السبت, ديسمبر 28, 2024

د. محمود عباس: إرادة الخالق أم خطأ المخلوق.. الكرد مثالاً -الجزء الرابع

استناداً على الأسئلة الجدلية السابقة، يمكن إدراج الطرفين المتصارعين على حساب الشعب الكردي وخاصة أحزاب المجلس الوطني الكردي وتف دم، في سوريا ضمن مجازيات نسبية، وفي حيز المقتدرين على قراراتهما، والقبول بأنها: إما يصوغون إشكالية تبعيتهما للقوى الإقليمية لتبرئة ذاتهما من بعض السلبيات والمطبات الرئيسة في نضالهما، والمشاكل التي أغرقا فيها القضية القومية، أو أنهما والخالق وجهان للحيز السياسي الواحد. وإذا سلمنا جدلاً أنهما بلغا مرحلة من حرية الرأي والثقة بالذات، ويقرران خارج إرادة الخالق، فهما إذا متهمان بدفع القضية ومصير الشعب إلى هوة التلاسن والتخوين والتناحرات الدونية وتمييع القضية، عندها هما المذنبان أمام الشعب، وليست المربعات الأمنية أي خالقهما، أعداء الكرد، ومن السذاجة ملامة العدو في جرائمه، بل يجابه بنضال.
وكالعلاقة التناسبية المطروحة آنفاً، بين أطراف من الحركة الكردية في سوريا ومهيمنها، يمكن عرض المقارنة التالية بين الإنسان وخالقه: أيهما يجب أن يحاسب؟ الخالق أم المخلوق؟ ولتبسيط السؤال، يمكن عرض المقولة المجازية التالية: من يجب أن يحاسب، الطفل الذي بدأ يحبو؛ أم الوالدين؟ عندما يتركانه يقع في الهوة وهو لا يزال في خطواته الأولى؟ فهل بإمكان الطفل الدراية بالخطر المحدق به، حتى وأن قال له والديه ألاف المرات لا تخطو يا بني في اتجاه الهوة؟ أليس عقل الإنسان بسيطاً بل عدماً مقارنة بعقل الخالق، ولا يمكن مقارنته بمقياس عقل الطفل بعقل والديه؟ مع ذلك، فجريمة سقوط الطفل في الهاوية تقع على الوالدين، ولا يُحَمل الخالق جريمة سقوط الإنسان في الهاوية؟ أم أن جريمته تشبه جريمة الإنسان الخالق للأجهزة الإلكترونية الحديثة؟ والتي ستتطور وقد تبلغ درجة التحكم بالذات في القرون القادمة، مع ذلك ستظل تلك الأجهزة ناقصة، حاملة للعديد من الأخطاء الواجبة معالجتها لتتلاءم والعصر ومتطلبات خالقه، والإنسان هي آلة لخالق ما، والاثنان ينقصهما الكمال، مثلما ينقص الإنسان ومخلوقه.
وعلى الأغلب الأطراف الكردية الغارقة في الخلافات، لا تختلف عن الطفل ووالديه، واختلافه عن المثال الإلهي، هو أن الأحزاب الكردية تحوص خارج حماية الوالدين، أي خارج محيط الشعب الكردي ورأيه، ويتحرك تحت رحمة مربيين ظالمين، يريدون له الشر، وعليه فالمتهم في هذه الحالة هي السلطات الشمولية الاستعمارية، وعلينا كحركة ثقافية أو الأطراف السياسية الواعية عدم التقاعس على توعية الطفل أو تربيته ليكبر ويعي ما يدور في المحيط، ونبين للمجتمع أساليب المربعات الأمنية بعرضها وبشكل مستمر بعض الأحزاب الكردية على أنها القوة السياسية الناضجة ضمن الحركة، ولابد من أن نحكم على حركتنا من خلال أفعالهم ونتائج أعمالهم على الساحة، والتي تبين أنهم دون البلوغ بكثير، وبعيدين جدا من أن يكونوا في أحسن تقويم. فهذه الأمة العظيمة تملك من القوى والقدرات والإمكانيات الخام التي بإمكانها أن تخلق أفضل الحركات، وعلى مستوى الحركات العالمية، فقط نحتاج إلى بعض المقومات لإزالة الأوبئة الموجودة، لينبت الجديد.
تقول الأديان السماوية الثلاث، خلق الله البشر في أحسن تقويم، وهكذا ينقل المفهوم مع حظر استخدام العقل فيه، وكل هذه الشرور والآثام والأهوال تلازمه على الأرض! والأمراض تتبعه، وينتقل من خطأ جسمي وفكري إلى آخر، يشبه نواقص الكمبيوتر، وبمقارنة جدلية يلاحظ أن التعديلات، تجرى على الإنسان والكمبيوتر، ويظلان في حاجة دائمة إلى تطوير، فأمراضنا كإنسان مشابهة لنواقص الألة، مع الاختلافات ما بين مادية الكمبيوتر، وروحانية أو فيزيولوجية الإنسان، ومثلهما جميع الأحياء.
أليست هذه النواقص موجودة في الطرفين الكرديين المتصارعين، واللذين وضعهما الخالق بهيئتهما تلك وجها لوجه؟ ليغيبوا القوى الوطنية المحيطة بالوضع القائم، كالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، والمجلس الوطني الكردستاني-سوريا، في الوقت الذي كانت فيها هاتين الحركتين فعالتين على الساحة، مستقلتين عن القوى الإقليمية الاستعمارية ومربعاتها الأمنية، كونت ودعمت القوى الملائمة لأجندات المقتدر، وهي الأن المهيمنة بشكل أو آخر على الساحة الكردية، ولا تملك القوة أو الإرادة على التقارب أو حتى الالتقاء والتباحث في نقاط مشتركة، كالنظام الفيدرالي، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة منتمية إلى الشعب لا الأحزاب، والعلاقات الدبلوماسية مع الدول الكبرى. وبصراعاتنا الساذجة تم إيصال قضية شعبنا إلى هذا الواقع المزري: كالصراع الداخلي، وتقسيم المجتمع، وغيرها من المصائب.
والسؤال الأخر والمحير للبشرية، والذي ينطبق بشكل ما على بعض منا كحركة سياسية وثقافية. ما دامت الشرور تتفاقم، والجرائم تتصاعد، على مر التاريخ، ولا نهاية لها، ولم يبلغ الخالق غايته بعد انتشار رسائل الأنبياء، بالنقل، فلماذا أنعم الإله العالم سابقاً بالعشرات منهم في عصر الضحالة المعرفية، وقلة الخبرة، وعلى أحقاب من الزمن، وترك خلقه في الألفين الأخيرين، بدون رسول أو نبي جديد، يتلاءم وعصر التطورات العجيبة، والمختلفة كليا عن العصور السابقة، وفي المراحل التي بدأ فيها الإنسان يبحث عن أسرار الكون، ومنها أسرار وخفايا أنبياءه خاصة الذين خلفوا نصوصاً، وبالتالي أسراره كخالق، وهذه تضعنا أمام احتمالية، تفرض ذاتها، أن خالق الإنسان مخلوق مثله، وهناك خالق خارج الحيز البشري ونصوصه وقوانينه الدينية، وهذه الاحتمالية ملغية أمام المؤكد بالنسبة لعلاقة العديد من الأحزاب الكردية، والسلطات الاستبدادية ومربعاتهم الأمنية…

يتبع…

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKURDA@GMAIL.COM

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *