د.سالم الكتبي: ألغاز الدور الروسي في سوريا

كوردأونلاين

in

الدور الذي تلعبه روسيا في سوريا لم يكشف عن الكثير من ألغازه، صحيح أن روسيا قد عادت بقوة إلى الساحة الشرق أوسطية من البوابة السورية، وهذا يكفي، ولكن لا تزال هناك الكثير من أسرار ودوافع هذا الدور تنتظر الكشف عنها خلال الفترة المقبلة.

أحد ألغاز الدور الروسي ظهر مؤخرًا بمساعدة روسيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكشف عن رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل الذي فُقد خلال حرب لبنان عان 1982، حيث كشفت التقارير الإعلامية عن مساعدة روسية مباشرة لإسرائيل في العثور على رفات الجندي الإسرائيلي واستعادتها بشكل منح نتنياهو ورقة إضافية تعزز موقفه قبيل الانتخابات الإسرائيلية المقررة يوم التاسع من ابريل الجاري.

تلقى نتنياهو هديتين ثمينتين من رئيسي الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء، الأول منحه صكا غير شرعي بامتلاك الجولان السورية المحتلة، والثاني استغل وجود قواته في سوريا وأمرها بالعثور على رفات الجندي الإسرائيلي، وتقديمها إلى إسرائيل رغم ما قد يكون نجم عن ذلك من حرج سياسي بالغ للنظام السوري، ولكن روسيا، كما النظام الإيراني، تتصرف في سوريا بحسب مصالحها وما تعتقد أنه يحققها وليس بناء على مصالح الأسد ونظامه!

البعض يعتقد أن روسيا انتهكت سيادة سوريا حين قامت بالبحث عن رفات الجندي الإسرائيلي وتسليمها بشكل انفرادي، ولكن هذا التصور قائم على أن نظام الأسد لا يعلم ما فعله الجيش الروسي منذ بدايته، ولكنه لا يمتلك سلطة الاعتراض أو المنع لهكذا تصرف! فروسيا، وكذلك إيران، ترى أن لها الدور الأكبر في بقاء نظام الأسد واستمراره، ومن ثم فليس له الاعتراض على سلوكها وتصرفاتها، وليس له الاعتراض على ما تقرره، علاوة على أن هناك من الأساس شكوك في أن الأسد قد يعترض على ما تقرره روسيا.

هناك من يقول إن روسيا كان يجب عليها تسليم رفات الجندي الإسرائيلي بعد العثور عليه لنظام الأسد، بدلًا من تنظيم احتفالية في مقر وزارة الدفاع الروسية في موسكو لتسليم الرفات، ولكن هذا الكلام يبدو حالمًا مثاليًا، وعالم السياسة ليس فيه متسع لمثل هذه الأحلام!

أحد دوافع هذه التصورات أن البعض يعتقد ان روسيا ليست على وفاق مع إسرائيل، وأن هناك خلافات بين الجانبين، وهذا الكلام تدحضه بسهولة الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، وهي أكثر بكثير عن زيارات نتنياهو للولايات المتحدة!

روسيا قوة كبرى تتصرف وفق مصالحها، هكذا تفعل في سوريا وفي العلاقات الدولية بشكل عام، وعندما يرى بوتين ان هناك توجها ينبئ بتحولات استراتيجية في الشرق الأوسط، لاسيما بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، فإن من الطبيعي أن ينخرط في هذه اللعبة الاستراتيجية للحفاظ على المكاسب التي حققتها روسيا في سوريا.

هذا الموقف تحديدًا يختزل إشكاليات الطرف العربي، فهو يريد أو يتصور أن القوى الكبرى يمكن أن تتصرف بما يحقق مصالحه من دون التفكير في منطقية هذا التفكير! والسياسة وتفاعلاتها بشكل عام تعمل وفق منطق المصالح المتبادلة ولا يحد من فاعلية هذا المنطق سوى أوراق الضغط التي يمتلكها طرف ويؤثر من خلالها في مسار أي علاقات مصلحية قائمة، ولكن الطرف العربي لا يمتلك في الوقت الراهن على الأقل أوراق ضغط قادرة على التأثير في مجريات الأحداث بسبب ما أصاب المنطقة العربية من تشرذم وفوضى منذ عام 2011.

لا يزال بعض العرب يمارسون السياسة من زاوية الهواية، فيراهنون على كلمات مثل الصداقة التاريخية والروابط التقليدية، وغير ذلك ويتناسون دور المقايضات والمصالح المشتركة في رسم مسارات العلاقات بين الدول والأطراف المختلفة.

“صدى البلد”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية


Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *