الثلاثاء, يوليو 2, 2024

“وحوش الأيديولوجيا”؛ ثقافة الالغاء فكرياً عقائدياً!

القسم الثقافي

بير رستم

للأسف ونتيجة ثقافة العنف والالغاء التي تمارس في ثقافتنا الشرقية عموماً، بدءً من النصوص الدينية المختلفة ولا نقصد الآيات القرآنية وإن كانت هي الأبلغ والأكثر عنفاً في هذا المجال، لكن عموماً الثقافة الدينية وبمختلف طوائفها ومذاهبها مارست وما تزال ثقافة العنف تجاه الآخر المختلف دينياً وكانت من نتائجها الكوارث والحروب الدينية وحتى المذهبية داخل الدين الواحد والتراث الديني وكتب الأولين مليئة بتلويثات تلك الصراعات وكذلك كانت قبلها وبعدها الحروب القبلية العشائرية وغزوات الجميع ضد الجميع وكل قبيلة/دين تريد سبي القبيلة والطائفة الأخرى ولتستمر حروبنا الإلغائية تلك وصولاً ليومنا هذا حيث ثقافة التنوير بعد مرحلة النهضة الغربية العلمية في أوروبا حيث التأسيس لمجتمعات مدنية علمانية وكانت الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني واحدة من نتاج المرحلة وأدواتها في التغيير من مجتمعات عقائدية أيديولوجية لمجتمعات مدنية علمانية، نقصد بها في أوروبا، ولكن وللأسف فإننا في الشرق حافظنا على قوالبنا العقائدية القديمة العشائرية والطائفية وسكبنا بها أحزابنا!

وهكذا وبدل أن تصبح هذه الأحزاب أدوات لتحطيم تلك البنية الراديكالية لمجتمعاتنا السلفية القائمة على فكر عقائدي طائفي/قبلي وتؤسس لمجتمعات مدنية علمانية ديمقراطية، كما حال المجتمعات الأوروبية، فإننا وللأسف وضعنا تلك الأدوات/الأحزاب والمنظمات في قوالبنا القديمة وجعلناها مصبوبات عقائدية أيديولوجية بصبغة جديدة عقائدياً قوموياً ثوروياً وبالتالي جاءت المرحلة كإستمرار لثقافة القمع والإلغاء للآخر المختلف، بدل التأسيس لثقافة ديمقراطية تشاركية يقبل الاختلاف؛ يعني فقط غيرنا الصبغة العقائدية الأيديولوجية، فبدل الحروب الدينية والقبلية، باتت حروبنا قومية وحتى حزبية وطائفية مذهبية وللأسف.. نعم كلنا وقعنا في فخ الأيديولوجية وحبائلها، كما تقع الفريسة في شبكة العنكبوت وكل حركة تأتي بها لتخلص نفسك من الشبكة/الفخ تلتف الحبال أكثر حول جسدك كفريسة في المصيدة العقائدية، فهل سنمتلك القوة والوسيلة للإفلات من هذه المصيدة؟!

ربما، لكن لمن بقي خارج تلك المصائد والشبكات الحزبية/العنكبوتية حيث من هو عالق بداخلها لن يكون قادراً على الحرية حيث أي حركة منه ستزيد من درجة التقييد والشلل لديه، كما أسلفنا، ولذلك المطلوب ممن هو غير عالق في هذه المصائد أن يقدم الوسائل والأدوات لتحرير هؤلاء منها، طبعاً ليس من خلف متاريس جديد أو عقد شبكات وأحزاب جديدة، بل من خلال المساحة المتاحة له من حرية الحركة وطرح الأفكار والقيم السياسية البديلة القائمة على مناخ سياسي واجتماعي وثقافي جديد يجد في الاختلاف غنى وثقافة وليس عداء وحروب إلغائية؛ بمعنى أوضح نقول: نعم للجميع أحزاباً وشعوباً وقبائل وأديان ومذاهب في الوطن الواحد وعلى أساس الحقوق والواجبات المتساوية ودون تمييز أو تراتبية، ناهيكم عن الإلغاء و”ثقافة الاحتواء” والتي تعني صهر وإذابة الآخر أو الدخول معه في صراع وجودي حيث وللأسف ثقافتنا الشرقية ما زالت تجد في الآخر المختلف تهديداً وجودياً له وليس تكاملاً وتنوعاً ثقافياً معه في لوحة الوطن.

وهكذا وعندما نبدأ في قبول مبدأ الاختلاف على أساس التنوع والغنى الثقافي الاجتماعي وليس الصراع والتهديد الوجودي، فإننا حينها سيكون بمقدور مجتمعاتنا وشعوبنا التعايش الأخوي الديمقراطي، أما مع إستمرار ثقافة العنف وفي ظل الادعاء لامتلاك الحقيقة وتمترس كل منا خلف هذه “الحقائق الزائفة”، إن كانت دينية أو قومية أو حتى حزبية، فإن صراعاتنا ستدمر ما تبقى لدينا من قيمنا وأخلاقنا، بل ما تبقى من إنسانيتنا لنتحول جميعاً لوحوش عقائدية أيديولوجية ننهش بأجساد وحوش عقائدية أخرى مختلفة. تقبل الآخر كما هو، وليس كما تريده هو، وعلى شرط ومبدأ واحد لا غير نتفق عليه جميعاً، ألا وهو؛ لا لثقافة الإلغاء إن كان ذاك مادياً أو معنوياً!

شارك هذا الموضوع على