هل كان حواراً وطنياً سورياً فعلاً؟
طلال محمد
على عجلٍ، شُكّلت اللجنةُ التحضيريّةُ لمؤتمرِ “الحوارِ الوطنيِّ السوريِّ” بشخصياتٍ في غالبيتها مقرّبةٌ من هيئةِ تحريرِ الشام. وعلى عجلٍ، عقدتِ اللجنةُ جلساتٍ تحضيريّة أو تمهيديّة في “المحافظاتِ السوريّةِ” من خلالِ “أفرادٍ” ربما لا يمثّلونَ جوهريّاً حتى أنفسهم. وعلى عجلٍ، انطلقَ المؤتمرُ في دمشق بمشاركةِ نحو 600 شخصٍ بصفتهم الفرديّةِ لا بصفتهم التنظيميّةِ أو السياسيّةِ أو المجتمعيّةِ أو غيرها، بعد إرسالِ دعواتٍ عاجلةٍ بالحضور، دفعت بالكثيرينَ إلى الاعتذارِ لضيقِ الوقت. وعلى عجلٍ، صُدرَ بيانٌ ختاميٌّ لمؤتمرٍ “وطنيٍّ” لم يستغرقَ سوى يومين، اُستهلكَ اليومُ الأول كجلسةِ تعارفٍ وطعامٍ بين المشاركين، فيما خُصّصت “عدّةُ ساعاتٍ” من اليومِ الثاني “لبناءِ وطنٍ كاملٍ!” مزّقتهُ 14 عاماً من الحرب وعقوداً طويلةً من الاستبدادِ، مع تهميشٍ أو إقصاءٍ واضحٍ لأصواتِ أجزاءٍ واسعةٍ من هذا الوطن.
هذه العجلةُ في التنظيمِ والترتيبِ والتمهيدِ والانعقادِ والانتهاء، تثيرُ تساؤلاتٍ حول جدوى هذا المؤتمر وما إذا كان “حواراً وطنيّاً سوريّاً فعلاً” أم أنه كان معدّاً سابقاً من الألفِ إلى الياء لأداءِ وظيفةٍ لا تخدمُ مستقبلَ سوريا وتطلّعات شعوبِها ومكوّناتها كشركاءٍ في الوطن بقدر ما تخدمُ جهاتٍ خارجيّةٍ لها مخطّطاتها وأهدافها وأطماعها في النفوذِ والسيّطرة والتحكّم، إذ كيفَ يمكن بناءَ وطنٍ متهالكٍ عبرَ “حوارٍ قصيرٍ” لم تُتح ساعاتهُ القليلةُ إمكانيةَ الحديثِ إلا لعددٍ ضئيلٍ من “الأفرادِ المشاركين” وبمفرداتٍ قليلةٍ لضيق الوقت؟. كيفَ يمكنُ بناءَ وطنٍ أنهكتهُ سنواتُ الحربِ وعقودُ القمعِ عبرَ “حوارٍ قصيرٍ” اُستبعدت منه أجزاءٌ واسعةٌ من الوطنِ وشرائحُ واسعةٌ من المجتمع؟. كيفَ يمكنُ بناءَ وطنٍ “دستوراً واقتصاداً وسياسةً وجيشاً وحريّةً وعدالةً وسلماً أهليّاً وإصلاحاً مؤسساتيّاً وغيرها من القضايا” في ساعاتٍ قليلةٍ من حوارٍ مزعوم؟.. وكأن هذه الساعات القليلة تقولُ:” سواء شاركتم أم لم تشاركوا، حضرتم أم لم تحضروا، تكلّمتم أم لم تتكلّموا، لا يهم، فكلُّ شيءٍ أُعدَّ سابقاً حتى البيان الختاميّ، وما على المشاركين سوى الشعور بوهم الحريّة والتباهي بالحضور والتقاط الصور داخل القاعة الفخمة”.
لا. لم يكن مؤتمرَ حوارٍ، كونهُ يفتقرُ إلى أهمّ عنصرٍ من عناصر الحوار وهو الاختلاف، فالحوارَ يكونُ بين المختلفينَ لا بين المتشابهين، بين المتعارضينَ في وجهاتِ النظرِ لا بين المتوافقين، بينَ وجهٍ وآخرٍ مغاير، لا بينَ وجهٍ وانعكاسهِ في المرآة، فالحوارُ سمتهُ التعدديّة لا الأحاديّة، وما حصلَ هو- في الحقيقةِ- أقربُ إلى المنولوجِ منه إلى الحوار، أي أقربُ إلى الحديثِ مع النفسِ على خشبةِ المسرح. كما أنه لم يكن مؤتمراً وطنيّاً، فالوطنيّةُ لا تفضّلُ فئةً على فئةٍ، ولا تحتضنُ شريحةً وترفضُ أخرى، إنما هي أمٌّ تحتضنُ جميعَ أبنائها على نحوٍ متساوٍ في المحبةِ والحقوق. كذلك، لم يكن مؤتمراً سوريّاً خالصاً، وإن كان الحضورُ من السوريين، فالأجنداتُ والإملاءاتُ الخارجيّةُ في التنظيمِ والتوقيتِ والأهدافِ كانت حاضرةً بوضوحٍ مثلها مثل الأفراد الـ 600 الذين لم يعرف معظمهم سببَ وجودهم هناك.
باختصار، لا سبيلَ للدفعِ بسوريا إلى برّ الأمان، إلا بتقبّلِ مبدأ الشراكةِ في الوطن وفي صياغةِ مستقبلهِ، والأحاديةُ الظاهرةُ الآن لا يمكن لها أن تبني منزلاً واحداً فقط مما دمّرتهُ الأحاديةُ البائدة خلال 14 عاماً من الحرب، لذا، فإن سوريا تحتاجُ إلى حوارٍ وطنيٍّ سوريٍ خالصٍ وفعّالٍ يكون ناطقاً فعلاً باسمِ جميعِ السوريين ولأجلِ جميعِ السوريين.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=64082