قرب أبنية دمّرها تنظيم الدولة الإسلامية قبل سنوات، يتجوّل صالح عبدو خليل معبّرا عن خشيته من أن يتكرّر سيناريو الحرب مجدداً في مدينته كوباني، مع تلويح أنقرة بشن هجوم بري يستهدف المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا.
ويقول خليل (42 عاماً)، وهو عامل في فرن خبز في المدينة ذات الغالبية الكردية لوكالة فرانس برس “أقف قرب مبان دمّرها داعش واليوم تريد تركيا تدمير ما تبقى من المدينة”.
في عام 2015، شهدت مدينة كوباني (عين العرب) الواقعة في أقصى محافظة حلب أربعة أشهر من معارك ضارية خاضها المقاتلون الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنوا من طرده من المدينة التي تحوّلت الى رمز للصمود، ودفع ذلك في اتجاه تلقي الأكراد دعما أميركيا مباشرا، فأصبحت وحدات حماية الشعب الكردية رأس حربة في التصدي للجهاديين.
وتحوّلت أبنية مدمّرة نتيجة تلك المعارك متحفاً مفتوحاً في الهواء تُعرض فيه منصّات صواريخ وعربات، شاهدة على ما تعرّضت له المدينة من دمار قبل طرد التنظيم المتطرف منها في ذورة نفوذه.
ويعتري القلق سكان المدينة المتجهمين الذين كان العدد الأكبر منهم نزح على وقع المعارك، قبل أن يعودوا تدريجاً ويعملوا على ترميم منازلهم.
بانفعال، يشرح خليل “حاربنا داعش من أجل كل العالم، واليوم يغلق الجميع أعينهم ويصمّون آذانهم عما تفعله تركيا بنا من قصف ودمار”.
وتعرّضت مدينة كوباني الحدودية مع تركيا ليل السبت لأول ضربات جوية في إطار حملة قصف بدأتها تركيا رداً على اعتداء في اسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر أوقع ضحايا، وقالت أنقرة إن الأوامر بتنفيذه أعطيت من كوباني، محمّلة قوات كردية في العراق وسوريا المسؤولية عنه.
وتوسّع القصف الجوي التركي تدريجياً وطال مناطق تقع بمعظمها في محافظة الحسكة (شمال شرق)، معقل قوات سوريا الديموقراطية التي يشكّل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري.
ويهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي سبق لقواته أن شنّت ثلاثة هجمات في سوريا ضد المقاتلين الأكراد منذ العام 2016، بهجوم بري في شمال سوريا حدّد الأربعاء أهدافه بثلاث مناطق بينها كوباني.
ويقول نبو جمعة رمضان الذي عاد من لبنان قبل ثلاث سنوات وافتتح متجراً للمواد الغذائية في المدينة، لوكالة فرانس برس، “الوضع في كوباني سيء والناس لا ينامون الليل” خوفاً من “ُقصف في أي لحظة”.
ويضيف “تمثّل كوباني رمزاً للأكراد وقد انتصرت على داعش”. ويرى أنّ إردوغان اليوم “يريد كسر إرادة الأكراد في المدينة”، محذراً من أنه “إذا سقطت كوباني، ستسقط كل روجافا”، وهي التسمية التي تطلق على مناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية المعلنة من جانب واحد في سوريا.
وليست هذه المرة الأولى التي يهدّد فيها إردوغان بالهجوم على كوباني ومناطق أخرى تحت سيطرة الأكراد. في العام 2019، حالت وساطة أميركية ثم اتفاق مع روسيا دون شنّ أنقرة هجوماً واسعاً.
وتولّت موسكو تسهيل انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنّفها أنقرة مجموعة “إرهابية”، من منطقة بعمق 30 كيلومتراً من الحدود مع تركيا بينها كوباني.
رغم المخاوف والقلق، تغيب عن شوارع المدينة أي مظاهر أو استعدادات عسكرية ظاهرة. وتجول بين الحين والآخر سيارة مدنية وسط المدينة تصدح من مكبّر صوت فيها دعوات للمشاركة في تظاهرة تنديداً بالقصف التركي.
قرب تلة تضم مركزاً لقوات النظام يرتفع عليه العلمان السوري والروسي، تقول أمينة يوسف (65 عاماً) بينما تقف مع زوجها أمام منزلهما مع أولادهما وعدد من أحفادهما، “نحن خائفون من القذائف والقصف. نحن فقراء لا أملاك لدينا ولا أراضي. لدينا فقط هذا المنزل الذي نعيش فيه”، مبدية خشيتها من اضطرارها للنزوح.
وتسأل بانفعال “ماذا تريد تركيا؟ نحن لا نعلم ماذا يتعيّن علينا أن نفعل”.
من أحياء عدة في كوباني، يمكن رؤية الأعلام التركية بالعين المجرّدة على المقلب الثاني من الحدود.
داخل محل أحد أقاربه، يجلس شيروان حمي (39 عاماً) قرب مدفئة بينما يتساقط المطر في الخارج.
ويقول لفرانس برس “عدنا منذ سنوات وبدأنا إعادة بناء منازلنا وازدهرت المدينة والأسواق وبدأ الناس يعملون”.
ويضيف “لكنها الحرب من جديد، ونعيش تحت القصف مجدداً”.
المصدر: أ ف ب