الأحد, يوليو 7, 2024

من دفتر يومياتي: عندما واجهنا تبعات نكسة ثورة أيلول

آراء

صلاح بدرالدين

من الاهداف الرئيسية لثورة أيلول ١٩٦١ في كردستان العراق بقيادة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني ( الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ) وبمعنى أوضح ربطت حل القضية الكردية بصيغة الحكم الذاتي كنوع من اشكال حق تقرير المصير ، بتحقيق الديموقراطية لكل العراق ،والاتيان بنظام سياسي يختاره العراقييون بجميع قومياتهم ، واطيافهم الاجتماعية ، وفي الوقت ذاته شكلت انعطافة في القضية الكردية بالمنطقة ، والعالم ، فبعد تقسيم كردستان التاريخية بعد اتفاقية سايكس – بيكو ثم فشل الانتفاضات ، والثورات المسلحة في كردستان تركيا وسقوط جمهورية مهاباد بكردستان ايران ، وفشل الثورات والانتفاضات في كردستان تركيا ، شهدت القضية الكردية نوعا من الركود ، والجمود ، الا ان اندلعت ثورة أيلول ( ١٩٦١ – ١٩٧٥ ) التي اعادت القضية مرة أخرى الى موقعها الطبيعي كحركة تحرر لشعب قوامه الملايين ، حرم من حقه بتقرير المصير هذا المبدأ المنصوص عليه في شرعة حقوق الانسان ، ومبادئ ( عصبة الأمم ثم هيئة الأمم المتحدة )، واستبعد بقرار عالمي من كل الفرص والاستحقاقات ، والترسيمات الحدودية الجديدة مابعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، حيث نالت العشرات من شعوب آسيا وافريقيا ، وأوروبا خصوصا الاستقلال .
مرة أخرى لعب العامل الخارجي الدور الأبرز في انهيار ثورة أيلول بعد ماسميت باتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥ بين الدكتاتور صدام حسين ، والشاه الإيراني محمد رضا بهلوي ، بوساطة مباشرة من دكتاتور الجزائر هواري بومدين ، وكانت بمثابة نكسة اليمة للحركة القومية في كردستان العراق ، وصدمة مؤثرة لجميع اكراد العالم ، حدثت امام انظار المجتمع الدولي ، ويقال بتواطؤ دولي من الغرب والشرق ، ولاشك ان – الاتحاد السوفييتي – السابق تتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية سقوط جمهورية مهاباد عام ١٩٤٦ بعد احدى عشر شهرا من إعلانها ، بعد مساومته مع الحلفاء بمؤتمري – يالطا وطهران – ، كما ان الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة عن النكسة الثانية بعد مهاباد بكردستان العراق حيث كان نظام شاه ايران تابعا مطيعا لها .
بعد انهيار ثورة أيلول ، وتوجه معظم المسؤولين السياسيين ، والعسكريين نحو ايران – البوابة الخارجية الوحيدة المفتوحة – وقسم آخر استسلم لنظام بغداد ، بدا اعلام الأنظمة المعادية للكرد ببث ، وعرض الاخبار ، والمناظر المذلة والمثيرة ، والاعلان عن انتهاء ( التمرد ، واستسلام الجيب العميل ، والقضاء على الحلم الكردي ، وانتهاء القضية الكردية …) الى ماهنالك من الدعايات المبالغ فيها ، والاضاليل بهدف نشر الياس بين الكرد ، والقضاء على أي امل مهما كان ضئيلا .
وقد كان اعلام نظام الأسد البعثي مشاركا في – الفرحة – ومستبشرا بنتائج ما حصل لثورة أيلول ، بل انه اعتبر الفرصة مواتية لاتخاذ خطوات – امنية – باتجاهين : واحد باستيعاب حركات وأحزاب كردستانية لاستخدامها لخدمة مصالحه ، ثاني : اختراق وتصفية أحزاب كردية سورية ، للقضاء على النضال القومي – الوطني .
وحينذاك وخلال تواجدنا في لبنان شعرنا بمرارة من وقع هذا الحدث المؤلم ، وبدانا بتنوير الأصدقاء اللبنانيين ، والفلسطينيين ، والعرب عامة ، بمجريات الحدث ، والأسباب والعوامل الداخلية ، والخارجية التي أدت الى ذلك ، وان ماحصل ليس نهاية الكرد والقضية الكردية بل نكسة اليمة تحتاج الى مراجعة وتقييم ، حيث الكثير من الشعوب المناضلة تواجه مثل ذلك في تاريخها .
تهيئة شروط الرد العملي على النكسة
كان الموضوع حسب فهمنا مصيري ولابد من التصدي له ، والاجابة على الكثير من الأسئلة ، وقد تقرر في مؤسساتنا القيادية ( اللجنة المركزية – المكتب السياسي – رئاسة الحزب ) وبعد دراسة بالعمق من كافة الجوانب توفير شروط موضوعية في جانبين الأول – البحث في الساحة الكردستانية عن تنظيمات ، ومجموعات ، وشخصيات تشاطرنا الراي في القيام بمحاولة سياسية للتخفيف من وقع الهزيمة الكارثية ، ومداواة الجراح حسب المستطاع ، والثاني : اللجوء الى أصدقاء لتامين الدعم في تحركنا اللوجستي ، وبعد متابعة دامت نحو عام تحقق مبتغانا في الخطوة الأولية .
فقد قدم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات الدعم المطلوب لتغطية النشاطات ، والتحركات في محاولة إعادة احياء الحركة الكردية بعد نكسة عام ١٩٧٥ من جانب الأحزاب التالية : حزب الاتحاد الشعبي ( سوريا ) – الحزب الطليعي لعمال كردستان – حزب الراحل عمر جتن ( تركيا ) حركة كوك دارا بيلك ( تركيا ) – الحزب الاشتراكي الكردستاني د محمود عثمان وعدنان المفتي ( العراق ) – حركة باسوك – آزاد مصطفى ( العراق ) حزب استقلال كردستان اميري قازي ( ايران ) ، واستطاع ممثلو هذه الأطراف ان يعقدوا العديد من اللقاءات الموسعة في بون ، وايزرلون بألمانيا الاتحادية ، وبرلين ، ودريسدن بألمانيا الديموقراطية سابقا ، وبراغ ، وكوبنهاغن ، وستوكهولم ، وتوصلت هذه الأطراف الى صيغة توافقية في برنامج العمل القومي على قاعدة التحالف الجبهوي في اطار ( الجبهة الكردستانية الديموقراطية ) ، والعمل على مراجعة النكسة الأليمة بتقييم نقدي موضوعي ، والتواصل مع الأخ مسعود بارزاني ، والقادة الكرد العر اقيين الاخرين ، بهدف مواساتهم في محنتهم ، والتشاور حول كيفية إيجاد حلول للازمة ، ومواصلة العمل على توسيع هذه الجبهة لتضم سائر الأطراف ، والاطياف ، وقد تواصلنا بعد ذلك مع مختلف القوى الصديقة بالمنطقة باسم – جبهتنا – الناشئة .
وفي السياق ذاته تم لقاء مطول في برلين ( عاصمة المانيا الديموقراطية – سابقا ) بين الرئيس ياسر عرفات وكل من د محمود عثمان ، وعدنان مفتي ، وصلاح بدرالدين ، اكد فيه عرفات مجددا عن دعمه واسناده لمساعينا الانقاذية ، ووقوفه الى جانب القضية العادلة للشعب الكردي .
لم يمضي وقت طويل على النكسة حتى اندلعت ثورة – كولان – في كردستان العراق وجرت تطورات متسارعة في الساحة الكردستانية كان من نتائجها عودة ( الأحزاب الكبيرة الى صدارة المشهد ) الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق – الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق – حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران – حزب العمال الكردستاني – تركيا ، وفي تلك المعمعة بدات هذه الأحزاب تدخل في تحالفات إقليمية غير متكافئة ، وصراعات داخلية دامية كردية كردية ، ولم تعد تبالي بما صدر من – جبهتنا – الأحزاب الصغيرة – من مشروع كردستاني ديموقراطي من اجل التعاون ، والعمل المشترك ، والحوار السلمي البناء ، والحذر من العلاقة مع الأنظمة المقسمة للكرد ، وصولا الى ترتيب معين للعلاقات القومية على أساس احترام الخصوصيات ، وتحريم العنف ، وعدم التدخل بشؤون البعض الاخر ، وقد استطعنا في تلك السنوات الصعبة تقديم نموذج متقدم ومفيد كبديل للكارثة ، وطرح مشروع برنامج سياسي ، ولكننا للأسف لم ننجح في مواصلة المساعي لتحقيق الأهداف النهائية التي كنا نصبو اليها .
ستبقى تلك المحاولة الصادقة صفحة ناصعة في تاريخ الحركة التحررية الكردية ، التي جسدت التعبير المسؤول في الإجابة على النكسة الأليمة ، والعمل القومي الجماعي الديموقراطي ، بدعم حركة تحرر وطني ، بعيدا عن الأنظمة الشوفينية الغاصبة للحقوق التاريخية .

شارك هذا الموضوع على