في سوريا، الجنس، الكحول، والإغراءات الإسلامية
المجتمع السوري قلق من ترسخ قواعد أو ممارسات مستوحاة من الإسلام المتشدد بشكل غير محسوس.
تقرير من مراسلينا الخاصين في دمشق، غيوم بيرييه ودحام الأسعد.
لحظة حرية محفوفة بالمخاطر
رشا تبلغ من العمر 22 عاما، ذات شعر أسود طويل ينساب على كتفيها وعينين سوداويتين متألقتين، وشادي، البالغ من العمر 25 عاما، يجلسان معا في أحد مقاهي وسط دمشق، أمام كأس من الجن تونيك. الشابان السوريان يستمتعان بلحظة من الحرية. يلمس شادي يد رشا بلطف، لكنها تبقى متحفظة.
منذ الثامن من ديسمبر وتغيير النظام في دمشق، يواجه السكان، الذين تحرروا من استبداد عائلة الأسد، ضغوطا من قبل الجماعات المتمردة الإسلامية التي استولت على السلطة. رشا، التي تنتمي إلى عائلة مسلمة سنية وتعيش مع والديها في حي محافظ بالغوطة في ضواحي دمشق، تصف نفسها بأنها فتاة تحب الخروج مع أصدقائها، الرقص، والاستماع إلى الموسيقى، لكنها اليوم لم تعد تجرؤ على فعل ذلك.
تقول رشا: “يسيطر مقاتلو جيش الإسلام، وهو فصيل سلفي متشدد مقرب من السعودية، على حينا. لقد أقاموا نقاط تفتيش ويقومون بمراقبة السكان. يمنعون النساء من الخروج دون تغطية رؤوسهن، لذلك أرتدي هذا المعطف ذو القبعة الكبيرة”. وتضيف: “ازدادت حالات الخطف بشكل ملحوظ دون أن نعرف من يقف وراءها”. رشا ما زالت مصدومة من قصة هالة، إحدى صديقاتها التي في نفس عمرها، والتي ألقي القبض عليها من قبل مسلحي جيش الإسلام بينما كانت تقبل شابا داخل سيارة. تم اعتقالهما معا بتهمة إقامة علاقة غير شرعية، وحُكم عليهما فورا بعقوبة جسدية بلغت أربعين جلدة لكل منهما. لم يجرؤ أحد على تقديم شكوى إلى الشرطة، التي يسيطر عليها رجال هيئة تحرير الشام. بسبب الضغط الاجتماعي والعائلي، فضل الجميع الصمت.
لكن ذلك لم يمنع شادي من التودد إلى رشا، حيث قال مبتسما: “من أجلك، أنا مستعد لتلقي ثمانين جلدة”. لكن رشا ترد بحزم: “آسفة، لكنني لن أتعرض للضرب من أجل ممارسة الجنس معك”. يرد شادي ساخطا: “اللعنة على هذه الحرية! حصلنا على حرية سياسية أكبر، لكننا الآن نخشى أن نكون على طبيعتنا. في النهاية، نقوم برقابة أنفسنا. نحن نريد أن نكون أحرارا… أحرارا في شرب الكحول، التدخين في الشارع، والذهاب إلى بيوت الدعارة أو حتى لقاء المتحولين جنسيا إن رغبنا بذلك”.
هيمنة الشريعة هل هذه الحوادث مجرد وقائع فردية أم أنها مؤشر على ترسيخ تدريجي لنظام إسلامي جديد تحت حكم الشريعة؟ حتى الآن، لم يتم رسميا فرض الشريعة الإسلامية، التي كانت في السابق مجرد مصدر ثانوي للتشريع السوري خلال حكم البعث، لكن القلق يزداد في الأوساط الشعبية. يقول شادي بغضب: “لم نُسقط دكتاتورية لنجد أنفسنا تحت حكم أخرى”. على الرغم من ذلك، تسعى “الحكومة الانتقالية السورية”، التي يهيمن عليها قادة سابقون في هيئة تحرير الشام، إلى طمأنة السكان، مؤكدة أنها ستحترم جميع الطوائف الدينية والعرقية وجميع أنماط الحياة في المجتمع السوري. لكن في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل سوريا بعد الأسد، يعتمد الإسلاميون على القواعد الصارمة التي فرضوها في إدلب منذ 2017. بدأت المحاكم الشرعية، التي تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة المحلية، بالفعل في إصدار الأحكام وفق التعاليم الدينية في عدة محافظات سورية. كما أن وزارة الداخلية، التي تجند آلاف المتطوعين في المدن الكبرى لتشكيل قوة شرطة جديدة، تستخدم الشريعة كجزء من مناهج تدريبها، كما كشفت وكالة رويترز في يناير. استمارات التوظيف تتضمن أسئلة حول المعتقدات الدينية لضمان “الأخلاق” لدى عناصر الشرطة الجدد.
يقول الباحث أرون لوند، المتخصص في الشأن السوري لدى “Century International”: “الكثير من السوريين سيجدون هذا الأمر مقلقا، ليس فقط الأقليات، بل أيضا العديد من المسلمين السنة، خاصة في مدن مثل دمشق وحلب، حيث يشكل العلمانيون نسبة كبيرة من السكان ولا يرغبون في حكم ديني”.
ويسكي، بيوت دعارة، ومقاتلون إسلاميون
يثير تعيين شادي الوايسي وزيرا للعدل مخاوف كبيرة، فقد ظهرت مقاطع فيديو في يناير تُظهر هذا القاضي السابق في إدلب وهو يشرف على تنفيذ حكم الإعدام بحق امرأتين اتهمتا بالدعارة. كانت المرأتان ترتديان الحجاب، وأُعدمتا بإطلاق النار على رأسيهما في الشارع. لكن المفارقة هي أن الوايسي يعيش حاليا في فندق بالعاصمة السورية، حيث يتواجد فيه مسلحون سلفيون إلى جانب بائعات الهوى وزبائنهن. في نفس الحي، توجد ملاهٍ ليلية مشهورة بكونها أوكار دعارة معروفة بين سكان دمشق.
الخوف من المستقبل
في الوقت الحالي, تعيش سوريا في مرحلة ضبابية حيث لا شيء محظور رسميا، لكن الحرية باتت تحت الرقابة. يشكل بيع واستهلاك الكحول مثالا واضحا على هذه الأجواء المشحونة بالتوتر. يقول أحمد، وهو صاحب محلات لبيع المشروبات الكحولية: “هناك الكثير من التوتر، أخشى أن أخسر تجارتي”. يدير هذا الرجل في الأربعينات من عمره ثلاث محلات في دمشق، وقد تعرض أحدها للتدمير في حي المزة، كما أُجبر على إغلاق متجر آخر في حي برزة. ويضيف: “جاء رجال ملثمون في سيارة بلا لوحة تسجيل، لا نعرف إن كان هذا تصرفا فرديا أم بأوامر من جهات عليا. في متجري هنا وسط المدينة، أشعر بأمان أكثر”. لكن رغم ذلك، انتظر أحمد عدة أسابيع قبل إعادة فتح متجره بعد استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة، خوفا مما قد يحدث.
حاليا، لا تزال وثائق الجمارك السورية لا تذكر أي قرارات جديدة بخصوص استيراد الكحول، لكن كل عمليات الاستيراد توقفت منذ 8 ديسمبر. يقول أحمد: “لحسن الحظ، لدي مخزون كافٍ، لكن لا أحد يجرؤ على السؤال عما سيحدث لاحقا”. في ظل غياب قرارات واضحة، يخشى التجار من أن يصبح التهريب عبر لبنان هو الحل الوحيد المتبقي.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=62385