الخميس, نوفمبر 21, 2024

فـاز أردوغـان… تـركـيا تـواصـل تـدخـلها المـريب في الشـأن السـوري

فور تبيان تقدم رجب طيب أردوغان على منافسه كمال كليتشدار أوغلو، في نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التركية، أعلن أردوغان فوزه عبر خطابين، في استنبول أولاً ثم من القصر الرئاسي في أنقرة، مقدماً صورةً أولية تؤكد على الاستمرار في ذات السياسات والمنهجية من نمط حكمه السابق، داخلياً وخارجياً، وبلغةٍ متشددة واثقة، لا تخلو من التهديدات والشتائم، ضامناً الحكم لخمس سنوات أخرى، وسلطةً معززة بأغلبية برلمانية.

رغم انقسام الشعب في تركيا بنصفين تقريباً بين الموالاة والمعارضة، إلّا أنّ الكتلة القومية الدينية المتشددة – التي أغلبها موالاة لنظام حكم أردوغان- تُعدّ أكثر انسجاماً وهي التي رجّحت كفة فوزه، بينما كتلة المعارضة متنوعة وليست على قلبٍ واحد، إلى جانب العديد من الأسباب التي أخفقت آمال التغيير، أبرزها تسخير إمكانات الدولة وسلطاتها في دعم أردوغان ومحاربة المعارضين له بشكلٍ ممنهج، لا سيّما فرض قيودٍ على حرية التعبير واستخدام لغةٍ تحريضية ضدهم وقمع حزب الشعوب الديمقراطي واتهامه بالإرهاب وزج أكثر من عشرة آلاف من أعضائه في السجون واتخاذ إجراءاتٍ لحظره وإبقاء رئيسه السابق صلاح الدين دميرتاش قيد الاعتقال التعسفي.

أشار الرئيس أردوغان في خطابه إلى خطةٍ لإعادة اللاجئين السوريين، كما سارع إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئاسة التركية إلى إعلان شروط تركيا الثلاثة للتقارب مع النظام السوري (مكافحة الإرهاب واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة، ضمان عودة اللاجئين إلى سوريا بطريقة آمنة وكريمة وعلى أساسٍ طوعي، مواصلة عمل اللجنة الدستورية والتقدم في العملية السياسية)- حسب تعبيره، بعدما وجد النظام التركي نفسه متحرراً من الحسابات الانتخابية وغير مضطّرٍ لتقديم التنازلات، وقد يتصلب في مواقفه ويرد على مقولة الرئيس السوري (خطر الفكر العثماني التوسعي المطعّم بنكهة إخوانية منحرفة) بعرض مشاريعه تحت يافطة «المنطقة الآمنة» المزعومة واللعب على الحبال لعقد صفقات جديدة لصالحه، رافضاً انسحاب الجيش التركي من سوريا.

إذاً ديدن النظام التركي باقٍ كما هو، في الداخل والخارج، محاربة وجود الكُـرد وحقوقهم ودورهم، إنكار قضاياهم في تركيا وسوريا وقمع وعداء قواهم المختلفة ومجتمعاتهم المحلية، وإحداث تغيير ديمغرافي واسع في شمالي سوريا الذي يضم المناطق الكردية (عفرين، كوباني، الجزيرة)، الشمال الذي يحسبه فريق أردوغان جزءًا من «ميثاق تركيا الملي- الوطني»، ويعمل على ملئه بالموالين له وتثبيت توطينهم فيه عبر تمليكهم مساكن ثابتة، فعلاوةً على مئات ألوف المستقدمين إليه من المحافظات السورية الأخرى تمّ ترحيل مئات آلاف أخرى إليه قسراً من تركيا التي قالت إنّ أعدادهم وصلت إلى /600/ ألف – لا يتجاوز أعداد من عاد طوعاً /60/ ألف وفق منظمات حقوقية مهتمة، وتخطط أنقرة لإعادة مليون لاجئ سوري في غضون سنوات قليلة من خلال تنفيذ مشروع سكني جديد- ذو طبيعة استيطانية– بدعمٍ قطري، في وقتٍ لا تتوفر فيه الرغبة لدى معظمهم بالعودة إلا بلادهم نظراً لفقدان الظروف الملائمة لعودة طوعية آمنة.

لا يبدي النظام التركي أي مرونة في الحوار مع القوى والأحزاب الكردية، بل يصرّ على نعتها بالإرهاب، رغم أنها تمثل قضية شعبٍ يعيش على أرضه التاريخية وتعداده أكثر من /20/ مليون نسمة في تركيا وأكثر من /3/ ملايين في سوريا وتحظى قوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف الدولي المناهض للإرهاب، فيما لاتكن حكومة العدالة والتنمية مشكلةً مع تنظيمات إرهابية راديكالية وأخرى مرتزقة مثل النصرة وغيرها أو في التصالح مع النظام السوري.

تواصل تركيا تدخلها في الشأن السوري منذ عام 2011م بشكلٍ مريب وسافر، وبالتوازي مع تفعيل الدور العربي مؤخراً ستسعى لعقد صفقات جديدة باستخدام مختلف أوراقها الرابحة عبر التفاوض مع روسيا وإيران، فيما قضايا الاقتصاد والاحتقان الداخلي تؤرقها.

بينما الائتلاف السوري- الإخواني المعارض وحكومته المؤقتة وتشكيلات ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري” والمجلس الإسلامي السوري- استنبول أبدوا تأييدهم المطلق لأردوغان وكانوا خائفين جداً من فقدان راعيهم – مشغلهم وغطائهم، علماً أنهم سيبقون أسرى لدى حكومة أنقرة ومسلوبي القرار مع بقاء أردوغان في الحكم.

إنّ الصراع الإقليمي والدولي على وفي سوريا مازال قائماً، وهو مرتبط بالعديد من الأزمات والقضايا في المنطقة والعالم، أمّا أن ينعكس المسار العربي أو مسار أستانة – موسكو إيجابياً على الوضع السوري حالاً، فليس بالأمر اليسير ووفق ما تقتضي مصالح الشعب السوري! إنما يبقى الرهان على الذات هو أفضل السبل، بذل الجهود لبناء أواصر الثقة بين مختلف المكونات والمجتمعات المحلية نحو بلورة حراكٍ سوري – سوري فعّال.

ومن جهةٍ أخرى، في مواجهة سياسات حكومة العدالة والتنمية العدائية الصارخة الفاضحة ضد الكُـرد عموماً، لا بد للقوى الكردية والكردستانية من توحيد كلمتها والتعاون والتضامن فيما بينها على قاعدة الاحترام المتبادل وأسسٍ مشتركة بما يخدم حلّ القضايا الكردية في البلدان الأربعة (تركيا، إيران، العراق وسوريا).

* جريدة الوحـدة – العدد /342/- 31 أيار 2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

شارك هذه المقالة على المنصات التالية