الكاتب : لقمان أوسو رئيس مجلس محلية دمشق.
في اليوم الذي أُعلن فيه سقوط النظام السابق، اندفعت الجماهير إلى الشوارع كالسيل الهادر، تملأ الساحات والميادين بفرحٍ طال انتظاره.
كان الهواء يعبق برائحة الحرية، وكانت الهتافات ترتفع من كل زاوية، تهتف لسوريا جديدة تتسع للجميع.
وفي خضم تلك اللحظة التاريخية، كان هناك طفل صغير، بَرزاني حاجو، يحمل علماً كردياً يرفعه ببراءة الطفولة وصدق الفرح.
لم يكن ذلك العَلَم مجرد قطعة قماش، بل كان رمزاً للأمل، ولحلمٍ وطني يجمع ولا يقصي، ويحتضن التنوع بدل أن يخشاه.
اللافت أن بعض الجنود في ذلك اليوم لم ينظروا إلى هذا المشهد بعين الريبة، بل تفاعلوا معه بروح إيجابية، وكأن سوريا كانت تُخلع عنها ثياب الماضي لتجرب لأول مرة ثوباً جديداً من التعددية والوحدة الوطنية الحقيقية.
غير أن هذه الصورة المشرقة لم تدم طويلاً.
بعد عامٍ واحد فقط، وفي الذكرى السنوية الأولى لسقوط النظام، تكرّر المشهد في المكان ذاته، لكن بروحٍ مغايرة.
هذه المرة، كان الأب أحمد حاجو هو من رفع العلم الكردي، متمسكاً بحقه في التعبير عن هويته وفرحه، كما فعل ابنه قبل عام.
إلا أن رد الفعل كان مختلفاً تماماً؛ فقد أحاطت به مجموعة من الجنود، وانتزعوا العلم بالقوة، وهددوا بتوقيفه، في محاولة لمنع هذا الرمز من الارتفاع في فضاءٍ قيل إنه أصبح حراً.
ورغم ذلك، أصر الأب على موقفه، مدافعاً عن رمزيته، وعن حقه وحق شعبه في التعبير بلا خوف. لقد كشف هذا الموقف عن مفارقة صارخة: ما بين لحظة التحرر الأولى التي شارك فيها الجميع في صناعة سردية جديدة لسوريا، ولحظة إعادة فرض الحدود والهويات في مرحلة ما بعد سقوط الاستبداد.
فالبلاد التي خرجت عن بكرة أبيها رفضاً للنظام الاستبدادي، وجدت نفسها بعد عام فقط أمام تحديات جديدة، تتعلق بإعادة تعريف الهوية الجمعية، وبناء صيغة عادلة للتعايش في ظل الحرية.
الطفل برزاني ووالده أحمد، يقفان اليوم كصورتين متناقضتين لمسارٍ واحد: من حلم جماعي واسع، إلى واقع سياسي ما يزال مشدوداً إلى إرث الماضي، حتى وهو يزعم القطيعة معه.
وهذا يذكرنا برفع علم كوردستان من قبل المتظاهرين في حمص وحماة ودرعا ببداية الثورة إلى مهاجمة من رفعوا علم كوردستان بعد احتلال سري كانيي من قبل فصائل مسلحة تابعة للمعارضة .
هذه الحادثة ليست مجرد مشهد عابر، بل تختصر التناقضات التي تعيشها المجتمعات في فترات الانتقال الكبرى.
بين ذاكرة جماعية تتوق للتحرر الكامل من كل أشكال الإقصاء، وواقع سياسي يسعى لإعادة تشكيل نفسه، لكنه غالباً يحمل في طياته ملامح من الماضي الذي يحاول تجاوزه.
واليوم، وبعد ما حدث، لم تعد قصة العلم الكردي مجرد حادثة محلية، بل تحولت إلى قضية تُناقش في أروقة الأمم المتحدة، كرمزٍ لأزمة التعددية في سوريا، وللسؤال الكبير الذي ما زال مطروحاً:
هل تستطيع سوريا الجديدة أن تكون وطناً للجميع، بحق؟
المصدر: المجلس الوطني الكردي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=81104




