الخميس, فبراير 20, 2025

كتاب: عائلة أصفر ونجار للكاتب: الياس سعيد نجار

 قراءة: د. آزاد أحمد علي

مجلة الحوار – العدد /83/ – السنة 31 – 2024م.

يقع الكتاب الصادر في بيروت عام 2010 –مطبعة روحانا، في 120 صفحة ويتوزع على 13 فصل وخاتمة، وملحق. على الرغم من أن الكتاب يبدو في نهجه العام قد دوّن على شكل مذكرات، لكن النص يتمتع بقيمة تاريخية وتوثيقية استثنائية، كونه يؤرخ لتاريخ مؤسسة فريدة من نوعها وغير مسبوقة في تاريخ اقتصاد المنطقة. تأسست مؤسسة أصفر ونجار العائلية بجهود أفراد عائلة مكافحة صغيرة ونازحة؛ هي عائلة أصفر – نجار السريانية الأرثوذوكسية التي كانت تسكن في جوار مدينة (آمد) دياربكر. ثم استقرت في مدينة القامشلي بعد تقسيم كوردستان العثمانية وتثبيت الحدود بين دولة الانتداب الفرنسي في سوريا والجمهورية التركية – الكمالية مطلع ثلاثينات القرن العشرين: “تأسيس النواة في دياربكر (تركيا) من ثم النزوح الى القامشلي (سوريا) 1930 مروراً بعصرها الذهبي 1943 -1963 الذي دام عشرين عاماً بين مد وجذر من عام 1958 الى 1967 ثم الضربة القاضية سنة 1969” ص14

ولدت المؤسسة في ريف دياربكر في بيئة ريفية قلّما يتم فيها التفكير بتأسيس مشاريع زراعية اقتصادية مبتكرة: “توزع نشاط المؤسسة / العائلة منذ البداية في الزراعة، كان للوالد قرية اسمها (ملوك سراي) بالقرب من دياربكر وفيها آثار كنيسة لمار ألياس، ثم تفرغوا لادارة تربية دودة القز للحرير وصناعته لآخر مراحل تحويله إلى الغزل والنسيج. وكان لنشاطهم تأثير إيجابي في المنطقة.” ص22

وبعد استقرار حكومة الانتداب الفرنسي وإعادة تشكيل خرائط دول المنطقة، تشجع أفراد العائلة للنزوح والاستقرار في ظل حكومة الانتداب، فتوجهوا الى مدينة قامشلو الناشئة، طلباً لبيئة اجتماعية وسياسية أفضل، وقد عملوا في نقل زراعة الأرز إليها: “عندما انزاح الأخ الأكبر مسعود أصفر من دياربكر الى القامشلي سنة 1932، بدأت المؤسسة بالتوسع في زراعة الأرز وإقامة مصنع حديث في القامشلي لقشر الأرز وتبيضه.” ص29

ثم توسّعت هذه المؤسسة وتحوّلت إلى شركة زراعية عملاقة في غضون سنوات قليلة، وخاصة بعد اكتشاف أراض زراعية شاسعة تحيط بموارد مائية هائلة في منطقة الخابور ورأس العين، فتعاونوا وتشاركوا مع أبناء وأحفاد ابراهيم باشا الملي الذين كانوا يملكون مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تقدر بثلاثة ملايين دونم: “بحسب سندات التمليك السورية كانت ملكية ورثة ابراهيم باشا في رأس العين وغربها تبلغ ثلاثة ملايين دونم أي 300000 هكتار نصفها 150000 هكتار قابل للاستصلاح والزراعة.” ص37

لذلك يمكن اعتبار انطلاقة مؤسسة أصفر ونجار الكبرى جاءت بعد الوصول إلى رأس العين: “في عام 1942 وصلوا إلى رأس العين حيث وجدوا ينابيع المياه تنبع في المدينة وتسيل وتشكل نهراً سورياً مئة في المئة.” وشكلت شراكتهم مع خليل بيك قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية وسياسية: “تعاقدوا مع خليل إبراهيم باشا لتركيب مضخات على عين الزرقا برفع الماء ونقلها عبر السواقي الى الأرض الزراعية المجاورة لزراعة الأرز.” ص30

نمت و تضخّمت مؤسسة أصفر ونجار حتى: “تمكنت من تصدير ما يزيد على ثلاثمئة ألف طن من الشعير ومئة 100 ألف طن من القمح إلى أوربا. واستوردت الشاحنات والمقطورات للفرع الزراعي وللأسواق المحلية، وكذلك الحصادات والدرّاسات والجرّارات الزراعية وأنواع المعدات وغيرها.” ص33

كما قامت المؤسسة باستصلاح الأراضي، وإنشاء بلدة نموذجية زراعية تعاونية يتشارك فيها العاملون في الزراعة مع الملّاك ومؤسسة أصفر ونجار، وترجم ذلك في مشروع بلدة مبروكة الزراعية التعاونية غرب رأس العين…

انتهت المؤسسة بشكل انهيار مفاجئ بعد قرارات التأميم والإصلاح الزراعي بدءاً بالوحدة المصرية – السورية سنة 1958، وانتهاءً بترسخ حكم حزب البعث في سوريا، وسيطرته الكاملة على سوريا مجتمعاً واقتصاداً.

جدير بالذكر أن الكاتب / أصغر أبناء العائلة كان قد انخرط في العمل السياسي، حيث التحق بالتيار العروبي الدمشقي برئاسة شكري القوتلي، وتحالف مع رئيس قبيلة شمر دهام الهادي حتى دخل البرلمان لدورتين في سنة 1947، وسنة 1954.

هذا ولم يكن في مواقفه السياسية وفيّاً للمجتمعات الكوردية التي دعمته واحتضنت عائلته، سواء في موطنهم الأصلي دياربكر أم في مناطق الجزيرة ، بل كان منحازاً وغير موضوعياً، حيث وصف الحركات الاستقلالية الكوردية – السريانية في الجزيرة خلال سنوات (1933- 1946) بالانفصاليّة والشعوبيّة، وقد عبّر عن هذا الموقف وثبته في كتابه، واصفاً أفراد عائلته بأنهم: “تصدّوا بقوّة وعزم في وجه الزحف الشعوبي الانفصالي، حتى بعد الجلاء وضحوا في سبيل ذلك كثيراً من أموالهم ومصالحهم وعرضوا حياة أفرادهم للخطر من الانتداب مرات عديدة.” ص36

تم مصادرة أملاكهم وتأميمها بين عامي 1969 – 1970، وهاجرت العائلة من البلاد، وعمل الياس في السعودية حتى آخر مرحلة من عمره.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية