رغم مرور أكثر من 13 سنة على بدأ الأزمة السورية والتي تسببت في قتل وجرح مئات الآلاف من البشر وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية للبلاد، لكن ما يزال النظام السوري متمسكاً برؤيته الرافضة لأي حل سياسي ينقذ البلاد من حالة الفوضى التي باتت لا تطاق مع فقدان أدنى مقومات الحياة والأمن، حيث بات الأغلبية المطلقة من السكان تحت خط العوز والفقر، بالإضافة إلى انتشار الفساد والرشاوي وحالات الخطف والقتل والتعذيب والاعتقال التعسفي مع استمرار الاشتباكات والقصف العشوائي في العديد من المناطق. ويبدو أن الوضع الحالي هو ما تريده أغلبية الدول الفاعلة في الملف السوري من دون مراعاة مصالح المكونات السورية.
ورغم أن هناك العشرات من الدول التي تدخلت في بداية الأزمة السورية وما تزال تتدخل، لكن هناك بشكل فعلي أربعة دول فعالة على الأرض وتتحكم بجزء أو أجزاء من البلاد التي تحولت فعلياً إلى عدة دويلات وكل دويلة يحكمها قوى سياسية وعسكرية تابعة بأغلبيتها إلى هذه الدول الأربعة.
أول تلك الدول هي روسيا التي تتحكم فعلياً بأهم وأقوى المواقع في سوريا، منها الموانئ والعديد من المرافق الحيوية والاقتصادية، أما الدولة الثانية فهي إيران التي تدخلت إلى جانب روسيا في بداية الأزمة السورية لصالح بقاء نظام بشار الأسد فهي الأخرى تتحكم بمراكز حيوية مهمة على امتداد البلاد وهي تملك ميليشيات تحركها وفق احتياجاتها ومصالحها الإقليمية. أما الدولة الثالثة فهي تركيا التي حولت أغلبية فصائل المعارضة السورية إلى مرتزقة وتوابع لها واحتلت اجزاء واسعة من الشمال السوري وتحولت اهتمامها من تأسيس نظام ديني على أنقاض نظام الأسد إلى احتل الشمال السوري بهدف حرمان الكرد من المشاركة في العملية السياسية وتدمير ما أنجزه الكرد من الإدارات الذاتية. أما الدولة الرابعة فهي الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك قواعد عسكرية في شمال وشرق سوريا وفي منطقة التنف، ورغم دورها المهم في دعم قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم داعش لكنها لا تملك استراتيجية واضحة في الملف السوري حتى الآن.
طبعاً الملف السوري متشعب ومعقد في العديد من النواحي السياسية والأمنية لكن يمكن تحديد عدة نقاط مهمة ربما تحدد ملامح الفترة المقبلة:
أولا-عقلية النظام لن يختلف وسيسعى للعودة إلى ما قبل الأزمة والحفاظ على نفسه من الانهيار، وهو مستعد لكل المساومات في سبيل ذلك ولذلك فهو يحاول استغلال أزمة السلطات التركية والتوصل معه إلى اتفاق ينهي فيه وجود الفصائل المسلحة التابعة لأنقرة ودمجها مع مؤسسات النظام مقابل تشكيل جبهة مشتركة مع تركيا ضد شرق الفرات وقوات سوريا الديمقراطية.
ثانيا- روسيا لن تتخلى عن مصالحها في سوريا ومن غير المرجح أن تسحب قواتها رغم أن أولوياتها متمركزة حالياً في الأزمة الأوكرانية، وهي من أكثر القوى التي تستفيد من بقاء الوضع الحالي كما هو دون تغير
ثالثاً- ما تزال إيران قوية في سوريا والضربات الإسرائيلية والأمريكية لمليشيايتها على الأراضي السورية لم تضعفها كثيراً وهي ما تزال مستمرة في تجنيد المزيد من الشباب ضمن فصائلها الشيعية المنتشرة في معظم مناطق الخاضعة لقوات النظام السوري.
رابعاً- منذ بداية الأزمة السورية لم تكن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية واضحة في سوريا، وهي ما تزال مستمرة على نفس النهج، لكن هناك العديد من الملفات السياسية والأمنية التي تهم واشنطن في المنطقة، ومن غير المرجح أن تلجأ إلى الانسحاب من سوريا خلال عدة سنوات قادمة.
خامساً -الفصائل المسلحة التابعة لأنقرة تحولت منذ سنوات من فصائل معارضة للنظام إلى مجرد مرتزقة على أبواب أنقرة وهي ستستمر في دورها بالفترة المقبلة ومن المرجح أن تندرج معظمها في لوائح الإرهاب الغربية مع استمرارها في إرتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في المناطق المحتلة من قبل الجيش التركي وخاصة ضد الكرد في مناطق عفرين وسري كانيه.
سادساً-تعتبر مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هي أفضل المناطق السورية رغم الحملات التركية المتكررة ورغم التدمير الممنهج من قبل أنقرة للبنية التحية في تلك المناطق، وقد تلعب العلاقة التي تجمع قوات سوريا الديمقراطية مع واشنطن والتحالف الدولي ضد تنظيم داعش دوراً مهماً في استتباب الأمن في شرق الفرات حالياً وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية مستقبلاً، لكن لا أفق للحل السياسي حالياً وعلى المدى المنظور.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية