بيان:

تسلط “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في هذا التقرير الضوء على إخفاق “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا” بتحمل مسؤولياتها في توفير بيئة مناسبة تسمح للأفراد والجماعات بممارسة الحريات، ومنها النشاط الحزبي، التي تكفلها عدد من الاتفاقيات الدولية، وكذلك في حمايتهم من الاعتقال أو أي أشكال أخرى من الاعتداءات. ففي تاريخ 1 تموز/يوليو 2024، هاجمت مجموعة يُعتقد أنها تتبع لـ”حركة الشبيبة الثورية” (جوانين شورشگر-Ciwanên Şoreşger)، موقع اعتصام سلمي كان قد نظمه “المجلس الوطني الكردي-سوريا” (ENKS) أمام مقر الأمانة العامة للمجلس في حي “السياحي” بمدينة القامشلي/قامشلو، شمال شرق سوريا، للمطالبة بالإفراج عن “مختطفيه من قبل مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وضد الممارسات القمعية في مواجهات حرية الرأي والتعبير”.

أدى الهجوم إلى إصاباتٍ، كان بعضها بليغاً، في صفوف المدنيين، وتضرر أكثر من 10 سيارات تعود ملكيتها لسكان الحي حيث المقر، فيما اعتقل عدد من المدنيين الذين تواجدوا في المكان، بالإضافة إلى أعضاء رئاسة المجلس والأمانة العامة، وأفرج عنهم بعد ساعات من الاحتجاز والتحقيق.

يشكل هذا الهجوم استمراراً لسلسة من الاعتداءات والاعتقالات عملت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على متابعتها منذ بداية آذار/مارس 2024، راصدةً ما لايقل عن تسع هجمات على مكاتب حزبية، و 12 اعتقالاً مطولاً بحق نشطاء وأعضاء في أحزاب محلية، في تصاعدٍ غير مسبوق لأحداث مشابهة شهدتها المناطق الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا” خلال السنوات الماضية.

تعرضت المكاتب التي ينتشر أغلبها في مدن وبلدات مختلفة في محافظة الحسكة، لعمليات تخريب، أو إحراق أو محاولات إحراق. وكانت ثلاثة منها لمجالس محلية تابعة لـ”المجلس الوطني الكردي”، في مدينتي عامودا والقامشلي/قامشلو وبلدة معبدة/ كركي لكي.

أما المكاتب الباقية، فيتبع أحدها لـ”حزب الوحدة الكردستاني” والخمسة الأخرى لـ”الحزب الديمقراطي الكُـردستاني” (PDK-S)، والتي أُحرِق أحدها، وهو في بلدة معبدة/كركي لكي، في العاشر من آذار/مارس 2024، فيما ألقيت قنبلة مولوتوف على آخر في مدينة القامشلي/قامشلو في اليوم التالي. وينضوي الحزبان تحت مظلة “المجلس الوطني الكردي” المدعوم من إقليم كردستان العراق والمنضوي سياسياً تحت لواء “الائتلاف السوري المعارض” المدعوم من تركيا.

أدان المجلس الوطني الهجوم على المكتبين، مشدداً أن هذه “الممارسات الترهيبية” تأتي “وسط استياء جماهيري واسع من تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي وفرض الضرائب والاتاوات على المواطنين”.

لم تُحدَد الجهة المسؤولة في معظم الهجمات على المكاتب، إما لأن المعتدين كانوا “ملثمين” أو لأن الاعتداءات حدثت في ساعات متأخرة من الليل، لكن المجلس الوطني والأحزاب المستهدفة توجه إصبع الاتهام إلى “حركة الشبيبة الثورية” (جوانين شورشگر- Ciwanên Şoreşger)، المرخصة لدى الإدارة الذاتية، وذلك لضلوع الحركة في اعتداءاتٍ مشابهة على مكاتب المجلس أو قمعها لمظاهراتٍ كان قد نظمها في السنوات السابقة.

وعلى الرغم من إدانة مسؤولين كبار في الإدارة الذاتية للهجمات على المكاتب، تُنتقَد أجهزة “الإدارة الذاتية” على سلبيتها في التعامل مع انتهاكات الحركة وعجزها عن محاسبة أعضائها، والتي تشمل أيضاً اعتداءاتٍ على الصحفيين ومنعهم من ممارسة عملهم، والأهم التجنيد المستمر للأطفال في مناطق سيطرة الإدارة.

وكانت السفارة الأمريكية في سوريا، وعبر حسابها على منصة “X”، قد أدانت الهجمات على المكاتب أيضاً، مشيرةً إلى وجوب “محاسبة المسؤولين عنها”، وداعيةً جميع الأطراف إلى “الانخراط في خطاب هادف لتحقيق تطلعات الشعب السوري دون عنف”.

ولم يقتصر العنف وغياب الحماية على المكاتب الحزبية في شمال شرق سوريا، فقد شهدت المنطقة، منذ بداية نيسان/أبريل 2024، تصاعداً في عمليات “اختطاف” لنشطاء سياسيين  وأعضاء في أحزاب محلية، جلهم على ارتباط بالمجلس الوطني أيضاً. فقد طالت عمليات “الاختطاف”  12 فرداً، أفرج عن سبعة منهم، فيما يبقى مصير الخمسة الباقين مجهولاً؛ وتشابهت ظروف الاعتقال في سبع حالات، حيث داهمت منازل المعتقلين مجموعات مسلحة، أعضاؤها ملثمون أو رفضوا التعريف بأنفسهم، لم يحملوا مذكرات اعتقال قانونية أو يبينوا سبب الاعتقال، فيما وصف عدد من أهالي المعتقلين المداهمات بـ”الهمجية” لاسيما وأنها حدثت أمام أطفال.

حمَّل أهالي المعتقلين المسؤولية عن الاعتقالات لجماعات مسلحة مرتبطة تتبع لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، الذي يشكل “العصب الرئيسي” للإدارة الذاتية، فيما ندد المجلس الوطني بالاعتقالات، قائلاً أن “الغاية منها قطع الطريق أمام أية جهود لتوحيد الموقف الكردي”.

وتأتي هذه الهجمات والاعتقالات في وقتٍ بدء فيه الحديث عن جهود أمريكية تحث على استئناف الحوار الكردي-الكردي، الذي جمع بين أحزاب المجلس الوطني من جهة، و”حزب الاتحاد الديمقراطي”(PYD) وأحزاب الوحدة الوطنية من جهة أخرى عام 2020، لكنه توقف في نهاية العام المذكور، مع محاولاتٍ أمريكية لاستمرار المحادثات، من خلال وثيقة ضمانات لاستئناف المفاوضات، وقعتها الخارجية الأميركية عبر ممثلها في سوريا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) “مظلوم عبدي” في حزيران/يونيو عام 2021، ووافق المجلس الوطني عليها، وأبدى استعداده لاستئنافها، ولكنها لم تسفر عن نتائج أيضاً.

وفي أحدث أشكال التوتر بين المجلس الوطني والإدارة الذاتية، أعلن المجلس والأحزاب المرتبطة به مقاطعته لانتخابات البلديات التي كانت تستعد الإدارة لعقدها في نهاية أيار/مايو 2024، قبل أن تعلن عن تأجيلها. وكذلك أعلن المجلس عن تأييده لموقف المزارعين في مناطق الإدارة في ظل “أزمة تسعير القمح“، والتي شهدت على إثرها كل من الحسكة ودير الزور والرقة احتجاجاتٍ شعبية واسعة.

يستند هذا التقرير إلى أربع مقابلات، مع عضوين في أحزاب منضوية تحت المجلس الوطني، كان كلاهما على اطلاع بتفاصيل الهجمات على المكاتب، ومصدرين مقربين من معتقلين مفرج عنها الآن. حيث أجريت المقابلات الأربعة باللغة الكردية؛ وعبر الإنترنت باستخدام تطبيق تواصل آمن. واطلعت جميع المصادر على الطبيعة الطوعية للمقابلة وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، فطلب إثنان منهم عدم الكشف عن هويتهما أو أي تفاصيل قد تدل عليهما، خوفاً من عمليات انتقامية قد تطالهما أو عائلاتهما من قبل السلطات المحلية في شمال شرق سوريا، وعليه استخدمت “سوريون” اسماً وهمياً للدلالة عليهما.

بالإضافة إلى الإفادات، أطلعت “سوريون” على مجموعة واسعة من المواد مفتوحة المصدر، شملت منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، وردت فيها معلومات عن الهجمات على المكاتب والاعتقالات، وكذلك ردود أفعال الأطراف المعنية، وأشارت إلى بعضها في هذا التقرير.  وفي سياق تراجع الحريات، ومن بينها حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، في مناطق الإدارة الذاتية، نشرت “سوريون” تقريراً عن اعتقالاتٍ تعسفية طالت أربعة صحفيين وإعلاميين على صلة بالمجلس الوطني، وهم بيريفان إسماعيل، راكان أحمد، أحمد صوفي، ومروان لياني. يظل مصير الأربعة مجهولاً، فيما يشكل اعتقال “بيريفان” سابقة، يعتبرها المجلس “خطيرة وتصعيدية“.

هجمات على مكاتب حزبية:

بدأت سلسلة الهجمات على المكاتب في الأول من آذار/مارس عام 2024، باعتداءٍ على مكتب “المجلس الوطني الكردي-سوريا” في مدينة عين العرب/كوباني، في محافظة حلب، قبل دقائق على بدء احتفالية نظمها المجلس، لإحياء الذكرى الـ45 على رحيل الزعيم الكردي “مصطفى برزاني”، مؤسس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في العراق. أسفر الاعتداء عن إصابات في صفوف الحضور وأضرار مادية، طالت بعضها ممتلكات لأشخاص لا علاقة لهم بالتأبين.

مع وصول المدعوين إلى قاعة التأبين، قدمت مجموعة مؤلفة من 40 إلى 50 فرداً، إلى الموقع، كانوا مقنعين، حملوا العصي والقضبان الحديدية جميعهم، ورددوا “شعارات تخون الرموز الكردية”، وانهالوا بالضرب على الحضور، وفقاً لعدنان بوزان،[1] رئيس مكتب المجلس في المدينة:

“في تمام الساعة 11:25 تفاجأنا بقدوم مجموعة كبيرة من ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD (الشبيبة الثورية) … فخرجت حتى استفسر عن ما يريدونه … ودون أي كلام، وقف العشرات منهم على مدخل المكتب وطلبوا بخروج كل من في داخل القاعة وكان عشرات الأشخاص موجودين داخل القاعة. بدأوا بضربي بالعصي دون تميز في مكان الضرب، فكسر إصبعي. وبدأوا بضرب الموجودين منهم النساء وكبار السن”.

بالإضافة إلى الإصابة في يده، قال عدنان أن الاعتداء أسفر عن كسر رجل ابنه الطفل “نقشي”، ورجل “ويس شيخي”، وهو عضو في أحد المكاتب السياسية التابعة لـ”حزب يكيتي الكردستاني-سوريا”، وإصابة عدد كبير من الحضور برضوض.

تلا عملية إفراغ القاعة من الحضور والاعتداء عليهم، عمليات تخريب وسرقة، بحسب عدنان، حيث حطم أفراد المجموعة كامل أثاث المكتب:

“ثم قاموا بحرق أثاث المكتب، أمام المكتب بعد أن قاموا بإبعاد الناس عن المكان. وسرقوا ما طالته أيديهم من أجهزة موبايل وحقائب محمولة بداخلها أجهزة ونقود، ومن ثم حطموا زجاج السيارات الموجودة في الحارة، وهي سيارات تعود لأناس لم يكن لهم علاقة بالاحتفال وقد تم توثيق كل ذلك بالفيديو والصور”.

تتقاطع إفادة عدنان مع ما ورد في شهادة لنافع عبدالله،[2] وهو عضو في اللجنة المركزية لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا”، الذي قال أن “المجموعة المهاجمة (قامت) بإخراج المتواجدين في المكتب بالقوة، وكان هؤلاء يتصرفون تحت أعين الاسايش (قوى الأمن الداخلي في الإدارة الذاتية) التي لم تتحرك لمنعهم”.

أضاف نافع أنه وفي ذات اليوم، بتاريخ 1 آذار/مارس 2024، تعرض أعضاء مكتب “الحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا”، في مدينة الدرباسية، للتضييق أثناء إحياء المناسبة ذاتها، قائلاً أن “وجهاء المنطقة تدخلوا وتم إحياء المناسبة، رغم التهديدات التي أطلقها مسلحون من حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYDوغالبا كانوا من الشبيبة الثورية”.

ندد المجلس الوطني بالاعتداءات على المدعوين إلى احتفاليات إحياء ذكرى رحيل البارزاني في كل من عين العرب/كوباني والدرباسية، متهماُ “مجموعة من أذرع الـPYD” بتنفيذ الهجمات. كما أشار المجلس إلى أن هذه الاعتداءات “تزداد في شهر آذار حيث يذخر بالمناسبات القومية الكردية في محاولة يائسة منهم إحباط الشعور القومي لدى المحتفلين بهذه المناسبات، وزرع الخوف والقلق لديهم”.

تصاعدت المضايقات إلى هجمات فعلية في الأيام التالية، طالت مكتب الحزب في مدينة عامودا بتاريخ 7 آذار/مارس 2024. حيث أقدم “ملثمون” على إحراق الأثاث، من كراسٍ وطاولات، في فناء المكتب، حوالي الساعة 12 صباحاً، بحسب نافع، الذي أضاف:

 “ولم يتوقف الأمر عند إحراق مكتب عامودا، حيث تعرض مكتب حزبنا للحرق في ديريك/المالكية بشكل غريب، ذلك أن الشكوك تتجه إلى أنهم استخدموا مواد سريعة الاشتعال، المكتب عبارة عن طابقين لدرجة أن اسمنت السقف تضرر كما أن سيراميك الجدران قد انهار. وتعرض بعدها مكتبنا في كركي لكي/معبدة لحريق شديد، وأحرق بالكامل بما فيه من محتويات وأثاث.”

وبالرغم من أن هوية الجهات التي أقدمت على حرق مكتبي الحزب في مدينة المالكية/ديريك وبلدة معبدة/كركي لكي بتاريخ 10 آذار/مارس 2024 تبقى مجهولة، تعرض كلا المكتبين لحرائق بذات الأسلوب وبعد الساعة الـ12 صباحاً، كما قال نافع، وهو ما قد يدل على أن الجهة في كلا الاعتدائين هي ذاتها.

وكانت “قوى الأمن الداخلي” (الأسايش) قد أصدرت تصريحاً تلا الهجمات على مكاتب المجلس الوطني في مدينتي عين العرب/كوباني وعامودا، قالت فيه أن قواتها “مستمرة في التحقيقات لكشف ملابسات حادثتي الحرق و تقديم الفاعلين للعدالة”.

ينفي نافع أن تكون الهجمات على المكاتب بتعليمات أو توجيهات من الإدارة الذاتية، لكنه يحملها بصفتها “السلطة الموجودة”، مسؤولية حماية هذه المكاتب والمقرات، من جهات يبدو أنها “فوق القانون، تقوم بهذه الانتهاكات”، على حد تعبيره.  وعن سبب الهجمات، قال نافع أن كلاً من المجلس الوطني والحزب الديمقراطي، يعتقدان:

 “أن الاعتداء على المكاتب أو الاعتقالات التي تلتها، هي رسالة ومحاولة لمنع عودة الحوار الكردي بين الطرفين مجدداً”.

وكان الحديث عن عودة الحوار قد بدأ في منتصف شهر أيار/مايو 2024، بعد أن كشف، سليمان أوسو، عضو هيئة رئاسة المجلس الوطني وسكرتير “حزب يكيتي الكردستاني – سوريا”، في تصريحٍ لوكالة “نورث برس”، عن جهود أميركية وأوروبية لاستئناف الحوار الكردي–الكردي، مضيفاً أن لقاءاتٍ ستجمع بين المجلس و الجانب الأميركي، وبين الأخير وقسد، ستحدد الإمكانية “لعقد لقاء مع  قيادة قسد من أجل تحديد أسس البدء الحوار من جديد”، مؤكداً استعداد المجلس للعودة إلى طاولة الحوار.

بعد هذا التصريح بأيام، قال عضو وفد أحزاب الوحدة الوطنية الكردية على طاولة الحوار، محمد موسى، أن “الجانب الأميركي التقى مع المجلس الوطني الكردي وحدد موعداً للقاء مع وفدنا لكن سفرة مفاجئة للمبعوث الأميركي أجلت اللقاء”.

من الجدير بالذكر، أن الاعتداءات لم تنحصر بمواقع احتفاليات نظمها المجلس الوطني احتفاءاً برموز تحظى بالتقدير لدى شريحة واسعة من الشارع الكردي، كاحتفالية إحياء ذكرى رحيل البارزاني، وإنما شملت هجمات على أماكن نظم فيها المجلس احتفاليات قومية عامة. حيث قامت مجموعة، منتصف آذار/مارس، بتخريب موقع لاحتفاليات نوروز، عيد رأس السنة الكردي، في منطقة دريجيك، بريف بلدة القحطانية/تربه سبي، وبعد عدة أيام قامت المجموعة برش مادة الفيول على مسرح الاحتفال، وسط اتهاماتٍ لـمسلحين من “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD).

بتاريخ 25 نيسان/أبريل، أدانت “إلهام أحمد”، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، الهجمات على المكاتب، منوهةً أن الإدارة “لا تصادق عليها” وأن “الإدارة ومؤسساتها المعنية مسؤولة عن التحقيق في هكذا حوادث ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة”.

“اختطاف” شخصيات حزبية:

مع انخفاض وتيرة الهجمات على المكاتب، أخذ العنف، الذي ينذر بهشاشة التعددية الحزبية والسياسية وافتقارها إلى الحماية، في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، منحاً آخر بداية نيسان/أبريل 2024، تجلا بسلسلة من الاعتقالات التي طالت 12 ناشطاً سياسياً وعضواً في أحزاب محلية، يظل خمسة منهم مختفياً قسراً.

بتاريخ 1 نيسان/أبريل، اقتادت جهة، عناصرها ملثمون، هسام هسام (المعروف بهسام دورسن) من مركز مدينة المالكية/ديريك إلى جهة مجهولة، فيما كان عائداً من عمله. وهسام عضو في اللجنة المنطقية لحزب الشعب الكردستاني-سوريا، وعضو في المجلس الوطني في المدينة.
بتاريخ 21 نيسان/أبريل، اقتيد ناصر غالب جارو إلى جهة مجهولة، أثناء قريته إلى منزله في مدينة عامودا. وناصر عضو في اللجنة المنطقية لـ”حزب يكيتي الكردستاني” في مدينة عامودا، ومؤلف ومسرحي في فرقة “خناف الفلكلورية”، التابعة للحزب. أفرج عن ناصر بتاريخ 24 تموز/يونيو 2024 بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على اعتقاله.
بتاريخ 9 أيار/مايو، اقتيد مجدل دحام حاج قاسم، عضو في اللجنة المنطقية لـ”حزب يكيتي الكردستاني” في مدينة عامودا ومسؤول فرقة “خناف الفلكلورية” إلى جهة مجهولة، بعد خروجه من مكتب الحزب. وفي ذات اليوم، اختطف عضوان آخران من الفرقة، “سعد كاوا كنرش” (18 عاماً) و”صالح حميد بكاري” (17 عاماً) في أثناء خروجهما من المدرسة. أفرج عن سعد، بتاريخ 9 حزيران/يونيو، بعد شهرٍ على احتجازه. فيما أفرج عن مجدل وصالح بتاريخ 24 تموز/يونيو 2024، بعد حوالي الشهرين على اعتقالهما.
بتاريخ 7 حزيران/يونيو، اقتادت جهة لم تعرف عن نفسها، الأخوين علي طاهر رمو وأحمد طاهر رمو إلى جهة مجهولة، بعد مداهمة منزليهما فجراً، في بلدة معيبدة/كركي لكي. وعلي ناشط سياسي مستقل، فيما أن أحمد، عضو في المجلس المحلي لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا”. أُفرِجَ عن الأخوين بتاريخ 1 تموز/يوليو.
بتاريخ 9 حزيران/يونيو، داهمت مجموعة مسلحة منزل عبد الرحمن شنكي في قرية طبكة بريف مدينة المالكية/ديريك واقتادته إلى جهة مجهولة. وعبد الرحمن عضو في المجلس المنطقي لـ”لحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا”.
بتاريخ 9 حزيران/يونيو، داهمت مجموعة مسلحة، أعضاؤها ملثمون، منزل خالد ميرو في مدينة المالكية/ديريك، واقتادته إلى جهة مجهولة. وخالد عضو في المجلس الفرعي لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا”.
بتاريخ 10 حزيران/يونيو، اقتادت جهة لم تعرف عن نفسها، صالح بنكو، إلى جهة مجهولة، بعد مداهمة منزله في مدينة عامودا. وصالح عضو في الهيئة القيادية لـ”حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني”، وعضو في المجلس الوطني.
بتاريخ 10 حزيران/يونيو، داهمت مجموعة مسلحة منزل محمد تحلو في بلدة معبدة/كركي لكي واقتادته إلى جهة مجهولة. ومحمد عضو في المجلس المحلي لـ”الحزب الديمقراطي الكوردستاني-سوريا” ببلدة معبدة/كركي لكي. أُفرِجَ عن محمد بتاريخ 1 تموز/يوليو.
بتاريخ 15 حزيران/يونيو، اقتادت جهة لم تعرف عن نفسها، فتحي سرحان كدو إلى جهة مجهولة، بعد أن داهمت منزله في بلدة معبدة/كركي لكي. وفتحي عضو في الهيئة الاستشارية لـ”حزب الوحدة الكُردستاني – سوريا.”

تواصلت “سوريون” مع مصدرين مقربين من أعضاء فرقة “خناف” الفلكلورية، أحدهما، خلات ابراهيم،[3] وهو أحد أقارب سعد كاوا كنرش، الذي اعتقل بتاريخ 9 أيار/مايو، ليفرج عنه بعد شهرٍ تقريباً. روى خلات تفاصيل اعتقال سعد وصالح حميد بكاري، زميله في المدرسة، المفرج عنه الآن أيضاً:

“كان (سعد وصالح) قد خرجا من المدرسة في حوالي 11:30، وكان معهم شاب زميلهم، ولكن سيارة توقفت في الطريق بالقرب من مقبرة عامودا، وقام عناصر باعتقالهما وتركوا زميلهم، الذي جاء وأخبر عائلتهما بما جرى وقال إن من اعتقلوا الشابين كانوا يلبسون قمصانا خضراء”.

التقى خلات بسعد بعد أن أُفرِجَ عنه، وعلم منه أنه كان معتقل في القامشلي، وأنه قضى 14 يوماً في المنفردة، في مقر الاستخبارات العامة التابعة للإدارة الذاتية، بعد أن تم تحويله إلى هناك من أحد مقرات “جهاز الأمن الداخلي” (الأسايش) في عامودا، وهو المكان الذي اقيد إليه بدايةً بعد الاعتقال. أضاف خلات أن سعد رأى صالح في سجن الاستخبارات، وأن سبب اعتقالهم هو تأديتهم لعمل مسرحي.

تؤكد أسباب اعتقال أعضاء الفرقة إفادة رضوان حاجي،[4] أحد أقارب ناصر جارو، الذي أفرج عنه بتاريخ 24 تموز/يونيو. علم رضوان من عائلة ناصر، أنه اتهم بـ”جرم الخيانة العظمى” بسبب تقديمه عمل مسرحي تناول “مجزرة عامودا” التي قتل فيها عدد من المدنيين، بتاريخ 27 حزيران 2013، على “يد وحدات حماية الشعب” (YPG)  التابعة لقسد. نقلاً عن العائلة، قال رضوان أن ناصر اعتقل فيما كان عائداً من قريتهم زوبعية بريف مدينة عامودا، حيث كان يعمل على إصلاح حصادته تحضيراً للموسم، إلى منزلهم في المدينة:

“قرر العودة إلى (مدينة) عامودا، فأقله شقيقه بسيارته وبالقرب من مدخل عامودا الجنوبي التقى بصديقه وكان يقوم بصيانة سيارته لدى محل قبل الحاجز (تابع للأسايش)، فنزل وركب معه … وعند دخولهم إلى الحاجز، استقبلهما شخصان ملثمان كانا يلبسان ثياباً سوداء.  وسألاه عن اسمه وفور رده عليهما بأنه ناصر جارو، أخرجاه من السيارة وأغمضا عينيه وأركباه سيارة فان كانت مركونة في الحاجز، وأخذاه إلى سجن”.

علم ناصر أنه معتقل في مدينة عامودا من أحد السجانين، وجرى استجوابه بشكل متكرر على مدى الأيام الأربعة التي قضاها محتجزاً هناك في منفردة، قبل أن يتم نقله إلى مدينة القامشلي/قامشلو مغمض العينين، وفقاً لرضوان الذي قال أن جلسة التحقيق في اليوم الأول استمرت لحوالي الأربع ساعات، سأل خلالها ناصر نفس الأسئلة من محققين مختلفين، مضيفاً أن أحد المحققين اتهمه بمحاولة إحداث “فتنة عظيمة” بسبب تقديمه مسرحيات عما جرى في عامودا.

وفي مركز الاحتجاز في مدينة القامشلي/قامشلو، حيث أمضى ناصر قرابة العشرة أيام، جرى التحقيق معه بشكل متكرر أيضاً لمدة أربعة أيام، استجوبه خلالها محققون كرد باللغتين الكردية والعربية، بحسب رضوان، الذي أضاف أن أحد المحققين سأل ناصر:

“لماذا لم تنجزوا (الفرقة) أي مسرحيات عن شهدائنا؟ … يبدو أن المجلس الوطني الكردي هو من يدفعكم للتخريب”.

فيما قال محقق آخر لناصر، تحدث باللغة الكردية، أن اعتقاله تأديبي وأنه سيتم احتجازه من شهر إلى ثلاثة أشهر، وفقاً لرضوان، الذي أصاف أن ناصر حول بعد حوالي الأسبوعين من التحقيقات إلى مهجع في سجن “جركين الحديث”  (سجن مكافحة الإرهاب)، وبعدها، بحوالي خمسة أيام، إلى النيابة العامة، ليعرض على القضاء بعد حوالي الـ45 يوماً من اعتقاله، “لم يرى خلالها ناصر النور”، وكانت قد علمت عائلة ناصر عن اعتقاله من أحد المفرجين عنهم ووكلت له محامٍ.

قال رضوان أن ناصر التقى بمجدل وصالح خلال جلسة المحاكمة الثانية، التي نطق بها بالحكم، حيث أزال القاضي عنه تهمة “الخيانة العظمى” واكتفى بإلزامه بدفع غرامة قدرها 100 ألف ليرة سورية، رغم محاولة معاون القاضي الدفع باتجاه أن “المجلس الوطني الكردي يأتي ليهدم كلما نبنيه”. استأنفت النيابة العامة القضية، وعلى إثر ذلك بقي ناصر محتجزاً لثلاثة أسابيع إضافية، بعد أن عمل المحامي على إخراجه قبل إسبوع على نهاية المدة التي خصصت للإستأناف. أضاف رضوان أن ناصر أصيب بحكة وحساسية جلدية بسبب الرطوبة في السجن.

مسؤوليات الإدارة الذاتية:

بالاستناد إلى “ميثاق العقد الاجتماعي” للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة – سوريا، كما ورد في ديباجتها، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من العقد بحسب المادة الأولى منها، فإن الإدارة تسعى “لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية بالتفاهم المتبادل والعيش المشترك“، معتبرةً مناطق نفوذها “منفتحة على أشكال التوافق مع تقاليد الديمقراطية والتعددية، لتستطيع جميع المجموعات الاجتماعية والهويات الثقافية والأثنية  والوطنية أن تعبر عن ذاتها من خلال تنظيماتها“.

إذ تؤمن الإدارة الذاتية، حسب المادة السادسة من عقدها الاجتماعي، بأن جميع أفرادها ومكوناتها “متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات” مؤكدةً، في المادة 21 من العقد ذاته، على أن “الحرية أثمن ما يملكه الإنسان على صعيد الأفراد والجماعات” وبأن الادارة تكفل للإنسان حقوقه وقيمه العليا وفقاً للعهود والمواثيق الدولية. كما وتعتبر الإدارة الذاتية كافة عهود ومواثيق حقوق الإنسان الدولية جزءاً أساسياً ومكملاً لعقدها الاجتماعي، معتمدة وبشكل خاص على “شرعة حقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المواثيق ذات الشأن“.

وكون الإدارة الذاتية هي السلطة الحاكمة في مناطق سيطرتها، فإنها مسؤولة أيضاً عن ضمان أمن وسلامة كافة الأفراد في تلك المناطق، بالإضافة إلى مسؤولياتها في صون كافة حقوقهم وحرياتهم، خاصة تلك التي تعهدت بالالتزام بها في عقدها الاجتماعي. ومن الجدير بالذكر هنا بأنه، ولكي تفي بالتزاماتها أمام القانون الدولي لحقوق الانسان ومبادئ سيادة القانون، على أي دولة أو سلطة شرعية أن تتحمل نوعين من المسؤولية تجاه الأفراد والجماعات ضمن مناطق سيطرتها أو سلطتها فيما يتعلق بالحقوق الأساسية والحريات: أولاً، “مسؤوليات سلبية”  تفرض عليها عدم التعرض أو منع هؤلاء الأفراد والجماعات من ممارسة حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها قانونياً؛ ثانياً “مسؤوليات إيجابية” تلزمها بالتدخل لتمكين أو دعم أو حماية هؤلاء الأفراد أو الجماعات وحقوقهم، ضد أي انتهاك أو تدخل من أي طرف آخر قد يعيق ممارستهم لتلك الحقوق، وضمان تمتعهم بحقوقهم المشروعة ضمن إطار القانون.

فيما يتعلق بحرية الرأي والفكر والعقيدة والتعبير، والمنصوص عليهم في المادة 18 والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن الإدارة الذاتية قد التزمت بضمانها واحترامها كحق أساسي لكل فرد أو جماعة بما يتناسب والسلم الأهلي، بحسب المادة 24 من عقدها الاجتماعي.

أما فيما يخصّ حقّ الأفراد في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين وكذلك حقهم في التجمع السلمي، كما نصت عليها المادتان 21 و 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن المادة 32 من العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، تضمن “الحق في تشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والانتساب إليها وفق قوانين ناظمة لها”، فيما تضمن المادة 34 من العقد “للمواطنين حرية التنظيم والتعبير عن الرأي والتظاهر السلمي والإضراب وفق قانون ناظم له”، وعليه فإنه ينبغي على الإدارة الذاتية الالتزام بتعهداتها السلبية والإيجابية لحماية وضمان حق كافة الافراد والجماعات في التمتع بحقوقهم التي يضمنها لهم القانون.

إنّ اعتداء مجموعات يُعتقد ارتباطها بالإدارة الذاتية على المواطنين/ات واستخدام العنف بما يهدد سلامة هؤلاء الأفراد بالإضافة إلى تهديد السلم الأهلي، يشكّل خرقاً وانتهاكاً واضحاً لقوانين الإدارة الذاتية نفسها، مما يلزمها بالقيام مباشرةً بفتح تحقيق في تلك الاعتداءات ومحاسبة مرتكبيها واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار هكذا انتهاكات مجدداً.

وفي حال عدم فتح تحقيق شفاف وعلني ونزيه، ومحاسبة والمتورطين، فإنّ الإدارة الذاتية تكون قد خالفت “التزاماتها الإيجابية” تجاه الأفراد والمجموعات في مناطق سيطرتها، بما يخالف عقدها الاجتماعي.

كما يتوجب على الأجهزة الأمنية المرتبطة بالإدارة الذاتية، الكشف عن مصير المعتقلين وإطلاق سراحهم فوراً، وكذلك الامتناع عن الضلوع باعتقالات تعسفية مشابهة مستقبلاً؛ وفي حال عدم التزام الإدارة باتخاذ خطوات بهذا الاتجاه، تكون الإدارة قد خالفت “التزاماتها السلبية”، بما يخالف عقدها الاجتماعي، والذي يضمن عملها بالمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حماية المواطنين/ات من الاعتقال التعسفي، وكذلك المادة 14، التي تكفل حقهم بمحاكمة عادلة.

_______________________________________________________________________________________________________________

[1] مقابلة عبر الانترنت، أجراها باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع الشاهد بتاريخ 28 أيار/مايو 2024.

[2] مقابلة عبر الانترنت، أجرتها باحثة في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع المصدر بتاريخ 29 أيار/مايو 2024.

[3] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر خلال مقابلة عبر الانترنت، أجراها باحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2024.

[4] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر خلال مقابلة عبر الانترنت، أجرتها باحثة في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 27 تموز/يوليو 2024.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز