الخميس, ديسمبر 19, 2024

“فيدرالية” في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية، شر مستطير . جزء الثاني

ماهر حسن

 

الهروب من الحقيقة؟

ثمة من يتغير ملامحه فجأة عند سماع “فيدرالية”، إذ نلاحظ وجوه مشدودة، عيون تتسع خوفًا، وقلوب تبدأ بالنبض بشكل أسرع. هل هذا بسبب أن الفيدرالية هي الشبح الذي سيطيح بوحدة سوريا؟ أم أن الخوف منها هو مجرد رد فعل تلقائي من مجموعة ألفت أن تعيش في الظلام دون أن تجرؤ على رؤية النور؟

في بعض الأوساط السياسية، يبدو أن الفيدرالية تعني نهاية العالم كما نعرفه. وكأننا إذا فتحنا الباب لهذه الكلمة، سينهار كل شيء. ومع أن كلمة “فيدرالية” تعني ببساطة توزيع السلطة بين المناطق، فهي تُنظر على أنها حرب أهلية مقبلة أو فتنة مرعبة ستسحب البساط من تحت “الوحدة الوطنية”. فهل من المنطق أن نخشى كل ما هو جديد لمجرد أننا لم نعتد عليه بعد؟

لنأخذ خطوة إلى الوراء: إذا كانت الفيدرالية تعني التقسيم، فلماذا نرى دولًا مثل كندا وألمانيا والهند تعتمد عليها دون أن تُصاب بالجنون؟ في تلك الدول، تُعتبر الفيدرالية آلية لتوزيع السلطة بشكل منظم يضمن التنوع ويحفظ الاستقرار. ومع ذلك، يبدو أن البعض في سوريا يعتبرون أن تقسيم السلطة يعني تقسيم الوطن، وكأن الفيدرالية هي سكين ستقطع أوصال البلاد. فهل الخوف من التعددية السياسية والحقوقية هو السبب الحقيقي وراء رفض هذا النظام، أم أن القلق نابع من فقدان السيطرة المركزية التي تعودوا عليها؟

لا شيء يُثير الفزع أكثر من فكرة أن يتمكن كل جزء من البلاد من اتخاذ قراراته المحلية بحرية. الفيدرالية ليست دعوة للانفصال ولا للتمرد على الدولة المركزية، بل هي محاولة لتوفير مساحة من الحرية لكل مكون محلي ليُعبر عن احتياجاته وتطلعاته، بما يتناسب مع خصوصياته. الفيدرالية لا تعني أن المناطق ستتحول إلى إمارات تتنقل بينها الحدود كما في الخرائط القديمة. بل هي فرصة لمنح المناطق حقها في إدارة شؤونها الداخلية.

لكن العجيب في الأمر أن نفس الذين يخافون من “الفيدرالية” هم أنفسهم الذين يعتبرون أن النظام المركزي هو الحل السحري. ولكن هل استطاع النظام المركزي حتى الآن أن يكون حلاً حقيقيًا؟ أليس هو نفسه الذي خلق مئات المشكلات على مر السنين، من تهميش الأطراف إلى تفشي الفساد؟ أليس من غير المنطقي أن نتمسك بنظام فشل على جميع الأصعدة؟ فهل يبقى الحل في إصرارنا على المركزية حتى وإن أثبتت فشلها؟

وبالطبع، لا يمكن أن نتجاهل ردود الفعل السلبية تجاه مطالب بعض المكونات، مثل الكورد. لماذا يتحول المطالبة بالحقوق إلى جريمة في نظر البعض؟ لماذا يعتبرون ذلك خيانة؟ أليست سوريا وطنًا للجميع؟ أم أن بعضهم يعتقد أن “الوطنية” تعني فقط أن يتبع الجميع التعليمات الصادرة من “السلطة المركزية” دون أي نقاش؟ أليس من الأجدر أن يُسمح لكل مكون سوري بالتعبير عن نفسه ومطالبه؟

الفيدرالية ليست وسيلة لتدمير سوريا، بل هي مفتاح لبناء مستقبل أكثر عدالة. هي خطوة ضرورية لضمان أن يكون لكل منطقة صوتها وأن تُحترم حقوقها. بدلاً من التمسك بحلول بالية لن تُجدي نفعًا، قد تكون الفيدرالية هي الترياق الذي يعيد لسوريا التوازن الداخلي.

إذا كان الخوف من الفيدرالية هو ما يمنعنا من رؤيتها كحل، فربما يجب أن نقلق أكثر من استمرار الوضع الحالي. فمن الواضح أن المركزية قد فشلت في إحداث التغيير المنشود، ولم تلبِّ احتياجات الشعب السوري. ربما حان الوقت لفتح الأفق والنظر في حلول جديدة بعيدًا عن الخوف من التغيير.

إن الفيدرالية ليست نهاية سوريا، بل هي بداية لفرص جديدة، وستكون هي الحل المثالي في ظل الظروف الحالية. فهل حان الوقت لنتخلى عن مخاوفنا ونتبنى فكرة جديدة قد تعيد سوريا إلى مسارها الصحيح؟

شارك هذه المقالة على المنصات التالية