بعد فشل الهجوم على سجن الصناعة في الحسكة عام 2022 لجأ “داعش” إلى جلب قادته من المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غربي سوريا، وخلال عام 2023 فقط اعتقلت “قسد” ثمانية قياديين وجميعهم كانوا تسللوا من مناطق عفرين وإدلب إلى مناطق “قسد” لإدارة عملياته.
أعلنت القيادة المركزية للقوات العسكرية الأميركية (CENTCOM) أن مجموع عمليات المنفذة في العراق وسوريا والمتبناة من تنظيم “داعش” في النصف الأول من العام الحالي تعادل ما يقارب ضعف ما قام به التنظيم خلال العام الماضي بكامله، ففي الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى يونيو (حزيران) 2024 تبنى “داعش” 153 هجوماً في العراق وسوريا، وأشارت “القيادة المركزية” إلى أن زيادة الهجمات تعني أن التنظيم يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد سنوات من انخفاض قدراته.
وتنوعت أماكن وأهداف عمليات التنظيم ضد القوات العسكرية والأهداف المدنية في كل من سوريا والعراق، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مجموع عمليات “داعش” في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وعمل “التحالف الدولي” وصل إلى 142 عملية في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، يضاف إليها ثماني عمليات خلال يوليو (تموز) الجاري، وعلى إثرها قتل 79 شخصاً بينهم 13 مدنياً.
أما في مناطق سيطرة النظام وخصوصاً في مناطق البادية فرصد المركز الحقوقي السوري168 عملية لـ”داعش” منذ مطلع العام، أسفرت عن مقتل 476 شخصاً بينهم403 عناصر من قوات النظام والميليشيات الموالية لها، و46 مدنياً بينهم طفل وسيدة في البادية، في حين قتل 29 عنصراً من التنظيم، في حين كانت مناطق المعارضة السورية مسرحاً لاستهداف أحد قياديي التنظيم من التحالف الدولي، في مخيم “كويت الرحمة” قرب عفرين أواسط يونيو (حزيران) الماضي.
إعادة هيكلة الصف الأول
وتعد الأرقام السابقة والوقائع مؤشراً واضحاً على ازدياد نشاط التنظيم والاستفادة من الظروف في مختلف مناطق انتشاره داخل الأراضي السورية، وبحسب المعلومات المتوفرة لدى “قسد” ثمة تأكيدات على أن “داعش” تمكن مجدداً من إعادة هيكلة الصف الأول من قيادته والتخلص من حال التشتت، ونجحت استراتيجيته في البقاء ومن ثم التمدد، إذ أصبحت جميع هجماته تدار من مركز واحد وفق ما كشف عنه مسؤول المركز الإعلامي في “قسد” فرهاد الشامي لـ”اندبندنت عربية”. وأشار إلى أن “استمرارية الهجمات الإرهابية وتنوعها الجغرافي والعملياتي والاعتماد على العمليات غير التقليدية، باتت مؤشرات خطرة تصعب احتواء التنظيم في ظل التراخي الدولي”.
وبعد معركة الباغوز في عام 2019 تشتت “داعش” ولجأ عناصره إلى البادية السورية، بينما لجأ زعماؤه إلى مناطق في شمال غربي سوريا كعفرين والباب وإدلب، بحسب الشامي الذي أوضح أن “التنظيم كان بحاجة إلى نحو عامين لإعادة تجميع صفوفه، ومن ثم جمع التمويل عبر فرض الضرائب على الطرق الرئيسة في البادية، إلى جانب فرض الإتاوات على الأهالي تحت مسمى الزكاة، وبشكل خاص في المناطق النائية في البادية السورية”. ثم انتقل التنظيم وفق المسؤول في “قسد” بعد ذلك إلى جمع الذخيرة من خلال الهجمات المتكررة على قوات النظام، وتدريب عناصره في معسكرات خفية في جبال البشري والبادية السورية. ولكن ما كان يعوق تقدم “داعش” في ذلك الوقت هو عدم وجود القادة والخبراء ضمن صفوفه بغية تنسيق الهجمات وإدارتها عن قرب، لذلك تابع للشامي “حاول التنظيم من خلال الهجوم على سجن الصناعة بالحسكة في عام 2022 تهريب قادته وخبراء المتفجرات ومقاتليه الشرسين”.
جلب القادة من مناطق المعارضة
بعد فشل الهجوم على سجن الصناعة لجأ “داعش” إلى جلب قادته من المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غربي سوريا، وخلال عام 2023 فقط اعتقلت “قسد” ثمانية قياديين وجميعهم كانوا تسللوا من مناطق عفرين وإدلب إلى مناطق “قسد” لإدارة عملياته. ويضيف مسؤول الإعلام في “قسد” أنه “مع إعادة ترتيب وهيكلة الصف الأول صعد التنظيم هجماته، وحاول الوصول إلى وسائل الإعلام من خلال تلك الهجمات، إذ أعاد الأمل مرة أخرى للخلايا الخفية أو التي كانت تعاني التردد، مما زاد من عدد عناصر ’داعش‘ وزيادة هجماتهم وتنوعها”، لتعود مرة أخرى العمليات الانتحارية بواسطة المفخخات، وكذلك التهديد اللفظي للمجتمع المحلي وخصوصاً في دير الزور وبعض أرياف الرقة والحسكة.
ويؤكد المسؤول العسكري في “قسد” التي تشارك في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، أن “هناك دلائل بأن التنظيم بات يمتلك منظومة مالية جيدة للتصرف بها في هجماته، وكذلك عدداً كبيراً من العناصر، إضافة إلى مركز يدير عملياته ونظام إعلامي يروج للعمليات الإرهابية، ومن خلاله يتواصل مع خلاياه”.
ظروف مساعدة
تشكل سوريا بظروفها الحالية ومناطقها المشرذمة الولاءات بيئة مساعدة لتحرك التنظيم المتطرف والانتعاش فيها بعيداً من المراقبة أو الضغط العسكري أو الأمني، ويعتبر مسؤول المركز الإعلامي في “قسد” فرهاد الشامي بعض المناطق التي يعيد “داعش” تنظيم نفسه فيها “مناطق حرة” لتحركه، ويقصد بها البادية السورية وشمال غربي سوريا. ويعتمد “داعش” كمعظم التنظيمات المتطرفة بشكل أساس على المناطق النائية البعيدة من المراقبة، والانطلاق منها إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية للاختباء، “لذا نحن نواجه حالياً تنظيماً منفلتاً خارج اهتمام المجتمع الدولي أو القوى الأخرى التي تتحكم بالبادية السورية أو المناطق التي تحتلها تركيا، في حين تبقى مناطق الإدارة الذاتية محط اهتمام التنظيم باعتبارها خرجت عن سيطرته، وتضم السجون والمخيمات التي تحوي عناصره وعائلاته، وكان لديه إرث عملياتي وعقائدي فيها، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين لا يزالون تحت تأثير أيديولوجية التنظيم”.
وتابع المتحدث ذاته أن التنظيم يعمل حالياً وفق رؤية براغماتية ترتكز على الهجمات المؤثرة والابتعاد عن كل ما يمكن أن يدفعه للمواجهة المباشرة مع القوات العسكرية، “لذا يتريث في السيطرة الجغرافية وخصوصاً على التجمعات في المناطق النائية”.
يذكر أن “قسد” خبرت قتال التنظيم وفهمت عقليته العسكرية والأمنية منذ نشوئه وإعلان سيطرته وتمدده في المنطقة، وصولاً إلى دحره عسكرياً في الباغوز آخر معاقله. وشنت “قسد” خلال الفترة الماضية عدداً من العمليات الأمنية ضد خلايا التنظيم في مناطق شمال وشرقي سوريا داخل المدن والبلدات، ما عدا الريف الشرقي للبلاد. وخلال النصف الأول من عام 2024 نفذت “قسد” 28 عملية مشتركة ومنفردة ضد خلايا “داعش”، إضافة إلى ثلاث حملات تمشيط واسعة النطاق في دير الزور والرقة والحسكة، وألقت القبض على 233 عنصراً ومتعاوناً مع داعش، بينما قتل 10 إرهابيين بينهم 8 قياديين، بحسب مسؤول في “قسد” التي أفشلت 18 عملية محتملة للخلايا الإرهابية كانت ستستهدف السجون التي تحوي عناصر التنظيم وبعض المؤسسات العسكرية والأهلية.
مشهد قاتم
من وجهة نظر القوات العسكرية في شمال شرقي سوريا والمتمثلة بـ”قسد” ومنظومتها الاستخبارية، فإن العدد الكبير للعمليات والمعتقلين يشكل مؤشراً واضحاً على زيادة محاولات التنظيم إحياء نفسه. وكذلك “الزيادة الملحوظة” لعناصره بحيث بات واضحاً أن لدى التنظيم فائضاً في عدد العناصر وبإمكانه تعويضهم في حال جرى اعتقالهم، وهو ما يفسر تجديد العناصر واستمرار إرسالهم لتنفيذ الهجمات، “على رغم أن بعض الهجمات هي بمثابة مغامرة لعناصره ويعلم فشلها مسبقاً فإنه يغطي عليها من خلال هجمات أخرى أكثر تنظيماً سواء في شمال وشرق سوريا، أو مناطق أخرى في سوريا والعراق”.
التحذير الأخير الذي أطلقه التحالف الدولي حول خطورة عودة التنظيم، أعلنته سابقاً “قوات سوريا الديمقراطية” في عدد من المرات والمناسبات، ومنذ فترة طويلة بسبب تنامي “داعش” في المنطقة وتحوله إلى أمر واقع. ودعا ذلك المسؤول الإعلامي في “قسد” إلى التعبير عن أسفه لعدم أخذ تحذيراتهم المتكررة ولا حتى تحذيرات الجانب الأميركي على محمل الجد من المجتمع الدولي، “وتمت مواجهة دعواتنا المستمرة إلى زيادة الدعم برغبة ضعيفة في الحضور الدائم لمساندتنا عسكرياً وتمويلاً”.
ويقول فرهاد الشامي إنه “على رغم التقدم الكبير الذي حققته قواتنا خلال الحرب ضد إرهاب ’داعش‘ وخلاياه فإن التنظيم لا يزال يمتلك خططاً استراتيجية وطويلة الأمد للنهوض مجدداً، ولا يزال بإمكانه تشكيل خطر على العالم كله. في مواجهة ذلك كثفت ’قسد‘ عملياتها الاستباقية والضغط على خلايا التنظيم من خلال العمليات المستمرة والدائمة، والتضييق عليه بالقضاء على قادته والمتعاونين معه، فالقرار الثابت لقواتنا هو الاستمرار بحملات التمشيط الشاملة أو العمليات المركزة وإزالة العوامل التي من الممكن أن يستفيد منها التنظيم”.
خطر “داعش” خارجياً
وإذا كانت الجهود الدولية المعلنة واستمرار العمليات ضد “داعش” جارية على قدم وساق، إلا أن خطره ثابت ولا فائدة من تجاهله، كما يرى المسؤول في “قوات سوريا الديمقراطية”، مضيفاً أن “المعركة ضد ’داعش‘ هي معركة الجميع وليست معركة ’قسد‘ لوحدها، وما هو ملاحظ بشكل مستمر أن هجمات “’داعش‘ في تصاعد، وهو يحاول التنويع بين الهجمات المحلية في سوريا والعراق والهجمات الدولية”. ويعتقد التنظيم بحسب الشامي أنه يمتلك عوامل مشجعة لتنفيذ عمليات أكثر تنوعاً على الصعيد الدولي، “وكانت الهجمات في عمان وقبلها روسيا وعدد من المناطق الأخرى مؤشراً إلى ذلك”.
معوقات أمام “قسد”
ووسط هذا الصراع للي ذراع التنظيم والتقليل من تأثيره وعنفه في الشرق الأوسط والعالم، تكافح “قوات سوريا الديمقراطية” في ممانعة ما يعوقها من تحديات في مواجهة التنظيم العنيد وإصراره على إبراز خطره على العالم، فبعد انتهاء معركة الباغوز انخفض الدعم الدولي لقوات سوريا الديمقراطية، مما أثر في نوعية عملياته وشموليتها، كما أن رؤية بعض دول التحالف لا تزال غير واضحة في مسألة دعم المنطقة وقواتها العسكرية والأمنية وفق ما يراه المسؤول الإعلامي لـ”قسد”. وإلى ذلك تتشتت عمليات هذه القوات أحياناً كثيرة نتيجة انشغالها بصد هجمات تركيا المتكررة عليها، وهجمات أخرى لمسلحين مرتبطين بالأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري خصوصاً بريف دير الزور.
ويلفت الشامي في ختام حديثه المطول إلى أن محاولات تركيا والنظام السوري لضرب الاستقرار والأمن في مناطقهم خلق هشاشة أمنية حاول تنظيم “داعش” الاستفادة منها، “على رغم نجاحنا في الضربات الاستباقية التي وجهناها لخلايا التنظيم، لا يزال ’داعش‘ يعول على إمكان خلق الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة الهجمات الخارجية لمناطقنا”، مختتماً أن بقاء ملف المخيمات والسجون التي تحوي عناصر “داعش” معلقاً من دون دعم دولي مستمر أو مؤثر فتح منح الفرصة لـ”داعش” لاستثماره على الصعيد الدعائي والتحريضي على حد قوله.
عبد الحليم سليمان @A_S_Abdulhalim
اندبندنت عربية
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=47014