الأحد, مارس 9, 2025

هل ما زال بالإمكان وقف حريق الحرب الأهلية الطائفية ؟

هيثم مناع
منذ قرار التعيينات العسكرية والأمنية لمقاتلين سوريين وأجانب تلطخت أيديهم بدم السوريين، الذي وقعه أحمد الشرع وتنصيبه حكومة إدلب حكومة لكل الوطن السوري، وقفنا ضد هذه القرارات التي برأينا تفتح الطريق لبناء دكتاتورية جديدة بثياب إيديولوجية سوداء لا يمكن أن تخلص البلاد والعباد من ميراث دكتاتورية الأسدين لذا قلت بوضوح للصحفي بيير بارنيسي: لا يمكن أن نلعب بمصائر البلاد ونرقص مع الشيطان.
لقد تابعنا كل عمليات “التجميل” التي قادها حقان فيدان، مسؤول MIT ثم وزير الخارجية التركي، من أجل تقديم أنموذج حكومة الجولاني في إدلب، بوصفها النموذج الناجح اقتصاديا وأمنيا… وباعتبارها الصورة الأمثل لسوريا بعد الأسد. وقام المعهد الذي أسسته، بعدة تحقيقات ميدانية في إدلب، خرجنا منها بأن عدد السجون والمعتقلين فيها، أعلى من باقي المحافظات، وأن “هيئة تحرير الشام” لم تتغير قيد أنملة لا في مناهجها التعليمية أو نمط إدارتها للاقتصاد، كذلك سياستها لاستيعاب المقاتلين غير السوريين، أو في تصورها للحكم: فمنذ ما سمي بالتسريب لخطاب الجولاني الذي يقول فيه قبل عشر سنوات (11 تموز/ يوليو 2014): “قد آن الأوان أيها الأحبة لأن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام، نطبّق حدود الله عز وجل، ونطبّق شرعه بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى، دون تهاون أو استهانة أو مواربة أو مداراة”، كان واضحا للجميع، أن أبو محمد الجولاني على استعداد لقتال الفصائل العسكرية كلها من أجل توطيد سلطاته والتحالف مع الشيطان، للبقاء في السلطة.
لا حاجة للوقوف كثيرا عند من دعم هذا المشروع علنا أو سرا، أو ما صار يعرف اليوم بالتوافق الدولي والإقليمي على استلام الجولاني، فالمعاناة السورية الكبيرة جعلت حزب “فليأت الشيطان” الحزب الأكبر في سوريا الممزقة والنازفة والمدمرة عن بكرة أبيها.
في الدين والسلطة والأفيون عنصر مشترك أساسي: أي overdose قاتل لصاحبه ومن حوله بالضرورة. فكيف إذا كان التطرف والإفراط في مفهوم الدين نفسه وفي بناء السلطة عند التمكن منها؟
إن بناء “جيش جديد” من لون مذهبي وفصائلي واحد، ومن أشخاص تلطخت أيديهم بالدماء بحد ذاته، قرار مجرم، كان السكوت المحلي والعربي والدولي عنه، إعلان قبول بإعادة بناء الدكتاتورية بشكل أسوأ… القرارات الغبية لوزراء التعليم والعدل والاقتصاد، انتشار الملثمين في الشوارع والجحاديين غير السوريين في الأحياء والمساجد، محاسبة الناس على الملبس والمأكل بل حتى على صلاة التراويح… نشر خطاب الكراهية الطائفي، التسريحات الجماعية والاعتقالات التعسفية والتعيينات حتى في النقابات والجمعيات… كل هذا زرع الأساس لسلطة إرهاب يخشاها الجميع ومن كل الأطياف. وجاء وضع السلطات التشريعية والتنفيذية بيد أمير جبهة النصرة نذيرا لتحويل المجتمع السوري إلى قطيع يطيع أو فلول خارجة عن القانون. كيف يمكن للناس الواقعة خارج سلطان الطغيان الجديد أن تسلم رقبتها له؟
عندما يسود منطق من يغلب يحكم ويتحكم وينهب ويسلب، تكون الإدارة العسكرية والمدنية الحالية قد اختارت سلفا، نهج إدخال البلاد في حرب أهلية.
إن ما رأيناه في الأيام الماضية، في معالجة تمرد محدود لبعض ضباط تلطخت أيديهم بالدماء (وهي محاولة فاشلة سلفا كان أول من استنكرها وواجهها أبناء شعبنا في الساحل)، والطريقة التي واجهت هيئة تحرير الشام الأمر بالتعبئة الطائفية العامة ضد طائفة بأكملها وارتكاب جرائم ومجازر جماعية بحق المدنيين الأبرياء، يظهر للعيان أن السلطة الحالية لم تخرج من منطق وممارسات “هيئة تحرير الشام” التكفيرية والإرهابية، ولم تعد تشكل عنصر أمان وتهدئة لأحد، بل ما زالت أسيرة منطقها القديم. وليس بإمكانها أن تكون حكما يمكن الوثوق به لبناء السلم الأهلي وأجهزة دولة تحمي المواطن مهما كان دينه أو معتقده أو قوميته.
إذا لم تحدث اليوم، مراجعات جدية في كل القرارات المجرمة عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة وذات صلاحيات واسعة، تعمل على بناء جيش وشرطة وطنية سورية، وتلغي كل المراسيم الدكتاتورية للاستفراد بالقرار، وتعبد الطريق لانعقاد مؤتمر وطني جدير بالتسمية، فإننا سنكون بالضرورة أمام حرب أهلية قذرة، وكل سيناريوهات التقاسم والتقسيم…

شارك هذه المقالة على المنصات التالية