“داعش” يعيد إحياء نفسه… الاستراتيجية والهيكلية التي يتبعها والعوامل المساعدة
لزكين إبراهيم – باحث في مركز الفرات للدراسات
مع تزايد نشاط وهجمات تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق وعدد من الدول حول العالم، عاد الحديث عن محاولات التنظيم إحياءَ نفسه وإعادة ترتيب صفوفه، حيث أعلنت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، بتاريخ 17 يوليو/تموز 2024 أنّ تنظيم داعش ضاعف هجماته في العراق وسوريا منذ بداية العام الحالي، وأكّدت أنه يحاول إعادة تشكيل نفسه.
وفي نفس السياق، كشفت عدة تقارير لمراكز أبحاث ومواقع أمريكية وغربية بأنّ التنظيم يزداد نشاطا بالفعل في البلدين مستغلاً الكثير من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية -وخاصة الانشغال الدولي بالحرب في أوكرانيا وغزّة- حيث منحت التنظيم متنفساً يسعى إلى استثماره لزيادة نشاطه. ويتّخذ التنظيم لخططه المستقبلية من سوريا والعراق الحاضنات المثالية لانتشاره، بالإضافة إلى تشكيل التنظيم هيكليّة جديدة يعتمد عليها للتوسع عالمياً وزيادة قدراته البشرية والمالية والدعائية.
فما أسباب ودلالات التحذير الأمريكي من عودة داعش لإحياء نفسه؟ وما هي الهيكلية الجديدة التي يعتمدها التنظيم لتوسيع نشاطه محليا وعالمياً؟ وما استراتيجية داعش في سوريا؟ وما العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي تساعد التنظيم لزيادة نشاطه؟
أسباب ودلالات التحذير الأمريكي من عودة داعش
استند بيان القيادة المركزية الأمريكية في تأكيدها أنّ داعش يعيد تأسيس نفسه في البلدين، على ازدياد نسبة هجمات التنظيم مؤخرا في سويا والعراق، حيث أكّد البيان، أنّ «(داعش) تبنى 153 هجوماً في كلا البلدين خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024». وهذا المعدل المرتفع، يشير بأنّ داعش في طريقه للوصول إلى ضعف العدد الإجمالي للهجمات التي أعلن مسؤوليته عنها في عام 2023، وبحسب الاحصائيات الأخيرة فإنّه “منذ مارس 2023، حتى مارس 2024 أعلنت إدارة الإعلام المركزية لـ”داعش” مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوماً. ووفقاً للبيانات الصادرة عنه، أدّت هذه الهجمات إلى مقتل أو إصابة حوالي 4770 شخصاً”[1]. وهذا مؤشر على أنّ التنظيم أعاد ترتيب بعض صفوفه ويحاول العودة إلى المشهد بقوة، وكل ذلك رفع التوقعات الأمريكية بأن التنظيم يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض قدراته.
التحذير الأمريكي من محاولات داعش إعادة تشكيل نفسه في سوريا والعراق، يشير بأنّ قواتها ستبقى لوقت غير محدد في البلدين نتيجة عودة خطر داعش، وهذا ما يمكن التماسه من تأكيد القيادة المركزية الأمريكية، بأن “قواتها ستواصل عملياتها لملاحقة ما يقدر بنحو 2500 مقاتل من “داعش” في العراق وسوريا، وإعادة تأهيل وإدماج أكثر من 43 ألف فرد وعائلة من مخيمي «الهول» و«روج»”[2]. أي أنّ أمريكا تبعث برسائل للقوى الإقليمية والدولية بأنّ استراتيجيتها في سوريا والعراق لاتزال طويلة الأمد.
ويبدو أنّ هذه الرسالة الأمريكية تلقتها إيران وميليشياتها في سوريا والعراق، لذا عادت الميليشيات الإيرانية مؤخراً –وبعد أقلّ من يوم من صدور البيان الأمريكي- لاستهداف قاعدة عين الأسد بالعراق بالطائرات المسيرة، وقصف القاعدة الأمريكية في حقل “كونيكو” في سوريا بالصواريخ، بعد توقف تلك الهجمات لعدة أشهر، أيْ أنّها قد تكون ردّاً على هذا البيان الأمريكي الذي أعلن بشكل غير مباشر بأن القوات الأمريكية لن تغادر سوريا والعراق قريباً، رغم أنّ واشنطن تواصل المباحثات مع بغداد حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق.
وفي المقابل تشير تلك التطورات بأن التحالف متخوف من تصاعد نشاط تنظيم داعش وتحركات الميليشيات الإيرانية شمال شرق سوريا، ولمواجهة هذه المخاطر المحتملة، بدأت قوات التحالف الدولي بــ”إنشاء أبراج مراقبة على طول نهر الفرات شرق سوريا، ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في عددٍ من قرى ريف دير الزور الشرقي”[3]. ما يرجح أن يكون الهدف من بناء تلك الأبراج منع خلايا التنظيم التسلل من المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية غربي نهر الفرات إلى شرق الفراتـ، بالإضافة إلى مراقبة أميركا تحركات الميليشيات الإيرانية المهددة لقواعدها في سوريا.
“داعش” يعيد تشكيل هيكليّته عالمياً
مع أنّ التنظيم تلقّى ضرباتٍ موجعةً بعد خسارته الميدانية ومقتل زعمائه من الصف الأول، إلّا أنّ عودة نشاطه تشير إلى أنّه يتكيف مع الظروف الراهنة، وبات يعتمد على إدارة غير مركزية، أي أنّ هناك قياداتٍ مناطقيةً يمكن أنْ تبقى فاعلة رغم مقتل زعيم التنظيم. لكنّ مقتل الزعيم يجعل فروعه تقوم بمراجعة شبكة علاقاتها واتصالاتها، لتجنب أيّة عمليات ضد التنظيم. فالجماعات المتطرفة ومنها تنظيم داعش تأقلمت مع خسارة قياداتها، فمنذ عام 2012 وحتى الآن خسر التنظيم الكثير من قياداته، لكنه مازال موجوداً، وهذا يعود إلى تحسّب التنظيم لخسارة رأس الهرم.
يشير تقرير[4] لموقع ” War on the Rocks”الأمريكي إلى أنّ من بين أبرز أسباب زيادة نشاط داعش هو تأسيسه واعتماده على ما يسمى (المديرية العامة للولايات) ، والتي كان مقرها في سوريا، ولكنّ المعلومات الجديدة تفيد بأنّها قد تكون الآن مركزية في الصومال. حيث تساعد هيكليتها والتنسيق عبرها بين تلك الولايات إلى تصاعد نشاط التنظيم على كافة المستويات المالية والعسكرية وتخطيط وتنفيذ الهجمات في أيّة بقعة يختارها حول العالم، ويؤكد التقرير أنّ نقل المركزية من سوريا والعراق وإعادة هيكلة الولايات كان السبب وراء رؤية المزيد من التفاعل والارتباط بين ولاياته المختلفة اليوم مقارنة بالماضي. حيث تمكن التنظيم من تطوير نشاطه من نواحٍ عدّة، وأبرزها (الحوكمة، والتمويل وتجنيد المقاتلين الأجانب، والعمليات الخارجية).
وفي نفس السياق تشير التقديرات بأنّ إعادة التنظيم لهيكلة ولاياته بدأ بعد خسارة التنظيم أراضيه في سوريا والعراق، وما يرجح ذلك أنّه منذ عام 2018 توقف التنظيم عن تسمية “محافظاته” المتعددة في العراق (بغداد، وشمال بغداد، والأنبار، وديالى، وكركوك، وصلاح الدين، ونينوى، وجنوب، والفلوجة، ودجلة، والجزيرة) وفي شوريا (الرقة، والبركة، والخير، وحمص، وحلب، وإدلب، وحماة، والشام، واللاذقية، والفرات). ويكتفي التنظيم اليوم بتسمية هذه المحافظات بولاية الشام وولاية العراق فقط وأصبحت جميع ولايات “الدولة الإسلامية” الآن على قدم المساواة مع بعضها البعض[5]. ولكن السؤال هو كيف يدير التنظيم هذه الولايات؟
الهيكلية التنظيمية والتنفيذية للولايات
يعتمد التنظيم حالياً في إدارة أفرعه على ما يسمى ”اللجنة المفوضة“ وهي أعلى هيئة في التنظيم، وكل عضو في هذه اللجنة مسؤول عن جانب تنفيذي، وتشرف على مديرية الولايات والتي تشرف بدورها على المسؤولين المحليين. وبشكل أكثر تحديداً فإنّ كل عضو في هذه اللجنة “مسؤول عن أحد الملفات التالية، كالأمن، والمخابئ الآمنة، والشؤون الدينية، والإعلام، والتمويل”[6].
ومع إنشاء المديرية العامة للولايات أنشئت بنية فوقية تشرف الآن على الولايات، حيث تمتلك المديرية العامة للولايات مكاتبها الخاصة. واستنادًا إلى وثائق داخلية مسرّبة من التنظيم، تشمل هذه الهيكلية سبعة مكاتب[7] وهي:
مكتب الأرض المباركة: المسؤول عن الإشراف على نشاط التنظيم في العراق وسوريا.
مكتب الصادق: الذي يغطي أفغانستان وباكستان وإيران والهند وبقية جنوب آسيا.
مكتب الكرار: يدير الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وأجزاء أخرى من شرق ووسط وجنوب أفريقيا.
مكتب الفرقان: الذي يدير حوض بحيرة تشاد والساحل.
مكتب أمّ القرى: الذي يشرف على اليمن والمملكة العربية السعودية والخليج.
مكتب ذو النورين: الذي يركز على مصر والسودان.
مكتب الفاروق: الذي يُنظم تركيا وجورجيا والقوقاز وروسيا وأوروبا.
ويقدم زعيم كل ولاية من ولايات التنظيم تقاريره إلى رئيس المكتب الذي يتبع له من مكاتب “المديرية العامة للولايات” ، والذي يوصلها بدوره إلى الهيئة المفوضة ومنها إلى زعيم التنظيم.
وبهذه الصورة يبدو أن تنظيم داعش أعاد بناء نفسه على مدى السنوات الخمس الماضية، ولكن بشكل أكثر تعقيداً من السابق، لأنّ الطريقة التي أعاد بها بناء نفسه تختلف عن الطريقة التي رأيناه ينتعش بها قبل أكثر من عقد في العراق وسوريا، حيث كان التنظيم يركز في المقام الأول على سيطرته المكانية في البلدين، ولكنه الآن أصبح يعتمد بعداً عالمياً عبر التوسع في كلّ الاتجاهات وتقسيم العالم إلى ولايات تابعة له، بغض النظر عن وجود السيطرة الجغرافية أو عدمها.
وبينما كانت أنظار العالم والدول تتجه نحو سوريا والعراق على اعتبار أنهما يشكلان مصدر الخطر الأكبر للتنظيم، خاصة أنه لا يزال هناك الآلاف من عناصر داعش المعتقلين، والآلاف من عائلاتهم المحتجزة في المخيمات، وبينما كانت تصدر التحذيرات من “قنبلة موقوتة” في شمال شرق سوريا، إلّا أنه لم يكن متوقعا أنْ تنفجر في موسكو كالهجوم الدموي الذي استهدف قاعدة مدينة كروكس في ماري/آذار 2024، أو كما حصل في إيران عندما استهدف التنظيم الناس في ذكرى مقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في كرمان، وصولاً إلى الهجوم الأخير الذي استهدف تجمعاً للشيعة خلال إحياء ذكرى عاشوراء في العاصمة العمانية مسقط منتصف يوليو/تموز 2024. ما يشير بأن خطر داعش لم يعد يتركز في سوريا والعراق، بل بات يتوسع أفقياً وعمودياً عبر الاعتماد على الإدارات اللامركزية.
وبالتالي فإنّ كل تلك الهجمات المعقدة بالإضافة إلى “المخطط الذي أحبطته ألمانيا في يونيو 2024 في كولونيا الذي كان يستهدف بطولة كرة القدم الأوروبية الحالية، هي أمثلة جديرة بالملاحظة على هذه الشبكات العالمية المتشابكة”[8]. إلّا أنّ القاسم المشترك بين كل تلك الهجمات -ماعدا مسقط- هو أنّ عناصر داعش المتورطين في تنفيذ تلك الهجمات كانوا موجودين في تركيا قبل الانتقال منها إلى روسيا وألمانيا. وهذا يشير إلى أنّ “تركيا أصبحت مركزًا لتخطيط تنظيم داعش” وفق تقرير موقع ” War on the Rocks” الأمريكي، وهذا يوضح أيضًا أنّ العمليات الخارجية لداعش ليست ثابتة من حيث مصدرها، فكلّ هجوم يتم تنسيقه عبر ما يسمى “المديرية العامة للولايات” التابعة للتنظيم، والتي تعدّ تركيا من بين أبرز أماكن الإدارة والتخطيط المفضلة بالنسبة لها.
لا شكّ أنّ تركيا تشكل محوراً رئيسياً في الشبكة العالمية لتنظيم داعش، وإنّ الدعم الذي يحصل عليه التنظيم من تركيا يشير أنّ لاستخباراتها تنسيقاً مع “المديرية العامة للولايات” ويبدو أنّ هذه المديرية أصبحت مؤسسة ذات أهمية متزايدة داخل “الخلافة” ويُزعَم الآن أنّها تحتل موقعًا مركزيًا في تنفيذ العمليات الإرهابية الخارجية، وهذا ما كشفته هجمات داعش في روسيا وأوروبا، حيث انتقل عناصر التنظيم من تركيا صوب تلك البلدان.
استراتيجية داعش في سوريا والعوامل المساعدة على النشاط
رغم فقدان داعش السيطرة المكانية في سوريا والعراق، إلا أنّه لا يزال نشطاً في البلدين. وفيما كانت أنشطته تقتصر على تنفيذ هجمات محدودة، إلا أنها تحولت الآن إلى هجمات مكثفة ونوعية ومعقدة، ما يزيد من احتمالات أنّ التنظيم يُمهد “لبعثٍ ثانٍ لخلافته” على غرار ما حصل قبل عقد من الزمن، عبر توسيع نطاق عملياته داخل عمق مناطق سيطرة خصومه والتموضع في مناطق حيوية للإيحاء بأنه حاضر داخل نطاق جغرافيا واسعة، مستفيداً من الكثير من العوامل المحلية والإقليمية والدولية وخاصة حرب غزة وتصعيد إسرائيل ضد إيران وميليشياتها وخاصة في سوريا.
وما يرجح أنّ التنظيم يخطط للسيطرة الجغرافية مجدّداً، أنّه “في منتصف أبريل 2024 باغت التنظيم قوات الجيش السوري في مناطق مأهولة بالسكان عند الشريط الفاصل بين محافظتي الرقة ودير الزور، وتمكنت عناصره من تثبيت نقاط له على طريق دير الزور-الرقة الحيوي والتمركز في محيط قريتين”[9]، وهذه الهجمات والسيطرة على عدة قرى -ولو بشكل مؤقت- قد يكون هدفها التوظيف الإعلامي من قبل التنظيم لمنافسة التيارات المحسوبة على إيران في المنطقة وبالتالي إظهار قدراته، واستقطاب السكان المحليين، خاصة أنّه استطاع إظهار القدرة على شن هجمات كبيرة في مناطق محصنة أمنيًا تقع تحت سيطرة الحكومة السورية، والترويج لنفسه كطرف رئيسي يقوم بقتال النظام السوري وحليفه الإيراني.
وفي المقابل يسعى التنظيم للحفاظ على العامل البشري لديمومة وجوده وتنفيذ الهجمات وإدارة نشاطاته عبر اتباع استراتيجية الانسحاب من المدن دون الدخول في معارك كبيرة بعد خسارة الموصل والرقة، نظراً للصعوبات التي يواجهها في عملية تجنيد المقاتلين، فيما دفعت خسارة التنظيم جميع مدن سيطرته في سوريا والعراق قيادته لاستثمار الأموال التي كان ينفقها على الخدمات وإدارة المدن في توجيه جهود آلاف الإداريين والأمنيين إلى مهام قتالية وتجنيد عناصر أو متعاونين جدد. خاصة أن هناك عوامل عدة تخدم التنظيم في إعادة ترتيب صفوفه وتوسيع عملياته في سوريا وأبرزها:
العامل الجغرافي: تمثل أماكن انتشار تنظيم داعش في سوريا عاملاً مهماً يتمكن من خلاله من إعادة تنظيمه وهيكلته. كما تساهم التضاريس الوعرة والبيئة الصحراوية في البادية السورية في إنشاء معسكرات التدريب لمقاتليه وتساعد على التمويه والاختباء، واستخدام تلك المساحة للاستعداد وتنفيذ عمليات نوعية من حين إلى آخر لتأكيد وجوده، وبهذا الخصوص أوضحت ورقة بحثية للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس، 2019) أنّ “أوكار داعش في البادية السورية تتركز أساساً في ثلاث مناطق في عمق الصحراء: الأولى جبل بشري في أقصى القسم الجنوبي الشرقي من محافظة الرقة، والثانية في منطقة الدفينة بجنوب غربي دير الزور، والثالثة في الصحراء بين تدمر والسخنة غرباً، منطقة حزام الـ”55 كلم” جنوباً، محطة الـ”تي 2″ النفطية شرقاً، ومنطقة فيضة بن موينع شمالاً “[10].
الحرب في غزة: استمرار الحرب في غزة جعلت من الولايات المتحدة والتحالف الدولي منشغلين في قضايا جيوسياسية، خشية توسع الحرب مع إيران وميليشياتها، خاصة بعد أن كثفت الأخيرة من هجماتها على القواعد الأمريكية في العراق سوريا، وتطوّر الصراع بين اسرائيل وإيران إلى المواجهة المباشرة بعد اغتيال اسرائيل لقيادات بارزة من الحرس الثوري في سوريا، وقيادات من حزب الله بالإضافة إلى اغتيال اسرائيل مؤخراً لإسماعيل هنيّة وسط طهران، وبالتالي لم تعد مواجهة داعش من أولويات التحالف في الفترة الأخيرة، الأمر الذي استغله التنظيم لإعادة نشاطه.
اعتماد التنظيم على الهيكلية الجديدة: إنّ اعتماد التنظيم على هذه الهيكلية الجديدة “على المستوى العالمي” بالإضافة إلى الهيكلية اللامركزية والاعتماد على القيادات المناطقية والإقليمية، يجعل التحدي الذي يفرضه التنظيم أكثر صعوبة من منظور أمني مقارنة بالماضي عندما كانت هناك القدرة على التركيز بشكل أساسي على جهوده في العراق وسوريا. واليوم، “فإن التركيز فقط على العراق وسوريا أو أيّة ولاية أخرى بغض النظر عن فهم ارتباطاتها بالأجزاء الأخرى من الشبكة العالمية للمجموعة من شأنه أن يؤدي إلى نمو وتوسع نشاط التنظيم حول العالم ويزيد قدرات خلاياه على تنفيذ هجمات دموية على غرار ما حصل في روسيا وإيران ومسقط”[11].
التهديدات والضربات التركية: من أبرز العوامل التي تستفيد منها خلايا تنظيم داعش هو الإرباك الذي يسببه استمرار تركيا في شنّ الهجمات على مناطق شمال شرق سوريا واغتيال قيادات عسكرية وأمنية ممن شاركوا بفعالية في محاربة التنظيم، بالإضافة إلى تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية والمنشآت الحيوية لمناطق الإدارة الذاتية، ما يؤدي لتراجع فعالية قوات سوريا الديمقراطية في محاربة التنظيم نتيجة انشغالها بالجبهة الشمالية مع تركيا والفصائل الموالية لها، وصرف الانتباه عن نشاط خلايا داعش، واستغلال داعش هذا الوضع لزيادة نشاطه ومحاولة تهريب المزيد من العائلات من مخيم الهول. بالإضافة إلى تحول المناطق السورية التي تحتلها تركيا إلى ملاذ آمن لقيادات وعناصر التنظيم الذين يديرون منها نشاط الخلايا في مناطق شمال شرق سوريا، كما يستغل التنظيم في الفترة الحالية عمليات التهريب بشكل أساسي لجني الأموال، “حيث توجد شبكات تهريب في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا. ويدعم فصيل “أبو القعقاع” وفصائل أخرى موالية لتركيا أنشطة داعش، حيث تسهل تهريب الأشخاص إلى تركيا واستخدام تلك الأموال لتمويل عمليات التنظيم. وذلك عبر تهريب المخدرات، والآثار السورية المنهوبة، والدخول بقوة نحو سوق العملات المشفرة لإيجاد مجال جديد لنقل وتبيض الأموال”[12].
تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية: دفع تفاقم تردّي الأوضاع المعيشية والإنسانية في أنحاء متفرقة من سوريا تنظيم داعش إلى استغلال هذه الظروف لتكثيف نشاطه وتجنيد الكثير من المتعاونين عبر تقديم مبالغ ماليّة لهم لقاء تعاونهم مع خلايا التنظيم، خاصة أنّ “ما ساهم في تزايد موارد التنظيم المالية أنه أنشأ خطوط تجنيد وخطوطاً لوجستية ومالية تمتد من أفريقيا إلى أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. وعلى وجه التحديد، قامت الكيانات المالية لـ”داعش” في غرب وشرق أفريقيا بتحويل مبالغ كبيرة ومتكررة من المال إلى فروع التنظيم في سوريا والعراق”[13].
الخلاصة:
لاشك أنّ التراخي في توجيه الضربات النوعية للتنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة وسط التوترات والحروب والفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، سيزيد من فرص عودة نشاط تلك التنظيمات إلى الساحة، خاصة أنّ هذه التنظيمات تنمو بشكل سريع في المناطق التي تزداد فيها الفوضى والصراعات والأزمات الاقتصادية، وكل هذه الظروف متوفرة حالياً في سوريا والعراق والدول الإفريقية وأفغانستان وغيرها، بالإضافة إلى غياب التعاون والتنسيق بين الدول المتدخلة في سوريا في محاربة داعش، وذلك لغياب الثقة فيما يتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يساعد داعش لزيادة نشاطه وتنفيذ الهجمات، لأن الكثير من أعدائه الموجودين على الساحة السورية هم في نفس الوقت خصوم لبعضهم البعض.
إنّ الظروف التي يشهدها العالم حالياً من حيث تأجّج الصراعات السياسية والعسكرية في عدة مناطق بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، تتشابه مع فترات صعود تنظيمات مثل القاعدة وداعش في الأعوام الماضية، وبالإضافة إلى زيادة سباق التسلح بين دول العالم، واستمرار أزمات اللجوء والغذاء والطاقة، كلها تزيد من احتمالية ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية وعودة تنظيمي القاعدة وداعش إلى الواجهة في سوريا والعراق والعالم من جديد.
إنّ تنفيذ القرار الأممي 2254 بفعالية يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في إنهاء خطر الإرهاب وتنظيم داعش في سوريا. من خلال وقف إطلاق النار، وتعزيز التعاون الدولي، وإشراك جميع الأطراف في عملية سياسية شاملة، ودعم إعادة البناء والإصلاح، وإعادة توطين النازحين، وذلك من شأنه تكوين بيئة مستقرة ومزدهرة وتجفيف منابع الإرهاب. وبهذا الشكل، يعزز القرار 2254 من فرص تحقيق سلام دائم في سوريا ويضع الأساس لمستقبل خالٍ من الإرهاب والتطرف.
[1] – معهد واشنطن، 20 مارس 2024 https://n9.cl/xs5l0
[2] – قناة الحرة، 17 يوليو 2024 https://n9.cl/gmbga
[3] – صحيفة الشرق الأوسط، 19 يوليو 2024 https://n9.cl/rxrsr
[4] – موقع ” War on the Rocks” الأمريكي 15 يوليو 2024 https://n9.cl/7v7vl
[5] – موقع ” War on the Rocks” الأمريكي 15 يوليو 2024، https://n9.cl/7v7vl
[6] – قناة الحرة، 10 فبراير 2022، https://n9.cl/6qosn
[7] – موقع ” War on the Rocks” الأمريكي 15 يوليو 2024، https://n9.cl/7v7vl
[8] – المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، 10 يونيو 2024 https://n9.cl/ofqzj
[9] – المرصد السوري لحقوق الإنسان، 6 أبريل 2024 https://n9.cl/pe8cn
[10] -شبكة رؤية الإخبارية، 12 يناير 2021 https://n9.cl/hb7me
[11] -معهد واشنطن، 18 يوليو 2024 https://n9.cl/2avao
[12] – المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 4 فبراير 2022 https://n9.cl/ox5kl
[13] – مجلة المجلية، 12 أبريل 2024 https://n9.cl/ja5qjz
المصدر: مركز الفرات للدراسات
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=48026