الجمعة, نوفمبر 22, 2024

مهداة لمام جلال .. محمد مهدي الجواهري : ماذا أغنّي ؟

شوقأَ “جلال” كشوق العين للوسن
كشوق ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري
وأنت مني محلَّ الرَّوحِ في البدن
وأنتَ منْ قلّةٍ يسخو الزَّمانُ بها
تستلُّ من كثرةٍ عبءُ على الزمن
شوقاً إليك ، وان ألوَتْ بنا مِحنٌ
لم تدرِ أنّا كفاء الضُرِّ والمحن
لم تدر أنَّ فراقَ الصامدينَ لها
هو اللقاءُ على نهجٍ من السنن
مستوثقٌ ينتهي سَعِيُ الحجيج به
حيثُ ابتدت صَيحةُ الغادين بالوثن
يا ابنَ الذُّرى من عُقابٍ غيرِ مُصعدةٍ
شُمّ النسورِ به إلا على وهن
يَرقى السماواتِ عملاقاً ، وتحضنُه
غرُّ النجوم ، ويلقاها بمحتضن
حتى إذا هزّ عطفيهِ ، وعاودهُ
رعيُ السفوح بمنجاةٍ من الفتن
نلقفتهُ ينابيعٌ ، وأدويةٌ
خضرٌ تجلببنَ مَوشياً من اليمن
من لطفها وتساميه مشى بشرٌ
فيها بأحسن من خلقيهما الحسن
من كلِّ أبيضَ صهَّال بها حردٌ
آبَ عَضاضَ لجامٍ منه أو رسن
صعبُ الشكيمةِ مرداةٌ مقحَّمة
مستبسلٌ ، مسترابُ الممتطى حزن
طابت ألوكتكَ الغراء تنفحني
بعطرِ عهدٍ كريعانِ الشبابِ جني
وذكرياتٌ كأنّ البعدَ يصبغها
بكلِّ مفتتنٍ فيها لمُفتتَن
حسبي غناءً بما فجَّرت من ألمٍ
مبَّرحٍ في حنايا الصدر مُختزن
وحسبُ شعري فخراً أن يحوز على
راوٍ كمثلك ندب ، مُلهَم فَطِن
عفَّ النقيبة ، حيث العَفُّ نادرة
وطاهرِ النفس لم تطرق على درن
يا صفوةَ الصفو من صحبي واقربهم
مني ، واصدقهم في السر والعلن
ناشدتني ولبَعضِ النشْدِ معتبةٌ
وربّ مَعتبة من سيئ الظِّنن
أن لا أزمَّ كما عُوّدتُ من شفةٍ
لم تلف مزمومة يوماً ، ولم تكن
وأن أُغنّي ، وأن أجدو تريدُهما
للثائرِ الحرِّ لا للطيرِ في الفنن
صفحاً جلال ، فقد أفرزت هاجعةً
من الرؤى ، وأطرت النوم عن شجني
فوالدي صار تمثالاً لصورته
من الضمائر لم تُجحدْ ولم تَبِن
اني كعهدك تلك النار تعرفها
وذلك الصُلب ، لم تخمُدْ ، ولم يكن
لم تُلِف من مصطِل شهمٍ يؤججُّها
أو محرب بمدوّي وقعة قمن
فما التغني ؟ ولا موحٍ ، ولا سمر
ولا سميع وكلٌّ لفّ في كفن
ماذا أُغني ، وبي جمرٌ على شفتي
ومن أُغنّي ؟ وما من معشر أذن
لم يبق في “الحيَّ” من يحمي ضَعينتَهُ
ولا على الدار من يرمي عن السكن
لا يُصرخ الجارَ منهم عرضُ جاره
ولا يُعَنِّي طليقاً موت مرتهن
أم أنت تقرُن من أمسٍ وعزته
وذُلّةِ اليوم ، أمر غيرَ مقترن
شتان أيّامَ تبكي روضةً أنَفاً
ويوم تُدعى لتبكي على دمن
من ذا أغنّي أشتاتاً موزّعة
على التمزّق والثارات والإحن
أم صابرين على ضيم ومسكنةٍ
صبر الحمار على مرأىً من الأُتن
أم “الطلائع” مزعومين شفّهمُ
وجدُ التجار بسوق الربح والغَبن
أم “الربيط” كعير الحيَّ في وتَدٍ
من المهانة لا يرضى لممتهن
ما كان أبعدَ يوميه .. على طنفٍ
من “الأمارة” مِلء العين والأذن
لا يرفع الطرْفَ تيهاً في مخاطبةٍ
ولا يَنمُّ بوجهٍ غير مُحتقن
ويوم لا خبرٌ عنه سوى نتفٍ
من التنادُر في حِلِّ وفي ظعن
داري فحُكِّم فاستوصي على هملٍ
مضيِّعِّين ضياع الماء في اللبن
مُستَوزرين ، وملمومين عن شعثٍ
مثل الجحاش وملزوزين في قرنِ
وسلّطَ العُهرَ كي يحمي مقاتلةً
ويقذفَ الطهر في مستوبئ عفن
حتى اذا عصف الدولابُ ، وارتطمت
هوج العواصف بالسفّار والسُفُن
ماتت “فحولةُ” أيامِّ الرخى به
واليوم يدفعُ عنه العارَ بالعَنن
وقلت لي أنّ “ناساً” شفهم نغمي
به يمنون في السرّاء والحزن
فهل تراني “مزماراً” يُثار به
لهو الخلائف من أعقاب “ذي يزن”
تباً لهم ، أفلا ثاروا ليطربهم
شدو الرصاص ولحن الصارم اللدنِ
فمن يَطحْ منهمُ في غير معترك
فلا سقت قبره صبّابةُ المزن
ومن يَعِشْ ليناغي سمعه نغمٌ
فلّيُصْغِ سمعاً إلى مستنقعٍ نتن
نَقُّ “الضفادع” يغنيه ويؤنسه
وإنه من هُتاف الثائرين غني
ايه “جلال” وما عُودي بمحتطبٍ
ولست من نفرٍ مخضوضرٍ مرن
فإن يُسئك مقال غير مُدَّهن
فعذره انّه من غير مُدَّهن
ما أسخف الناس مسبوكين من ذهبٍ
ومُوحِلين ، ومنفوشين من عهن
وضائعين أباديدا كصارحة
لم تغن من أمرها شيئاً ولم تعُن
خامرتُهمْ غير ما مستغفل بهم
لكن كمن خين في عهدٍ ولم يخن
وكنت “وعداً” لهم في كل مرتقبٍ
ما حان منه ، وما استأنى فلم يَحِن
فما مشت بهمُ الأيامُ ، وانتبذوا
بالمركب السهل ظهر المركب الخشن
إلاّ وقد أدبروا عن أي مؤتمنٍ
واستقبلوا أيّ غدّار بهم أَفِن
وغادروني بمواهاةٍ مصوّحةٍ
وعنده غرف الجنّات من عدن
حتى كأني وأشبالي بعيدهم
عُفْرُ الأضاحي من المنحورة البُدُن
وكنت منهم كمصلوب على “وثنٍ”
صحى على ربه يوماً ولم يدن
يا صاحبي ويموت المزمنون غداً
وخالدٌ صِدقُ قولٍ ناصفٍ زَمِن
لئن ندمتُ على ما فات من زمنٍ
فلست آيسُ ان يمتدّ بي زمن
كيف أروحَ أُصالي كل ذي دَخلٍ
من أمرهم ، وأُعرِّي كلِّ ذي دَخَنِ
وكي أنشِّرَ من عوراتهم مِزَقاً
مشهرات على الأرياف والمُدن
اذَنْ سيدرون معنى “الزمِّ” من شفةٍ
لم تُعطَ يوماً ، ولن تعطي لذي لَسن
فلن أغني بأعراسٍ مُهلهَلةٍ
ولن أنوح على موتى بلا ثمن
ولن أطوح نشواناً بليلتهم
حُبلى بمُفتَعل الثوراتِ والفتَن
ولن أُطار بمرجوين في غدهم
من البدائل في الأصباغ والسِحَنِ
“جلال” صُنتُ عهوداً بيننا وثقت
فما توثقتَ من عهدٍ بها فصُن
لا تبغني بوقَ “حربٍ” غيرَ طاحنةٍ
بها تزيّا كذوبٌ زيَّ مُطَّحَن
ولا تردني لحالٍ لستُ صاحبها
وما تردني لحالٍ غيرها أكُن
شوقاً “جلال” كشوقِ العينِ للوسنِ
كشوقِ ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ

شارك هذه المقالة على المنصات التالية