رهانات عودة دمشق إلى الجامعة العربية

كشفت صحيفة “الفايننشال تايمز” عن أن استعادة الدول العربية لعلاقتها مع نظام بشار الأسد، هو درس للمسؤولين العرب كلهم في عدم اطلاقهم أية مبادرات داخلية تجاه الأوضاع المتوترة في بلدانهم، وبأن الأنظمة هي سبب أساسي في تعقيد الأزمات مما حدث ويحدث في سوريا والآن ما يجري من معارك دموية في السودان.

هذا وقد أتجه الكثير من الأنظار إلى نتائج الاجتماع الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان، مؤخراً، والزخم الذي يمثله اجتماع عمَان على طريق حل واقعي للأزمة السورية، وإلى أي درجة يقرب دمشق وفق هذا المسار من العودة إلى الجامعة العربية.

بحسب وكالة الأنباء الأردنية “بترا” فإن نتائج الاجتماع الذي وصفته بالإيجابي، قد نقلها وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى نظرائه العرب وأيضاً إلى نظيره التركي والمبعوثين الأمميين، بعد أن انعقد في عمان اجتماع لوزراء خارجية كل من: سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر في سياق إطلاق دور عربي لحل الأزمة، وهو ما يزيد من احتمالات قطع الدابر الإقليمي السلبي، والتركيز على توجيه المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري وتسوية قضايا اللاجئين والنازحين والمفقودين، وإيجاد حل سياسي شامل ودائم للأزمة، وفق منهجية “خطوة مقابل خطوة” التي أطلقها غير بيدرسون المبعوث الأممي بعد عدم جدوى استمرار وفدي النظام والمعارضة العربية، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

اجتماع عمان ركز على ثلاث نقاط:

*- ترسيخ الحل السياسي وضرورة إسهامه في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين.

*- خروج جميع القوات الأجنبية غير المشروعة من سوريا.

*- مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتنظيماته وإنهاء تواجد المنظمات الإرهابية.

ربما، فإن الإيجابية التي خيمت على اجتماع عمان، ينقصها الظروف الداخلية السورية، وهي المبادرة التي أطلقتها الإدارة الذاتية الكردية، قبيل اجتماع عمان ذاته، الإدارة التي تمثل ثلث الجغرافيا السورية مساحة وسكاناً، والتي عملت بشكل فعلي على النقاط الثلاث الآنفة الذكر، في أنها قارعت المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، وأنها طالبت بالحل السياسي عبر إطلاق الحوار السوري – السوري الداخلي، وأخيراً فإن الإدارة الذاتية نفسها فتحت أبوابها لجميع النازحين من الداخل السوري، وما زالت تأويهم وتحميهم، وأخيراً أطلقت مشروعاً لاستقبال جميع اللاجئين السوريين الذين ينوي لبنان في إخراجهم، وأعربت عن أن أبواب مناطق الإدارة الذاتية مفتوحة لعموم المواطنين السوريين، على اختلاف مناطقهم، وهي خطوة تفضي إلى الحال أكثر ما تفضي إلى تعقيد الأزمة السياسية والإنسانية معاً.

إذاً ماذا ستعطي الجامعة العربية لسوريا “المقسمة”؟

بعد غياب استمر لنحو أحد عشر عاماً، اتفق وزراء الخارجية العرب في اجتماع القاهرة على قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستئناف مشاركة وفودها.

واعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن اتفاق العرب على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من عقد من العزلة، هو دليل على تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وبحسب الصحيفة فإن قرار إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، رفض للمصالح الأمريكية في المنطقة ويظهر أن دول الشرق الأوسط بدأت تصيغ سياسات مستقلة عن المخاوف الغربية، وهو ما ليس واضحاً في سوريا المقسمة أساساً، لأن هناك مشاريع سياسية قائمة تساندها واشنطن، رضيت الجامعة العربية أم لا، ولا بد من أخذ مصالحها بعين الاعتبار، خاصة وأن قرارات الجامعة العربية غير ملزمة التنفيذ على كافة الصعد.

قاطعت الدول العربية دمشق لعزوفها عن تقديم حلول تخلصها من آفة الحرب الطائفية إلا أن دمشق استندت إلى موسكو، وافتعلت حروباً داخلية، مع ظهور معارضة عربية مرتهنة لأجندات تركية، مما أخرجت “الثورة” من سكتها السلمية وتحويلها إلى عسكرتاريا صرفة وبذلك تكسر إيقاع السلمية وبات السلاح هو الحكم، وخاصة من جانب دمشق ومن جانب أنقرة أيضاً، الطرفان كانا حربهما من أجل السلطة، دون الحرية والكرامة المزعومة.

لن تمنح الجامعة العربية لدمشق عصا سحرية لتقديم حلول سريعة ولكن بكل تأكيد هو حل معتدل أفضل بكثير من ارتماء دمشق في أحضان أنقرة التي كانت السبب الأساس في تعقيد الأزمة وتطويل عمرها وتحويلها إلى الموت والتهجير والدمار.

فتح الله حسيني

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية