رسالة للسوريين: لن ينقذنا إلا وحدتنا في دولة واحدة لنا جميعاً!

بير رستم

أيها السوريين ليكن بعلمنا جميعاً؛ بأن هذه الدول التي تتقاسم النفوذ في سوريا؛ تركيا، إسرائيل وكذلك الأمريكان لكل منها أجنداتها ومشاريعها السياسية وإنّ الاستقواء بها هي على حساب المكونات السورية الأخرى ولصالح نفوذ ومشاريع تلك الدول وحكوماتها، يعني وبالمشرمحي؛ تركيا تستخدم العرب السنة لضرب الكرد وافشال مشروعهم السياسي في نيل إدارة ذاتية حيث سيشكل مثل تلك الإدارة تهديداً على الداخل التركي وذلك لوجود أكبر جزء وإقليم من جغرافية كردستان تحتلها تركيا، ولذلك فإن هذه الأخيرة ومنذ بداية الثورة السورية حاولت منع أي تنسيق بين قوى المعارضة السورية وبين قوات سوريا الديمقراطية وذلك تحت حجج ومبررات مزعومة بثتها دائرة الحرب الخاصة التركية في عقول وأذهان هذه الشريحة السورية (السنية) عن مشروع “كردي انفصالي” مع أن الإدارة الذاتية أكدت وتؤكد دائماً على وحدة الدولة السورية، ولكن وكما أسلفنا؛ فإن تركيا كانت لها غاياتها وأهدافها مما جعلها تشيطن الكرد في نظر العرب السنة، وللأسف بعض الجماعات الكردية دخلت في دائرة الحرب الخاصة تلك مما ساعدت تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في ترويج واعطائها مصداقية لدى الآخرين.

وبالمقابل فإن الغرب عموماً؛ الأوروبيين والأمريكيين ومن خلال قوات التحالف الدولي، كانوا بحاجة لشريك عسكري على الأراضي السورية لمحاربة الجماعات الجهادية المتطرفة، وفي المقدمة منها تنظيم الدولة (دا.عش)، وحاولوا في البداية تشكيل جماعة عسكرية من بعض القوى العشائرية ومن جنود وضباط انشقوا عن النظام السابق، لكن وعندما فشلوا في تشكيل قوات من تلك المجاميع والتي باعت أسلحتها لتنظيم الدولة، بل قسم منهم انضم للتنظيم نفسه، فأضطر التحالف للبحث عن بديل وكانت وحدات حماية الشعب والمحسوبة على الكرد وحزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك قبل أن تنضم لها الكثير من العشائر العربية وقوات من المكون الآشوري لتشكيل جسم عسكري جديد تحت ما يعرف اليوم ب”قوات سوريا الديمقراطية”. وهكذا تحقق هدف التحالف الدولي بايجاد جسم عسكري يحارب بدل أبنائهم على الجغرافيا السورية حيث المجتمعات الغربية لن تتحمل ورود آلاف الجثامين لأبنائهم من سوريا -قوات سوريا الديمقراطية قدمت للآن أكثر من (١٢) اثنا عشر ألف مقاتل قرباناً وللأسف- طبعاً التحالف لم يقدم أي ضمانة للكرد والإدارة الذاتية أو ل”قسد”، بإقامة كيان كردي، بل فقط الشراكة قائمة على هدف محاربة الإرهاب.

طبعاً ربما يتبادر لذهن البعض منكم سؤالاً مفاده؛ طيب إذا الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، لم يوعد الكرد بإقليم أو كيان سياسي، فلما هم -أي الكرد- متحالفين معهم وما هي الفائدة من هكذا شراكة عسكرية يقدمون فيها آلاف الضحايا؟! وللإجابة على السؤال؛ نود أن نورد عدد من القضايا والتي ربما تكون خافتة على البعض: أولاً عندما تم الاتفاق بين وحدات حماية الشعب والتحالف الدولي، كان تنظيم الدولة في أوج قوته وتحتل نصف جغرافية كل من سوريا والعراق وهربت من أمامه جيوش دول وبالتالي كانت القوات الكردية بحاجة للدعم العسكري واللوجستي للدفاع عن نفسها وعن مناطقها؛ يعني مكرهاً أخاك لا بطل، كما يقول المثل الشعبي، ثم إنهم وفي ظل انعدام أي دعم وامداد للعتاد وجدوها فرصة لتقوية قواتهم والاعتماد على العامل الزمني لعلى وعسى أن تتغير الظروف بحيث يقدروا على تغيير بعض الوقائع والمعطيات وهو ما حدث لاحقاً حيث سقوط النظام وتخلي حزب العمال الكردستاني عن المقاومة المسلحة، وكذلك الانفراج في العلاقات الكردية الداخلية، كلها ساهمت في تعزيز وتقوية دور الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لتصبح واحدة من أهم القوى والشركاء الذين يعقد عليهم الأمل في بناء سوريا جديدة؛ حرة ديمقراطية تشاركية بين كلّ مكوناتها!

أما في أقصى الجنوب فهناك الإخوة الدروز والنفوذ الإسرائيلي، وخاصةً بعد هروب الأسد وسقوط نظامه المافيوي، حيث امتد ذاك النفوذ لمناطق سورية أكثر عمقاً وذلك بعد أن رفعت إسرائيل الأسلاك والحواجز ودخلت عمق الأراضي السورية وتحتلها وتقيم عليها قواعد عسكرية، كما فعلتها تركيا في الشمال السوري تحت حجة أمنها القومي وذلك من خلال احتلالها لبعض الجيوب وبالأخص ذات الهوية والخصوصية الكردية؛ مثل عفرين وسري كانية، وبذلك فإن هدف النظامين التركي والإسرائيلي هو الامتداد والنفوذ وتسخير بعض المكونات السورية لصالح أجنداتها السياسية والاقتصادية والعسكرية حيث لكل طرف من هذه الأطراف الإقليمية والدولية مشاريعها الخاصة بها؛ إن كان “ممر داوود” لإسرائيل أو “الوطن الأزرق” و”العثمنة الجديدة” لتركيا! وأخيراً التحالف الدولي ومسألة محاربة الإرهاب، يعني لا أحد يبحث عن مصالح السوريين وإنما الجميع يبحث عن مصالحه وتحقيق مشاريعه على الأراضي السورية وعلى حساب الدم السوري؛ فلا تركيا تهمها الدولة العربية الأموية السنية، بل اجدادهم من قضوا على الدولة العربية الأخرى “العباسية”، ولا أمريكا تهمها قيام دولة وكيان كردي في سوريا، ولا إسرائيل تهمها إنشاء كانتون دوزي في الجنوب وقد سبق ورأينا كيف تخلت عن كانتون ميليشيا سعد حداد في الجنوب اللبناني قبل عقود من الزمن.

كلمة أخيرة واستخلاص عبرة:
نعلم بأننا طولنا عليكم، لكن ذاك كان ضرورياً لتوضيح بعض النقاط والقضايا الهامة والتي وللأسف قد غابت عن أذهاننا نتيجة الاصطفافات الإثنية والمذهبية والطائفية بحيث كل فئة منا تنظر للواقع من خلال سرديتها وليس من خلال منظور وطني سوري واحد، مما غبشت الصورة وملامحها في نظر الكثيرين منا ولم نعد نرى إلا تلك الجزئية التي نريد أن يراها الآخرين أيضاً! وهكذا كل طرف منا يدعي إنها الملة الناجية والبقية في النار، وبالتالي ومع هذه الذهنية التكفيرية والإقصائية لباقي المكونات الوطنية والإرتهان لمشاريع وأجندات الآخرين، من قوى إقليمية ودولية، فلا حلول وطنية حقيقية وإنما المزيد من الانقسام والصراعات الداخلية، وخاصةً في ظل سرديات ب”شيطنة” الآخر وتكفيره وتخوينه، وقد رأينا ما حدث مؤخراً من مجازر في السويداء بالجنوب بحق كل من الدروز والبدو وقوات الأمن العام، وقبلها في الساحل السوري مع الإخوة العلويين، وقبل الجميع ما حصل في المناطق الكردية في الشمال -وما زال- من انتهاكات وسلب واختطاف للمواطنين الكرد وأملاكهم وأموالهم.. وبالتالي فلا حل أمامنا نحن السوريين جميعاً وبكل مكوناتنا الوطنية إلا حل واحد؛ ألا وهو الجلوس معاً إلى طاولة واحدة تقرّ على أن نبقى معاً ونبني وطناً حراً ديمقراطياً موحداً يشارك بها الجميع ويضمن حقوقنا جميعاً!

Scroll to Top