الجمعة, نوفمبر 22, 2024

فتح الله حسيني: روجآفا وكردها ومرارات مصالحة نظام دمشق ونظام أنقرة

إذ تبدأ مراحل المصالحة السورية – التركية، أو بالأصح مصالحة الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن كؤوس المرارة ستأخذ مفعولها على الجانبين، وكأن الأسد وأردوغان يرفعان كأس الهزيمة معاً، بصحة أبناء وبنات الشعوب السورية التي دفعت الضريبة الكبرى من سياسات النظامين، فأعين الأسد ستظل على السوريين المعارضين لتسلمهم تركيا لها، بينما أعين أردوغان ستظل على طمس مكتسبات الكرد في شمال وشرق سوريا، كما حلم بها منذ العام 2014 وإلى الآن.

بعد سنوات الذل الذي عاشها السوريون في تركيا، حسب سياسات نظام أنقرة، وسنوات القمع التي عاشها السوريون في الداخل السوري حسب سياسات نظام دمشق، سواء بمدافع جيش الأسد أو مسيرات “البيرقدار” التي تنتجها تركيا وتسيرها فوق مناطق الكرد وتقصف يومياً المناطق المدنية والعسكرية، فإن السلام الذ ينشده على الدوام الرئيس التركي هي عبارة عن كبسة زر لتلك الطائرات، أو بحسب توصيف صحيفة ” التلغراف” فإن الدمار يأتي من تركيا، وتباع في سوريا مجاناً، لاسيما وأن تركيا حليف حذر لروسيا في سوريا، روسيا التي تعد الحاكمة الفعلية في دمشق.

اللجوء التركي الاضطراري إلى آخر خيار له، وهو التقرب من الأسد إنما يأتي رداً على نتائج قمتي سوتشي وطهران الأخيرتين، وعدم تمكن أنقرة من فرض أجنداتها العسكرية على الدول الضامنة للأزمة السورية، مما رمى 11 عاماً وراءه ورمى بفصائل المرتزقة التابعة له، والكتل السياسية التي كانت تتحصن في استانبول، ليكون أردوغان نفسه في المقدمة ويقول لا شروط لدينا للتحاور مع الأسد، وإنما ما هو واضح أن المسألة برمتها تتعلق بالكرد ومكتسباتهم ليس إلا.

لن تكون مراحل المصالحة المنشودة بين النظامين هينة، خاصة في حضور الضامن الأمريكي في مناطق الإدارة الذاتية وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي بالأساس مناطق غنية، ومازال الكرد رغم ذلك يأملون أن ينفتح الأسد على الحوار مع الشعب السوري والشعب الكردي خاصة في شمال وشرق البلاد، بدلاً من لجوء الأسد إلى تركيا الدولة التي عمقت الأزمة وكانت طرفاً أساساً في خراب ثلث الجغرافيا السورية ومازال أعينها على خراب ما تبقى من خارطة البلاد.

المطلوب من الأسد استئناف الحوار مع الكرد، وليس التقرب من أردوغان، لأن أسس حل الأزمة تبدأ من الداخل لا من الخارج الإقليمي، وإن توجت المصالحة السورية – التركية فستبدأ مرحلة جديدة من الحرب والخراب.

إذاَ أية مصالحة تنتظر سوريا؟

طالبت الأحزاب السياسية الكردية في سوريا، نظام حكومة دمشق، القيام باستحقاقاته حيال ما يجري في سوريا من أزمة مستفحلة ومميتة، وأن الحل السياسي الأوحد يبدأ من قامشلو ودمشق وليس من دمشق وأنقرة، وأيضاً المصاحة الوطنية أهم وأجدى بعمومها من المصالحة الإقليمية التي على ما يبدو يشجع عليها موسكو للتوسط بين نظامي دمشق وأنقرة في توجس جديد من جانب موسكو ذاتها.

لا يجدي أي نفع لتسوية الأزمة السورية الحلول الإقليمية أو الدولية إذا لم تتم المصالحة الداخلية على أسس وطنية، لأنهم أولاً وأخيراً المعنيون بسلبيات الأزمة ومعنيون كثيراً بإيجاد الحلول لها، لذا يتطلب من حكومة دمشق، الابتعاد عن مرارة المصالح مع أنقرة لما لها من دور سلبي في تعميق الأزمة وتدريب فصائل مسلحة راديكالية خربت وسرقت وأهدرت كرامة الشعوب السورية، لذا يتطلب الأمر تسويات عسكرية وسياسية واقتصادية داخلية، أولها: التصالح المرن من جانب نظام دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية كجيش مهني مدرب، وقارع الإرهاب وحافظ على ثلث الجغرافيا السورية على عكس ما فعلته فصائل المرتزقة التابعة لأنقرة أو حتى فصائل من جيش النظام في مناطق حماة وحمص ودرعا وإدلب، ثانياً: التصالح مع الإدارة الذاتية لأنها رتبت جغرافيا غنية، وأقامت مشروع سياسي دون أية بروز للطائفية أو العرقية أو القومية، وثالثاً: الاستفادة الداخلية من ثروات سوريا ككل، مع تبادل تجاري داخلي علني، لأنها تعد أهم أسس الشراكة في الوقت الراهن، بعد أكثر من عقد من تتالي الأزمة وانهيار الاقتصاد نتيجة تعنت سياسات دمشق، وإبعاد الإدارة الذاتية من الحلول المقدمة إقليمياً ودولياً بعد إقصاء مشروعهم السياسي من المحافل الدولية لذا يتطلب من النظام السوري مبادرة ليست حسن نية فسحب، بل ضرب كل ماهو غير وطني بعد أن يكون لسوريا “البلاد” خارطة غير ممزقة والاعتراف من الجانبين بمشاريع الآخر.

التقارب السوري – السوري مطلب أمريكي، كان ذات مرحلة قريبة مطلباً روسياً ملحاً، ولكن الاصطفافات المتقلبة لموسكو والتقرب من أجندات أنقرة، ستعمق الأزمة من جديد، ولن يستفيد منها لا تركيا ولا روسيا ولا حكومة دمشق، آنذاك سيكون على الأسد أعباء كثيرة جلبها لنفسه، بعد انهيار الاقتصاد والإنسان وبروز المد الطائفي القوي في سوريا لم نكن نجدها على مدى أكثر من قرن من عمر الدولة السورية.

فتح الله حسيني

شارك هذه المقالة على المنصات التالية