الأحد, ديسمبر 22, 2024

د. محمود عباس: ماذا بعد جنيف-4

في خضم الخلافات، المفتعلة، بين الأطراف المتواجدة في جنيف-4، يستثنى منهم أعضاء المجلس الوطني الكردي المشارك والتي خلافاتها مع جغرافيتها الكردية، تقوم السلطة وبمساعدة روسيا (الراعية لهذه المؤتمرات الأخيرة) وقوات الحشد الإيراني، بالانتقال من عمليات الصراع مع المعارضة المسلحة إلى عمليات تصفية الجيوب الباقية من المنظمات التكفيرية والقوى الوطنية المتبقية في بعض المناطق المتفرقة من سوريا.

وبما أنه، وحسب مجريات الأحداث، ومسيرة المباحثات التي لا وجود فعلي لها بين الأطراف المعنية، باستثناء مع يجري مع ممثل هيئة الأمم السيد دي ميستورا، وهي لا تغني ولا تفيد،  فلن تنتج عن جنيف -4 أية اتفاقيات، بل وبسبب عدم حدوث أية حوارات مباشرة، فلربما لن  يصدر عنها بيان ختامي، وإن صدر فستكون في صالح السلطة، والتي ستتهم الهيئة العليا للمفاوضات بهدم الحوارات، دون التعرض لأطراف المعارضة الأخرى، مثل منصة موسكو وهيئة التنسيق، ولربما ستعزل المنظمات المسلحة، والتي هي في الواقع لا تزال في سجل المنظمات الإرهابية عند موسكو، عن قوى المعارضة الأخرى، وبالتالي لن تندرج ضمن تشكيلة واحدة مع الهيئة العليا أو الائتلاف، وستكون لها هيئتها المستقلة، وهنا يكمن التلاعب الروسي والسلطة، واستنادا عليه وجه وفد سلطة بشار الأسد التهمة قبيل المفاوضات وأثنائها، وحاول وضع بند الإرهاب في جدول الحوارات، وعلى الأغلب لهذا البند وللبند الذي يصر عليه وفد المعارضة، وهي الانتقال السياسي للسلطة، أي عملياً تشكيل حكومة انتقالية بدون بشار الأسد، دور رئيس في تقويض المفاوضات، فالبند الأخير مرفوض سلفا من السلطة وروسيا، والموقف الأمريكي ضبابي حوله حتى الأن، ولا  نستبعد موافقة أمريكية عليها مستقبلا، والبند الأول قدم لعرقلة الحوار قبل البدء، خاصة وسلطة بشار الأسد تربح على الأرض، فهي عمليا لا تود حضور المباحثات، لكنها ترسل وفدها لإرضاء الدول الكبرى. هذه البنود المتضاربة، مثلما هي محور الصراع بين السلطة والمعارضة، ستظل ركيزة لكل طرف في تقويض المفوضات.

وفي الواقع الفعلي، حتى ولو جرت العشرات من الأستانات أو الجنيفات، ونقلهم من مؤتمر إلى آخر، فلم تعد أمام المعارضتين، السياسية، والعسكرية مخرجاً غير القبول بالأمر الواقع، والركض وراء الحلول السياسية، خاصة وأن القوى الإقليمية، كتركيا والسعودية وقطر، يجبرونها على قبول المعروض حسب الشروط الروسية لصالح سلطة بشار الأسد، وتوضحت هذه من خلال التقليص الحاد للدعم العسكري، المتلائم مع مصالح تركيا، وتأثر الاقتصاد السعودي والقطري، كما وتبينت أن أغلبية المعارضتين بحد ذاتهما مخترقة من النظام وحلفه، والتشكيلة الغريبة، المتحركة ضمن أروقة جنيف -4 للدخول في مباحثات مع السلطة، مع غياب ممثلي الدول المدعية دعمها دبلوماسية وسياسة، تكشف عن الهزالة التي بلغتها المعارضة، فإن كانت تمثل أية جهة فهي وبالتأكيد لا تمثل الشعوب السورية ومصالحها، أو على الأقل تمثل مصالح بعض الدول الإقليمية كتركيا والسعودية قبل مصلحة الشعوب السورية، وتركيا كل استراتيجيتها موجهة لضرب قضية الشعب الكردي في سوريا، وتسخر المعارضة لغايتها هذه قبل أن تدعمها في صراعها مع السلطة، والسعودية تعادي مذهبيا الطائفة العلوية، المدرجة في قائمة أئمة ولاية الفقيه، والتوجهان لا تندرجان ضمن مصالح الشعوب السورية ولا صراعهم مع بشار الأسد.

  تدرك معظم شخصيات المعارضة، من المخترقة إلى الانتهازية، أن جنيف -4 مسرحية لإلهائهم في الخارج، وستنتهي بدون نتيجة، بل بخسارة سياسية ودبلوماسية، وضعف عسكري على أرض سوريا، وستستمر إن لم تتصاعد عمليات القضاء عليهم من الداخل عسكرياً.

 وعلى الأغلب فإن مؤتمرات أخرى قادمة ستلحقها، وأجواء الحوارات فيها، ستكون على مقياس تصاعد قوة سلطة بشار الأسد على الأرض، وضعف المعارضة وابتعاد الدول الداعمة لها، وفي النهاية أن كانت هناك نهاية، ستكون حسب المخطط الروسي، فيما إذا لم تخرج أمريكا عن صمتها حيال القضية السورية، والمعارضة بكل أطرافها لا تملك درباً آخر، سوى ما مهد لها، وهو الحل العسكري تحت غطاء مؤتمرات جنيف السياسية وما سيتبعها، أي عمليا سلطة بشار الأسد ربحت عسكريا وستربح سياسياً، والأسباب عديدة، منها عدم تراجع القوى المؤيدة لها في الدعمين العسكري والسياسي، وبعكس ما حصلت للمعارضة، وهذه الأخيرة، نتيجة اختراق السلطة لها وتبوء الانتهازيين والمنافقين من البعث والإسلاميين على قيادتها، وهي التي أدت إلى تشويه سمعة المعارضة بشكل عام بين الشعب ودولياً، والقوى الإقليمية لا ضمير لهم، فهم يبحثون عن مصالحهم الدونية والأقذر من مصالح سلطة بشار الأسد.

  ولئلا تخسر أطراف من المعارضة مراكزها ورواتبها، رغم خساراتها الفاضحة في المؤتمرات، والمشابهة لما يجري على الأرض، لا تود اختيار الأنسب للشعوب السورية، وإلا فكان عليها على الأقل التخلي عن الصراع المسلح، فالسلطة المجرمة وبدعم روسي-إيراني، والمعارضة بهذا الضعف، وتراجع الدعم الإقليمي والدولي، لن يتوانوا من الإتيان على آخر بناية وعائلة في سوريا للبقاء في السلطة، خاصة وهي الأقوى من الماضي بكثير الأن، والدعم التركي -السعودي يشح وقريبا سينعدم. كما وعليها التخلي عن مفاهيم الإسلام المتطرف والمطالب التكفيرية، وترك الحوارات، بعدم الركض إلى الأستانات والجنيفات، وعرض شروطها الثلاث على روسيا، الانتقال السياسي للسلطة وهي تشكيل حكومة مؤقتة لا وجود لبشار الأسد وجماعته فيها، وقبول الدستور المقترح روسيا، وإن لم يتم فيجب النضال بأساليب مغايرة ضد السلطة الإجرامية، وللعلم فإن أمريكا وروسيا لن يقبلوا بهذه الشروط ولن يتم تنفيذها، وستبقى سلطة بشار الأسد،  ما دامت المعارضة محافظة على هذه الشكلية الإسلامية والتكفيرية والانتهازية، وعلى راسهم مخلفات البعث السني، ومقترحاتهم لمستقبل سوريا لا تعطي بوادر بعد ديمقراطي للشعوب السورية، كالاعتراف بحقوق الشعب الكردي، والطوائف الأخرى غير السنية في دستور يقترحونه عليهم.  وإن لم يقبلوا بهذا أو بمثله، فأنهم قادمون على مرحلة مشابهة لحلب الشرقية، في المدن والمناطق التي لا تزال فيها بعض جيوب المعارضة المسلحة، وفي النهاية المتضرر الأكبر هو الشعب الآمن. فبعد جنيف أصبحت أكثر وضوحا من الماضي، انتهاء المعارضة المسلحة، وهزالة السياسية، وتصاعد دور معارضة السلطة للسلطة، وبالتالي فعلى فما سيجري بعد جنيف-4 ليست سوى الفصول الأخيرة من المسرحية التراجيدية للصراع السوري، حيث بقاء بشار الأسد في مواجهة معارضات متضاربة هزيلة لا صوت ولا قوة، وهذه تزيد من احتمالية تخلي الهيئات الدولية عن إجراء الحوارات، ولربما يبقى دور ممثل هيئة الأمم المتحدة دي ميستورا في الاكتفاء بمحاولة تشكيل سلطة انتقالية مع بقاء بشار الأسد، وتحديد موعد لانتخابات مشابهة لاستفتاءاته السابقة والموروثة عن والده المقبور.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *