صلاح بدرالدين
موضوعنا الرئيسي في هذه العجالة يتعلق بالتجربة الخاصة بالحركة السياسية الكردية السورية المتعلقة بمسائل الوحدة ، والاتحاد ، والاتفاق ، والانقسام ، والتحالفات ، وإعادة البناء ، كما يعبر عنه المشهد الراهن ، وباستحضار دروس تجارب الأحزاب السياسية القومية المعاصرة في بعض أجزاء كردستان بالمجالات ذاتها ، وذلك على ضوء الحقائق الثلاثة التالية اللتي لايمكن القفز فوقها وهي :
الحقيقة الأولى – الاخذ بعين الاعتبار ذلك الاختلاف الكبير بين ظروف ، وخصوصيات كل جزء ، وكذلك بين طبيعة تلك الأنظمة في الدول الأربعة ،. وموازين القوى المتحكمة ، والصبغة الدينية الإسلامية المذهبية التي تتلون بها في الغالب ، ودور الدولة العميقة ، والعسكر ، والراي العام ، وآثار الاضطهاد القومي ، والتغيير الحاصل في التركيبة الديموغرافية بالمناطق الكردية .
الحقيقة الثانية – وجود اجتهادات ثقافية ، واختلافات بالرؤا حول مااذا كانت الحركة القومية بشكل عام مازالت جزء من ( حركات التحرر القومي ) التي انبثقت منذ القرن التاسع عشر ، وناضلت لعقود في اطار انتمائها الى قوى الثورة العالمية ( المنظومة الاشتراكية ، والحركة العمالية العالمية ) ، وذلك بكل مواصفاتها وشروطها ، ولحظتها التاريخية ، او انها تجاوزت تلك المرحلة بعد تخلي قواها الرئيسية ، وغالبية احزابها عن مبدأ حق تقرير المصير ، وحصول الجزء المتقدم – إقليم كردستان العراق – على الفيدرالية ، واستلام السلطة والاخفاق في تحقيق ماهدف اليه – الريفراندوم – عام ٢٠١٧ ، وبعد التبدلات الكونية ، وزوال المعسكر الاشتراكي ، وأصبحت حركات مطلبية – قطرية – في حدود الدول الأربعة ، في ظل غلبة العامل الوطني على القومي .
الحقيقة الثالثة – لايمكن اسقاط تجارب الدول الديموقراطية الحديثة في أوروبا ، وامريكا ، وأستراليا ، على الحالة الكردية السورية ، واعني مسار أحزاب تلك الدول في مجال التحالفات الانتخابية ، والعمل المشترك حول برنامج معين لفترة محدودة ، فهي أحزاب مدنية بنيت على الآلية الديمقراطية المنتخبة من القاعدة الى القمة ، وتمثل مصالح طبقات اجتماعية معينة واضحة ، وتخضع للرقابة ، والمساءلة ، وسلاسة عملية انتقال السلطة ، اما الأحزاب الكردية السورية وخاصة بعد بداية التسعينات ، وتحديدا في الأربعة عشرة عاما الأخيرة وباستثناءات قليلة جدا ، لا تنطبق عليها حتى شروط أحزاب العالم الثالث ، مجرد مجموعات مصلحية تعتاش على الولاءات وتقديم خدمات ، كانت بغالبيتها تابعة لمراكز قوى امنية طيلة حكم النظام السابق ، ولمحاور خارجية في الوقت الراهن .
من تجربة الحركة الكردية السورية
منذ بدايات نشوء الحركة القومية وهناك شبه اجماع بنموها مع ظهور حركة – خويبون – في ثلاثينات القرن الماضي ، ومرورا بابثاق جمعيات ، وتشكيل الحزب الكردي الأول ١٩٥٧ ، وتحولات كونفرانس الخامس من اب ١٩٦٥ العميقة التي اعادت تعريف الشعب ، والقضية ، والحقوق ، وفتحت الافاق الخارجية الرحبة امام القضية الكردية السورية في مجال التحالفات النضالية ، واستنادا الى مجمل ذلك التراث المتراكم المتعلق بالحركة السياسية ، كان هناك توجه فكري – ثقافي – سياسي ، يدعو الى البناء النوعي وليس الكمي ، والتوافق حول مشروع البرنامج ، والنظام الداخلي ، وإيجاد النواة الصلبة غير القابلة للكسر على قاعدة الاستقلالية ، وترسيخ العامل الذاتي أولا وتاليا ، واعتماد الديموقراطية الداخلية بقدر الإمكان ، وحتى إمكانية التعايش بين تيارات سياسية متباينة في حركة سياسية واسعة ، بإحدى الصيغ المتفق عليها .
وبسبب الظروف الموضوعية الصعبة في ظل الأنظمة والحكومات الدكتاتورية الشوفينية القمعية ، والاختراق الأمني لصفوف الحركة تحديدا منذ بداية التسعينات ، وتاثيرات المحاور الكردستانية السلبية ، انقسمت الحركة ، وتعددت الأحزاب والمنظمات بشكل مفرط ( التعددية عامل خير في المجتمعات الديموقراطية المتقدمة وكانت وبالا على حركتنا ) ، وامام ذلك كان لابد من التفكير ببدائل تحافظ على الحد الأدنى من التوافق ، وهوقبول الواقع الحزبي التعددي واللجوء الى التحالفات الثنائية واكثر ، ولكن ذلك لم يكن حلا نافعا لازمة الحركة ، بل ازدادت الخلافات ، وتضاعفت الانشقاقات ، وتباينت الولاءات ، وتعرضت الحركة لموجة العسكرة الغريبة عن طبيعتها وتقاليدها المدنية الديموقراطية ، وأسباب أخرى عديدة من دون استبعاد دور أجهزة السلطة الشوفينية في كل ذلك .
عينات من تجارب كردستانية
باستثناء – حزب العمال الكردستاني تركيا – الذي لم يؤمن يوما بنهج التحالفات ، ولم يعترف بالاخر المختلف ، بل مارس التخوين وتصفية من لايكون تابعا له ، فقد شهدنا نماذج من التحالفات ، والاتفاقيات. بين أحزاب الحركة الكردية في العراق ، وايران ، وبالرغم من بعض الأوقات القصيرة التي تحققت فيها المصالحات الظرفية عبر – تبويس اللحى – ولكن وبكل اسف وفي ظل تلك الاتفاقيات حصلت مجازر ، ومواجهات ، وحروب ، ولم تعالج الخلافات ، ولم توضع حلولا لازمة الحركة القومية في تلك الأجزاء ، حيث الانتماء الحزبي طغى على كل الانتماءات الأخرى القومية ، والوطنية ، ولعبت الآيديولوجا دورها الانقسامي ، وكذلك الانتماءات المناطقية والقبلية ، فخلال حوارات الأطراف الحزبية المدعومة كل منها من نظام إقليمي واكثر ، كانت أمور النفوذ الحزبي ومصالح تلك الأنظمة ، والمصالح الضيقة ، والسلطة ، والمال ، اهم من القضايا المصيرية ، والسبب الرئيسي بطبيعة الحال غياب حركة كردية ديموقراطية منظمة تمثل مصالح المجموع ، وتحمل المشروع القومي والوطني .
الخلاصة
وهكذا وبغياب حركة سياسية موحدة شرعية منتخبة مازال معظم احزاب الحركة القومية الكردية ( التي لم تتطور من حيث البنية والسياسات ) تعاني الازمات الخانقة ، وتعجز عن انجاز مهامها ، وتتغاضى عن معرفة الحقيقة ، وتبتعد يوما بعد يوم عن الاجماع الشعبي ، ولن تنجح في تنفيذ اية اتفاقات حتى لو حملت الشعارات الكبرى .
مهما تكابرت الأحزاب الكردية السورية ، وتفاخرت بالسلاح ، والأموال ، والاستقواء الافتراضي بالخارج ( حيث ادخل البعض إسرائيل أيضا بالقائمة الى جانب أمريكا وفرنسا ؟!) ، ومهما ابرمت من اتفاقيات – بينية – وبعناوين بارزة وبراقة ، فانها وبطبيعتها الراهنة ، وافتقارها للحد الأدنى من ولاء الإرادة الشعبية المتجسدة في الغالبية الوطنية المستقلة ، لن تحل ازمة الحركة السياسية الداخلية ، ولن تظفر بالتمثيل الشرعي للكرد السوريين امام الإدارة الحاكمة بدمشق وامام الراي العام الوطني السوري ، لم يعد طريق الحل سرا ، انه المؤتمر الكردي السوري الجامع ، الذي ستنبثق عنه حركة واسعة ، وقيادة منتخبة ، ومشروع برنامج سياسي ، وليس مؤتمر الأحزاب المعلنة المتمترسة بمواقعها وهي بالعشرات ، المفتقرة أصلا الى الإصلاح ، والاستقلالية ، والتي هي بامس الحاجة الى ( مؤتمرات ) خاصة بها ومراجعات ، وإعادة تاهيل فكريا ، وتنظيميا .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=67393