الثلاثاء, نوفمبر 12, 2024

عبد الباري أحمه.. يمزج بين الهوية الكردية ونبض المقاومة

قامشلو/ سلافا عثمان

التعرف على حياة الكاتب والشاعر عبد الباري أحمه ابن مدينة قامشلو، والتي تحمل الكثير من المعاناة والإبداع والعطاء رغم الصعاب، وقصة هوايته وشغفه بالأدب التي بدأت من رحم المعاناة، التي بدأ بها منذ عام 1975 وبشكل خاص عدم تمكنه الكتابة بلغته الأم التي لم يستطع الكتابة بها أو حتى البحث فيها، قبل ثورة روج آفا.

وفي هذه الرحلة الأدبية الممتدة عبر عقود من الزمن، يقدم لنا عبد الباري أحمه رؤيته حول الكاتب وعلاقته بالهوية الكردية، ومن خلال تجربته الشخصية، يكشف لنا كيف بدأ شغفه بالقراءة منذ صغره، وكيف تحولت هذه الهواية إلى مسار إبداعي جعل منه كاتباً وشاعراً يعبر عن قضايا شعبه، وفي نصوصه لا نجد فقط انعكاسات تجاربه الخاصة، بل نلمس أيضاً صدى معاناة الكردي الباحث عن الحرية والاعتراف بلغته وثقافته.

بدايات الأدبية

الكاتب والشاعر عبد الباري عضو في الهيئة الإدارية في اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK)، يبلغ من العمر ستة وستين عاماً تحدث لصحيفة رناهي عن بدايته، وكيف عشق القراءة دفعه للكتابة، حيث بدا في المرحلة الابتدائية من دراسته بقراءة قصص الأطفال، ومع تقدمه في العمر كانت تكبر أهمية المادة المفيدة لقراءتها، من قصة ورواية وغيرها، وفي المرحلة الإعدادية شعر أنه أصبح قادراً على الكتابة لأنه كان من الطلاب الأوائل في المدرسة، وفي الثانوية بدأت أولى محاولات الكتابة عنده.

وفي شبابه كانت اهتمامات أصدقائه تتنوع بين الرياضة والشعر والغناء والعزف، لكن “أحمه” بدأ في ممارسة هوايته في الكتابة في وقت مبكر من عمره؛ ما أثار دهشة الجميع وشجعه على الاستمرار: “كنت أحاول أن أقدم شيئًا مميزاً بعيداً عن الهوايات الكلاسيكية”.

وكانت قراءاته للأدب الكردي محدودة بسبب قلة توفر الكتب الكردية، وعدم تمكنه من القراءة بلغته وقتها، لكنه تأثر في منتصف السبعينات بشعراء عالميين مثل محمود درويش، وبابلو نيرودا: “تأثرت بهم كثيرًا، وكانوا مصدر إلهام لي، إلى جانب قراءاتي للكثير من الشعراء المميزين”، مع مرور السنوات، استمر عبد الباري في تعميق اهتماماته الأدبية، وأصبح متأثرًا بكتابات شعراء وكتاب كرد مثل سليم بركات، حامد بدرخان، وشيركو بيكس.

الظروف التي دفعته للكتابة

أما عن الظروف التي دفعته للكتابة، فيقول: “دائمًا هناك معاناة، فالكتابة أرق، وفي الوقت نفسه، هي متعة عندما تنجز قصيدة أو كتابا أو ديواناً، المعاناة التي يعيشها الإنسان بشكل عام الذي ليس لديه وطن ولا راية ولا كيان”، وهذه المسائل كانت تعصرنا من الداخل ونتساءل: “لماذا لسنا كغيرنا ونكتب بكامل الحرية والأريحية عن تاريخنا ومكنوننا الخاص ككرد”، هذه المشاعر دفعت عبد الباري لكتابة نصوص تعبر عن هويته وثقافته الكردية: “مثلما يكتب الفلسطيني والشيلي، والفرنسي بلغاتهم، تساءلت: لماذا لا نكتب نحن بلغتنا؟”.

كان أول ديوان شعر على صعيد النتاجات الأدبية باللغة العربية، “جداريات المنفى في زمن التأويل” الذي صدر عام 2022 أولى أعماله، وبعده بعام ديوان آخر بعنوان “كش ملك”، وأخذ صدى جميلاً بالعنوان والمحتوى، فدائماً الملك يتعرض لصيغة “كش”، فالملوك لا يموتون ولا يشيخون، ديوانه الثالث كان بعنوان “ممو ملاك الأزمنة”، وفيه حاول عبد الباري أن يصحح المفاهيم السائدة حول شخصية “بكو”، الشخصية المعروفة في الثقافة الكردية بسمعتها السيئة بحث في هذا الموضوع وأيقن أن هذا الشخص لم يكن كما يُشاع عنه، بل كان شخصية وطنية غيورة على وطنه، وقد سعى في هذا العمل إلى تصحيح تلك التصورات الخاطئة.

بالنسبة للكتابة التي تجذب القارئ، يرى عبد الباري أن لكل قارئ ذوقاً خاصاً: “البعض يستهويه قراءة قصائد تاريخية، وآخرون يفضلون السياسية أو الغزلية، لكن ما يلفت في القصيدة هو وجود شيء غير مألوف”. كما أن تكرار الكلمات والأفكار يضعف القصيدة، ويعتقد أنه يجب تجديد المعاني والمحتوى باستمرار.

وعن تأثير كتاباته على المجتمع، يقول عبد الباري: “أشعر من خلال أصدقائي في الداخل، والخارج بوجود شيء مميز فيما أكتبه، لا أقول إن المعجبين بي كُثر، لكن هناك من يتميز بقراءة قصائدي الرمزية، التي قد تبدو غامضة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك”. ورغم أن بعض الناس يرون أن كتاباته تحتاج إلى تعمق لفهمها، إلا أنه يؤكد: “أنا أكتب لجميع الناس، لكنني أستهدف شريحة معينة تحب التعمق والبحث في المعاني”.

فيما يخص أعماله الجديدة كان عبد الباري أحمه في العام الماضي حصل على المرتبة الأولى في مهرجان أوصمان صبري للثقافة والفن في مسابقة الشعر باللغة العربية، وديوانه القادم بعنوان “أعراس لضفائر جينا” مخصص بالكامل للبنت الكردية الإيرانية “جينا أميني” التي تحدت الظلم في إيران: “فقصيدة كاملة احتفلت بضفائر جينا، هي دعوة للتحدي والمقاومة، واحتفاظ بالتراث والفكر والعادات والتقاليد والتاريخ الكردي الذي يمتد منذ ثمانية آلاف السنين”.

وعن دور المؤسسات الثقافية، يرى عبد الباري أن هذه المؤسسات تقوم بعمل جيد رغم الظروف الصعبة: “هناك اهتمام بالكتب والكتاب، وأتمنى أن تستمر المؤسسات في تقديم القفزات النوعية”.

وأشار الكاتب والشاعر عبد الباري أحمه في ختام حديثه: إن دور الشاعر والكاتب في ثورة روج آفا مهم للغاية: “من المعيب ألا يشارك الشخص في هذا التغيير الكبير، فالكتابة بلغتنا وثقافتنا تخدم الحراك السياسي والثقافي الذي نعيشه الآن”.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية