رسالة إلى الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان بشأن الاحتجاز التعسفي والتعذيب في شمال سوريا
إلى السادة حاملي الولايات التالية:
- الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي،
- المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
- المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات،
- المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخلياً،
- المقرر الخاص المعني بالعنف ضد النساء والفتيات وأسبابه وعواقبه.
-
ملخص:
تلفت هذه الرسالة الانتباه بشكل عاجل إلى ما قد يشكل نمطاً منهجياً ومستمراً من الاحتجاز التعسفي والتعذيب الذي تمارسه جماعات مسلحة غير حكومية تحت قيادة وتمويل الحكومة التركية. تعمل هذه الجماعات، التي تُعرف باسم “الجيش الوطني السوري” على ارتكاب هذه الانتهاكات بحق السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ انطلاق العملية العسكرية التركية التي سُميت “نبع السلام”.
تُقدم رابطة “تآزر” للضحايا هذه الرسالة لتعرض نتائج تحقيقاتها التي تكشف عن ارتكاب “الجيش الوطني السوري”، المرتبط بالحكومة السورية المؤقتة وائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أفعال تعذيب ومعاملة لاإنسانية بشكل منهجي. تستهدف هذه الأفعال المدنيين الذين لا تربطهم أي صلة بأحداث معينة، ويبدو أنها تعتمد فقط على ممارسة “الجيش الوطني السوري” للسيطرة على المنطقة وسكانها.[1][2]
ومن المهم الإشارة إلى أن رسالة ادعاء سابقة تم تقديمها في أيلول/سبتمبر 2023 تناولت نفس الأنماط والجناة المزعومين، لكن للأسف لم يُتخذ أي إجراء بشأنها. تسلط الشهادات الجديدة المتعلقة بحوادث وقعت بعد الإطار الزمني الذي غطته الرسالة السابقة الضوء على استمرارية هذا النمط وتثير القلق بشأن الانتهاكات المستقبلية المحتملة، لا سيما مع محاولات “الجيش الوطني السوري” التوسع في مناطق جديدة خارج نطاق سيطرته الحالية.[3]
أجرت “تآزر” 18 مقابلة مباشرة مع الضحايا، واستخلصت نتائجها بناءً على تحليل هذه الشهادات، بالإضافة إلى معلومات من مصادر موثوقة أخرى. وتمّ تعزيز النتائج من خلال الخبرة الواسعة في توثيق حقوق الإنسان، والتعاون مع منظمات دولية، وباحثين ميدانيين وناشطين، ومصادر معلومات أخرى، بما في ذلك تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مستقلة.
-
الخلفية السياقية:
في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بدأت تركيا عمليتها العسكرية التي سُميت “نبع السلام”، حيث شنت ضربات جوية وقصفاً مدفعياً على المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، مع تأثيرات وصلت إلى مناطق مثل كوباني والقامشلي. أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” العملية بشكل علني، ونُفذت بمشاركة جماعات مسلحة غير حكومية خاضعة للسيطرة التركية، أبرزها فرقة السلطان مراد، وفرقة الحمزة (المعروفة أيضاً باسم “الحمزات”)، وتجمع أحرار الشرقية (أحرار الشرقية)، والجبهة الشامية وغيرها.
خلال الأيام الأولى من العملية، نزح أكثر من 180,000 شخص، بمن فيهم آلاف النساء والأطفال، في موجات فوضوية، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.[4] وبحلول نهاية العملية في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، كانت تركيا ووكلاؤها من “الجيش الوطني السوري” قد سيطروا على شريط حدودي يبلغ طوله حوالي 120 كيلومتراً وعرضه 30 كيلومتراً، ممتداً من رأس العين/سري كانيه إلى تل أبيض. وخلّفت أزمة النزوح أكثر من 175,000 شخص بلا مأوى، وفقاً للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا.[5]
من الجدير بالذكر أن لجنة التحقيق الدولية وثقت تعرض المدنيين في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مما يعكس أنماطاً من الانتهاكات سُجلت سابقاً في منطقة عفرين. تشمل هذه الانتهاكات الاختطاف، والاحتجاز، والابتزاز، والتعذيب، والاغتصاب، ومصادرة الممتلكات، والتي غالباً ما تُرتكب دون مساءلة. وتُظهر نتائج اللجنة في هذا الصدد سياسة ممنهجة ومستدامة تتبعها الجماعات المسلحة المبلغ عنها وتنفذها باستمرار.[6]
-
حقائق موثقة:
-
نظرة عامة:
كشف 18 ضحية، من خلال شهاداتهم، عن تعرضهم للاحتجاز التعسفي، التعذيب، وأشكال أخرى من المعاملة اللاإنسانية على يد عدة فصائل تابعة للجيش الوطني السوري؛ التي تعمل في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض. كان هؤلاء الضحايا في الغالب من السكان الأصليين لهذه المناطق، الذين نزحوا في وقت سابق بسبب الانتهاكات المستمرة، وما زالوا غير قادرين على العودة خوفاً من تعرضهم لاعتداءات مماثلة.
يغطي الإطار الزمني للحالات الموثقة الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2019، خلال سيطرة الجيش الوطني السوري الأولى على المنطقة، وكانون الأول/ديسمبر 2022. يشير هذا الإطار الزمني الممتد إلى أن الانتهاكات لم تكن مقتصرة على فترات النزاع النشط، بل تعكس نمطاً منهجياً ومستداماً من الانتهاكات الموجهة ضد المدنيين تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني السوري.
من الجدير بالذكر أن معظم الضحايا كانوا من أصول كُردية، وتعرضوا بشكل متكرر لإساءات لفظية تهدف إلى إهانة كرامتهم، ديانتهم، وأصلهم العرقي، وهو ما يتماشى مع التوثيق الذي قدمته لجنة التحقيق الدولية المستقلة. وقد طلب الضحايا عدم مشاركة معلوماتهم الشخصية مع أطراف ثالثة خوفاً من الانتقام من الفصائل المذكورة في شهاداتهم.[7]
-
الاحتجاز التعسفي وغياب الضمانات القضائية:
لم يتم إبلاغ أي من الضحايا بشكل فوري عن أسباب احتجازهم. تم اعتقال معظمهم من منازلهم، بينما اختطف آخرون أثناء تنقلهم أو أثناء ممارسة أنشطتهم اليومية، مثل إدارة أعمالهم. كما اعتقل العديد من الشهود أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى تركيا في إطار الهجرة. ورغم ذلك، وُجهت إليهم لاحقاً اتهامات مزعومة بالتعاون مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أو الانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية، أو التورط في أعمال إرهابية أو تخريبية.
ورغم هذه الاتهامات، لم يُعرض معظم المحتجزين على المحاكم أو تُمنح لهم فرصة اللجوء القانوني. بدلاً من ذلك، غالباً ما تم الإفراج عنهم فقط بعد دفع فدية أو التنازل عن ممتلكاتهم. بالإضافة إلى ذلك، أولئك الذين مثلوا أمام المحكمة أُجبروا على دفع رشاوى أو وُجهت إليهم اتهامات من القضاة بتلفيق ادعاءات بشأن التعذيب وسوء المعاملة. أُجبر جميع المحتجزين على توقيع أوراق فارغة أو معدة مسبقاً، والتي تم تقديمها لاحقاً للقضاة على أنها اعترافات.
في إحدى الحالات، أفاد أحد الضحايا لرابطة “تآزر” بأنه تعرض للاستجواب والتعذيب يومياً في سجن تابع لقوات “الشرطة العسكرية” للجيش الوطني السوري في إحدى القرى القريبة من رأس العين/سري كانيه لمدة 43 يوماً؛ بدءاً من 23 حزيران/يونيو 2022. في نهاية المطاف، أُجبر على “التوسل” لتوقيع أي اعتراف يطلبونه. بعد توقيع وثيقة غير محددة، تمّ احتجازه لمدة شهرين إضافيين في زنزانة أخرى حتى أمر القاضي بنقله إلى “السجن المركزي”.
وفي حالة أخرى، أفاد ضحية يعمل في مجال البناء واعتُقل في شباط/فبراير 2022 لرابطة “تآزر” بأن أسرته اضطرت لدفع مبلغ 2000 دولار أمريكي لأحد قادة “الجيش الوطني السوري” للسماح له بالمثول أمام المحكمة. أوضح الضحايا أن المثول أمام المحكمة عادةً ما يؤدي إلى قرارات إما بالنقل أو الإفراج بكفالة، وهو ما اعتبروه فرصة ليكونوا في موقع أو ظروف قد تواجه تعذيباً ومعاملة سيئة أقل.
-
النهب والإفراج مقابل الفدية:
أفاد الضحايا بشكل متكرر عن مصادرة ممتلكاتهم الشخصية، التي تراوحت بين الأموال والذهب والهواتف المحمولة ووثائق الملكية، إما أثناء اعتقالهم أو من خلال مداهمة منازلهم. وأُجبر العديد من الضحايا الذين تمّت مقابلتهم على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم.
على سبيل المثال، إحدى الضحايا، وهي امرأة حاولت عبور الحدود إلى تركيا في آب/أغسطس 2022، احتُجزت من قبل حرس الحدود التركي لمدة 24 ساعة قبل أنّ يتم تسليمها إلى قوات “الشرطة العسكرية” التابعة للجيش الوطني السوري. خضعت للاستجواب لمدة يومين قبل إطلاق سراحها وإعادة ممتلكاتها إليها. وعند فحص ممتلكاتها للاتصال بأسرتها، اكتشفت أن مبلغ 500 دولار أمريكي، وبعض المجوهرات الشخصية، وهاتفها المحمول، وأغراض أخرى قد تمت سرقتها من قبل العناصر الذين احتجزوها.
في حالة أخرى، طُلب من ضحية دفع مبلغ 3000 دولار أمريكي مقابل إطلاق سراحه، رغم أنه لم يُدان مطلقاً بتهمة الانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية. وفي حالة أخرى، بعد أن أُجبر أحد الضحايا على دفع فدية مقابل إطلاق سراحه عقب اعتقاله في أرضه الزراعية، اكتشف أنّ الأرض التي كان قد زرعها تمّ حصادها من قبل أعضاء من فصيل الجيش الوطني السوري الذين اعتقلوه.
-
التعذيب، سوء المعاملة، وظروف الاحتجاز:
كانت ظروف الاحتجاز -بشكل مستمر- غير إنسانية. أفاد الضحايا بأنهم احتُجزوا في أماكن مكتظة أو في عزلة تامة، وغالباً ما حُرموا من الاحتياجات الأساسية مثل الطعام، المياه، والنظافة. وواجهت النساء المحتجزات، على وجه الخصوص، معاملة قاسية تضمنت حرمانهن من الحاجات الصحية الخاصة بالنساء، وإجبارهن على تحمل ظروف غير صحية، مما أدى إلى مضاعفات صحية. بالإضافة إلى حرمانهنّ عمداً من الاستخدام الطبيعي للمراحيض والاستحمام، وإجبارهنّ على أن يرافقهنّ حرس من الرجال عند استخدامهنّ للمرحاض، مما زاد من صدمتهن النفسية.
أبلغت ضحيتان من النساء رابطة “تآزر” أن المحتجزين الذكور كانوا يتعرضون للتعذيب عمداً أمامهن كوسيلة للضغط عليهن للاعتراف باتهامات لم يرتكبوها، مثل الانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية أو حيازة معلومات استخباراتية.
جميع الضحايا أبلغوا عن تعرضهم للتعذيب الجسدي، الحرمان من النوم، والإساءات اللفظية، التي كانت تهدف إلى إذلالهم وترهيبهم. الكُرد، على وجه الخصوص، تعرضوا لإهانات عرقية وأشكال أخرى من الإساءة العنصرية. كانت أساليب التعذيب التي وصفها الضحايا متنوعة ولكنها قاسية بشكل لافت، وتشمل الضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية وأعقاب البنادق، التعليق من السقف، الحرق بالسجائر، وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مؤلمة مثل “الشبح”.[8]
كما حُرم العديد من الضحايا من النوم، وتعرضوا لدرجات حرارة متجمدة، وحُرموا من الدفء وحتى من الملابس الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، تعرضوا للتعذيب النفسي، بما في ذلك التهديد بالعنف الجنسي ضدهم أو ضد أفراد عائلاتهم.
أحد الضحايا، وهو رجل، أبلغ رابطة “تآزر” أنه عند وصوله إلى موقع احتجاز تابع للشرطة العسكرية، تم تفتيشه وصودرت أمواله وهاتفه. أمره أحد الضباط بخلع ملابسه، وتركه يرتدي السروال الداخلي فقط، ثم أُلقي في غرفة صغيرة مظلمة منفردة. في وقت لاحق، جاء ضابطان مقنعان، غطيا عينيه وأخذوه إلى مكان آخر لم يتمكن من تحديده. عند وصوله، تعرض للتعذيب والضرب باستخدام خرطوم أخضر وكابل كهربائي لمدة ساعة ونصف تقريباً دون طرح أي أسئلة أو استجواب.
أفاد شقيقان أنهما، عند وصولهما إلى مقر إحدى فصائل الجيش الوطني السوري، أُخرجا من السيارة وتم ركلهما حتى دخلا المبنى معصوبي الأعين. أُلقيا في غرفة داخل المقر لا تحتوي على فراش أو بطانيات. مكثا في تلك الغرفة لمدة يومين، حيث تعرضا للتعذيب يومياً لمدة ساعة ونصف تقريباً باستخدام طريقة “الخرطوم الأخضر”، حيث ضُربا على جميع أنحاء جسديهما وتعرضا للإهانات (وُصفا بالعملاء والخنازير والكلاب). خلال اليومين، لم يتلقيا أي وجبات، وحصلا فقط على كمية قليلة من الماء، وسُمح لهما باستخدام المرحاض مرة واحدة يومياً.
إحدى الضحايا أبلغت رابطة “تآزر” أنه في الليلة الأولى من احتجازها، وبينما كانت نائمة، فتح أعضاء الفصيل الباب وسكبوا الماء البارد على جسدها. ثم قام رجلان مقنعان بسحبها بالقوة وأخذوها إلى غرفة أخرى في نفس المبنى. دُفعت بقوة إلى غرفة تحتوي على مكتبة، وراية الجيش الوطني السوري، وفي زاوية أخرى العلم التركي. دخل رجل ضخم وطرح عليها سؤالاً بعنف: “هل أنت كُردية؟” وعندما أجابت بـ”نعم”، قال: “أنت تبدين كالمقاتلة، ويجب أن تعترفي. أنا أعرف كل شيء عنك شخصياً!” وعندما أنكرت هذه المزاعم، وصفها بالمرتزقة وصفعها بقوة على وجهها، وأهانها بألفاظ نابية.
-
الجناة المزعومون:
تمكن العديد من الضحايا من التعرف على الأفراد المتورطين في احتجازهم وإساءة معاملتهم، إما من خلال التعرف المباشر أو بناءً على المعلومات التي قدمها لهم الجناة. تمكن بعض الضحايا من تحديد هوية خاطفيهم استناداً إلى الانتماءات أو الشعارات الموجودة على المركبات، بينما تمّ إبلاغ آخرين بانتماءات الجناة الفصائلية من قبل الخاطفين أنفسهم. ومع ذلك، لم يتمكن بعض الضحايا من التعرف على خاطفيهم بسبب تعصيب أعينهم أو استخدام وسائل أخرى لمنعهم من التعرف عليهم.
يشير تحليل الشهادات والأدلة المؤيدة إلى أن هذه الانتهاكات تشكل جزءاً من نظام أكبر ومنسق بقيادة الجيش الوطني السوري، يشمل فصائله المختلفة مثل الشرطة المدنية، الشرطة العسكرية، والقضاء. الفصائل والكيانات التابعة للجيش الوطني السوري التي حددها الضحايا تشمل فرقة الحمزة (الحمزات)، فرقة السلطان مراد، الشرطة العسكرية، أحرار الشرقية، أحرار الشام، والجبهة الشامية.
وثقت هيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أنماطاً مماثلة من الانتهاكات ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل، لا سيما في عفرين ومناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض. تشمل هذه الانتهاكات الاعتقال التعسفي الواسع النطاق، التهجير القسري، الابتزاز، التعذيب، والعنف الجنسي، خاصةً ضد السكان الكرد.
تشير الأدلة إلى أن هذه الانتهاكات قد تشكل خروقات منهجية للقانون الإنساني الدولي (IHL) والقانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL). ويبدو أن نمط الانتهاكات، بدءاً من الاحتجاز التعسفي والنهب وصولاً إلى الاضطهاد العرقي، هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تهجير السكان الأصليين، وخاصة الكرد، ومنع عودتهم. تعكس هذه الاستراتيجية الممارسات التي لوحظت خلال عملية “غصن الزيتون” التركية في عفرين، والتي توسعت لاحقاً إلى مناطق عملية “نبع السلام” التركية.
تشير هذه الانتهاكات المستمرة والواسعة النطاق إلى حملة منهجية ومنسقة من العنف والاضطهاد، قد تكون معتمدة كسياسة رسمية من قبل فصائل الجيش الوطني السوري. يبدو أنّ الهدف من هذه الحملة هو التهجير القسري للمجتمعات الكُردية وتعزيز السيطرة على المنطقة من خلال العنف والترهيب. تستمر هذه الممارسات، التي بدأت في عفرين وانتشرت إلى مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حتى اليوم، مع وجود أدلة واضحة على ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
-
الإطار القانوني:
-
التزامات الجماعات المسلحة غير الحكومية بموجب القانون الدولي:
ينظم القانون الإنساني الدولي سلوك جميع أطراف النزاع المسلح، بما في ذلك الجماعات المسلحة غير الحكومية. إنّ الجماعات المسلحة التي تسيطر على أراضٍ أو سكان نتيجة انخراطها في نزاع مسلح غير دولي مُلزمة بأحكام القانون الإنساني الدولي التي تهدف إلى حماية المدنيين من الأعمال التعسفية في غياب سيطرة الدولة.[9] ويتعين عليها احترام مجموعة واسعة من الحقوق، بما في ذلك حماية الجرحى والمرضى والمرافق الطبية، وكذلك المعاملة الإنسانية للأسرى والمحتجزين. ويجب عليها الامتناع عن ممارسات مثل العقاب الجماعي، النهب، الانتقام، وأخذ الرهائن، وضمان أن أي نزوح قسري أو ترحيل يتم وفقاً للقانون الدولي.[10]
يتزايد الاعتراف بالتزامات الجماعات المسلحة غير الحكومية بموجب القانون الدولي، ولا سيما فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبينما تظل الدول هي المسؤولة الرئيسية عن حقوق الإنسان، تُعتبر الجماعات المسلحة التي تمارس السيطرة على أراضٍ مسؤولة بشكل متزايد عن حماية حقوق الإنسان داخل مناطق نفوذها.[11] وقد أكدت الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان أن الجماعات المسلحة التي تسيطر على أراضٍ يجب أن تحترم حقوق الإنسان،[12] لا سيما عندما تعمل بطرق مشابهة للحكومات.[13] وتشمل هذه الواجبات ضمان حماية الحقوق الفردية والجماعية للمدنيين تحت سلطتها.
-
التعذيب والمعاملة اللاإنسانية:
يحظر القانون الدولي العرفي التعذيب والمعاملة اللاإنسانية بشكل مطلق، بغض النظر عن الظروف، بما في ذلك أثناء النزاعات المسلحة. ينطبق هذا الحظر المطلق على جميع الأطراف، سواء كانت دولاً أو جماعات غير حكومية، وهو مُكرس كقاعدة آمرة، مما يعني أنه لا يمكن التنازل عنه. تنص المادة المشتركة الثالثة من اتفاقيات جنيف، التي تنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، على المعاملة الإنسانية لجميع الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وتحظر صراحة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك الأعمال المهينة أو الحاطة بالكرامة.[14]
تلتزم الجماعات المسلحة غير الحكومية بهذه القواعد حتى في غياب تورط الدولة. وتخضع أعمال التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية التي ترتكبها الجماعات المسلحة، مثل تلك التي تُمارس أثناء الاستجوابات أو الاحتجاز، للمسؤولية الجنائية الفردية، بغض النظر عما إذا كانت معتمدة أو منفذة من قبل الدولة.[15] لا يسمح القانون الدولي للجماعات المسلحة غير الحكومية بتبرير مثل هذه الانتهاكات بناءً على الضرورة العسكرية، ولا يجيز استخدام الانتقام أو أشكال الثأر الأخرى كتبريرات للتعذيب أو سوء المعاملة.[16]
توضح الأدوات الدولية الرئيسية، مثل المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية مناهضة التعذيب، والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن حظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية غير قابل للتفاوض. تؤكد المادة 2(2) من اتفاقية مناهضة التعذيب أن الظروف الاستثنائية لا يمكن أن تبرر أفعال التعذيب، وبالمثل، تحظر المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التعذيب تحت أي ظرف، بما في ذلك أثناء الحروب أو حالات الطوارئ العامة.
-
الحرمان التعسفي من الحرية
يحظر القانون الدولي الحرمان التعسفي من الحرية في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. يطالب القانون الإنساني الدولي العرفي،[17] بالتعاون مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بأن يكون أي اعتقال أو احتجاز قانونياً وخاضعاً للرقابة القضائية. على وجه الخصوص، يجب إبلاغ المحتجزين بالتهم الموجهة إليهم ومنحهم الحق في الطعن في قانونية احتجازهم أمام محكمة مختصة.[18] الجماعات المسلحة غير الحكومية، بصفتها جهات غير حكومية تمارس السيطرة على أراضٍ، مُلزمة أيضاً بهذه الحماية لضمان عدم حدوث الاحتجاز التعسفي داخل مناطق نفوذها.
تحظر المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الاعتقال التعسفي والاحتجاز والنفي، وتضمن أن يتم أي حرمان من الحرية وفقاً للقانون. بالإضافة إلى ذلك، تمنح المادة 9(4) من العهد الدولي الأفراد الحق في اتخاذ إجراءات أمام محكمة لتحديد قانونية احتجازهم وضمان الإفراج عنهم إذا ثبت أن احتجازهم غير قانوني.
تؤكد التعليق العام رقم 35 للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن الحماية المنصوص عليها في المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنطبق حتى في حالات النزاع المسلح، حيث يتداخل القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. في حالات النزاع المسلح، يجب على الدول والجماعات المسلحة احترام حقوق الحرية والأمن للأشخاص الخاضعين لسيطرتهم. وبينما تمتلك الدول القدرة على التنازل عن بعض الحقوق بموجب المادة 4 من العهد الدولي خلال حالات الطوارئ، يجب أن يكون أي تنازل عن الحماية ضد الاحتجاز التعسفي محدداً بدقة ومبرراً بالضرورة.
يبقى مبدأ الرقابة القضائية على الاحتجاز أساسياً، ويجب على الدول (وبالتالي الجماعات المسلحة غير الحكومية) ضمان عدم تمديد الاحتجاز إلى ما يتجاوز الضرورة المطلقة. تقع مسؤولية إثبات شرعية الاحتجاز على عاتق السلطة المحتجزة، وتصبح هذه المسؤولية أكثر صرامة مع استمرار الاحتجاز. كما يجب على الدول والجماعات المسلحة ضمان المعاملة الإنسانية للمحتجزين في جميع الأوقات، بما يتماشى مع المادة المشتركة الثالثة من اتفاقيات جنيف.
يعزز الفهم المتطور لالتزامات الجماعات المسلحة غير الحكومية باحترام حقوق الإنسان أهمية الالتزام بهذه الحماية الدولية في مناطق النزاع. ومع استمرار هذه الجماعات في حكم أراضٍ، كما هو الحال في مناطق مثل “نبع السلام” و”غصن الزيتون”، يجب عليها تحمل مسؤولية ضمان حماية حقوق الإنسان للمدنيين الخاضعين لسيطرتها. تشمل هذه الالتزامات الحماية من التعذيب، المعاملة اللاإنسانية، الاحتجاز التعسفي، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن قدرة الدولة على حماية هذه الحقوق أو فرضها.
-
التوصيات:
نحث أصحاب الولايات المسؤولين على إعطاء هذه القضية أولوية قصوى، نظراً لخطورة الانتهاكات المرتكبة وغياب الحماية القانونية لمئات الآلاف من المدنيين المعرضين للخطر، سواء كضحايا حاليين أو محتملين على مدى فترة طويلة. يجب أن تدرك الجماعات المسلحة غير الحكومية التي تسيطر على المناطق في شمال سوريا بأنها لا تتمتع بالإفلات من العقاب وأنها ملزمة باحترام وحماية حقوق الإنسان للسكان تحت سيطرتها.
في ضوء ذلك، نحث أصحاب الولايات على اتخاذ الخطوات التالية:
1. التواصل مع الجهات والسلطات المعنية:
من الضروري التواصل مع جميع الجهات المعنية، وخاصة الجيش الوطني السوري وهياكله القيادية العسكرية والسياسية المختلفة. يجب على أصحاب الولايات إعادة تأكيد المسؤوليات القانونية للجيش الوطني السوري وإجراء تحقيقات شاملة وشفافة في الانتهاكات، ونشر نتائج هذه التحقيقات، ومحاسبة الجناة بغض النظر عن مواقعهم داخل المنظمة.
2. التواصل مع الحكومة التركية:
يجب حث الحكومة التركية، التي تمارس سيطرة فعلية على الجيش الوطني السوري والمناطق مثل عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض (المعروفة بمناطق “غصن الزيتون” و”نبع السلام”)، على إجراء تحقيق محايد وشفاف في الوضع القائم. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومة التركية توضيح الآليات المتاحة لتوفير سبل الانتصاف والتعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
3. إصدار بيان عام يربط التزامات الأمم المتحدة بواجبات الجماعات المسلحة غير الحكومية:
يجب على أصحاب الولايات إصدار بيان عام يربط الوضع في شمال سوريا بالمواقف الراسخة للأمم المتحدة بشأن التزامات الجماعات المسلحة غير الحكومية باحترام وحماية حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرتها. سيساهم هذا البيان في تأكيد توقعات المجتمع الدولي بضرورة امتثال هذه الجماعات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية المدنيين.
4. دعوة المنظمات الحقوقية لتقديم المساهمات:
يجب توجيه دعوة للمنظمات غير الحكومية العاملة في قضايا حقوق الإنسان في المناطق المتضررة لتقديم البيانات والتقارير حول حالة حقوق الإنسان تحت سيطرة الجيش الوطني السوري. يمكن استخدام هذه المعلومات لدعم البيان المذكور أعلاه وتقديم صورة أوضح عن حجم الانتهاكات الجارية.
5. إدراج القضية في التقارير السنوية:
يجب تضمين الوضع في شمال سوريا، لا سيما فيما يتعلق بأفعال الجماعات المسلحة غير الحكومية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، في التقارير السنوية التي يقدمها أصحاب الولايات إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. يجب أن تُستخدم هذه التقارير كمنصة لزيادة الوعي وتعزيز المساءلة عن الانتهاكات في هذه المناطق.
[1] رابطة “تآزر” للضحايا، هي مبادرة تهدف إلى إنصاف ضحايا النزاع في سوريا، من خلال تمكينهم من تمثيل أنفسهم بنفسهم والمطالبة بحقوقهم، والمشاركة الفاعلة في جهود المساءلة، وتحقيق العدالة. تأسست الرابطة في 11 آذار/مارس 2021، وتعمل على توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان في شمال وشمال شرق سوريا، وحفظ الأدلة والوثائق والشهادات إسهاماً في عمليات كشف الحقيقة والمساءلة وتحقيق العدالة، بالإضافة إلى تعزيز قدرات الضحايا ومناصرة قضاياهم، من أجل بناء مجتمع مطالب بحقوقه.
[2] سيروان قجو: “ما هي الجماعات السورية المشاركة في الهجوم التركي على سوريا؟”، صوت أمريكا (VOA)، 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (متوفر على الرابط: https://www.voanews.com/a/extremism-watch_which-syrian-groups-are-involved-turkeys-syria-offensive/6177353.html).
[3] شكوى إلى الأمم المتحدة حول الاعتقال التعسفي والتعذيب في شمال سوريا، رابطة تآزر للضحايا، ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وقسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس، 20 أيلول/سبتمبر 2023. (متوفر على الرابط: https://hevdesti.org/ar/complaint-to-un-regarding-arbitrary-detention-and-torture-in-northern-syria-ar/).
[4] المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR): أكثر من 10,000 سوري عبروا الحدود إلى العراق منذ بدء الحملة التركية على شمال شرق سوريا، الأمم المتحدة، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019 (متوفر على الرابط: https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042501).
[5] الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، تقرير اللجنة الدولية المستقلة بشأن سوريا، A/HRC/34/57، 28 كانون الثاني/يناير 2020، الفقرة 45.
[6] انظر، على سبيل المثال: منظمة العفو الدولية، “سوريا: أدلة دامغة على جرائم حرب وانتهاكات أخرى ارتكبتها القوات التركية وحلفاؤها“، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019 (متوفر على الرابط: https://www.amnesty.org/en/latest/press-release/2019/10/syria-damning-evidence-of-war-crimes-and-other-violations-by-turkish-forces-and-their-allies/).
[7] الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، تقرير اللجنة الدولية المستقلة بشأن سوريا، A/HRC/45/31، 14 أغسطس 2020، الفقرة 54.
[8] طريقة التعذيب بالتعليق (المعروفة أيضاً باسم “بلانكو”): يقوم السجّانون بتعليق المحتجزين من معاصمهم باستخدام حبال تتدلى من السقف، مما يجبر المحتجز على الوقوف على أطراف أصابع قدميه، حيث يتعرض لضغط شديد. في بعض الحالات، يظل المحتجز معلقاً في الهواء بحيث يضغط وزن جسده على معصميه، مما يؤدي إلى تورمهما ويسبب آلاماً شديدة. قد يبقى المحتجزون في هذا الوضع لساعات أو أحياناً أيام، مصحوباً بضرب مبرح.
[9] Official Records of the Diplomatic Conference on the Reaffirmation and Development of International Humanitarian Law applicable in Armed Conflicts, Vol. 8, CDDH/I/SR.22, Geneva, 1974–77, p. 201.
[10] Sivakumaran, The Law of Non-International Armed Conflict, (Oxford University Press, 2012), p 530.
[11] Committee Against Torture, 20th Sess., GRB. v Sweden, Communication No. 83/ 1997, UN. Doc. CAT/C/20/D/83/1997 (19 June 1998); Sheekh v Netherlands, App. No. 1948/04, HUDOC at 45 (11 January 2007); UN Secretary-General, Report of the Secretary-General’s Panel of Experts on Accountability in Sri Lanka, 243 (31 March 2011), p 188; Darragh Murray, Human Rights Obligations of Non-state Armed Groups (Hart Publishing, 2016).
[12] OHCHR, ‘International Legal Protection of Human Rights in Armed Conflict’, Geneva and New-York (2011), pp 23-27 (Available at: https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Publications/HR_in_armed_conflict.pdf).
[13] OHCHR, Joint Statement by independent United Nations human rights experts on human rights responsibilities of armed non-State actors, 25 February 2021 (Available at: https://www.ohchr.org/en/press-releases/2021/02/joint-statement-independent-united-nations-human-rights-experts-human-rights?LangID=E&NewsID=26797).
[14] Rule 90 of International Committee of the Red Cross (ICRC) study on Customary International Humanitarian Law.
[15] ICTY, Kunarac Trial Judgment, 2001, para. 496, confirmed in Appeal Judgment, 2002, para. 148. See also Simić Trial Judgment, 2003, para. 82; Brđanin Trial Judgment, 2004, para. 488; Kvočka Appeal Judgment, 2005, para. 284; Limaj Trial Judgment, 2005, para. 240; Mrkšić Trial Judgment, 2007, para. 514; Haradinaj Retrial Judgment, 2012, para. 419; and Stanišić and ŽupljaninTrial Judgment, 2013, para. 49.
[16] ICRC 2020 Commentary on Common Article 3, para 596.
[17] Rule 99 of the ICRC Study on Customary International Humanitarian Law.
[18] See for instance, Human Rights Committee, General Comment No. 35, 2014.
المصدر: تــآزر
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=59204