دور الخوف في تخلّف الشعوب
ضياء اسكندر
الخوف، هذا الشعور العميق الذي صاحبَ الإنسان منذ بدء الخليقة، وكان وسيلة لبقائه، وتحذّره من المخاطر المحدقة به، سواء كانت وحوشاً مفترسة، أو كوارث طبيعية، أو أمراضاً غامضة، أو حتى شبح الموت المجهول، لم يتلاشَ مع مرور الزمن وتطور المجتمعات، بل أخذ أشكالاً جديدة أكثر تعقيداً وتأثيراً، مثل الخوف من الفقر، والبطالة، والقمع السياسي، والظلم الاجتماعي، والسلطة المستبدة.
في العصور البدائية، كان الخوف مرتبطاً بالبقاء البيولوجي، حيث كان الإنسان يخشى الطبيعة، ومع نشوء الحضارات، بدأت القوى الحاكمة تستغل هذا الشعور للتحكم في الشعوب، فظهر الخوف من السلطان، ومن العقاب، ومن الفضيحة والنبذ الاجتماعي، وحتى من التفكير الحر.
لقد كان الخوف دائماً أداة فعالة في يد الطغاة لإخضاع الشعوب، فتأخرت النهضة، وتعثّر التقدم، وغُيّبت الأصوات المطالبة بالتغيير.
إن الشعوب التي تعيش في حالة خوف دائمة، تصبح غير قادرة على الابتكار، وتفتقد روح المغامرة، وتتجنب مواجهة الاستبداد. وعندما يترسّخ الخوف في النفوس، يتحوّل إلى قيدٍ يعيق الأفراد عن اتخاذ المواقف الجريئة، فيستسلمون للواقع، ويكتفون بالصمت الذي لا يزيد المستبدين إلا قوة وجبروتاً، وهكذا، يصبح الخوف عاملاً رئيساً في تكريس التخلف والجمود.
قد يتساءل البعض: إذا كان الخوف غريزة طبيعية، فكيف يمكن تقليصه أو التغلب عليه والتحوّل إلى نقيضه؟
يكمن الجواب في الوعي والإدراك؛ فحين يدرك الأفراد أن خوفهم ليس إلا سلاحاً بيد المستبدين، ويكتشفون أن التواطؤ مع الخوف هو ما يطيل أمد الظلم، يصبح بإمكانهم مواجهته.
وعندها يتلاشى الخوف ليحلّ محله الإصرار على التغيير، وبتكاتف الأفراد على رفض الظلم وتعزز الوعي الجماعي، يفقد الخوف سطوته، وتنبثق الشجاعة في التعبير عن الآراء والدفاع عن الحقوق، تجسيداً لمبدأ: “الاتحاد قوة، والتفرقة ضعف”.
إن أولى خطوات التحرر من الخوف تكون في فضح ممارسات القمع، وعدم التردد في مساءلة السلطة، أياً كانت طبيعتها: سياسية، أو دينية، أو عسكرية، أو اقتصادية. فالسكوت عن الظلم هو ما يمنح الظالمين فرصة الاستمرار، وما يُغرق المجتمعات في دوامة الفساد والاستبداد.
يجب أن ندرك أن التغيير لا يحدث بالصمت، بل بالقول، والكتابة، والاحتجاج، وبكل وسيلة تعبير متاحة. إن رفع الصوت عالياً في وجه الظالم ليس تهوراً، بل ضرورة لبناء مستقبل أكثر عدالة وحرية.
واليوم، وبعد مرور أكثر من شهرين على استلام “هيئة تحرير الشام” السلطة في دمشق، أغرقت خلالها المشهد بخطابات مطمئنة، بينما مارست أفعالاً مخزية تتناقض معها، فوجد الشعب نفسه غارقاً بين الذهول والترقب، ويتساءل بِحِيرة: هل هذا ما كنا ننتظره؟ كنا بحاجة إلى تغيير نظام، لا مجرد استبدال سلطة بأخرى!
كلنا ندرك أن الفصائل العسكرية المتحالفة مع “هيئة تحرير الشام”، والتي تُعدّ بالعشرات، ليست كتلة واحدة متجانسة، بل تتفاوت بين التشدد والتطرف من جهة، والاعتدال النسبي من جهة أخرى، ما يجعل التوفيق بينها أقرب إلى المستحيل، وليس أدلّ على ذلك من كثرة القرارات التي اتخذتها الهيئة ثم تراجعت عنها.
الجميع يعي أن هذه المرحلة المفصلية في تاريخ سوريا مفتوحة على جميع الاحتمالات؛ فقد نجد أنفسنا أمام سيناريو تقسيم البلاد واندلاع حرب أهلية مدمرة، لا تُبقي ولا تذر، أو قد نسير في اتجاه نهوض الدولة من تحت الرماد، كطائر الفينيق، لتستعيد عافيتها خلال سنوات قليلة.
من هنا، ينبغي للنضال ألّا يتوقف عند مرحلة معينة؛ فكما واجه الشعب حقبة (الأسدين)، عليه أن يتحلّى بالجسارة في فضح انتهاكات “هيئة تحرير الشام” ووضع حدٍّ لها، تمهيداً لاستبدالها بما يحقق تطلعاته في الحرية والعدالة.
وإن تلكأت الأخرى، وجب فضحها أيضاً، لا بد أن نعتاد على مواجهة الظلم والفساد دون خوف، عبر نضال سلمي.. سلمي.. سلمي واعٍ؛ بالكلمة الحرة والموقف الثابت، وكشف الأخطاء دون تهاون. فلا نهوض لشعب مكبلٍ بالخوف، ولا نهضة لأمة ترتجف أمام الظلم.
آن الأوان لكسر قيود الخوف، والمطالبة بالحقوق، ورفض القهر، والإيمان بأن صوتنا هو السلاح الأقوى، فقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي تصرّ على نضالها السلمي تنال حريتها في النهاية.
المصدر: ANHA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62654