الكتل الحجرية أن العوارض الخشبية التي تم إدخالها رأسياً كانت مثبتة فيها. امتلأت المساحة بين العوارض الخشبية بالطوب الطيني. وأخيراً، كانت الجدران مغطاة قصارة طينة. في الركن الشمالي الشرقي من المعبد كانت هناك غرفتان للعبادة من غير المباح الدخول إليهما إلا للملك والملكة والكهنة. ويوجد تمثالان لاثنين من الآلهة اللذين كُرِّس لهما المعبد. كانا على الأرجح الإلهين الرئيسيين للحثيين: إله الطقس تيشوب وإلهة شمس “أرينا Arinna” المتطابقة مع خيبات “Ḫepat”.. حول المعبد الكبير كانت هناك غرف تخزين ضيقة حيث تم العثور على أوعية تخزين كبيرة. هذه الجرار، بسعة من /900 إلى 3000 لتر/، يخزن بها بشكل رئيسي النبيذ والزيت والحبوب، كما يتضح من الأختام وعلامات أخرى على الأوعية. في عام /1907م/، وجد علماء الآثار الآلاف من الألواح المسمارية داخل المعبد، والتي تقدم معلومات عن الاحتفالات الدينية للحثيين، من بين أمور أخرى.

وصل الزوار على طريق مرصوف إلى الموقع عبر بوابة المدينة، ثم وصلوا إلى حي المعابد في المدينة السفلى الذي يحوي على حوض مستطيل الشكل مزينًا بأسود، وهو ما يسمى ببركة الأسود. وكان هناك حوض آخر خارج حي المعبد. وكان للأحواض وظيفة عبادية. بالإضافة إلى المدخل الرئيسي الجنوبي الشرقي لمنطقة المعابد، كانت هناك طرق أخرى من الشرق والجنوب والغرب.

تقع معظم المعابد في الحي الجنوبي من المدينة العليا. وكانت قد بنيت بالقرن /13 قبل الميلاد/. حتى الآن، كُشف /28 معبدًا/ في حي المعابد في المدينة العليا. بعض المعابد من طابقين، وكانت سقوفها مسطحة. تتراوح مساحة الأرضية عادة بين /400 و1500 متر مربع/، وإلا فإن مخططات المعابد متشابهة في جميع المعابد: من الفناء الداخلي، يؤدي العبور عبر ممر إلى حيز مقدس للأنشطة الدينية. ومن المعروف من النصوص المسمارية الحثية أنه في هذه القاعة المقدسة كان هناك تمثال للإله الذي كرس له المعبد المعني. كانت التماثيل مصنوعة من المعدن أو مصنوعة من الخشب والمعدن. إلا أنه حتى الآن، لم يتم العثور على مثل هذه التماثيل. المعبد رقم خمسة يبرز بمساحة 60 × 60 مترا من المجموعة، وهي تقريبا مساحة كبيرة مثل المعبد الكبير في المدينة السفلى. تم تصميم المعبد كمعبد مزدوج لأنه كان يعبد فيه إلهان.

 

​المصدر| صحيفة روناهي

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية