دهوك
وسط سوق دهوك وعلى طريق مالطا، تقف كنيسة مار إيس أﻻها شامخةً كأحد أقدم المعالم الدينية في إقليم كردستان، تحمل بين جدرانها تاريخًا يمتد إلى ١٦٠٠ سنة من الإيمان والمقاومة، وتُعتبر شاهدًا حيًا على انتشار المسيحية في المنطقة والتضحيات التي قدمها المؤمنون في سبيل معتقدهم.
إرث تاريخي منذ القرن الرابع الميلادي
يقول الدكتور كارزان محمد، الأستاذ في جامعة دهوك، في تصريح لـ “روج نيوز”، إن تاريخ هذا المكان يعود إلى القرن الرابع الميلادي، في عهد الإمبراطورية الفارسية، عندما بدأ الدين المسيحي في الانتشار من القدس إلى المناطق المحيطة، ويُرجّح أن هذا المكان كان من أوائل المراكز لنشر الرسالة المسيحية في المنطقة.
سيرة مار إيس أﻻها.. الشهيد ابن دهوك
مار إيس أﻻها وُلد عام ١٣١٥ ميلادية، وكان من أبناء دهوك، وقد اشتهر بتفانيه في التعليم الديني وخدمة الناس، عندما علمت السلطات الفارسية بنشاطه الديني، اعتقلته، وتعرض لتعذيب شديد قبل أن يُعدَم عام ١٣٧٩ ميلادية.
ويضيف الدكتور كارزان “تكريمًا له، بنى المؤمنون مزارًا خاصًا في موقع استشهاده، وغرسوا شجرة كبيرة بجانبه، لا تزال قائمةً حتى اليوم، يقصدها الناس طلبًا للبركة”.
الكنيسة بين الدمار والإعمار
لم تسلم كنيسة مار إيس أﻻها من الحروب والتقلبات السياسية، حيث تعرضت للهدم عدة مرات، لكن كان يعاد بناؤها بأيادي المؤمنين في كل مرة، ويُروى بين الأهالي حكاية عن راعٍ تجاهل قدسية المكان، ففقد بصره بعد أن أرعى ماشيته هناك، لكنه عاد إليه بعد أن قدّم القربان واستعاد بصره، ما جعل الكنيسة تحظى بهالة روحية في ذاكرة الناس.
ليس مكانًا للعبادة فقط… بل منارة ثقافية
ويختم د. كارزان حديثه بالقول “اليوم، كنيسة مار إيس أﻻها ليست فقط مكانًا للصلاة للمسيحيين من الأخوة والأخوات، بل هي مركز إشعاع ثقافي أيضًا، حيث تضم مكتبة وقاعة مخصصة للرهبان والرئيسات، ومقبرة وحديقة كبيرة، وتُعدّ واحدة من أبرز معالم دهوك الدينية والثقافية”.
في كردستان، لا تزال قيم التعايش الديني والاحترام المتبادل بين المكونات المختلفة حاضرة، وكنيسة مار إيس أﻻها تجسّد هذا الإرث الذي نجا من النسيان رغم قسوة الزمن.
المصدر: روج نيوز
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72623