الأحد, ديسمبر 22, 2024

نورالدين عمر: الخيارات المطروحة بين العيش المشترك و التقسيم

رغم أن الفيدرالية المشتقة من اللاتينية هي ككلمة و كمعنى تعني “الاتحاد” ، إلا أن أنها تحولت في أدبيات و اعلام الأنظمة الشموليةو الدكتاتورية إلى كلمة مرادفة للإنفصال و التقسيم و تفكيك البلدان .فمن أجل الاحتفاظ بسلطتهم و جبروتهم و طغيانهم على رقاب الشعوب تعمدت ماكينتهم الإعلامية و السلطوية و خاصة في الدول و البلدان الشرق الاوسط ،على تشويه حقيقة الفيدرالية ، و تم وصفها و كإنها مشروع او جزء من مؤامرة استعمارية و صهيونية و إمبريالية لتقسيم الوطن .
في البلدان الأربعة التي احتلت و اغتصبت كوردستان (تركيا و إيران و العراق و سوريا ) منذ بدايات القرن العشرين ، بفعل الاتفاقيات الدولية و التقسيمات التي حصلت بعد الحرب العالمية الأولى و بالضد من رغبة و إرادة شعب الكردي ، ينظر إلى مطالب الكورد المشروعة ليس فقط مطلب الفيدرالية ، بل اي مطلب سياسي بما فيها مطلب الحكم الذاتي أو حتى مجرد المطالبة بالحقوق الثقافية ، على أنه مشروع للإنفصال .
تهمة الانفصال ملازمة للكورد في الأدبيات و الإعلام التابع لسلطة الشمولية ، و انتقلت العدوى إلى إدبيات و أعلام المعارضة لسلطة أيضا و بأغلب تياراتها القومية و الدينية و الليبرالية .و بدون أي دليل أو إثبات يتم اتهام الكورد بالسعي لتقسيم و تفكيك البلدان. إنها تهمة في صالح السلطة الشمولية و الهدف الأساسي منها استمرار التحكم بخلق تناقضات و صراعات عرقية بين المكونات و اتهام مكون بالسعي لتقسيم البلد و شيطنته و خلق حالة بين الجماهير و كإن الخطر الحقيقي ليس من الطغيان و الجبروت و الدكتاتورية ، بل الخطر الحقيقي هو من مكون يسعى إلى التقسيم ، و لأن المعارضة لم تستطع التحرر من ذهنية السلطة فهي الأخرى روجت لهذه التهمة .بل أحيانا تجاوزت السلطة في اتهاماتها العنصرية التي لا تستند إلى أي دليل .و من المفارقات العجيبة في الحالة السورية مثلا ، أن النظام المعروف بدكتاتوريته أظهر استعداده لمناقشة كل القضايا بما فيها الفيدرالية ، لكن قوى المعارضة السوريةالعنصرية بما فيهم الإسلاميين و القوميين و دعاة الفكر الديمقراطي رفضوا رفضا قاطعا اي مناقشة بالفيدرالية و اعتبروها مشروع تقسيم .
تهمة الانفصال ليست جديدة و تهمة الارتباط مع الخارج جاهزة في كل وقت ضد أي شخصية أو حركة كوردية لها مطالب أو تكون في وضع مؤثر بالسلطة أو قريبة من السلطة .ف ” حسني الزعيم” هو احد الشخصيات الكوردية التي استلمت رئاسة الدولة في سوريا بعد الاستقلال .لكنه ازيح عن سدة الحكم و كانت التهمة و التي ما يزال يروج لها و بدون تقديم أي إثبات أو دليل على أنه كان يعمل على تقسيم سوريا و يتعامل مع قوى خارجية لا أحد يعلم حتى الآن ماهي هذه القوى التي كان يتعامل معها حسني الزعيم ، أو ما هية مشروعه الانفصالي المزعوم. رغم أن حسني الزعيم هو من أصول كوردية و قد لا يعترف بكورديته مطلقا ، و ليس له أي مشروع يخص الكورد و لم يكن همه سوى محصورا بالسلطة و الرئاسة ، و لكنه و لأنه كوردي و أن كان لا يعرف ربما اللغة الكوردية فهو انفصالي و عميل لجهات خارجية .
إنها تربية و ثقافة الدولة القوموية التي ترفض كل ما هو يخالفها و تنكر حقيقة الأمم و الشعوب . و كما أكد المفكر أوجلان في مرافعته (مانيفستو الحضارة الديمقراطية أزمة المدنية و حل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط المجلد الرابع ) : “فالدولتية القومية العربية و التركية و الفارسية تفرض مسح كردستان من الوجود ، و التضحية بالكرد… “.
الفيدرالية او الاتحاديةهي اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو أقاليم ، تختلف قوميا أو عرقيا أو تختلف بالديانة أو باللغة أو بالثقافة ، يتم فيها تنظيم الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية و حكومات الإقاليم و المقاطعات.
أو بتعبير آخر الفيدرالية هو نظام شراكة بين قوميات و أعراق مختلفة يتم توزيع الصلاحيات بين المركز و الإقاليم و بأتفاق بين المكونات الشريكة على أسس يحفظ حقوق الجميع بشكل عادل و ديمقراطي .
أكبر دول العالم كثافة بالسكان ،و كبرا بالمساحة هي دول ذات نظام فيدرالي كالولايات المتحدة الأمريكية و كندا و روسيا . يمكن اعتبار أن حوالي 40%من دول العالم نظامها فيدرالي . و لكن الفيدرالية وحدها لا تحدد جوهر النظام القائم فربما تجد دول فيدرالية شكلا و لكنها بالمضمون دول مركزية و دكتاتورية و هي تستخدم كلمة الاتحادية أو الفيدرالية لتستر على الدكتاتورية .
” نجد الأصول النظرية للنظام الفدرالي أو الفدرالية في كتابات الفيلسوف ورجل الدين الألماني جوهان ألتيزيوس (1557-1638) حول التنظيم السياسي في إطار اتحادي تضامني. وضمَّن ألتيزيوس أفكارَه بشأن النظام التضامني في كتاب صدر عام 1603 وحمل عنوان “السياسة: عرض منهجي ومعزز بنماذج شاهدة ومقارنة”.
” بيد أن الدولة الفدرالية كما هي معروفة اليوم قامت لأول مرة بموجب دستور الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 1787″ .
ما هو الفرق بين الفيدرالية و الكونفدرالية و الحكم الذاتي و الإدارة الذاتية ؟ .
الكونفدرالية تعني اتحاد لكن بين دولتين أو أكثر تجمعهما مصالح مشتركة .و يتم تحديد نوع العلاقة حسب اتفاق الدول المؤسسة للكونفدرالية .في الاتحاد الكونفدرالي يحتفظ كل دولة بسيادتها و سياستها الخاصة فهي اتحاد لدول مستقلة تفوض بعض الصلاحيات لهيئات مشتركة و متفقة عليها بين أعضاء الكونفدرالية . لكن طريقة و شكل الإدارة المتفقة عليها تخضع لظروف و عوامل القوة و التحكم أحيانا .ففي الاتحاد الأوروبي الذي يشكل اتحادا كونفدراليا متساوية الحقوق و الصلاحيات بين دول ذات سيادة، لكن دول ذات مستوى اقتصادي عالي تتحكم بالاتحاد لها كلمة الفصل في النهاية بالنسبة للقضايا المصيرية التي تهم الاتحاد ككل ، و مع ذلك يعتبر الاتحاد الأوروبي نموذجا لتعايش المشترك بين دول لها كامل السيادة، و تستطيع اية دولة الانفصال عن الاتحاد متى شاء .
و كانت بريطانية اخر بلد اختار سكانه الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دون أي ضغوطات أوربية لمنع حدوث ذلك . لكن هناك اتحادات كونفدرالية بالإسم فقط كالاتحاد السوفيتي سابقا ، التي كانت اتحادا كونفدراليا بالاسم و لكنها بالحقيقة كانت دولة مركزية متشددة .
أما الحكم الذاتي فهو نظام سياسي يحصل فيه إقليم ما أو عدة أقاليم و مناطق من المركز على صلاحيات واسعة لتسير أمورها.
بالنسبة للإدارة الذاتية فهو مصطلح يخص روجافا نوعا ما و هو يمكن اعتباره جمعا بين الفيدرالية و الحكم الذاتي .فكإسم قريب من الحكم الذاتي لكنه فعليا يقترب من الفيدرالية أكثر .الإدارة الذاتية هو حكم كل مكون لنفسه ضمن مقاطعة تسير أمورها عبر شراكة سياسية لكافة المكونات الموجودة .
الإدارة الذاتية هو نموذج و نظرية لحل القضية الكردية و قضية المكونات الاخرى في الشرق الاوسط طرحه المفكر أوجلان في كتبه و مرافعاته و أثبتت عمليا قدرتها على التطوير و النجاح في روجافا و شمال سوريا .
بالنسبة للقضية الكردية ككل و في البلدان الأربعة ينحصر مطالب الكورد حتى الآن في الحصول على حقوقهم بدون تقسيم اي بلد .و حتى في إقليم كردستان الجنوبية التوجه العام هو البقاء ضمن عراق فيدرالي لكن بشراكة حقيقية مع المركز في إدارة شؤون البلد ككل .
و في سوريا ذلك البلد المتعدد الطوائف و الأعراق و المذاهب و المتداخل نوعا ما فإن التقسيم لكن يكون حلا بل سيكون خسارة لجميع بما فيهم الكورد .التقسيم يعني خلق كيانات ضعيفة متصارعة لا وزن و لا قيمة لها بين دول العالم . و عمليا و لأن الكورد يلزمهم دائما تهمة الانفصال من السلطة و المعارضة على حد سواء ، فإننا نقول لا إمكانيات اصلا لقيام دولة كوردية في سوريا ، الكورد سيكونون أقوياء بالشراكة الحقيقية مع كافة المكونات السورية الأخرى. و هذا هو خيار الشعب الكوردي عامة . و بالعودة إلى المجلد الرابع من ( مانيفستو الحضارة الديمقراطية )يقول المفكر أوجالان :” لا يمكن الرد على حصار إبادة ثلاثية (العربية و لتركيا و الفارسية )كهذه بدويلة قومية كردية صغرى …الدرس التاريخي الذي يجب استنباطه من هذه المفارقة التاريخية ، هو إشراك كافة شعوب المنطقة ، و على رأسها الأمم المجاورة ، في حل عصري ديمقراطي ، من خلال الكيانات السياسية الديمقراطية. .” . إذا ليس فقط لصعوبة قيام كيان كردي مستقل ، بل لأن الكورد يفضلون خيار الأخوة و العيش المشترك باعتبارها عامل قوة لجميع الأمم و المكونات بعكس التقسيم و الانفصال الذي يخلق كيانات قوموية متصارعة ضعيفة .
مشروع الفيدرالية أو النظام الاتحادي المتضمن إدارات ذاتية للمقاطعات و الإقاليم و الذي يمثل الشراكة بين كافة المكونات ،هو الحل الأمثل ليس فقط للكورد بل لكل المكونات السورية الأخرى. و ليس فقط في الشمال السوري بل لكل سوريا .
مشروع الفيدرالية أو النظام الاتحادي ليس مشروع انفصال كم يروج لها أصحاب النهج القوموي الشوفيني. بل هو مشروع وحدوي حقيقي ينقذ سوريا من التقسيم ، و كذلك يخلصها من الدكتاتورية و الطغيان . طبعا الفيدرالية وحدها لن تخلق بلد نموذجي بل الأهم هو نظامها الديمقراطي و دستورها أو عقدها الاجتماعي الذي يحمي حرية الرأي والتعبير و يعترف بحقوق كل المكونات على قاعدة العدالة و المساواة و عدم تهميش اي مكون حتى و إن كان أقلية صغيرة .
الصراع في سوريا لن ينتهي إلا باعتراف السلطة و المعارضة بأهمية الحل الديمقراطي في دولة اتحادية لامركزية. و يتحمل اليوم القوى التي تعارض الحل الديمقراطي مسؤولية كل هذا القتل و الدمار .و عاجلا أو آجلا الحل الديمقراطي الذي يروج له على أنه مشروع انفصال سيفرض نفسه كحل واقعي و حقيقي لهذه الأزمة .

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *