الإعلان عن حركة سياسية جديدة في غرب كردستان باسم حركة البناء الديمقراطي الكردستاني – سوريا

الإعلان عن حركة سياسية جديدة في غرب كردستان باسم حركة البناء الديمقراطي الكردستاني – سوريا
Ragihandina tevgereke nû bi navê Tevgera Avakirina Demokrat ya Kurdistanî – Sûriya

بيان إلى الراي العام
لا يخفى على أحد عمق الأزمة البنيوية التي تمرّ بها الحركة السياسية الكُردية في سوريا، مع ما تحمله هذه الازمة من تبعات وسلوكيات فوضوية هدّامة، وسط غياب ملامح أي مشروع سياسي واقعي يلملم شتات أطرافها ويضع الجميع أمام محددات سياسية موضوعية تتناسب مع سموّ الأهداف ونبل التطلعات، وتتقاطع مع مصالح مختلف القوى المؤثرة، وتلامس آلام وتطلعات الشارع الكردي، وتشكل عامل جذب للفئات صاحبة المصلحة الحقيقية في أي مشروع جدّي يعيد الثقة للشارع، ويبعث الأمل في النفوس المثقلة بالهزائم مع قناعتنا التامة بأن الحزب ليس هدفاً، والأحزاب بمختلف مسمياتها ليست سوى أدوات نضالية متغيرة شكلاً وهيكلية وأهدافاً.
أمام هذه اللوحة التي تزداد تعقيداً وسوداوية يوماً بعد يوم كان لابد من التحرك باتجاه تشكيل جسم سياسي جديد يستوعب كل النخب السياسية والفكرية والثقافية لشعبنا، ويكون بمثابة البديل السياسي الواقعي المختلف بتوجهاته وخطابه وبنائه وآليات عمله عن الحراك القائم، وذلك من خلال تفعيل الطاقات الكامنة في أوساط تلك النخب لتوليد أفكار وصياغة رؤى من شأنها الانتقال بالحراك السياسي الكردي من حالة الترهل الى حالة الفعالية على قاعدة رفض العنف والإرهاب والاعتماد على الحوار الهادئ، والنضال السياسي السلمي سبيلاً لتحقيق الأهداف المشتركة، والإيمان بحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والاستفادة من الموروث النضالي التحرري بشكل عام، والكردي في مختلف أجزاء كوردستان بصورة خاصة، وبما ينسجم مع واقع وخصوصية الشعب الكردي ضمن الحدود الإدارية والسياسية لسوريا، واعتبار القضية الكردية في سوريا قضية وطنية سورية تخص كافة الوطنيين المؤمنين بالتوافق والعيش الحر المشترك، والعمل من أجل تأمين الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي في إطار سوريا اتحادية جديدة بنظام ديمقراطي يقف على مسافة واحدة من كافة مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والمذهبية، ويبني علاقاته على مختلف الصعد الوطنية والقومية والاقليمية والدولية وفق أسس الاحترام المتبادل واستقلالية القرار والمصالح المشتركة، ويعتبر الهوية الوطنية للدولة السورية خلاصة مجموع الهويات الفرعية لمكونات الشعب السوري المختلفة، ويرفض الكراهية والعنصرية والطائفية المقيتة، ويسعى لنشر المحبة وقيم العيش المشترك بين أبناء الشعب السوري، ويرى أن شعوب منطقتنا بحاجة ماسة للعمل من أجل السلام والتكامل الاقتصادي والقضاء على الفقر والتأسيس لبنى جديدة مختلفة لتامين العيش الكريم واستثمار الموارد الموجودة من خلال شراكات وإدارات رشيدة، الى جانب تحرير الأديان من بين مخالب السياسيين وكذلك إخراج السياسة من حقول فتاوي رجال الدين، والفصل التام بين الأديان والمؤسسات السياسية، ويؤمن بأن الفدرالية الجغرافية هي الحل الأنسب كشكل مستقبلي للدولة السورية بعد إعادة رسم الحدود الإدارية للمحافظات، ويرى أن الأزمة السورية سياسية في جوهرها، وأن حلها يجب أن يكون سياسيا من خلال عملية سورية – سورية برعاية أممية، ويرفض التغيير الديمغرافي على كامل مساحة سوريا ويرى في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 2254 لعام 2015 خارطة طريق واقعية لإنهاء المأساة، ويعتمد الموضوعية والاعتدال في الخطاب والطرح بعيداً عن الغلو والتطرف، ويسعى لتوسيع مساحة المشتركات الوطنية مع الشركاء السوريين ومن مختلف المكونات، ويرى في الاختلاف والتنوع الموجود غنى، ويسعى لتنظيم التناقضات المختلفة ومنحها فرصة طرح نفسها كعنصر فاعل وعامل بناء لأن الحرية هي بالأساس نتاج التفاعل الحر بين المختلفين في مناخات الديمقراطية. بمعنى أن البديل يسعى للتخلص من احتكار السلطة والقوة والثروة، ويرفض جعل سوريا منطلقاً لتهديد الدول المجاورة، ويسعى لإقامة العلاقات مع كافة الدول واتباع الحوار واللجوء إلى الهيئات الدولية المختصة وسيلة وحيدة لحل الخلافات،
وفي هذا السياق لا بدا من الإشارة الى أن الحركة السياسية الكردية في سوريا منذ انبثاقها في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن واجهت العديد من التحديات، ومرت بمراحل عصيبة تمثلت في استمرار الأنظمة الشوفينية في ملاحقة وسجن كوادرها، بالإضافة إلى تطبيق العديد من القوانين والمراسيم والمشاريع الاستثنائية كالحزام العربي العنصري، والاحصاء الاستثنائي التي هدفت جميعها لمحو هوية الشعب الكردي، وهندسة ديموغرافية مناطقه بما يتناسب مع التوجهات الشوفينية، الأمر الذي أدى الى كبح تطور هذه الحركة إلى حدّ كبير. وبالرغم من توفر الظروف الموضوعية نسبياً في بعض المراحل الأخرى، والتي ساهمت في نضج وتبلور بعض التطلعات التي تأسس الحزب من أجلها، إلا ان العوامل الذاتية وما تعانيه الحركة من تشرذم وغياب الرؤى الموضوعية وطغيان الفردية على حساب العمل المؤسساتي وغياب الديمقراطية كل هذه العوامل لعبت دوراً حاسماً في ضعفها وتراجع أدائها وفقدان قرارها وخروجها من ساحة الفعل والتأثير.
وقد كشفت الأحداث والمتغيّرات المفصلية التي شهدتها الساحة السورية سيما في العقدين الأخيرين مدى ترهل أداء الحركة، وعدم قدرتها على مواكبة الأحداث والمتغيرات، وفشلها في قيادة المشهد السياسي الكردي، وتماديها في الولاء والتبعية لأحزاب كردستانية غير سورية، وبالتالي تغليب أجندات تلك الأحزاب على مصلحة الشعب الكردي في سوريا. وكانت انتفاضة الـ 12 من آذار 2004 التي بدأت من قامشلي وعمت كافة المناطق الكردية إضافة إلى أماكن التواجد الكردي في المدن الكبيرة، وكذلك أحداث الانتفاضة الشعبية السورية التي انطلقت في منتصف آذار 2011 بمثابة امتحان حقيقي للحركة بأحزابها وتياراتها المختلفة، حيث فشلت في التعامل مع الحدثين نظراً لعدم امتلاكها لرؤية سياسية موضوعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استجابة الحراك الحزبي لتلك التطورات كانت متفاوتة، لكن بالنتيجة تم احتواء الجميع بما في ذلك التنسيقيات الشبابية وحراكها السلمي المتنامي والمنسجم مع البعد الوطني من خلال إعلان المجلس الوطني الكردي في الـ 26 من تشرين الأول 2011 والذي كان في البداية منصة جامعة ومحاولة لتمثيل الشعب الكردي سياسياً إلا أنه مع مرور الوقت لم يتمكن من الخروج من دوامة الفشل والاخفاق، وذلك لافتقاره لقراءة اللوحة السياسية بدقة حول مستقبل سوريا وفشله في التصدي لمهام المرحلة وفقدانه لاستقلالية القرار، وترك الساحة لمشاريع بعيدة عن مصلحة شعبنا، لتبدأ مرحلة جديدة كانت من نتائجها تحويل مناطق كوردستان سوريا إلى بيئة طاردة لسكانها الأصليين الكُرد.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الحراك السياسي الكردي في سوريا مرَّ بتجارب وحدوية عديدة بدأت منذ المؤتمر الوطني الذي عقد في ناوبردان بكوردستان العراق عام 1970، ومن ثم في تسعينيات القرن الماضي بين مجموعة أحزاب كُردية وكذلك تجربة آزادي بين حزبي الاتحاد الشعبي واليساري في 2005 وتجارب أخرى من أهمها تجربة الوحدة الاندماجية لأحزاب الاتحاد السياسي التي انبثق عنها الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا في 2014. وبالرغم من أن تلك التجارب كانت في مراحل زمنية مختلفة وجمعت تيارات سياسية متباينة، إلا أن المشترك بين كل تلك التجارب كان الفشل إذ أنها فشلت في تحقيق أهدافها كون أطراف تلك التجارب كانت تعاني أساساً من أزمات داخلية وإن بدرجات متفاوتة، وبالتالي فإنها كانت في جانب منها كشكل من اشكال الهروب نحو الأمام، والهروب من مواجهة الاستحقاقات.
من هنا واصلاحاً للخلل الواقع واستكمالاً للمهام المرحلية فقد التأمت إرادتنا بالتوجه نحو بناء واعلان جسم سياسي – تنظيمي مختلف، وفق الإمكانات والمعطيات المتاحة، لوقف الاستنزاف وسَدّ الفراغ الموجود، وإنجاز التمثيل السياسي المتكامل، وردّ الاعتبار مرة أخرى للشعب الكُردي وقضيته القومية في سوريا والعمل على استكمال شروط بناء الشخصية الكردية السورية المستقلة، والعمل على جمع الإمكانيات التنظيمية، والطاقات الجماهيرية الواسعة من شتى المشارب لبناء حامل قويّ للمشروع المنشود. لذا فإن البديل النضالي الذي نعمل عليه لن يقتصر على رفاق حزب أو تيار فكري بعينه، بل سيكون جامعاً والمجال سيكون مفتوحاً أمام مجمل الطاقات الكامنة للعمل على دعم وتأييد هذا البديل وجعله قوة سياسية وتنظيمية تواكب المرحلة الراهنة وتضطلع بمهامها في ظل إرهاصات الوضع السوري عامة والكُردي خاصة. وإيماناً منا بحق الإنسان في التنظيم والتعبير السلمي، وبما أن هناك مناطق من جغرافية كوردستان سوريا شبه محرومة من التمثيل السياسي العادل في الحراك القائم، فإن من جملة أهداف البديل الذي نعلنه هو تأمين الانسيابية في هذا التمثيل، وضمان هذه المشاركة بشكل عادل ومتوازن. ومن هنا فإننا نعلن انطلاقة هذه المسيرة، داعينَ كل الغيورين إلى الانخراط فيها والمساهمة الجادة والمشاركة الفعالة في الفعاليات المختلفة لطرح الرؤى والأفكار للوصول إلى أفضل صيغة واقعية واعتمادها في المؤتمر العام، واعتماد برنامج سياسي ونظام داخلي، على مبدأ اللامركزية في العمل والإدارة وانتخاب القيادة الجديدة من خلال مؤتمرات محلية لكل موقع ومنطقة وفق معايير وضوابط وآليات ديمقراطية منصفة لا تقصي أية منطقة أو حالة تنظيمية.
إنَّ موقفنا من أي حدث أو واقعة أو حالة يرتكز على قاعدة أساسية وهي المصلحة العليا لشعبنا في كردستان سوريا، وتلك المصلحة هي البوصلة في أي تحرك أو موقف أو علاقة أو تحالف. ونعتمدها كأساس في بناء علاقاتنا وتحالفاتنا مع القوى والأطراف الأخرى دون الخضوع لأية جهة كانت، مع الأخذ بعين الاعتبار مقوّمات بناء العلاقات والاتفاقات أو التوافقات التي تضمن مصالح جميع أطرافها. ومن هذا المنطلق فإننا نرسم سياساتنا ونضع تكتيكاتنا ونصيغ برامجنا بما تتناسب مع طبيعة المرحلة السياسية وظروف ومستجدات الوضع الدولي والإقليمي والآفاق المستقبلية وبما يمكّننا من أداء دورنا بحيوية واقتدار. وستكون الأوضاع المعيشية لشعبنا في الداخل من أهم أولوياتنا، حيث سيتم التحرك على كافة المستويات للبحث عن السبل الممكنة للتخفيف من المعاناة نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، كما سنسعى بالتعاون مع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية الى مواجهة ظاهرة النزوح والهجرة، وسنعمل على توفير الأجواء المناسبة لعودة اللاجئين الى ديارهم.
إن الوضع الدولي يسير نحو المزيدٍ من التعقيد والتأزُّم نتيجة الصراعات الحادة بين الدول صاحبة القرار، الى جانب اصطدام المشاريع السياسية والمصالح الحيوية لتلك الدول، ومحاولاتها للهيمنة على المناطق الغنية بمصادر الطاقة والموارد الأساسية، وكذلك التحكم بالمواقع الجيو- سياسية على مستوى العالم، مع ايماننا بأن تلك التوجُّهات لا تُرسّخ المواجهة على حساب التهدئة والتفاهمات البينية فحسب، بل تطيل أمد الأزمات وتوسع دوائرها وتزيدها توتراً واضطراباً على حساب الحلول الحقيقية. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاماً على الأزمة السورية فإن إرادة الحل السياسي الواقعي غائبة ومغيبة، وقد جاءت الحرب الروسية -الأوكرانية لتزيد الطين بلة، ويزيد المشهد تعقيداً نتيجة التداخل بين الملفين السوري والأوكراني لجهة المتورطين فيهما، وهذا ما يدفع التوتر على الصعيد الدولي لمستويات تنذر بتوسيع دائرة الحروب ودوام الصراعات فيما إذا لم يتم وضع حلول واقعية لجميع الملفات وخاصة الملف السوري. فالأزمة السورية مازالت مستمرة والمبادرة خرجت من أيدي السوريين تماماً، وأن الموقف الدولي ما زال متأرجحاً بين شرعية المعارضة والتخوّف من نموذجها البديل في آن، وبين بشاعة النظام والحاجة إليه راهناً في آن أيضاً، لذا فإن إدارة الأزمة تطغى على إرادة الحلّ، علماً أن المجتمع الدولي لا يرى في الساحة السورية سوى كجزء من ميدان المنافسات والمقايضات والتناقضات ولا يمكن إيجاد حل حقيقي لمسألة على حِدىً دون أن تتأثر المسائل الأخرى. وبما أن سوريا اليوم مقسمة فعلياً إلى عدة مناطق نفوذ، ولكل واحدة منها إدارتها وميليشياتها ومنهاجها التربوي والتعليمي ونظامها الجمركي والضريبي …إلخ، لذا فإن المعارضة السورية التي تعاني من أزمة في البنية والممارسة وغياب في الرؤية، مدعوّة لإجراء مراجعة شاملة وإعادة ترتيب أوضاعها لتصبح أنموذجاً ديمقراطياً مقنعاً للمجتمع الدولي من جهة، وللسوريين بجميع مكوناتهم من جهة أخرى، وذلك من خلال صياغة مشروع وطني سوري تغييري جامع وشامل بعيداً عن التوجهات الشوفينية والتطرف، والارتكاز على قواعد أساسية باتجاه فهم الوقائع والمعطيات المتعلقة بمستقبل الدولة السورية وشكلها وطبيعة نظام الحكم فيها، ودور القوى الوطنية والديمقراطية وتفهمها الجاد للواقع السوري المتنوع. من هنا فإننا نرى أنه لا إمكانية للسوريين بحالتهم الراهنة أن يجدوا حلاً للمسألة السورية ويصوغوا بديلاً يمكنه طيّ صفحة الاستبداد والسير نحو بديل ديمقراطي يضمن حلّاً لجميع القضايا الوطنية، لهذا نعتقد أن الحماية الدولية في الوقت الراهن هي المظلة الأكثر أماناً لحفظ حياة من بقوا داخل البلد، وهي المدخل الحقيقي لتطبيق القرارات الدولية، ووضع اللبنات الأساسية لانتقال سياسي حقيقي.
وبالنسبة لمناطق كُردستان سوريا، وبغضّ النظر عن توزّعها بين مناطق نفوذ كل من التحالف الدولي وتركيا والنظام، فإن الحماية الدولية لها وخروج جميع العناصر الأجنبية والميليشيات المنفلتة منها سيشكل الضمان الأنسب لشعور السكان بالأمان ومنع التغيير الديمغرافي القائم وإفساح المجال أمام سكانها الأصليين للتأسيس لحوكمة رشيدة توفّر لهم الخدمات الإدارية والأمنية والحياتية المختلفة ريثما تنضج الظروف لحلٍّ شامل يخلّص البلد برمته من السلطات الاستبدادية والميليشيات المتسلطة في مختلف المناطق ويرسم الطريق نحو دولة اتحادية ذات نظام ديمقراطي يضمن المواطنة المتساوية للجميع ويحفظ كرامة الإنسان ويصون حقوقه، كما يضمن حلاً عادلاً للقضية الكُردية.
أما بخصوص الموقف من الحراك السياسي في أجزاء كوردستان الأخرى فإننا نتطلع الى بناء علاقات متكافئة فيما بيننا، بحيث تضمن وتصون خصوصية كل جزء، كما أننا نقف الى جانب تطلعات وحقوق أشقائنا في أجزاء كردستان الأخرى، وندعم كافة الجهود التي من شأنها إيجاد حلول سياسية حقيقية لقضاياهم العادلة وذلك عن طريق الحوار السياسي – السلمي بينهم وبين شركائهم من مكونات شعوب تلك الدول على أساس التوافق والشراكة والعيش الحر بعيداً عن العنف والإرهاب، وبالصيغة التي تناسهم، كما أننا نشيد بتجربة إقليم كردستان العراق التي تشهد منذ ثلاثة عقود حالة التحوّل إلى مركز سياسي هام سواء على الصعيد الوطني العراقي أو على الصعيد الإقليمي، وذلك انطلاقاً من التطور الذاتي وتطوير تلك التجربة الواعدة وإرادة التحوّل إلى نموذج يحتذى به، بالرغم من بعض الملفات الداخلية المتعثرة والتحديات المرتبطة بالعلاقة مع حكومة المركز والتحديات الإقليمية.

الهيئةالقيادية المؤقتة لحركة البناء الديموقراطي الكردستاني – سوريا
٢٧ / ٨ / ٢٠٢٣

مسلحون من “جيش الشرقية” يعتدون على عائلة “بيشمرك” للمرة الثالثة على التوالي خلال فترة شهر في مدينة جنديرس

هاجمت مجموعة من مسلحي فصيل “جيش الشرقية” ، المنضوي تحت مسمى الجيش الوطني السوري الموالي للاحتلال التركي، و للمرة الثالثة على التوالي خلال فترة شهر ، أفراد من عائلة بيشمرك في مركز ناحية جنديرس بريف عفرين المحتلة.
وفي الساعة الرابعة من عصر اليوم السبت تاريخ 26 8 2023 اقتحم عدد من مسلحي الفصيل مدججين بالسلاح و السكاكين منزل العائلة و أعتدوا على القاصر “نظمي أشرف عثمان 15 عاما ” ، بعدة طعنات بأداة حادة ” السكين ” بغرض ترهيبه و تمزيق ثيابه ، مما أدى إلى فقدانه الوعي ، و نقله إلى مشفى بهار ” السلام سابقاً ” بمدينة عفرين في حالة يرثى لها لتلقي العلاج ، و هي المرة الثانية لعملية الإغتيال ، إذ جرت العملية الأولى يوم الأحد بتاريخ 23 7 2023 عندما تم الإعتداء عليه ضرباً بقطعة من القرميد ” البلوك ” على ظهره ، و محاولة دهسه بالسيارة ، التي مرت على يده في حينه مما أدى إلى شل حركة اليد و تلقي العلاج .
يذكر بأن المجموعة نفسها قد حضرت في الساعة الثالثة والنصف من فجر يوم الأحد تاريخ 20 8 2023 إلى نافذة العائلة ، طالبين فتح الباب ، و تهديدهم بالقتل .
مايزال الشاب نظمي أشرف عثمان ، طريح الفراش في مشفى بهار بمدينة عفرين ويتلقى العلاج ، نتيجة الإعتداء عليه بأداة حادة ” السكين ” و بحسب مصدر طبي بالمشفى ، بأن الشاب تلقى طعنات كثيرة برأس السكين في اليدين والساقين ، و تعرض للضرب ركلاً في منطقة المثانة البولية ، و كذلك ضربه بأخمص السلاح على ظهره .
يذكر بأن الجناة أثناء أقتحام المنزل و ضرب الطفل ، قاموا بتحطيم ” كسر ” هاتفه الخليوي و هاتف والده أشرف عثمان .
لهذا فإن عائلة بيشمرك تتعرض للانتهاكات والجرائم الجسيمة والتهديد بالقتل وهي المرة الثالثة التي يتم فيها تنفيذ تهديدهم خلال شهر على مرأى ومسمع سلطات الاحتلال التركي المسؤول الأول عن تأمين الأمن والأمان والسلم للاهالي في المناطق الخاضعة لسيطرتها كسلطة احتلال وفقا للمادة “42 ” من لائحة لاهاي لعام 1907، علما أن مسلحي الفصيل ذاته قاموا بقتل “4” أفراد من عائلة بيشمرك عشية عيد النوروز الفائت دون أي حسيب أورقيــب .
منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا

أمس لا يزال حلوًا

كفاح الزهاوي
كانت مدينة لينينغراد تنساب في الأفق كمتحف اسطوري تحت سماء صافية، تأملتها هكذا وأنا أرنو إليها من نافذة عربة القطار. عدت الى مقر إقامتي بعد ان انتهيت من زيارتي التطبيقية في المستشفى في المدينة السياحية عند ميناء مورمانسك المشهورة بظاهرة الشفق القطبي. حدث هذا في عام 1966.
وانا في طريق العودة إلى المنزل مررت على السوق لشراء بعض الحاجات الضرورية. كان السوق يعج بالناس والحركة بطيئة. وفي وسط هذا الحشد البشري، صادف ان التقيت صديقي عادل الذي يسكن في الطابق الخامس وبينما كنت أنا اسكن في الطابق الرابع من مباني الطلاب، بعد ان رحب بعودتي من السفر. قال وهو يمد يده ليصافحني:
مرحبا قاسم، متى عدت من رحلتك؟
اجبته:
اهلا عادل. لقد عدت توا. فكرت ان اشتري بعض المواد الغذائية وانا في طريقي الى المنزل.
قال:
بالمناسبة هناك فتاة تنتظرك منذ ساعات في الطابق الثاني. كما تعلم ان طوابقنا لازالت قيد الترميم، والأصباغ لم تنشف بعد.
قلت:
فتاة!… كيف تبدو؟
قال:
نعم. اعتقد انها ليست روسية لان ملامحها أقرب الى الشرقية وشعرها اسود.
بعد ان انتهيت من التسوق عدت ادراجي الى المنزل. كانت المفاجأة عظيمة وغير متوقعة، شعرت بالنهار ينهمر على كياني كحلم بحيث ازال الارهاق الذي رافق رحلتي، ان أجد صديقتي بارنو في انتظاري، تعلو كشمس الصباح: وهي فتاة من طشقند عاصمة اوزبكستان. حالما ظهرتُ أمامها منتصبا ارتسمتْ ابتسامة عريضة على شفتيها النديتين وتعانقنا.
نظرت الى عينيها السوداوين الواسعتين والدموع الرقراقة فيهما تعكس ابتسامتي فرحا بوجودها بعد غياب طال زمنا. تكاثف الصمت في الطابق الثاني لبرهة وكأن الخطوط اللامرئية بيننا تنقل مشاعر الود عبر الأثير، تحمل بين طياتها اكوام الاشتياق.
لقد أعادني هذا اللقاء غير المرتقب الى زمن جعلني افتح صندوق ذكرياتي مجددا، وان اتطلع الى بدايات الستينيات، عندما كنت شاباً في مقتبل العمر يخوض غمار تجربة فريدة في بحر الحياة الجديد المشرق، في بلد طالما حلمت بزيارته. بلد يتطلب من الفرد ان يتأقلم مع ثقافات جديدة، ولغة اجنبية غريبة عني، بل هو عالم يفتح امامي طريق المستقبل الواعد والطموح الممهد.
يجب على المرء ان يتعلم اللغة الروسية قبل دخول الجامعة. لذلك بدأت مسيرتي الأكاديمية في جامعة اللغات كمرحلة تحضيرية في طشقند. في هذه الجامعة بالإضافة الى اللغة الروسية، كانت هناك أقسام للغات أخرى بما في ذلك اللغة العربية. لقد ضمت الجامعة في اروقتها طلاب من جميع انحاء العالم وكذلك من جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
قررت عمادة الجامعة تخصيص يوما للطلاب من اجل التعرف على بعضهم البعض. وقد تم ذلك بالفعل في أمسية احتفالية لا يمكن للذاكرة محوها، خاصة عندما سقطت عيني في وسط هذا التجمع الطلابي على فتاة متوسطة القامة ذو مظهر شرقي، تتميز بالرصانة والاتزان. لا يلفت لبسها اي انتباه، كانت ترتدي فستان بني اللون مزركش بمربعات حمراء يغطي جزء قليل من الركبة. اما شعرها فكان يميل الى اللون الكستنائي.
مشيت نحوها بخطوات بطيئة حتى دنوت منها، حيَّتها باللغة الروسية لأنني كنت قد تعلمت بعض الجمل البسيطة. قلت:
ازدراستڤويتيَ. تعني مرحبا باللغة الروسية.
رددت بنبرة نسائية لطيفة:
ازدراستڤويتيَ
قلت بالروسي:
ممكن ان نتعرف.
قالت وهي تمد يدها الناعمة باتجاهي:
بارنو.
قلت بالروسية:
اسمي قاسم من العراق.
فاجأتني بقولها وابتسامة عريضة على محياها:
إذن أنت تتكلم العربية… نطقت هذه الجملة باللغة العربية.
ساورني شعور الفرح عندما تحدثت العربية لان كلماتي الروسية قد نفدت وقلت:
هل تدرسين هنا في الجامعة قسم اللغة العربية.
قالت:
نعم.
عندما رأيت بعض الشباب يرقصون مع معارفهم وصديقاتهم، تجرأت على دعوتها للرقص معي.
قالت وابتسامة بهيجة تضيء وجهها:
بكل سرور.
وأثناء الرقص قالت:
اذن انت تتكلم اللغة العربية وهذا شيء جيد.
وأردفتْ قائلة:
نستطيع ان نساعد بعضنا البعض انا بالروسي وانت بالعربي.
بعد هذه الأمسية الجميلة استمرت لقاءاتنا وتضاعفت جهودنا نحو تطوير لغتنا. لقد ساعدتها كثيراً في تطوير اللغة العربية وتنمية تقبلها الحسي لجوهر اللغة حتى تمكنت من الحصول على وظيفة بصفة مذيعة في قسم اللغة العربية في إذاعة اوزبكستان. لقد تم تكليفها بقراءة النشرة الإخبارية باللغة العربية.
مكثتُ في طشقند لمدة عام لدراسة اللغة وانتهت المرحلة التمهيدية، عدت الى دراستي الحقيقية في كلية الطب في لينينغراد. خلال تلك الفترة تواصلنا مع بعضنا البعض عبر الرسائل البريدية، وكانت هناك فترة انقطاع عرضي بسبب دراساتي العديدة والتطبيقات العملية في المستشفى.
قلت لها:
مفاجأة سارة جدا يا بارنو.
قالت:
شكرا، فلنتحدث بالروسية بعد الآن.
قلت لها:
اعتقد انت منهكة جدا الان بعد ان قطعت مسافة طويلة من طشقند.
قالت:
كلا، لقد سافرت الى موسكو اولاً حيث زرت زوجي الاوزبكي. اخبرته انني ما دمت قريباً من هنا، أود ان أزور صديقاً قديماً درس في طشقند سابقا وهو الآن في لينينغراد، فقلت له انني عرفتك قبل ان اتعرف عليه. وها تجدني امامك هنا الان.
كان هذا اللقاء لقاءً حميميا بل أستطيع القول الوفاء اللامتناهي الذي يتسم به هؤلاء الناس. أمضينا وقتا ممتعا ونحن نمشي جنبا الى جنب في هذا الليل المعتدل والرائع في شوارع لينينغراد.
طفقنا نتحدث ونتذكر ايام طشقند وحدائقها الجميلة ومطاعمها المتميزة بأكلة البلوف ومراقصها البهية الهادئة ومسابحها الواسعة. ثم افترقنا في المساء واتفقنا على ان نلتقي غدا عند محطة القطار الى موسكو.
وفي اليوم الثاني بالفعل التقينا وجلسنا في بوفية جميل وتناولنا الافطار وتحدثنا عن حياتها الحالية ومشاريعها المستقبلية. ومشينا نحو رصيف القطار المتجه الى موسكو. توقفنا للحظة في انتظار وقت المغادرة. وبينما كانت تتحدث، وفجأة تهدج صوتها فاكتست هيئتها سيماء الحزن. كان تتكلم والكلمات تنسال من بين شفتيها بتأنِ وأسى. قالت:
عزيزي قاسم سوف يكون هذا آخر لقاء بيننا وربما لن نلتقي ابداً.
انهمرت الدموع من عينيها. شعرت بغصة وحسرة في نفسي. وسالت المشاعر في متاهة الحزن. التقطتْ صورة لها من حقيبتها اليدوية وسلمتها لي ولكن قبل ذلك كتبت عليها.
اذكرني واذكر ايام طشقند كلما تنظر الى صورتي. وانا لن انساك ابداً.
ثم قالت:
إذا انجبتُ ولداً، فسأسميه قاسم. وإذا ولدت طفلة سأعطيها اسماً اوزبكياً.
في هذه اللحظة امتزجت العواطف وأصبح ذهني مشلولاً، وكأن كلماتي غرقت في لعاب فمي امام كلماتها الصادقة والمعبرة عن ذاتها الإنسانية.
قلت لها:
كم انت عظيمة يا بارنو سوف افتقدك حقا… انتظري لحظة رجاءً.
كانت امرأة في الخمسينيات من عمرها واقفة على جانب الرصيف تبيع الزهور. اشتريت منها باقة من الورود الحمراء وقدمتها لها كهدية لذكرى هذا اللقاء الرائع. قبلتني وقبلتها فكان ذلك اللقاء هو الوداع الأخير.

الجيكولو في المسلسل السوري ، جرعة خيانة .. هاتف بشبوش

حينما تفتقد الشعوب للضمان الإجتماعي وللعيش الرغيد وينتشر الفقر ، تتصاعد الذئبية في نفوس البشر والبعض يريد أن يحقق لذاته عيشاً ومسكنا بشتى الطرق حتى ولو بالقتل والنصب على الآخرين والخيانة . في المسلسل الخماسي ( جرعة خيانة) إنتاج 2022 تمثيل هيام مرعشلي وآخرون ، نرى الخيانة بأبشع صورها ، جرأة في طرح مامدى إنحراف السلوك الإجتماعي . في المسلسل شاب فقير معدم يريد أن يحقق الثراء بطريقة ما أنزل الله بها من سلطان ، فيتخذ دور(الجيكولو gigolo) وهذه تعني في الغرب في الستينيات والسبعينيات هو ذلك الرجل العاطل عن العمل الذي يستخدم قوّته الجنسية وجاذبيته في إشباع النساء الثريات بالجنس والغرام والهسيس فيمارس الحب معهن مقابل حصوله على المال من قبلهن ، أما في شعوبنا إذا كانت الزوجة وخصوصا البغي تصرف على زوجها لأنه عاطلا عن العمل فيسمى ( الديّوث ) . بالمختصر هذا الجيكولو القويّ البنية والشهوة ، أمله الوحديد أن يعرض نفسه على أكثر من إمرأة كي يجني المال الأكثر. في المسلسل نرى هذا الشاب يعمل كخادم لدى إسرة ثرية فيتعرف على سيدة البيت وهذه الأخرى تبحث عن الحب والجنس وإمتاع النفس وهكذا هو حال العوائل الإرستقراطية في شعوبنا . تقوم هذه المرأة بإغواء الشاب الجيكولو وهو بالأساس كان منتظرا أن يرمي شباكه عليها وهو يصغرها سنا بحيث أنها بمثابة أمه فتنشأ العلاقة بينهما فيقوم بإشباعها عاطفيا حد الإرتواء مقابل المال الذي تغدقه عليه . هذا الجيكولو كان مهوساً في علاقاته المحرّمة فيريد الثراء سريعا وبأقصر الطرق، فيتعرف على إبنة عشيقته التي هي بعمره فيغويها فتنشأ علاقة بينهما فيوعدها بالزواج وأيضا كانت تغدق عليه . ثم يتعرف على إبنة عم إبنتها وهي ايضا بعمره . وهذه الجريمة الكبرى حصلت قبل عام في مصر حين أغوى رجل شقيقتين وراح يمارس معهما الجنس دون دراية أحدهما بالأخرى مما إضطرت الأخت الكبرى بعد إكتشافها لهذه الجريمة أن تقتله بدمٍ باردٍ وحسناً فعلت في جعلها من نفسها القاضي والقانون والتنفيذ بحق هذا المجرم ، وهكذا هي الشعوب التي يُفترض أنها تخاف الرب تفعل مالايصدقه العقل . ويستمر المسلسل بحبكته الرباعية ( العشيق الجيكولو ، الأم العشيقة وإبنتها العشيقة وابنة العم العشيقة )  بحيث لايمكنك تماسك نفسك من شدة هول الخيانات التي يفعلها هذا الجيكولو مع ثلاث نساء دون أن تعرف إحداهن بالأخرى مع الوعود الكاذبة التي يعطيها للفتيات مع الأم التي كانت تريد فقط المتعة والجنس والإيلاج فلايمكنها أمام المجتمع أن تتزوج من شغيلها وخادمها الأصغر سنا منها وهي صاحبة شركة كبرى تركها لها زوجها الذي مات بجلطةٍ قلبية عندما رآها تخونه في بيته وعلى سريره مع خادمهم الجيكولو. يموت زوجها بمشهدِ قاسٍ فتفرح فرحا شديدا لموته وهي القاتلة له دون حسرة عليه ولاطرفة عين فلقد خلا الجو لها وعشيقها مع المال الكثير . الجرم لابد في يوم ما أن يُكتشف وتظهر الحقيقة في النور ، فتكتشف الأم من أنّ الجيكولو على علاقة بإبنتها وقد حبلت منه بالزنا . وهنا تصرخ وتقول (الاّ إبنتي) ، وهذا الكلام نفسه قاله لها زوجها حين إكتشف خيانتها مع الجيكولو في بيته فراح يسجل كل أملاكه بإسم إبنته فاعترضت زوجته على ذلك وقال لها ( الاّ إبنتي) . فبعد أن تكتشف خيانة الجيكولو مع إبنتها تعطيه موعدا غراميا قاسيا مدافا بسم الأفاعي . وأثناء النوم السريري تخرح مسدسها وترديه قتيلا مضرجا بدمه العبيط . وينتهي المسلسل والكل خاسر بما فيهما القاتل والقتيل والعشيق والمعشوقة في ظل شعوب لم تبادر حتى الآن في بناء ثقافة إجتماعية عادلة ، ففي الغرب لايمكن أن تجد الخيانة بين الزوج والزوجة الاّ ماندر لآن كلا الشريكين إذا وجد نفسه لم يعد يحب شريكته وبالعكس يقول لها وبصراحة مطلقة : أنني لم أعد مغرما بكِ فيتوجب علينا الطلاق لأنني أحب إمرأة أخرى . ويتم الفراق التوافقي دون أدنى معضلة تحصل . بينما نجد اليوم قد إزدادت ظاهرة قتل الزوج من قبل زوجته وعشيقها في بلداننا لأسباب عديدة ، وخصوصا في العراق ومايحص تحت ظل الثقافة المستهجنة حاليا . نسبة الخيانة في شعوبنا حسب الإحصائيات عند الرجال تفوق الثمانين بالمئة وأقل منها بكثير عند النساء لآن الرجل لوخان يسمى بـ (الفحل) أما المرأة لو خانت تسمى (العاهرة) . شعوب تفضل الخيانة والبقاء بجاهها وسمعتها المستورة على أن تصرخ ( علينا تغيير النظام المجتمعي وتقليده المقيت ) . فأين ثقافتنا المتردية من الثقافات الأخرى التي بنت صرحها وما من نكوص في هذا الأمر بل المضي نحو الأفضل والأرقى  .

 

هاتف بشبوش / شاعر وناقد عراقي

 

من الملام الحزب الكوردي الجديد أم القديم – محمود عباس

قال ثيوفراستوس (371-287 قبل الميلاد) “خطيئة الرغبة أجدر باللوم من خطيئة الغضب”. حكم بشري ينطبق على فعل مجموعة من الحزبيين الكورد القدامى، بينهم الذين انشقوا عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني-غربي كوردستان، بعد مؤتمرهم الثاني، والتوجه نحو تشكيل كيان حزبي جديد، تم تسميته مسبقا بـ (حركة البناء الديمقراطي الكُردستاني- سوريا) والمتوقع انعقاده في يوم الأحد بتاريخ 27/8/2023م بمدينة دورتموند-ألمانيا.
لا شك أن مجريات المؤتمر المنوه إليه هو الدافع الأكبر للوليد الجديد، وعليه فالشعب الكوردي أمام مقارنة ما بين الشريحة الغاضبة والتي بدأت تتهم هنا وهناك بتكرار الخطيئة التي يغرق فيها الحراك الحزبي الكوردي في غربي كوردستان، مقابل الخطيئة المقصودة التي تتحملها الشريحة التي دفعت بالمؤتمر إلى الفشل بدوافع رغبات ذاتية.
ولا يهم ما يقال عن المؤتمر ومخرجاته، وحضوره ونجاحه وفشله، وما يمكن أن تقدمه القيادة المكررة ذاتها، لقادم القضية، بقدر ما يهم رأي الشارع الكوردي عن الذين ظلوا على سدة القيادة، وكيف تم، والقوة التي تقف خلفهم وساهمت في إحداث الخطيئة، وأسبابها، وهل بإمكانها التحرر من الذاتية إلى الموضوعية، ومن المصالح الخاصة إلى المصلحة العامة، وجلها من المجموعة الحزبية المتمرسة والمستفيدة ماديا أكثر من مما تقدمه للحزب والمجتمع، شخصيات، يقال، بأنها تعرف كيف تنهش مقدرات الحزب والشارع الكوردي وربما رأيه. ونحن هنا لا نتحدث عن الوطنية من عدمه، بل عن الفعل والغاية.
على الأرجح المخلوق الجديد سيكون على مقاس الحزب المنعوت ذاته، والأحزاب الكلاسيكية القديمة وبمنهاج مماثل، ولربما سيعملون بنفس الوتيرة المتداولة، فجلهم من الرعيل الحزبي القديم، وهم أدرى من الجميع بأنه لم يعد هناك فراغ في ذهنية الشارع الكوردي لظهور حزب أخر، لكن الطفرة هنا لديهم، هي بالانتقال من أحضان الوطن إلى الساحة الأوروبية، وتحت خيمة المهاجرين، والحالمين بالعودة، والاستفادة من الواقع المفروض على الشعب الكوردي، والجيل الأول من المهاجرين، الذي ربما هو الأول والأخير في حمل هم الأمة والقضية، والتي ربما ستضيع مع الأجيال التالية من أبناء المهاجرين.
فكما نعلم المنظمات الكوردية خارج الوطن أعدادها أصبحت لا تقل عما في داخل الوطن، وهذا الوليد القادم سينضم إليهم، مع مبررهم الأكثر حضورا، هو الغضب على ما تم في المؤتمر الثاني أو ما جرى من الأخطاء الناتجة عن الرغبة طوال السنوات التسع من عمر الوحدة بين الأحزاب الأربعة، ومن تغاضي القوى السياسية الكوردستانية عن الأخطاء ولغايات غير محمودة، التي دعمت قيادة الحزب رغم عدم نجاحه، وتناسوا مصلحة جماهير الحزب ذاته، ودفعوا به إلى السقوط في الخطيئة، وتحنيطه في بوتقة الرغبة والرؤية الذاتية والمصالح الخاصة.
الشعب الكوردي في غرب كوردستان، يعيش دوامة العطالة الفكرية السياسية، على خلفية ظروف قاهرة متنوعة، والتي تحد من بروز القوة الواعية الفاعلة؛ لقيادته، أو ظهور المجموعة التي بإمكانها أن تنقذ الأمة من التيه ضمن أروقة التآكل الداخلي، وتتمكن بإخراجه من الصراع مع الأنظمة المحتلة بكسب سياسي أو دبلوماسي وبعض الحرية، والشريحة التي لها إمكانيات التعامل مع الأروقة الدبلوماسية العالمية بالسويات العصرية.
وفي هذا الواقع وعلى ما يتم الحديث حوله، هل يحق التكفير هنا؟ أم يجب الالتزام بمنطق الخطيئة؟ وإن تمسكنا بالحكمة، فهل الخطيئة هذه هي ردة فعل منطقي على خطيئة الذين اقترفوها لرغبة وبمخطط، ولا رغبة لهم في فسح المجال لغيرهم؟ أم هي تكرار لخطيئة ظهرت قبل نصف قرن تقريبا، فعل ورد فعل بكل أبعادها الكلاسيكية، يعرفها الجميع ولا يتفادوها، ولا تزال القيادة الحزبية أسيرة المنهجية الفكرية ذاتها ولا تدرك دونها، ولا تملك قدرة الإتيان بجديد.
وهنا نسأل: هل يمكن الحكم على ما جرى في قاعة المؤتمر وأروقتها الخلفية بالخطيئة الكبرى، وهل هي من الكبائر؟ والكبيرة حكمها تختلف بين المدارس المذهبية، ما بين الكفر أو دونها، وما بين بين، والاختلافات هي ذاتها لدى الشارع الكوردي وبين أوساط الحراك الثقافي، يحكمون ما بين الوطنية الضائعة بحكم المصلحة أو الخطيئة غير المقصودة، والخيانة والجهالة وعدم الوعي، وغيرها، ويا لكثرة الوصف والاتهامات.
مع ذلك ورغم ما سيجري من الأحاديث والانتقادات وجلها من على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نستطيع القول أن الشعب وفي التجربة هذه، ليس أمام الوجه الأخر للديمقراطية، وحيث مشروعية التعددية الحزبية، في ظل وجود دولة ومؤسسات حكومية وإعلام حر، بل أمام محاولة مماثلة لسابقاتها، مل منها الشعب الكوردي، وهو في مرحلة الصراع مع المحتلين وأنظمتهم التي تملك كل أنواع الطاقات لتوجيه الأحزاب الكوردية والكوردستانية، في الدروب التي يرغبونها ودون أن تكون لنا قدرة على إدراكها أو قوة لمواجهتها، ومن إحدى توجيهات تلك الأنظمة، توسيع شرخ الخلافات المرعبة بين أطراف الحراك الحزبي والسياسي، إلى درجة بدء الشعب الكوردي يخسر المكتسبات التي حصل عليها بفضل التضحيات الجسام ومساعدة القوة الكبرى على خلفية مصالحهم.
مع ذلك، ورغم إن ظهور أي حزب جديد ضمن ما لا يقل عن مئة حزب في ساحة غربي كوردستان خطيئة مقصودة حتى ولو كانت عن غضب، لا أرى كفرا في ظهوره، مثلها مثل المنظمات بكل أنواعها وأشكالها، قد تتمكن من جمع عدة أحزاب ضمن خيمة واحدة. أو لتدرج إلى الساحة كغيرها من التجارب، وجلها محاولات علا واحدة منها تخلق طفرة قد تقود الأمة إلى النجاح، لكن، ولا بد من التنبيه، على من أقدم عليها؛ تحمل وتقبل حكم الشعب، في حال الفشل، وأدت تجربتهم إلى توسيع شرخ الخلافات، وكانت النتيجة خطيئة مضافة، والحكم سيكون على مستوى الضرر الناتج عن فعلهم، ومن المعروف الشارع لا يرحم الفاشل حتى ولو أنه يقال في البعد الاقتصادي وليس السياسي لا يوجد فشل مطلق بل هو تجربة واكتساب خبرة، لكن في واقع الأمة الكوردية وضمن مجال الحراك الحزبي تجاوزت التجارب مرحلة الخبرة وبدأت تغرق في مستنقع الضياع المريع والخطيئة الكبرى.
ما على الرسول إلا البلاغ، وشريحة من الحراك الثقافي الكوردي خير الرسل للحراك الحزبي السياسي، ليتهم يأخذون بمشورتهم قبل أية انطلاقة، مع ذلك أتمنى لهم ولكل حراكنا الكوردي والكوردستاني، التوفيق والنجاح والذي لن يتم بدون العمل على خلق الجديد والملائم للعصر.

مقتل الشقيقين مصطفى وحلا المصطفى إثر قصف قوات النظام السوري على ريف محافظة إدلب الجنوبي

الشقيقين مصطفى محمد المصطفى، 6 أعوام، وحلا محمد المصطفى، 4 أعوام، من أبناء قرية كنصفرة بريف محافظة إدلب الجنوبي، قُتلا في 26-8-2023، إثر قصف مدفعية تابعة لقوات النظام السوري قذائف عدة على قرية كنصفرة في ريف محافظة إدلب الجنوبي، حيث سقطت إحدى القذائف في منزلهم ما أدى لمقتلهم وإصابة 5 مدنيين آخرين بجراح، كما تسبب القصف بدمار جزئي في منازل عدة ضمن القرية.

تخضع المنطقة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام وتقع على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، وتشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن قوات النظام السوري قد ارتكبت بشكل لا يقبل التَّشكيك خرقاً لقراري مجلس الأمن رقم 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، كما انتهك قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين؛ ما يؤدي لنشر الذعر بين المدنيين واقتلاعهم من أرضهم وديارهم، ودفعهم نحو التشريد القسري، حيث يقدر عدد المشردين داخلياً بقرابة 6.5 مليون مواطن سوري. وعلى المجتمع الدولي الضغط على النظام السوري وحلفائه لتعويض الضحايا المشردين وترميم المنازل والمراكز الحيوية، ودعم عملية الانتقال السياسي والضغط لإلزام الأطراف بتطبيق الانتقال السياسي ضمن مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر كي يتمكن ملايين المشردين من العودة الآمنة والمستقرة إلى منازلهم.

المصدر: الشبكة السورية لحقوق الإنسان

 

شخصيات معاصرة: شريف باشا شعلة النور في التاريخ الكوردي المعاصر

نوجدار بوتاني

مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30- تموز 2023م

يعد الدبلوماسي والعسكري شريف باشا ابن سعيد باشا ابن حسين باشا ابن احمد آغا خندان حالة استثنائية بين الزعامات الكوردية مطلع القرن العشرين. ولد سنة 1865م. ويعود في أصله الى مدينة السليمانية، سليل رجالات الأسرة البابانية الشهيرة، الذين حكموا جنوب كردستان، انطلاقاً من عاصمتهم السليمانية. كان والده سعيد باشا (1834 -1907) من كبار شخصيات الدولة العثمانية، وكان قد تقلّد مناصبَ رفيعة، تارة كوزير للخارجية، وأخرى كمستشار للسلطان عبد الحميد الثاني.

تزوج شريف باشا من أمينة خانم حفيدة محمد علي باشا الكبير حاكم مصر في سنة 1893م. نال شريف باشا في سنة 1898م رتبة (الفريق) وأصبح سفيراً للدولة العثمانية في السويد. وكان يعد شريف من أثرياء السلطنة. أجاد عدة لغات أجنبية. وعندما حدث انقلاب الاتحاديين سنة 1908، تعاون معهم في البدء بهدف تحقيق الاصلاحات، ثم اختلف وناضل ضدهم بعد أن عرف أنهم شوفينيون ومعادون لتحرر الشعوب وحقوق الانسان. لذلك استقال من منصب سفير الدولة العثمانية في السويد، وهاجر الى باريس. بدء نشاطه السياسي ضد الاتحاديين وكان مدافعاً صلباً عن حقوق كل الشعوب المنضوية تحت حكم السلطنة العثمانية، ولذلك وقف بقوة مع الأرمن في محنتهم.

أسس حزب معارض باسم: “حزب الإصلاحات الأساسي العثماني. ثم تحول ليصبح الناطق الرسمي لقوى المعارضة المضادة للاتحاد والترقي خارج البلاد. تصاعد نشاطه في أوربا وباريس. كما أصدر جريدة مشروطيت الإصلاحية في باريس (1914 -1909). كتب فيها قناعته السياسية ومولها بسخاء.

كان شريف باشا شخصية ريادية يتصدر المشهد السياسي المعارض للأتراك في أوربا. أثبت حضوره كشخصية متنورة وتقدمية وضد الرجعية والاستبداد. وكان على اتصال وثيق مع الحزب الاشتراكي العثماني في باريس. كان فعالاً طوال سنوات (1899 – 1920) ومدافعاً عن حق الكورد في الاستقلال حتى عرف في أوربا ب (أبو الكورد). وكان من أوائل من طالب بالمساواة بين الأمم والأقوام. تعرض للملاحقة وتم اضطهاد أقربائه من قبل سليمان نظيف والي الموصل والشخصية المعادية للكورد، رغم أصوله الكوردية. تم محاولة اغتيال شريفا باشا في باريس سنة 1914 ونجى بأعجوبة.  حيث لجأ الحكم التركي الاتحادي إلى تكليف وارسال فريق من ثمانية اشخاص بقيادة مدير امن اسطانبول الى باريس لاغتياله. وضجت الصحف إثر الحادث.، ثم تكررت المحاولات لاحقاً.

كان قائداً اصلاحياً وليبرالياً لدرجة أن خوله بعض الليبراليين الأتراك العثمانيين لتمثيلهم في المحافل الدولية. وخاصة بعد مؤتمر جنوة الذي عقد في إيطاليا. وأصبح شريف باشا ممثلاً عن الشعب الكردي بعد أن اشترك في 16 كانون ثاني 1919 في مؤتمر عقد في جنوة وحضرها شخصيات كردية وتركية. وحسب نبأ نشر في 20/1/ 1919 في جريدة نيويورك تايم أن مؤتمر الليبراليين المنعقد في جنوة كلف شريف باشا بتمثليه إياهم في لقاءات مؤتمر الصلح في باريس. وبهذا الخصوص فان هذه الوفود منحت شريف باشا كامل الصلاحيات، وبلغت برقياً كل من الرئيس الأمريكي ولسون ورؤساء الوزارات: كليمانصو ولويد جورج وأورلاندو بشأن الموضوع. ولكن بعد إصرار جمعية تعالي كوردستان فضل شريف باشا تمثيل الكورد فقط. وبعد ذلك بشهر أعلن شريف باشا أنه لم يعد يمثل العثمانيين وانما يمثل وفد الكورد ويمثل الشعب الكوردي فقط. وعندما قرر شريف باشا ذلك حيث كتب وأعلن انه يمثل الكورد ويطالب بحقهم، حدثت ضجة وانتاب سرور الأوساط الكوردية بحسب مجلة زين الناطقة باسم جمعية تعالي كوردستان.

لقد أنجز شريف باشا الكثير في مؤتمر الصلح بباريس، فقد قدم مذكرة على شكل بحث موجز يشرح فيه تاريخ الكورد ومناطق كثافتهم السكانية، كما اتفق مع الأرمن وترجم حسن علاقته معهم، وتحقق ذلك بتشجيع من أمريكا وبريطانيا، ثم توج باتفاق. وكان دوره أساسي في وضع اللبنة الأولى لحق الكورد في الاستقلال. ولكن للأسف قبل انتهاء مؤتمر الصلح، دبت الخلافات بين الزعامات الكوردية، خاصة إثر تراجع سيد عبد القادر رئيس جمعية تعالي كوردستان عن سقف الاستقلال وفضل فقط الحكم الذاتي. وطلب من شريف باشا الاستقالة. ولذلك قدم شريف باشا استقالته من رئاسة الوفد قبل توقيع سيفر في نيسان 1920 تحت ضغط سيد عبد القادر رئيس جمعية تعالي كردستان الذي فضل الحكم الذاتي فقط، حيث كان عبد القادر ذات نزعة عثمانية. بعد استقالة شريف باشا تم تعيين بديل لتمثيل الكورد في سيفر وبعدها لوزان… وتباعد البدرخانيون المطالبين بالاستقلال والأكثر راديكالية بين الزعامات الكوردية في هذا الخصوص عن السيد عبد القادر، الذي كان ثمن تراجعه عن الاستقلال، أن أعدمه الحكم الكمالي لاحقاً. وكان لانسحاب شريف باشا دور كبير في ضعف النصوص التي أقرت حق الكورد في سيفر بالاستقلال. ولاحقاً في لوزان تبخرت هذه الحقوق، واختفت من نصوصها تماماً أي إشارة لحق الأمة الكوردية في الاستقلال.

ثم خرج شريف باشا من المعترك السياسي، وعاد الى مصر لكي يعمل في أراضي زوجته الواسعة على ضفاف نهر النيل. وثمة إشارات أخرى تشير إلى أنه كان يساعد النشطاء الكورد حتى سقوط جمهورية مهاباد. توفي شريف باشا في إيطاليا سنة 1951. وبموته انطفئ شعلة من الذكاء والنور كانت تضيء سماء كوردستان من الخارج.

شريف باشا أواخر عمره

شخصيات تاريخية: صالحة خاتون بانيةُ دير عطية 

مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30- تموز 2023م

 خاتون دير عطية: هي صالحة خاتون ابنة الأمير الكبير صلاح الدين بن بهلوان بن الأمير شمس الدين الاكري الآمدي بانيةُ بلدة دير عطية. وذلك في مطلع القرن التاسع الهجري، الموافق لأواخر القرن الرابع عشر الميلادي.

ودير عطية؛ قرية كبيرة تبعد عن قارة إلى الشرق الجنوبي نحو عشرة كيلومترات يبلغ عدد سكانها (5000) أكثرهم مسلمون وأقلهم روم أرثوذوكس وروم كاثوليك. وهذه القرية أحدثت بعد الحروب الصليبية، بنتها صالحة خاتون ابنة أحد أمراء الأكراد. قال في خطط الشام (ج5 ص117) ومن الوقفيات الغريبة التي اطلعنا عليها حجة نقلت حوالي المئة العاشرة عن حجة  كتبت سنة ثمان وسبعمائة للهجرة جاء فيها أن “الست الجليلة صالحة خاتون ابنة الأمير الكبير صلاح الدين بن بهلوان بن الأمير شمس الدين الاكري الآمدي وقفت وحبست وأبدت في صحة منها وسلامة وجواز أمرها جميع الضياع الخمس المتلاصقات  المعروفات بوادي الذخائر عمل دمشق المحروسة وتعرف احداهن بالبويضا والثانية بالبريصا والثالثة بالحميرا والرابعة بدير عطية والخامسة بالحمرا، وقد تغيرت معالم هذا الوقف ولا يعرف بهذه الأسماء غير دير عطية والحميراء في تلك الجهة وانتقلت القريتان إلى أيد أخرى.

ولأحد أحفاد هذه الخاتون الصالحة ذكر في كتابة نقشت على سقف غرفة قديمة بالية من اللبن تاريخها سنة 862 هجري، وليس في دير عطية بناء أثري غير هذه الغرفة فيما علمت. وقال بعض أهلها أنه كان في قربها دير على اسم القديس ثاودروس ومعناه عطا الله فعرب اسمه بدير عطية، وأنه لما أوقفتها صالحة خاتون المشار إليها لم تزل تعني بفلاحتها وتزكية مزارعها حتى صارت من أمهات قرى جبل قلمون. وفيها المياه الطيبة والبساتين الغناء. وفيها الآن ثلاثة مساجد وكنيستان من البناء الحديث ومدرسة للعلم الديني الإسلامي ودور جميلة في الجملة.

OOOO

المصدر: أحمد وصفى زكريا. جولة أثرية في بعض البلاد الشامية: وصف طبغرافي تاريخي أثري عمراني للبقاع والبلدان الممتدة من شمالي الاسكندرونة الى أبواب دمشق.

حوار مع الدكتور محمد حبش

محمد دلي

بون 23 آذار 2023 م

مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30- تموز 2023م

الدكتور محمد حبش من مواليد دمشق 1962، وهو عالم ومفكر إسلامي وبرلماني سابق وأكاديمي من سوريا.

نشأ في مدرسة عمّه (والد زوجته) الشيخ أحمد كفتارو للعلوم الإسلامية في دمشق ونال الإجازة في الشريعة من جامعة دمشق وثلاث درجات ليسانس في العلوم العربية والإسلامية من جامعات دمشق وطرابلس وبيروت كما حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة القرآن الكريم في الخرطوم

قامت جامعة كرايوفا الرومانية بترجمة كتابه للرومانية واعتبر مقرراً على طلبة كليات اللاهوت في الجامعة، حيث تم تسليم الدرجة العلمية الفريدة في القاعة الزرقاء بالجامعة في حفل رسمي كبير.

تبنى الدكتور محمد حبش التجديد الديني، متأثراً بشكل خاص بالشيخ أحمد كفتارو والشيخ جودت سعيد وأطلق مشروعه عبر مركز الدراسات الإسلامية بدمشق الذي أسسه وأشرف عليه، وعقد عدة مؤتمرات إسلامية لتعزيز خطاب التنوير الإسلامي. وأسس رابطة كتاب التنوير كما انتخب مرتين رئيساً لجمعية علماء الشريعة في سوريا.

صدر له 52 كتاباً مطبوعاً في قضايا التنوير الإسلامي كما اشتهر بمقالاته الجريئة في الصحف العربية، وبرامجه الكثيرة على المحطات الفضائية والإذاعات العربية.

أعلن موقفه من الأحداث في سوريا، ورفض الحل العنيف الذي تبناه النظام، ورفض كذلك التسلح الذي قام به الثوار، ودعا إلى إلقاء السلاح والجلوس على مائدة الحوار

جاءت أفكاره صادمة للخطاب التقليدي وانتقدته الشخصيات المحافظة، فيما لاقت قبولاً كبيراً لدى الاتجاهات التنويرية والتحديثية في الإسلام، وأدى ذلك إلى سلسلة من المواجهات الفكرية في عدد من الصحف وهو يمارس الخطابة والإمامة والوظائف الدينية وينشر آراؤه في العديد من المواقع الإعلامية وكتب كثيرون عنه وعن أفكاره وآرائه.

أعدّ دراسة جديدة بعنوان كردستان: الحضارة الواثبة وهو ينتظر الناشر المناسب لإصداره.

انتخب في عام 2006 نائباً لرئيس المنتدى الإسلامي العالمي للوسطية، وهو عضو في مجلس الأمناء في الجامعة الإسلامية بإسلام آباد وفي جامعة الجزيرة وعضو في اتحاد الكتاب العرب وعدد من المنظمات الإسلامية الدولية والمحلية، كما مارس التدريس الجامعي في كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية الدعوة الإسلامية والأكاديمية العسكرية العليا في سوريا وأشرف على عدد من رسائل الدكتوراه والترقيات في الجامعة الأردنية وكلية الدعوة الإسلامية.

حصل على عدد كبير من الجوائز واسندت إليه مهام كثيرة. انتقل منذ 2012 إلى الإمارات (وهو مقيم فيها حاليا) حيث عمل أستاذاً مشاركاً في جامعة أبو ظبي، في كلية الآداب والعلوم، ثم في كلية القانون، يتولى تدريس المساقات الإسلامية في الجامعة.

حاضر كأستاذ زائر في عدد من الجامعات الدولية أهمها: جامعة هلسنكي بفنلندا1998  – جامعة لوند بالسويد 2003 – جامعة كرايوفا – رومانيا 2009 – جامعة أوسلو – النرويج 2012 – جامعة روستوك – ألمانيا 2016 وجامعات أخرى.

فيما يلي نص الحوار:

بداية نشكركم على تلبية دعوتنا في اعطاء وقتكم لهذا اللقاء، وكما كنا حريصين أن تصلك المجلة وأنت في دمشق، وعلى الرغم من مخاطرها عهدئذ. نكرر ترحيبنا بكم ضيفاً عزيزاً على قراء مجلة (الحوار). يقال إنه لنشأة الانسان وسنواته الأولى تأثير كبير على مسيرة حياته تالياً… حبذا نبدأ بالبدايات، وجانب من السيرة الشخصية.

أهلا بكم، أشكركم للاهتمام بي، وأتمنى أن أقدم خبرتي باختصار للقراء الكرام لعلهم يجدون فيها ما يفيد، فالحياة مدارس، والدنيا خبرات، وإن كنت غير راض بالطبع عن كل الخطوات التي اتخذتها في حياتي ولكن على كل حال فأنا قادر على تقييمها بشكل جيد، ولعل التاريخ أكثر منا عمقاً ومعرفة، وأدق حكماً.

السؤال الثاني:

 كيف كانت حياتكم الدراسية في العلوم الإسلامية، هل كانت علمية بحتة؟ أم دعوية؟ ومصاعب التحصيل العلمي من الاجازة في الشريعة إلى التخصص في جامعات عديدة. وبالمناسبة ما الذي عالجته وبحثت فيه ضمن موضوع رسالة الدكتوراه في جامعة الخرطوم؟

لقد نشأت في التعليم الديني وحفظت القرآن الكريم في الثالثة عشرة، ورزقت صوتاً عذباً في القرآن الكريم، وبالفعل فقد توفرت لي منابر ومنصات إعلامية مدهشة خلال سنوات قصيرة وصارت تلاوتي في كل مكان في الفضائيات العربية، ثم انخرطت في تحصيل القراءات القرآنية المتواترة فحصلتها إسناداً ورواية كما حصلتها بالتحصيل الأكاديمي، ولم يكن هذا الاختصاص متوفراً إلا في بلاد قليلة، فرحلت إلى السودان حيث كانت جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية توفر إحدى عشرة كلية في الإسلاميات ووجدت اختصاصي فيها بشكل أكاديمي مناسب، وتمت مناقشة الدكتوراه بإشراف أستاذي الدكتور وهبة الزحيلي ولا زلت أذكر كلمته في المناقشة وقال فيها: هذه أول مرة في حياتي الطويلة أناقش رسالة ضمن لجنة فيها رؤساء جامعات فقط!!، حيث اختارت الجامعة تكريماً لي وللدكتور الزحيلي كلاً من د. علي با بكر رئيس جامعة أم درمان والدكتور عبد الرحيم علي رئيس جامعة أفريقيا العالمية والدكتور أحمد علي الإمام رئيس جامعة القرآن الكريم وتمت المناقشة وحصلت على الدكتوراه بدرجة الامتياز وهي درجة الشرف العليا.

السؤال الثالث:

وماذا عن حوار الأديان وجامعة كرايوفا الرومانية؟

كان نشاطنا في مركز الدراسات الإسلامية في دمشق يتركز في الدعوة إلى إخاء الأديان وهي الدعوة التي اعتبرها بعض أصدقائنا ومشايخنا دعوة لتقويض الإسلام، حيث يجب أن يبدأ أي حوار بتسليم الطرفين بهيمنة الإسلام واستعلائه، وأنه نسخ الأديان جميعاً وأنه لا مكان في العالم كله إلا للتوحيد الإسلامي أو الكفر والجاهلية.

وقد زارنا خلال السنوات الخمسة التي نشط فيها مركز الدراسات أكثر من ثلاثمائة وفد أكاديمي من مختلف قارات العالم، وسمعوا حواراتنا بوضوح، ومن هذه الزيارات كانت زيارة السيد بوريس جونسون قبل أن يتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا حيث زارنا في المركز وتحدث طويلاً عن روح الإخاء بين الأديان التي نتبناها، وقد نشر ذلك في فيلمه الشهير: ما بعد روما () ولا زال موجوداً على اليوتيوب.

وكان من أهم الوفود التي زارتنا وفد أساقفة رومانيا، مع السيد السفير الروماني في دمشق السيد دان ساندوفيتش وهو رجل ثقافة ومعرفة وعلم، وقد اطلعوا بدقة على ما نقوم به من حوار الأديان ضمن ظروف صعبة وعسيرة، وفي مركز خاص لا يتلقى أي دعم حكومي، واطلعوا على موقفي في قراءة الأديان المتساوية والصراطات المستقيمة، وهي قراءة تنسف مفاهيم العصور الوسطى التي كرست الحروب الصليبية والغزوات العثمانية على أوربا وأشعلت نار الكراهية قروناً سوداء…

بعد أسابيع تلقيت عرضاً من جامعة كرايوفا وهي أعرق الجامعات الحكومية في رومانيا لإلقاء محاضرات في الجامعة، كما قامت الجامعة باختيار كتابي في السيرة النبوية وتمت ترجمته إلى اللغة الرومانية ودخل مناهج الجامعة.

بعد ذلك تلقيت عام 2010 خطاباً رسمياً من الجامعة أنها قررت منحي درجة دكتوراه الشرف وهي درجة تقوم الدامعة بمنحها كل سنتين مرة واحدة لشخص واحد، وبالفعل دعيت إلى حفل مهيب في القاعة الزرقاء في الجامعة العريقة، وتم تكريمي على أعلى مستوى في الجامعة، وقد اعتبرت الجامعة أن مشروعنا هو جسر حقيقي بين الإسلام والحضارة الغربية.

السؤال الرابع:

برأيكم ما السبب الرئيسي الذي يكمن وراء المواقف السلبية للقوى والشخصيات الإسلامية من القضية الكردية بشكل عام؟  وما الفارق بين مواقف العلماء المسلمين العرب ومواقف رجال الدين الكورد (احمد كفتارو ـ الدكتور معشوق الخزنوي ـ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي..) كنماذج للمقارنة. وبالتالي خلاصة رأيكم حول الاضطهاد الذي يعانيه الكورد من منظور شرعي؟

في كردستان شعب واثب، بات يمسك أقداره بيديه، ويرسم ملامح مستقبله، يعيش في قلب جبال زاغروس الصديقة للكرد، والتي تحمل أسرارهم وكفاحهم وجراحهم وآمالهم.

في الإقليم والمحافظات الستة المجاورة له في إيران: أذربيجان وكردستان وكرمانشاه وعيلام وعبادان والأحواز يعيش نحو عشرين مليون كردي يقابلهم عدد مماثل في تركيا، وعدة ملايين في سوريا.. لهم تاريخ وفن ومجد، تحمله لغة عظيمة تواطأ العالم على تهميشها ولكنها تنبعث من جديد في شمس كردستان.

والقضية الكردية قضية عادلة  وإنسانية، وهي حكاية شعب عانى طويلاً من الظلم والاضطهاد، وأخفقت كل المشاريع السياسية في المنطقة في منحه حقوقه المشروعة، وحين سقطت الدولة العثمانية وزعت المنطقة بين أربع كيانات سياسية، وقيل للكرد ستقوم دولة المواطنة والديمقراطية والحرية وسيعيش الجميع بوئم وسلام بلا مظالم، وقد رضي الكرد، ولكن المفاجأة كانت أن المشاريع كانت قومية متعصبة للغاية وطبقت إيران نظاماً فارسياً شوفينياً ضد الكرد وطبقت تركيا نظاماً طورانياً متعصبا، فيما طبقت سوريا والعراق نظاماً بعثياً قومياً عروبياً سحق القوميات الأخرى بيد من حديد.

كثير من الشخصيات الكردية المشهورة اختارت التكيف مع الظلم وتخلت عن حقوق الكرد وطبقت براغماتية متوارية تخلت فيها عن واجبها الإنساني، وكرست مبدأ التعايش مع مطالب النظم الشمولية على الرغم مما تسحقه هذه النظم من الحريات وحقوق الإنسان.

كان الشيخ معشوق رحمه الله مختلفا ًتماماً، وقد قدم تضحية فريدة في الانتصار لمطالب أهله في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وكان رجلاً مقبولاً من العرب والكرد وقد وقف ببسالة مع شهداء القضية الكردية ودافع بشجاعة عن حقوقهم ومطالبهم، ودفع حياته ثمناً لرسالته.

إنني مدين للشيخ معشوق الخزنوي ونضاله الكبير وإخلاصه لقضيته، ولم أنسى ما حييت تلك الليالي الجميلة التي جمعتنا فيها غوطة الشام وربوتها ومجالس فقهائها في مركز الدراسات مع معشوق وهو صوت صارخ في البرية لا يكف عن التبشير بالكردي القادم، الذي سينهض رفيداً وعزيزاً يشارك في البناء الحضاري لهذا الشرق المعذب.

السؤال الخامس:

تبنيتم مشروعاً فكرياً عن التجديد الديني وخطاب التنوير، حبذا أن توضح جوانب من المشروع في نقاط رئيسية؟

هي حصيلة دراسات عميقة في واقع الأمة الإسلامية وسبل تطورها والتحديات التي تمنعنا من التقدم.

بكل صراحة فأنا لا أقدم مشروعاً نهضوياً، ولكنني أدافع عن المشاريع النهضوية وأرفع من طريقها العقبات والسدود، خاصة تلك التي تكتسب صفة مقدسة وتمنع الناس من التفكير والحب والجمال، وتكرس المسلم كائناً معادياً للحياة مكفراً للأديان، منفصلاً عن الواقع.

وقد لخصت هذه التحديات في سبعة مطالب أفردت لها كتاب: نور يهدي لا قيد يأسر:

المحور الأول: الغلو في اتباع النص الديني

قصدت في هذا المحور تصحيح العلاقة بالنص الديني عموماً، وتجاوز أشكال الغلو في اتباع النص الديني، ورفض ما مارسته الأمم الأولى من عبادة النص، والتحول من نص معبود إلى نص مشهود، ومن نص يتسامى على العقل إلى نص يستضيء بالعقل ويغنيه ويثريه، ومن نص مغلق إلى نص مفتوح، ومن نص مكتمل إلى نص يكتمل، ومن نص مستعل مفارق إلى نص يعيش مع الناس يتفاعل بحياتهم ويستجيب لمطالبهم، ومن نص قانوني جاف حاسم إلى نص تربوي وأدبي يحتمل قراءات كثيرة ومتعددة.

المحور الثاني: تحديد المقاصد العليا للقرآن

هي القيم التي تؤمن بها جميع الأمم، ولا شك أن تجلية هذه المقاصد سيمنحنا القدرة على اعتبار هذه المقاصد العليا بمثابة منابع لإنتاج التشريعات المستمرة في مختلف الظروف والأحوال والبلدان والأزمان، وهذا بالضبط ما تتعامل به الدولة الحديثة مع المبادئ العليا التي تسمى عادة المبادئ فوق الدستورية

المحور الثالث: صالح لكل زمان ومكان

لقد التزمت موقفي أن القرآن محكوم بالزمان والمكان، وأن تعميم ظاهر اللفظ على الأزمنة والأمكنة جميعاً لا يستقيم تنزيلاً ولا تأويلاً.

وهذه العبارة يمكن أن تكون مقبولة فقط حين نقدح زناد العقل ونمنحه القدرة على التشريع ولو خالف النص، وذلك بهدف تطوير الإسلام باستمرار

المحور الرابع: النبي الديمقراطي

النبي لم يكن قائدا لاهوتياً غيبياً بل كان رجل شورى ومراراً غير الشريعة من أجل مطالب الجمهور حين تكون محقة، لقد بسطت القول بإسهاب في كتابي النبي الديمقراطي.

المحور الخامس: جهود الفقهاء في تقديم العقل واحترام النقل

لقد أكدت إن هناك نصوصاً كثيرة صحيحة في القرآن والسنة، ولكن ليس عليها العمل، وبينت منهج الإمام مالك الذي يعتبر أصلاً في تقديم المصلحة على ظاهر النص.

المحور السادس: التطوير فيما سكت فيه النص

يقولون إن أحكام الدنيا والآخرة منصوص عليها، إن هذا التصور ليس نقطة قوة في الإسلام بل نقطة ضعف وقمع، وأن الحقيقة ان الشرع سكت عن أشياء وان حجم المسكوت عنه أكبر بكثير مما نتصور وهو أفق للاجتهاد المحض بدون أية قيود إلا مقاصد الشريعة السمحاء.

المحور السابع: اكتمال الإسلام وتطويره

يقولون إن الشريعة قد اكتملت في عصر النبوة، وأنه لم يعد أمام الأمة إلا التقليد والاتباع، وهذا فهم صبياني، والحقيقة ان الاكتمال ليس مجداً لأي فكر حي، والاكتمال أخو النقص والتخلف بل المطلوب التفاعل والتطور والتوثب، وهو ما قدمته القراءة الإسلامية خلال النجاحات الحضارية التي قدمها المسلمون.

إن الوقوف عند قاعدة كل ابداع ضلالة وكل ضلالة في النار هو خنق للعقل والإبداع والتطور، لقد طالبت بمراجعة عميقة لهذه الفكرة وأن الإسلام يحتاج أن يتطور كل يوم وإلا فإننا نحنطه ونرسله تلقائياً إلى متحف التاريخ.

السؤال السادس:

الإخاء أو الأخوة، كلمة تتردد كثيراً عند جموع من الكورد والترك والفرس والعرب. ماذا تعني ترجمة هذه المقولة من وجهة نظركم؟

العرب والكرد عاشوا معاً، وكذلك سيبقون إلى آخر الدهر، يأخذون ويعطون، ويؤثرون ويتأثرون، ولكن ذلك يفرض حتماً الاعتراف بالحقوق الكاملة للعرب والكرد، ولا يمكن تغول جانب على جانب بل على الجميع أن يعيشوا ويعملوا أخواناً متحابين.

لقد تعودنا على أجوبة بعثية عتيقة فيما يخص بالعلاقة بين الكرد والعرب، حيث مضى البعث على اعتبار أن من يتكلم العربية عربي ، وكنا نظن أن هذا كاف لإنهاء الخصام، ولكن الحقيقة أظهرت أن مطالب الكرد المشروعة لا يمكن تجاوزها بالمجاملات الفارغة، بل لا بد من الاعتراف بالهويات وحمايتها، إن سياسة طمس الهويات التي مارسها البعض زمناً طويلاً جاءت بنتائج عكسية تماما، وسمحت لشيطنة الآخر أن تذهب إلى أبعد مدى، وفي حين لم يتوقفوا أبداً عن التغني بمجد العرب فإنهم طمسوا كل مجد أمة أخرى، ومنعوا التغني بأي مجد آخر، مما أنشأ ثقافة غامضة مريبة ممنوعة تجاه الآخرين وهو ما سيؤدي بالطبع إلى ظنون الكراهية السوداء.

السؤال السابع:

وبالتالي كيف يمكن أن يكون هنالك إخاء عربي ـ كردي ولا يتم الاعتراف بأبسط حقوق الشعب الكوردي كمكون اصيل في سوريا والمنطقة؟

لقد وضعنا خطة في مركز الإخاء الإنساني الذي أقوم بإدارته، باتجاه طرح مبادرة الفخر بشعوب المنطقة وإدخال الجوانب المشرقة من تاريخها في مناهج التدريس

يجب أن يعرف السوري أياً كان معلومات بيضاء وحيادية وكافية عن العرب والكرد والسريان والشركس، وعن الإسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية واليزيدية، والهرب من هذه المصارحات لن يحل المشكلة بل سيضع الطرف الآخر في دائرة الغموض والريبة ثم التآمر.

السؤال الثامن:

قمتم في الآونة الأخيرة بزيارة إقليم كوردستان العراق وشاركتم بمؤتمر، السؤال الذي يتبادر للذهن، ما الانطباع الرئيسي الذي تركته هذه الزيارة لديكم. وماذا تود قوله بصدد تجربة إقليم كوردستان العراق؟

تلقيت أول دعوة لزيارة كردستان من مام جلال رحمه الله عام 2011 وكنا نخطط لزيارة حاشدة للعراق بباصين اثنين فيهما مائة شخصية سورية برلمانية وأكاديمية وشعبية، ولكن أحداث الثورة السورية لم تسمح بإتمام المشروع، وفي سنوات لاحقة خسرنا هذا الرمز الوطني الكبير.

هذا العام تلقيت دعوة كريمة من مركز مصطفى ملا رسول الثقافي في السليمانية لإحياء ذكرى مولانا خالد النقشبندي الفقيه العرفاني الكردي، وقد لبيت الدعوة بحبور، وكان لقاءاً فريداً بالطبع.

مولانا خالد النقشبندي هو موضوع المؤتمر هذه المرة، وهو ليس مناضلاً سياسياً ولا هو ثائر صاخب.. هو باختصار رجل روحاني عاش قبل مائتي عام وأسس في كردستان مدرسة للمحبة واتبعه الملايين وفق طريقته النقشبندية.

تستقبلك على باب المؤتمر أجمل صبايا كردستان بلباس النوروز المزركشة، وعلى ثيابهن صورة مولانا خالد، في إشارة واضحة أن الروحانيات النقشبندية تمنح الجميع نفحاتها ولا تنحصر بحلقة الذاكرين دون سواهم.

أما تنظيم المؤتمر والإعداد له كمؤتمر دولي كبير تحدث فيه ثلاثون متخصصاً عربياً وفارسياً وكردياً وأوروبياً فهو جهد قام به مركز مصطفى رسول الثقافي، ينفق عليه رجل أعمال هائل هو فاروق مصطفى رسول، الذي قدم صورة رائعة لإدارة المال في المعرفة.

المؤتمر ليس لدراويش الطريقة، مع الاحترام لدورهم الروحاني، ولكنه لأكبر الباحثين المتخصصين في التراث الكردي والرحيق العرفاني.

كانت رسالتي في المؤتمر هي الإسهام في صناعة المثل الأعلى للحب والحكمة، فالشعوب تحتاج لرموز ملهمة، وإذا كان التطرف قد صنع رموزه من فقهاء الإسلام ومشاهيره، فإن الرحمة مطالبة بأن تصنع رموز الحكمة والحب..

في تاريخنا آلاف الفقهاء، ولكن لكل أمة إمام نجح في صناعة بستان من الحب والرحمة، وأنا أقرؤهم على الشكل التالي:

أمير المحبة عند العرب: الشيخ محي الدين ابن عربي

وأمير المحبة عند الترك: مولانا جلال الدين الرومي

وأمير المحبة عند الفرس: مولانا حافظ الشيرازي

وأمير المحبة عند الكرد: مولانا خالد النقشبندي

إنها ليست عودة إلى حضن الكهنوت كما يصورها بعضهم… بل هي انتصار لتيار المحبة والإشراق… التيار الذي يعبر عن نفسه كل لحظة بقوله: ولن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق….

الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

السؤال التاسع:

هل لديكم مشروع كتاب، أو بحث يتعلق بمظلومية الكورد وقضيتهم، تعبرون فيها عن تفاصيل رؤيتكم حول الكورد وكوردستان.

لقد كتبت في ذلك أكثر من عشر مقالات، ومنها مقال بعنوان شمس كردستان وقد ترجم للكردية والتركية والإنكليزية وحقق انتشاراً واسعا، وقد قمت بتطوير هذه المقالات وأعددت دراسة جديدة بعنوان كردستان: الحضارة الواثبة وأنتظر الناشر المناسب.

السؤال العاشر:

إضافة للشأن الديني، خضتم الشأن العام في سوريا وكنتم عضوا في (مجلس الشعب)، ما هي أبرز النقاط التي تقيمون عبرها هذه التجربة السياسية؟

لقد قيمت تجربتي في كتاب منشور على النت بعنوان 1000 يوم في مجلس الشعب، وقد شرحت بعض ما قمنا به في المجلس ، والآمال والخيبات، لقد تعاملنا مع الواقع باحترام وإخلاص، وحاولنا، ولكن من الواجب القول إن البرلمان السوري لا زال بعيداً عن الأداء الديمقراطي المعروف في الأمم المتحضرة، وهو نفسه لا يعبر عن نفسه بأنه برلمان أو مجلس نواب بل مجلس شعب، ومع أن الدور المتاح له في الدستور كبير، وهو كذلك في الشأن الاجتماعي والزراعي والعقاري والاقتصادي والثقافي، ولكنه في الواقع في الشأن السياسية والعسكري والأمني وحقوق الإنسان ما زال دون الطموح، ولا يزال رهينة في قبضة الأجهزة الأمنية والبعثية المتغولة.

لقد مارسنا الحرية الممكنة، ورفعنا الصوت إلى الحد الذي خسرنا فيه ما نملكه من بيت ووطن، ووجدنا أنفسنا مع لنازحين ولا بأس، فهي كلمة الحق التي يعطيها المرء ابتغاء وجه الله، على أنني لم أكن بطلا ً، ولم أقف موقف سعيد بن جبير من سيف الحجاج، بل ارتكبت المصانعة والمداراة والحكمة، وأوصلت رسالتي بدقة، ولعل الآتين يكونون أكثر شجاعة منا، وأكثر تأثيراً.

السؤال الحادي عشر:

 لنتحدث قليلاً عن مستقبل سوريا: ما هي رؤيتكم فيما جرى ويجري؟ وما الحلول التي تقترحونها؟ وبالتالي أي مستقبل ينتظرنا جميعاً في سوريا المستقبل؟

سوريا الممكنة هي دولة لامركزية، يجب الاعتراف أننا نحتاج أن نعيد احترام الهوية المحلية، لقد مارسنا تطنيش الهويات وطمسها وكانت النتيجة هذه الحروب، فهل نحتاج مزيداً من الحروب لندرك أن فرض رؤيتنا على الآخرين دينياً أو قومياً أو طبقياً هي عمل عدواني سيكرس مزيداً من القطيعة والكراهية؟

نحتاج أن نعلن بوضوح: دين بين الأديان وليس ديناً فوق الأديان، وأمة بين الأمم وليس أمة فوق الأمم، ونبي بين الأنبياء وليس نبياً فوق الأنبياء، وأن لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله.

يجب أن نتحول من عصر التبشير الديني إلى عصر التعارف والتكامل والتراحم بعيداً عن اصطفافات الكهنة ومشاريعهم المظلمة

إن علينا القبول بقدر كبير من الاختلاف والتنوع حتى ننجح في العيش بسلام.

الكاتبة ومدرّسة اللغة الكرديّة زوزان محمد تجسد في رواياتها معاناة الشعب ومقاومته

تجسّد الكاتبة ومدرّسة اللغة الكرديّة، زوزان محمد في رواياتها معاناة الشعب ومقاومتهم، خاصة بعد صدور ثلاثة كتب مطبوعة لها، وكتاب قيد الطباعة، فيما تعمل على كتابة كتابين آخرَين.
تكافح المرأة في المخيمات فلا تقتصر زينة المخيمات على الورود والأشجار، بل تشمل الأدب أيضاً.
درست الشابة زوزان محمد، التي تنحدر من ناحية شرا في عفرين المحتلّة كليّة الهندسة الكهربائيّة في جامعة حلب، لكن بعد انطلاق ثورة روج آفا تولّدت لديها الرغبة بتعلم لغتها الأم، فدرست على إثر ذلك اللغة الكردية، فأصبحت مدرّسةً للغة الكرديّة، كما أنّها عضوة في اتحاد المثقفين.
وبدأت الكتابة عام 2005 من خلال كتابة القصص، ولتطوير ذاتها بدأت بإعداد الأبحاث أيضاً حيث أجرت 62 بحثاً حول الروايات.
ومع الوقت بدأت بتأليف سيناريوهات الأفلام كأفلام الرسوم المتحرّكة (أفلام الكرتون)، حيث ألّفت سيناريوهات ثلاثة مسلسلات كرتون.
كتبت زوزان روايتها الأولى، فراشة البحر باللغة العربية، لأنّها لم تكن تجيد اللغة الكردية آنذاك. لكنّ روايتها هذه سُرقت منها عندما قدّمتها لأستاذٍ من أجل التدقيق والمراجعة.
وفي ثورة روج آفا أيضاً وجدت زوزان أنّها قادرة على المشاركة في مختلف المجالات، لذا أعادت كتابة الرواية التي سُرقت منها، ولكن كتبتها هذه المرّة باللغة الكرديّة وبعنوان ” Qirikin Qetî “، وطُبعت ونشرت عام 2019، وقد استغرقت كتابة هذه الرواية 15 عاماً بذلت خلالها زوزان جهودها فيها، وتتحدّث هذه الرواية عن مقاومة المرأة، وكفاحها في عصر الإقطاع.
رسالة عفرين
أمّا روايتها الثانية فهي بعنوان “رسالة عفرين” وقد كتبتها في مخيّمات المهجّرين باللغة الكرديّة، وقد سلطت فيها الضوء على كفاح العفرينيين، ومقاومتهم على الصعيدين العسكري، والشعبي أيضاً.
ويعود سبب تسمية الرواية برسالة عفرين إلى رغبة زوزان بإيصال مقاومة الشعب، والمقاتلين في سبيل الحريّة إلى العالم.
 أما الرواية الثالثة فهي أيضاً باللغة الكردية، وعنوانها “Berken “، أي “البشوش” وهي صفة بطلٍ قاتل خلال مقاومة كوباني، واستشهد فيها. كما أنّها تتحدث عن مقاومة المقاتلين أيضاً.
والرواية الرابعة أيضاً باللغة الكردية، وهي بعنوان “جزء من التقسيم” وهي قيد الطباعة، وتتحدّث عن حياة قاطني المخيمات ومعاناتهم، وتدلّ على أنّ تقسيم كردستان يعني تقسيم عفرين وأهلها.
وتعمل زوزان الآن على كتابة روايتين آخرين إحداهما باللغة الكرديّة، والأخرى باللغة العربيّة. وتتحدّث إحداهما عن الزلزال والأضرار، التي تسبّب بها في جندريسه وعفرين، لكنّ زوزان لم ترغب بكشف المزيد من التفاصيل عن هاتين الروايتين، وأجّلت ذلك لحين الانتهاء من كتابتهما.
الهدف من كتابة الروايات
هدفها من كتابة هذه الروايات، هو إيصال صوت أهالي عفرين ومقاومتهم إلى العالم أجمع، حيث تتحلّى روايات زوزان كلها بالطابع الاجتماعيّ؛ لأنّها تسعى إلى تسليط الضوء على معاناة المجتمع وصموده ومقاومته.
أحسّت زوزان بمشاعر مختلفة لدى كتابة كلّ رواية، لذا فهي تدعو الشابات إلى التعبير عن معاناتهنّ، وصمودهنّ من خلال الكتابة، كما أشارت إلى أنّ الكتابة باللغة الأم تُعدّ مقاومةً ووفاءً لهذه اللغة.
وكالة أنباء هاوار

 

عفرين تحت الاحتلال (257): اعتداءات على عائلة “بشمرك”، قرية “كيمار” المفجوعة، جرحى مدنيون، اعتقالات وفوضى وحرق الأشجار، “الجاسم” مستمرٌ في انتهاكاته

القتلة فعلوا فعلتهم الشنيعة ليلة نـوروز جنديرس، وأسقطوا أربعة شهداء من عائلة “بشمرك” في لحظات، قُبض على ثلاثةٍ منهم، يُفترض أنهم يُحاكمون لدى قضاء الاحتلال التركي في بلدة الراعي، ولكن من بقي من العائلة – أغلبهم نساء وأطفال – يتعرضون لمختلف أساليب اللف والدوران والضغوط والاعتداء والترويع، دون أن يحميهم أحد في منطقة أردوغان الآمنة المزعومة… المجرمون الحقيقيون لا زالوا طلقاء، وهم الذين يخططون ويوجهون ويحمون القتلة – الأدوات!

فيما يلي وقائع عن الأوضاع السائدة:

= تهديد عائلة “بشمرك” والاعتداء على نجلها “نظمي”:

بعد زيارة عبد الحكيم بشار نائب رئيس الائتلاف السوري- الإخواني لعائلة “بشمرك” في مدينة جنديرس بخمسة أيام، أقدم مسلّحون من ميليشيات “جيش الشرقية”، مرتين قبل وبعد صلاة الفجر 20/8/2023م، على طرق وضرب أبواب ونوافذ منازلها، وإشهار السلاح وإطلاق التهديدات والشتائم، على شكل سلوكٍ همجي.

وعصر اليوم اقتحم مسلّحون من “جيش الشرقية” منزل “أشرف عثمان” في مدينة جنديرس واعتدوا على نجله الشاب “نظمي /16/ عاماً” بالضرب وتمزيق ثيابه بالسكاكين، فأغمي عليه وأسعف إلى مشفى في عفرين للعلاج، وهو الذي اعتدي عليه مساء الأحد 23/7/2023م من قبل مسلحي نفس الجهة بأخمص الأسلحة والحجارة، بعد وضع السكين على رقبته وتهديده بالذبح، ومحاولة دهسه بالسيارة، فأدى ذلك إلى إصابته بكسور وجراح في ذراعيه وبأذية في عموده الفقري ورضوض في عموم جسده.

كلّ هذا، بقصد ترويع العائلة، النساء وما بقي من رجال، ومواصلة الضغط عليهم، لكي يتنازلوا عن قضيتهم (مقتل أربعة رجال مدنيين من العائلة عشية عيد نـوروز 2023م) وإسقاط دعواهم القضائية، أو يلوذوا بالفرار والهجرة.

يُذكر أنّ متزعم ميليشيات “جيش الشرقية/حركة التحرير والبناء” المنضوية فيما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري/الحكومة السورية المؤقتة” هو المدعو “العقيد حسين حمادي/أبو علي شرقية“، وهو المسؤول عن المسلّحين الذين ارتكبوا مجزرة نـوروز جنديرس 2023م بحق أربعة من أبناء عائلة “بشمرك”؛ وكان يأوي في قطاعه ريف جنديرس بين قرى “سندانكه، مسكه تحتاتي وفوقاني، خالتا” عناصر وقياديين لتنظيم داعش الذين قتل منهم في تلك القرى “ماهر العقال، منهل العقال” في 12/7/2022م و “أبو الحسين القرشي” ليلة 28-29/4/2023م.

= قرية “كيمار- Kîmar“:

تقع على سفح جبل ليلون وتبعد عن مدينة عفرين جنوباً بـ/١٥/كم، مؤلفة من حوالي /١٥٣/ منزلاً، وكان فيها حوالي /1100 نسمة/ سكّان كُـرد أصليين، معظمهم نزحوا أثناء العدوان على المنطقة، وعاد منهم حوالي /١٠٠عائلة= 400 نسمة/، وتم توطين حوالي /٢١ عائلة = 150 نسمة/ من المستقدمين فيها.

تُسيطر على القرية ميليشيات “فرقة الحمزة” التي يتزعمها “سيف بولاد”، وكانت مجموعة المدعو “رامي بطران أبو جابر” تتخذ مبنى مدرسة القرية مقرّاً عسكرياً، بالإضافة إلى منزل “جمعة نبو” نجل المختار السابق وآخر لعائلة غازي، إلى أن وقعت خلافات واشتباكات بينها وبين مجموعة أخرى في تشرين الأول 2022م، ففرّ “أبو جابر” وبقيت تلك المقرّات فارغة.

نتيجة مهاجمة القرية في آذار 2018م، تضررت عدة منازل بشكل جزئي، منها منازل “شيرزاد نبو، منان خيرو، شاهين حسن”؛ كما تعرّضت كافة المنازل لسرقة محتوياتها من المؤن والمفروشات والأواني النحاسية وأسطوانات الغاز والأدوات والتجهيزات الكهربائية وغيرها، لاسيّما منزل “فتحي صبحي حسين” تم تجريده بالكامل من محتوياته والشبكة الكهربائية ومستلزماتها والتجهيزات والأبواب والنوافذ، مع تدمير حظيرة البقر.

كذلك طالت السرقات سيارة لـ”جمعة حسن” الذي تمكّن من إعادتها بعد فترة لقاء مبلغ مالي، وسيارة أخرى لم يتمكن صاحبها من استعادتها، وكافة تجهيزات وحدة النفاذ الضوئية المخصصة لخدمة القرية بالهاتف الأرضي (أعمدة وكوابل نحاسية)، وكوابل وأعمدة شبكة الكهرباء العامة، ومجموعة توليد كهربائية (أمبيرات) وملحقاتها ملك للقرية، ومجموعة توليد أخرى كبيرة لـ”شاهين حسن”، بالإضافة إلى سلب وسرقة خرفان ومواشي ومناحل (مثل /30/ رأس لـ”إدريس حسين”، /50/ خلية نحل لـ”جنكيز نجار”)، والسياج الحديدي لبعض أضرحة الموتى في المقبرة، فاضطّر بعض الأهالي لفك سياج قبور موتاهم وإخفائها في منازلهم.

وقامت الميليشيات بقطع آلاف أشجار الزيتون بغية التحطيب والتجارة، منها ( /30/ شجرة لـ حنان أصلان، /100/ شجرة لـ كلى حبيبة/عائلة نجار، /150/ شجرة لـ عبدو حميدو)، وحوالي ألفي شجرة لـ”عزت مامو نبو، مجحم مجيد علو نبو، عينات مامو نبو، نضال جمو نبو، غازي مامو نبو، أولاد شاهين نبو”، وقلع /50/ شجرة لـ”عيدو أومر” من الجذوع، بالإضافة إلى حرق حقول زيتون بالكامل (مثل: /1000/ زيتون ولوز لـ عبد الفتاح نبو، /700/ زيتون لـ علي جمو نبو، /500/ زيتون لـ حسني نبو وشقيقه ناصر، /700/ زيتون لـ بدري وزيرو وشقيقه صبري، /2000/ زيتون لـ رمزي خليل).

هذا، وتعرّض المتبقون من الأهالي لمختلف صنوف الانتهاكات والجرائم، من قتل واختطاف واعتقال تعسفي وتعذيب وإهانات وابتزاز مادي وغيره، وتشغيل الرجال وآلياتهم بالسخرة وضرب البعض منهم أثناء العمل؛ مثل المواطنة “آرين دلي حسن /25/ عاماً” التي اختطفت من قبل “الحمزات” في شباط 2020م وأخفيت قسراً مع عشر أخريات في مقرّها (مبنى الأسايش سابقاً في حرش المحمودية) بمدينة عفرين مدة أربعة أشهر، وأطلق سراحها في 23/12/2020م، وأعيد اختطافها في أيلول 2021م وكانت متزوجة وحامل واقتيدت إلى مقرّ “الشرطة- الأمن السياسي” ومن ثم سجن ماراته المركزي، حيث أجهضت بتاريخ 2/1/2022م نتيجة التعذيب والضغوط التي تعرضت لها، وأطلق سراحها في 24/2/2022م.

وسقط من أبناء القرية المدنيين ضحايا قتلى:

الفتاة العزباء نرجس ميرزا داوود /23/ عاماً، بتاريخ 17/11/2019، عُثر على جثمانها إلى جانب جثمان زميلها في العمل علي الشاغوري من دمشق، مقتولين قرب قرية كمروك، وذلك في ظروف غامضة، علماً أن الفتاة كانت تقيم مع عائلتها في مدينة عفرين.
الطفل حمو جنكيز نجار /14/عاماً.
عبد الرحمن حسين حمو /75/ عاماً.

الاثنان بالقتل العمد، صباح الجمعة 27/11/2020م، نتيجة إطلاق الرصاص عليهما من قبل ميليشيات “فرقة الحمزة” في موقع “وادي سماقوكيه” بين قريتي “كيمار و كورزيله”- شرق مقصف جبل الأحلام مقرّ تلك الميليشيات.

فاطمة أحمد داوود /38/ عاماً زوجة حنان خليل حسن، نتيجة سقوط قذيفة وسط منزلهما في آب 2021م.

يُذكر أن الجيش التركي اتخذ منزل “شيرزاد نبو” مقرّاً عسكرياً لفترة، إلى أن بنى قاعدة كبيرة بمساحة حوالي /3.5/ هكتار شمالي القرية قرب حقل أشجار التين لـ”خليل محمد”، كما بنى جداراً عازلاً من كتل خرسانية بارتفاع مترين قربها.

= قصف “غزاوية”:

– مساء 22/8/2023م، نتيجة تبادل إطلاق النار بين الجيش التركي وميليشياته من جهة، والجيش السوري وحلفائه من جهة أخرى، على طرفي خط التماس في جبل ليلون، سقطت خمس قذائف على قرية “غزاوية”- شيروا ومحيطها، إحداها وسط منزل في حين كان سكّانه نيام في الخارج، فأصيب المواطن “إبراهيم علي شيراوي/الملقب بـ برو /55/ عاماً” بجروح بليغة، ولايزال بالعناية المشددة في مشفى ابن سينا بعفرين، بينما ثلاثة أطفال من أولاده أصيبوا بجروح متفاوتة وأخرجوا من المشفى بصحةٍ جيدة.

= اعتقالات تعسفية:

– بتاريخ 21/8/2023م، اعتقلت ميليشيات “الشرطة العسكرية في راجو” المسن “بكر رشيد مقداد /70/ عاماً” من أهالي قرية “قره بابا”- راجو، بُعيد عودته من وجهة النزوح حلب، بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة، ولا يزال قيد الاحتجاز التعسفي.

– بعد ترحيله من تركيا وتسليمه للميليشيات في ناحية بلبل، احتجز الشاب “رشيد محمد عبدو داوود /28/ عاماً” من أهالي قرية “ديرصوان”- شرّا/شرّان قسراً حوالي الشهرين، إلى أن أطلق سراحه بتاريخ 17/8/2023م بعد دفع فدية /3/ آلاف دولار؛ وكان قد سُجن في تركيا مدة ستة أشهر بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة.

= حرق الأشجار:

– مساء 30/7/2023م، أقدمت ميليشيات “أحرار الشرقية” على إضرام النيران في شجرة دلب عمرها ما يقارب /300/ عاماً بجوار بئر- نبع تاريخي (بير كَريه- Bîr kerê)، بمدخل قرية “قاسم”- راجو، فوجدها الأهالي صباح اليوم التالي محترقة ومنتهية، تلك الشجرة التي كانت بمثابة معلم ومزار واستراحة للمارة وقاصديها.

– أكّد “الدفاع المدني في عفرين”، على أنّ فرقه قد أخمدت حريقين، الأول بتاريخ 18 آب في حرش زراعي بقرية “عرب ويران” على مساحة /4/ دونمات، والثاني بتاريخ 25 آب في حرش قرب قرية “قسطل”، بناحية شرّا/شرّان.

= “محمد حسين الجاسم” مستمرٌ في انتهاكاته:

– بعد أن قامت “منظمة بهار” بتوزيع مساعدات مالية للأشخاص المتضررين من الزلزال بمبلغ إجمالي /98400/ دولار أمريكي بمعدل /150/ دولار لكل عائلة في بلدة شيه/شيخ الحديد وقرى تابعة لها حسب ما نشرته على صفحتها بتاريخ 10/8/2023م، أكدت مصادر محلية عدة أنّ “محمد الجاسم أبو عمشة” متزعم ميليشيات “فرقة السلطان سليمان شاه” التي تُسيطر على ذاك القطاع قد سلب عبر مسلحيه من كل عائلة /100/ دولار أي بواقع /65600/ دولار من إجمالي المساعدات.

– أبلغ “الجاسم” مؤخراً أصحاب معاصر الزيتون التي تقع في نطاق سيطرته بفرض إتاوة /0.25/ دولار أمريكي على كلّ صفيحة (تنكة) زيت فارغة تدخل المعصرة تحضيراً للموسم القادم، وبحسابٍ تقريبي، إذا كانت عدد المعاصر المستهدفة /25/، فإن إجمالي الإتاوة تساوي 25*10000*0.25= 62500 دولار أمريكي.

– رداً على قرار وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على “الجاسم” وفصيله وشقيقه وعلى “سيف بولاد” وفصيله، قام “الجاسم” بإجبار مخاتير وعملاء وأزلام تابعين له في بلدة شيه/شيخ الحديد وقرى تابعة لها للخروج في تجمعات مؤيدة له، كما عمّم على المواطنين الكُـرد والمستقدمين على ترك أعمالهم وإغلاق محلاتهم والمشاركة عنوةً في تظاهرة وسط شيخ الحديد بتاريخ 20/8/2023م “تضامناً معه”، تحت طائلة المساءلة والعقاب في حال المخالفة، حيث يواصل ترويعه للمدنيين وإرهابهم.

= فوضى وفلتان:

– في 18/8/2023م، قامت ميليشيات “فرقة الحمزة” بإجبار مخاتير وبعض أهالي قرى في ناحية بلبل، لحضور تجمعٍ باسم “الأكراد”، و “يدينوا” زوراً العقوبات الأمريكية على متزعمها “سيف بولاد”، حيث أجبرت مختار قرية “شنغيليه”- بلبل على قراءة بيان مكتوب ومطبوع مسبقاً بالعربية وشرحه بالكردية.

– صباح الجمعة 25/8/2023م، أقدم شابٌ من مستقدمي عشيرة الموالي الذين تمّ توطينهم في قرية “تلف”- عفرين على قتل “فادي” رجل عمره بحدود الأربعين بالرصاص الحي المباشر، وهو أيضاً من الموالي، نتيجة شجار وخلافٍ بينهما حول تجميع بقايا أعشاب بستان “قطي” كعلف للمواشي، فتمّ طرد ثلاث عوائل للجاني من القرية واستلمت ميليشيات “الشرطة العسكرية” الملف.

= انتهاكات أخرى:

– في سهول بلدة “ميدان أكبس”- راجو وقرى في محيطها، خاصةً قرى “ميدانا”، والتي تُسيطر عليها ميليشيات “فيلق الشام”، تعرّضت مواسم العنب والتين وغيرهما لسرقات واسعة من قبل المسلحين والمقرّبين منهم من المستقدمين، فاضطرّ الأهالي لجني ما بقي وإن لم يكن في أوانه.

إنّ الكثير من متزعمي وعناصر ميليشيات “الجيش الوطني السوري” ارتكبوا الانتهاكات والجرائم المختلفة، من بينهم “العقيد حسين حمادي“، وبمنطق المساءلة والعدالة، يتوجب فرض أشد العقوبات عليهم، لاسيّما من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، على غرار تلك المفروضة على “سيف بولاد” و”محمد حسين الجاسم” وشقيقه.

26/08/2023م

المكتب الإعلامي-عفرين

حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

——————

الصور:

– الشاب القاصر “نظمي أشرف عثمان” المعتدى عليه.

– العقيد حسين حمادي متزعم ميليشيات “جيش الشرقية” و “حركة التحرير والبناء”.

– ضحايا قتلى الاحتلال التركي (نرجس داوود، حمو نجار، عبد الرحمن حمو).

– المدعو رامي البطران متزعم ميليشيات “فرقة الحمزة” في قرية كيمار.

– القاعدة التركية شمالي قرية “كيمار”.

– المصاب “إبراهيم علي شيراوي/برو”.

– شجرة دلب “بئر بيركَريه”- مدخل قرية قاسم/راجو الجنوبي، قبل وبعد الحرق.

– توزيع مساعدات مالية من قبل منظمة بهار في بلدة شيه/شيخ الحديد.

==============

يمكنكم تنزيل الملف كاملاً بالنقر هنا:

عفرين تحت الاحتلال-257-26-08-2023 – PDF

قوات النظام السوري تقتل الطفل حسن أسامة الغثيث شرق محافظة دير الزور

الطفل حسن أسامة الغثيث، يبلغ من العمر 15 عاماً، من أبناء بلدة بقرص في ريف محافظة دير الزور الغربي، قُتل في 25-8-2023، متأثراً بجراحه التي أصيب بها إثر إطلاق أحد عناصر قوات الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري الرصاص عليه في 21-8-2023، بعد مشادة كلامية حصلت بينهما في إحدى نقاط التفتيش التابعة لقوات النظام السوري في بلدة بقرص شرق محافظة دير الزور.

تخضع المنطقة لسيطرة قوات النظام السوري وتُشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أنّ قوات النظام السوري قد ارتكبت انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان عبر عملية القتل، ويجب محاسبة مرتكبي الانتهاك.

المصدر: الشبكة السورية لحقوق الإنسان

 

التنوع الثقافي والنزعة الإنسانية والتأويل اللغوي

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

1

     التَّنَوُّعُ الثقافي في العلاقات الاجتماعية يُعْتَبَر انعكاسًا طبيعيًّا للنَّزعة الإنسانية ، وتَجسيدًا للمنهج النَّقْدِي في بُنيةِ الواقعِ المُعَاشِ وبِنَاءِ السُّلوك المَعرفي ، وتَحريرًا لتاريخ الأفكار مِن الوَعْيِ الزائف ومَنطِقِ القُوَّة . والتَّنَوُّعُ الثقافي لَيْسَ روابطَ حياتية مُتعارضة ، أوْ أنظمةً مادية مُتضاربة ، أوْ مصالحَ شخصية مُتناقضة ، وإنَّما هو كِيَان وُجودي مُنفتح على سِيَاقَاتِ حُرِّية التَّفكير، ومُتفاعِل معَ القِيَم الأخلاقية التي تُخَلِّص الإنسانَ مِن قُيُودِ المصالح الشخصية الضَّيقة.وكُلُّ تَنَوُّعٍ في مَرجعية الثقافة هو بالضَّرورة تَحريرٌ لمركزية الإنسان في الواقعِ المُعَاش والوُجودِ الحياتي.واندماجُ مَرجعية الثقافة معَ مركزية الإنسان يُوَلِّد أنساقَ الفِعْل الاجتماعي،ويُوظِّفها في الأحداث اليومية، ويَربطها معَ إفرازات العقل الجَمْعِي ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى التَّوفيقِ بَين هُوِيَّةِ الإنسان وسُلطةِ الثقافة ، وانسجامِ الفِعْل الواقعي معَ التَّصَوُّرِ الذهني ، وَمَنْعِ الصِّدَام بين إرادةِ المَعرفة والوَعْيِ الفَعَّال . وإذا كانت هُوِيَّةُ الإنسانِ مُتَجَذِّرَةً في الفِكْر التاريخي حِسًّا وإدراكًا، فإنَّ سُلطةَ الثقافة مُتَرَسِّخَةٌ في كَينونة اللغة نَصًّا وَرُوحًا، وهذا النَّسيجُ العَقْلاني المُتشابِك مِن شأنه تحقيقُ التوازن بين المُجتمع كَجَسَدٍ وُجودي ، والمَعرفةِ كوظيفة حياتية . ولا يُمكِن للواقع المُعَاش أن يَنتقل مِن الوَهْمِ الاستهلاكي إلى الحُلْمِ الإبداعي ، إلا إذا انتقلَ المُجتمعُ مِن الجَسَدِ الوُجودي إلى تَجسيدِ العلاقات الاجتماعية في الوَعْي الفَعَّال وقُوَّةِ المَنطِق ، وانتقلت المعرفةُ مِن الوظيفة الحياتية إلى تَوظيف النَّزعة الإنسانية في مَرجعية الثقافة وحُرِّيةِ التَّفكير . وكُلُّ جَسَدٍ وُجودي لا يَتَحَوَّل إلى تَجسيدٍ للحقيقة سَيَنهار ، وكُلُّ وَظيفة حياتية لا تَتَحَوَّل إلى تَوظيفٍ للمَعنى سَتَسقط .

2

     التَّنَوُّعُ الثقافي يَستمد شَرْعِيَّتَه مِن امتلاكه لآلِيَّات التأويل اللغوي ، ويُكرِّس سُلْطَتَه اعتمادًا على مصادر المعرفة الظاهرةِ في الواقع المُعَاش ، والباطنةِ في الشُّعُور ، ويُؤَسِّس مَرْجِعِيَّتَه استنادًا إلى تأثير تاريخ الأفكار في الفِعْل الاجتماعي . وكُلُّ هذه العوامل مُجْتَمِعَةً تَمنح التَّنَوُّعَ الثقافي القُدرةَ على تَحليل بُنية هُوِيَّة الإنسان ، بِوَصْفِهَا تحديدًا لشخصيةِ الإنسان وأبعادِها المعنوية والمادية ، وتعبيرًا عن مركزيته في العلاقات الاجتماعية . وهُوِيَّةُ الإنسانِ هي المِعيارُ الوُجودي الذي يَكشِف مواطنَ الاتِّصالِ والانفصالِ في مَسَارَاتِ التاريخ وسِيَاقَاتِ الحضارة ، ويُوَازِن بَين آلِيَّاتِ سُلطة المعرفة وآلِيَّات التأويل اللغوي . وهذا التَّلازُمُ المصيري بين المعرفة واللغة يَعْنِي أنَّ المعرفةَ بلا لُغَةٍ كُتلةٌ هُلامِيَّة سابحة في الفَرَاغ ، وأنَّ اللغةَ بلا مَعرفةٍ منظومةٌ عبثية غارقة في العَدَم . وكُلَّمَا كانت الرابطةُ بين المعرفةِ واللغةِ أقْوَى ، كان تحليلُ مَاهِيَّة السُّلطة في العلاقات الاجتماعية أكثرَ دِقَّةً وانضباطًا ، وهذا يُسَاهِم في تَشخيصِ الإشكاليات الحياتية التي تَضغط على المنهج النَّقْدِي ، وتحديدِ الأنماط الاستهلاكية التي تُهَمِّش مَرجعيةَ الثقافة ، وكشفِ المُسَلَّمَات الافتراضية التي تُهَدِّد مَركزيةَ الإنسان ، وتَفكيكِ المصالح الشخصية التي تُشَوِّه الفِكْرَ التاريخي . وكُلُّ مُحاولة للفصل بين المعرفةِ واللغةِ تُمَثِّل تَحطيمًا لآلِيَّات التأويل اللغوي، وهذا يَجعل المُجتمعَ عاجزًا عن استيعاب تاريخ الأفكار.وكُلُّ مُحاولة للفصل بين مَاهِيَّةِ السُّلطة والعلاقاتِ الاجتماعية تُمَثِّل تَفتيتًا للواقع المُعَاش ، وهذا يَجعل الإنسانَ عاجزًا عن التَّحَرُّر مِن الخَوف .

3

     التَّنَوُّعُ الثقافي يُؤَسِّس المنهجَ النَّقْدِي في مَركزية العقلِ الجَمْعِي . ومُهِمَّةُ المَنهج النَّقْدِي هي البَحْث عَن المَعنى. وهذا المَعنى لَيْسَ هُوِيَّةً عابرة، أوْ سُلطةً مُؤقَّتة . إنَّ المَعنى هو كَينونةُ الوُجودِ القائمة بذاتها ، والمُكتفية بِنَفْسِهَا . والمَعنى هو تَحريرُ الهُوِيَّةِ مِن الوَعْيِ الزائف ، ورُوحُ المُجتمعِ التي تُوَظِّف النَّزعةَ الإنسانية في التأويل اللغوي . وكُلَّمَا اقتربَ الإنسانُ مِن اللغةِ اقتربَ مِن مَعنى حياته الكامن في تاريخ الأفكار ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تَكريس اللغة كعملية تَحرير للمَعنى ، ولَيْسَ حَشْر المَعنى في قوالب لُغَوية جامدة أوْ كُتَل فِكرية مُتَحَجِّرَة . وتَحريرُ المَعنى هو إعادةُ رسم لِدَور الثقافة في طبيعة الإنسان ، وإعادةُ صِياغة للتأويل اللغوي في الفِعْل الاجتماعي ، مِمَّا يُكَوِّن مَنظورًا فلسفيًّا جديدًا حَول طبيعة التَّنَوُّع الثقافي ، يَقُود إلى دمج تاريخ الأفكار معَ الوَعْي الفَعَّال لإنتاج الحُلْمِ الإبداعي _ فَرْدِيًّا وَجَمَاعِيًّا_ بشكل عابر للحُدود بَين الزمانِ والمكانِ مِن جِهة ، وبَين الإنسانِ واللغةِ مِن جِهة أُخْرَى .

 

حزب “الوحـدة”: العقوبات الأمريكية على (العمشات و الحمزات) وبعض قادتها فعلٌ بليغ، لابد من توسيعها… الدفاع عن المجرمين سقوطٌ أخلاقي

بيـان

في السابع عشر من شهر آب الجاري، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قراراً، تُحمِّل فيه فصيلَي (العمشات و الحمزات) المنضويين في صفوف ما يسمى بالجيش الوطني التابع للائتلاف السوري، جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان في منطقة عفرين (جيايه كرمنج)، وتفرض عقوبات على ثلاثة من قادتها لعلاقتهم المباشرة بالفظائع التي ترتكب هناك، كما اتخذت نفس الجهة وقبل عامين قراراً مماثلاً بـ”أحمد إحسان فياض الهايس/أبو حاتم شقرا” متزعم فصيل “فرقة أحرار الشرقية” وقاتل السياسية الكردية هفرين خلف.

نكرّر في هذا الصدد، كل ما جاء في التقارير الأسبوعية التي يصدرها “المكتب الإعلامي – عفرين” لحزبنا بخصوص الجرائم التي تحصل في عفرين بتوجيه ورعاية الاستخبارات التركية، والتي وصلت حتى الآن إلى العدد (256)، ونؤكد بأنّ لائحة المجرمين أطول بكثير من بضعة أسماء مفضوحة، وأنّ الجرائم التي طالت كل شيء في بحر السنوات الخمس ونيف – هي فترة وجود الاحتلال التركي-  في عفرين، وتتكرر في كلٍّ من “كري سبي” و “سره كانيه”، ترتقي في الكثير من الحالات إلى مصاف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأنّ جميع قادة المجموعات المسلّحة متورطون في الجريمة دون استثناء، وأنّ هناك سياسيون أيضاً قد شاركوا عن عمد في هذه الجرائم أو التستر عليها، وأنّ الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف تُصور الوضع على الأرض بعكس الحقيقة تماماً، تنحاز للمجرمين وتنفي أحياناً وقوع الجريمة المحققة.

الوصاية التركية على الشمال السوري، أجنداتها الموجهة -في المقام الأول- ضد الكُـرد أصحاب المكان، إغلاق المناطق المحتلة أمام الإعلام والبعثات والمنظمات وتحويلها إلى سجن لأهلها، خطط استخباراتها، التحشيد القومي ضدهم، بناء مستوطنات، التغيير الديمغرافي… كل هذا يوفر – بتقديرنا- بيئة ملائمة لانتعاش الجريمة بحق أصحاب الأرض بالتحديد.

العقوبات المعنية، وإن كانت محدودة، لا ترتقي إلى مستوى الجريمة، إلّا أنها تُعدّ بمثابة رسائل بلغت مبتغاها على ما يبدو، وما تحركات وتصريحات المشمولين بها وأعوانهم على الأرض وفي الإعلام إلّا ردودٌ يائسة على فعلٍ بليغ، التحشيد القسري للناس في ساحات عفرين ونواحيها، وتلقينهم خطباً معادية لأمريكا… تصريحات ومرافعات دفاع بعض المنتمين للائتلاف ومكوناته… نبرة أبواق الاستخبارات التركية… كلّ ذلك ليس إلّا سلوكيات ممجوجة يائسة في مسعى رد الاعتبار للحصانة التركية التي يحظى بها المجرمون والتي تمّ اختراقها من خلال هذه العقوبات.

نُقدر من جانبنا أجواء الإرهاب التي تُخيم على مناطقنا المحتلة وسطوة المسلحين غير المحددة بأخلاق أو قانون، لكن مشاركة بعض ضعفاء النفس من الكُـرد في الدفاع طواعيةً عن واقع الاحتلال وتبييض الوجه القبيح للمحتل بل ودفاع البعض حتى عن المجرمين، نعتبره سقوطاً أخلاقياً قبل كونه طعناً في ظهر الوطنية والقومية.

إننا في حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا، نعتبر قرار وزارة الخزانة الأمريكية بحق هؤلاء المجرمين خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتطلع نحو توسيع العقوبات لتشمل كل المجرمين وعدالة دولية تنصف الضحايا وتحاسب المجرمين، نتطلع نحو اهتمام دولي أوسع من خلال مؤسساته لإنهاء الاحتلال التركي وإخراج المجموعات المسلحة المنفلتة من مناطقنا، وتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم المرتكبة، وتعويض المتضررين، وتقديم كل من تسول له نفسه الاستهتار بقيم وحقوق الإنسان للعدالة سواءً في عفرين أو في عموم الوطن السوري، والإسراع في تفعيل القرار /2254/ لإيجاد حلٍّ سياسي.

25 آب 2023م

الهيئة القيادية

لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

السلطات التركية تعتقل عضوا في الإئتلاف السوري .. كان قد أعلن استقالته ومخاوف من ترحيله إلى دمشق

اعتقلت السلطات التركية عضو مجلس القبائل والعشائر فيصل علي السلطان، في ولاية غازي عنتاب التركية، وحوّلته إلى مركز لترحيل الأجانب، وذلك بعد 3 أيام فقط من اعلانه استقالته (انسحابه) من الائتلاف.

واقتحمت قوة أمنية منزل فيصل علي السلطان في مدينة “نزيب” الحدودية مع سوريا شرق غازي عنتاب، وحولته من دائرة الهجرة في غازي عنتاب إلى سجن “أوزلي” المخصص لتجميع الأجانب قبل ترحيلهم.

وبعد متابعة من عائلته تم ابلاغهم أن “السلطان” اعتُقل بناء على رمز تقييد G82#، وهو رمز تقييد تم تعيينه لمنع الأجانب، الذين يعتبرون غير مناسبين من حيث النظام العام، من البقاء في الوحدات السكنية بتركيا.

ويأتي اعتقال السلطان بعد 3 أيام فقط من اعلانه الانسحاب من الائتلاف السوري، احتجاجاً على مواقفه وحالة الفشل التي يعاني منها.

وينحدر “السلطان” من مدينة منبج بريف حلب الشرقي، وكان ممثلاً لكتلة العشائر والقبائل السورية في الائتلاف قبل انسحابه، كما شغل سابقاً منصب رئيس ائتلاف أحرار العشائر في منبج، ورئيس مجلس الأعيان في مجلس القبائل والعشائر السورية وعضو الهيئة الاستشارية في المجلس.

​المصدر: مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا

 

ولادة كيان روژآڤا يعني سقوط تركيا!

تركيا تمارس رعونتها وعنجهيتها ليس فقط على الكرد، إن كان كرد الداخل أو الخارج، بل على المستويين الإقليمي والدولي حيث اللعب والمراوغة وفرض إرادتها في العديد من الملفات، كما وجدنا في قضايا انضمام بعض الدول الأوروبية لحلف الناتو، ناهيكم عن ممارساتها العدوانية في عدد من دول المنطقة وبالأخص سوريا والعراق بحجة محاربة الإرها//ب وقد وصلت بها الزعرنة والوقاحة؛ بأن تفرض شروطها بقضية حصة الدولتين من المياه ضاربةً عرض الحائط بكل القوانين الدولية المتعلقة بتقسيم المياه بين دول المنبع والمصب.

طبعاً عنجهية تركيا تأتي من واقعها الجيواستراتيجي حيث مرور الطاقة من “أراضيها” لأوروبا وبالتالي ولكسر عنجهية تركيا هذه فمن الضروري سحب هذه الورقة من يدها وسيكون ذلك من خلال ايجاد ممر بديل وهو موجود فعلًا بحيث تصبح سوريا -روژآڤاي كردستان- أي أن يصل نفط إقليم كردستان؛ كركوك وغيرها من خلال روژآڤا إلى البحر المتوسط ومنها للقارة الأوروبية وبذلك ستفقد تركيا لورقتها التي تبتز بها الجميع، وهكذا فإن كانت هناك إرادة أمريكية أوروبية لكسر عنجهية تركيا يمكن تنفيذ هذا المشروع وطبعاً لو كانت الأحزاب والقوى الكردستانية تملك إرادتها وقرارها السياسي لأستطاعت أن تفرض مثل هكذا مشروع إستراتيجي على الآخرين وذلك من خلال اتفاقها على مبادئ وطنية أساسية، بدل الصراع الحزبي والتبعية لمحاور إقليمية لبعض الدول الغاصبة وحينها سيكون الحديث عن تحرر كردستان واقعًا جيوسياسياً!

ولذلك يمكننا القول؛ بأن ولادة كيان سياسي للكرد في روژآڤاي كردستان، ضمن دولة اتحادية ديموقراطية في سوريا، سيعني سقوط تركيا وفقدانها لموقعها الجيوإستراتيجي، فهل سيكون بمقدور السياسيين الكرد العمل والتوافق على هكذا إستراتيجية تخدم المصالح الكردستانية العليا؟! سؤال نتركه برسم القادة والأحزاب الكردية.

بير رستم

د. سربست نبي : خارج القراءة، داخل التاريخ وخلف المشهد

إن المتأمل من الخارج، لمشهد اللقاء الرسمي الأخير بين وزيري خارجيتي العراق وتركيا، فؤاد حسين وحقان فيدان، في بغداد 22/8/2023، وهما جالسين وجهاً لوجه، وخلفهما علما الدولتين، لن يهتمّ إلا بالمخرجات السياسية للقاء دبلوماسي معتاد ومألوف، بين أيّ وزيري خارجية لدولتين متجاورتين في هذا العالم. لكن لماذا علينا أن نركز على هذه الصورة؟ إن الأفق التحليلي لهذه المقالة مخصص لكشف ما هو فريد واستثنائي ومتناقض خلفها.

تقبع خلف هذا المشهد واحدة من أكبر مفارقات تاريخ الشرق الأوسط مأساوية، منذ الحرب العالمية الأولى. مفارقة شاملة، وليست جزئية، تنطوي على أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية، وحتى أخلاقية… الخ. إن كثافة المفارقة، وزخمها القابع خلف الصورة، تكشف عن سريالية تاريخنا المعاصر ولا معقوليته وتدعونا للنظر إلى هذا الموقف بعيون كردية خالصة، محض كردية، وهذا هو الامتحان الكبير أمام الناظر: هل بمقدوره أن يتجرد من مسلماته الأيديولوجية ويقرأ المشهد من هذه الزاوية؟ إذن، كن كرديّاً قابضاً على جمرة هويتك لبرهة واحدة كي تكتشف عمق هذه المفارقة وأبعادها. استعر ضمير الكردي ووعيه الذاتي بهويته، المقهورة والمصادرة، كي تقرأ هذا المشهد.

الانحياز للتاريخ والنظر من داخله، يقتضي الرسو في قاعه، والنظر من أعماقه السحيقة، حتى نكتشف مسار الانحراف فيه ومقداره، من بدئه وحتى أعلاه، عند سطحه. أما الادعاء بأن هذا المشهد الظاهري عند السطح، هو المظهر الحقيقي والوحيد للتاريخ، فهو ادعاء زائف ومضلل، واختزال لمسار التاريخ الطويل في برهة واحدة منه، الأمر الذي لا يخلو من العسف. إذ يثوى خلف هذا المظهر بانوراما تراجيديا أمة بكاملها غيّبت عن مسرح التاريخ وأقصيت، وتمّ السطو على إرادتها في تقرير مصيرها.

إن المغيّب الأكبر، وراء الصورة هو الكردي وهويته الممزقة على شكل أشلاء جيوسياسية مستعبدة. ليس هذا فحسب، إذ لا يكفي أن يستسلم هذا الكردي لواقع عبوديته هذه، إنما هو مدعو أيضاً ومكره مع نظيره على أن يتكالبا ويكيدان معاً، ضد هويتهما الذاتية، ضد وجودهما ككردين. عليهما أن يتفانيان معاً في ابتكار أشقّ القيود وأثقل سلاسل العبودية الصدئة لقدميهما، حتى يحظيا كلّ منهما برضى سيّده.

بعبارات أخصر، تفصح الصورة عن كرديين مسلوبي الإرادة، يتظلّلان بظلّ قاهرهما وتحت الرايات، التي أذلت بني جلدتهم على الدوام، يتفانيان معاً في إنكار وجودهم ومحوه مجدداً، لأجل سيّد أو سلطة أمعنت على الدوام في استعباد أهلهم وقتلهم. هكذا تخيّم شبح الهوية الكردية على المكان، تكلل هالتها رؤوسهم الوجلة وتطاردهم. وكلّ منهم يريد أن يثبت بقوة إنه ليس كردياً مفزعاً أو مثيراً للقلق، إنما الأكثر ولاءً لعقيدة دولته، واستعداداً لتحقيق مآربها المقدسة.

كلّ منهما منكفئ بخجل على هويته “الملعونة” ويستطيع أن يخمّن إن مقابله يشكو من الحرج ذاته، يعاني مثله من خطيئة الولادة الأصلية ككردي، ولهذا عليه أن يجاهد ضد تلك الخطيئة، كي يتطهر منها ويتخلّص من عبئها ما أمكن في هذا المشهد. إنها يّريدان إزاحتها إلى الوراء، إقصائها بعيداً، كي يمجّد الهوية الأيديولوجية للدولة التي يمثلانها، لكن الوزير التركي يبدو أكثر فجوراً وتطرّفاً وأشدّ غطرسة من نظيره العراقي في إخلاصه لعقيدة دولته القومية وفي إظهار عدائه للحلم القومي الكردي، وهذا ما بدا جليّاً في التصريحات، التي أطلقها.

القرينان، محكومان ومكرهان على أن تكون كرديتهما نافلة، بالنسبة لهما، في سياق هذا التدبير السياسي وتخطيط المآرب العليا وتنفيذها. وأبعد من ذلك ينبغي أن تكون (الكرودة) قرباناً، وأضحية على مذبح السياسات القوموية السامية للدولتين، اللتين يمثلانها. إن أفول الكردايتي (الكرودة) أمام حضور الوطني (التركي- العراقي) هو شرط لإثبات جدارتهم بالوظيفة والمكانة، وتمثيل مصالح كلتا الدولتين.

وهكذا تقدّم الصورة مثالاً حيّاً ومكثفاً عن جدل الانسلاخ الذاتي والالتصاق أو التطبع بالآخر، الانفصال والانتساب. إذن لا ينبغي أن تشكّل خطيئة الأصل عقبة أمام إثبات الذات وجدارتها بالانتساب للآخر، حتى لو كان مغتصباً أو قاتلاً للأب الحقيقي. هذا ما يقتضيه تجسيد السلطة الغاصبة وتمثيل سيادتها وتكريسها حتى لو كانت على أشلاء الأب المقتول (الهوية الكردية). فالوزيران الكرديان الأصل، وفيّان في عملهما، ومنكبان على تقاسم هواء الكردي المقتول ومائه وترابه، وكل ثرواته وإرثه، غير مباليين حتى بترك شاهد على قبره المندرس، للبرهان على إخلاصهما لمن مارس التسلّط والبغي بحق الضحية وإثبات جدارتهما بالانتساب إليه.

إن ادعاء النسب المزيّف أو المصطنع وتمثيله يستحق هنا التفويض. وهذا التفويض، كما اتضح، يقوم على التنكّر للهوية الجمعية الأصلية، كي تكون ممارسة السلطة أو السيادة مبررة، والسيناريو المخصص لمثل هذه المسرحية، يتشكّل عادة من ترسانة خطابات وتصريحات وبيانات الإدانة والاستنكار، بوصم الكرد بالإرهابيين والانفصاليين… الخ. ولا يستطيع أحد في هذا السياق منافسة النظير التركي، الذي أثبت فعليّاً في أدواره السابقة تفوقاً غير مسبوق في التخطيط والتدبير والتنفيذ، خطفاً وقتلاً وتهجيراً بحق الكرد في عفرين المحتلة وغيرها. والحال إننا نربأ بالوزير العراقي عن مثل هذه الأفعال والمقارنة، وإن كان مكرهاً على التورط في هذا اللقاء المشؤوم بالنسبة إليه.

وكما تمت الإشارة، تحتل مثل تلك التصريحات وبيانات السخط والإدانة مكانة حاسمة في قلب سيناريوهات الدراما السياسية التركية، وعلى جميع مسارح التمثيل الدبلوماسي في العالم، وليس في العراق فحسب، لتأكيد الدور المنوط به، بصفته الممثل للسلطة القاهرة للكرد في كل مكان، وعلى الدوام.

إن المطلوب هنا، ليس تمثيل الانتماء الحقيقي للذات، كانتماء وحيد، إنما الانتماء المفروض، كنتاج لعسف تاريخي ما أو مصادفة. المطلوب ليس التعبير عن الذات ومصالحها الحقيقية، إنما الإفصاح عن مخاوف الآخر وهواجسه ورغباته الدفينة ومكائده. والوزيران هنا لا يتخالفان هنا لأجل مصالح كرديتهما، إنما على الضد منها، كل واحد مدعو لإثبات إن سياسته هي أكثر جدوى في مواجهة الطموح الكردي المريب والمؤرق. فالسلطة التي يمثلانها مطبوعة بطابع الكراهية وتحمل كل إرث الإنكار والإقصاء، وموسومة بالخوف الدائم من الاستقلال الكردي وإن بدرجات متفاوتة.

وهكذا هما مرغمان، على تغيير هيئتهما ولغتهما، بل وحتى الفضاء الذي يحيط بهما، كي يتحولا إلى كائنين يستحقان الدور الذي أسند إليهما. إن سحرية “البرتوكول” القوموي المصطنع، الذي يطغى على مشهد اللقاء يقوم على ملاحقة الشبح الذي يلاحقهما في هذا المكان ويطاردهم في أدق التفاصيل، ومنها لغة التواصل البينية.

تشترط إمكانية التواصل بين الوزيرين انتحال لغة، هي ليست “لغة الأم” بالنسبة لكليهما، اللغة التي فطما عليها، وتلقى كلّ منهما تهويدات (لورين- باللغة الكردية) والدته وهي تهدهده في مهده بصوتها الكردي العذب. إن لغتهما الكردية، في عرف التمثيل السياسي السائد، لا تصلح أن تكون لغة السياسة أو لغة أيّ برتوكول دبلوماسي، فهي ليست لغة أصلاً في نظر أيديولوجيا دولة الوزير التركي وعقلها السياسي، التي لا تقرّ بها كلغة حضارية، وتحظرها في نطاق سلطتها، وحتى أبعد منها إن أمكن. فاللغة الكردية، التي هي من لغات الدولة العراقية رسميّاً، لغة سيادية، إلا أن الوزير الكردي- العراقي غير مصرّح له الحديث بها أمام النظير التركي، إمّا مكرهاً، أو مداهنة، أو توقيراً، أو تهيباً، أو اشتراطاً من قبل الآخر، الذي كغيره من ممثلي الدول التركية، الذين اعتادوا على رفض وتجاهل كل ما هو كردي في أدبيات الإعلام والسياسة العراقية، عند زياراتهم. حتى أنهم في تجاهل مقصود، ينمّ عن عدم احترام، لمواد الدستور العراقي، يطلقون على إقليم كردستان لفظ “إقليم شمال العراق” في كلمة مرّة يأتون على ذكره. وهكذا تبدو اللغة أيضاً في هذا السياق إحدى رهانات الهيمنة والقهر، وتستحيل اللغة الكردية إلى شبح يُراد التخلّص منه وإقصائه عن أجواء المكان الذي بات ينتمي إليه في عهد الدولة العراقية الحديثة. ولا يخفي هذا الأمر إن طبيعة العلاقة المقامة بين الدولتين، وبالتالي بين الوزيرين، تصدر عن شعور الطرف التركي بالتفوق وفرض الوصاية على الطرف العراقي، وإلزامه بالتنكر حتى لمواد دستوره إن اقتضت المصلحة التركية وأمنها القومي المزعوم.

وهكذا يكرّس التقيّد الدقيق برمزيات السلطة الإنكارية حضوره في المشهد وعبر المراسيم البروتوكولية، التي لا تكفّ عن التأكيد بأن لا حياة، لا دور، لا مكانة للكرد هنا، إلا كعبيد تبّع ومقهورين. وهذا كله يشكّل إخراجاً مسرحياً لخطاب قوموي عنصري يريد أن يظلّ سائداً وأبدياً في إنكاره للوجود الكردي، ولا يقبل حضور الأخير شريكاً مكافئاً وندّاً مساوياً له على مسرح التاريخ.

د. سربست نبي

أستاذ الفلسفة السياسية – جامعة كويه

المصدر: إيلاف

ماذا تريد أمريكا من أكراد العراق؟

د. سامان شالي

منذ عام 1991 ، كانت الولايات المتحدة المدافع الأساسي عن الكورد في العراق ، حيث أنفقت مليارات الدولارات على الحماية العسكرية والتدريب والأسلحة ورواتب البشمركة. أدت العلاقات المتنامية والاستثمارات العسكرية والدبلوماسية والمالية إلى اهتمام أكبر بالتعاون بين الجانبين.

كانت للولايات المتحدة علاقة معقدة ومتطورة مع أكراد العراق ، شكلتها الديناميكيات الإقليمية والاعتبارات الأمنية والمصالح الجيوسياسية. لقد أثرت عدة أهداف ومصالح حيوية على نهج الولايات المتحدة تجاه الكورد في العراق:

1. الاستقرار والأمن: سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز الاستقرار في العراق ، والتعاون من الحكومة الإقليمية الكردية أمر حاسم في الحفاظ على الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها الكورد في كردستان العراق.

2. مكافحة الإرهاب: اعتبرت الولايات المتحدة الكورد في العراق حليفًا أساسيًا في الحرب ضد الإرهاب ، لا سيما في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ساعدت القوات الكردية مثل البشمركة في صد داعش في شمال العراق وكردستان.

3. دعم الفيدرالية الكردية: منذ عام 2003 ، دعمت الولايات المتحدة مفهوم الحكم الذاتي الكردي في عراق موحد وفيدرالي. يتمتع إقليم كردستان بدرجة ما من الحكم الفدرالي ، وقد دعمت الولايات المتحدة عراقًا شاملاً وديمقراطيًا يحترم حقوق جميع الجماعات العرقية والدينية ، بما في ذلك الأكراد. ولذلك، لاول مرة أتت أمريكا بالنظام الفدرالي في العراق و المنطقة.

4. مصادر الطاقة: المنطقة الكردية غنية باحتياطيات النفط والغاز، والولايات المتحدة مهتمة بتعزيز تنمية الطاقة وتصديرها. ومع ذلك ، فقد أدى ذلك أيضًا إلى توترات مع الحكومة العراقية المركزية بشأن عائدات النفط والسيطرة على الأراضي.

5. الجغرافيا السياسية الإقليمية: تنظر الولايات المتحدة في استقرار ومصالح الشرق الأوسط الكبير في تعاملها مع الكورد في العراق. استطاعت الولايات المتحدة أن تبحر في علاقتها مع الأكراد في ضوء شراكاتها الاستراتيجية مع لاعبين إقليميين آخرين ، بما في ذلك العراق وتركيا ودول الخليج.

6. مخاوف إنسانية: قدمت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية ودعمًا للسكان كردستان، لا سيما أثناء النزاعات والأزمات.

7 . أحترام حقوق الجميع تحت القانون: يتوقع الولايات المتحدة بأن سيادة القانون يكون مستقلال ويحترم حريات جميع أبناء أقليم كردستان و الأعلام الحر.

8.توحيد قوات البيشمركة: تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها ، خاصة بعد محاربة داعش ، لتوحيدهم. لسوء الحظ ، لم ينجح هذا حتى الآن. علاوة على ذلك ، فإن فقدان الدعم الأمريكي بين قوات البشمركة المتحالفة سيكون كارثة إذا تم تنفيذ هذا المطلب.

من المهم أن نلاحظ أن نهج الولايات المتحدة تجاه الكورد لم يكن موحدًا وتنوعًا بناءً على الظروف والأولويات المتغيرة. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن تتأثر السياسة الأمريكية في المنطقة بالتطورات الإقليمية الأوسع ، والتحولات في الإدارات الأمريكية ، وديناميكيات حرب العراق.

بشكل عام ، سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم تطلعات الشعب الكردستان إلى الحكم الفدرالي وتطبيق الدستور والاستقرار في العراق مع احترام وحدة أراضي العراق والعمل مع الحكومة المركزية في بغداد.

في الختام ، يجب على الأكراد أن يفهموا بوضوح أن المصالح الأمريكية تعتمد على مصالحهم مع العراق ودول أخرى في المنطقة. سيختارون مصالحهم إذا كان عليهم الاختيار بين الأكراد ومصالحهم في هذه البلدان.

ماذا يريد الكورد من أمريكا:

1. دعم قوات البشمركة و الأمن

2. دعم سياسي و د بلوماسي

3. دعم أقنصادى

4. دعم حقوق شعب كوردستان بموجب الدستور

5. التوسط بين الحكومة المركزية و حكومة الأقليم لحل المشاكل العالقة دستوريا

المصدر: كردستان 24

سوريا والعراق في طريقهما إلى صفيح ساخن

علي شيخو برازي

قد يطول الوقت وتحصل بعض التغييرات , لكن الاستراتيجية الأمريكية لن تتغير كثيرا, التحشدات على الحدود السورية العراقية  بعد المشروع الإيراني في منطقة البوكمال والبادية السورية من جهة, والقوة البحرية الأمريكية في مضيق هرمز من جهة آخر, يشيان بجديد غير معتاد في المنطقة, بعد أن أخذ الملف الإيراني وقته الكافي, وتداول كثيرا بين إسرائيل وأمريكا والتحالف الدولي, وقد لعبت الاستفزازات الروسية والإيرانية لأمريكا في سوريا خاصة, دورا في تعزيز وتوسيع الوجود الأمريكي على الحدود السورية العراقية انطلاقا من بناء قاعدة التنف الاستراتيجية, وهذا الأمر في وقته الحالي ردع لتمدد المشروع الإيراني وربما الروسي أيضا, ويقول البعض أن هذه التعزيزات الأمريكية لها علاقة بالملف النووي الإيراني بالدرجة الأولى, ومهما كان, فالإحداثيات تشير إلى جديد في سوريا كما أسلفنا, ولا أستبعد وصول المشروع الأمريكي إلى السويداء بعد هذا الزخم الكبير من التظاهرات والإضرابات والشعارات التي تنادي بإسقاط بشار .

وهذا سيؤثر مباشرة في الشهد السياسي الكوردي في سوريا, وحالة اليأس لدى الجماهير الكوردية لن تدوم في صمت أو غض النظر أمام ما يجري في المدني السورية, من عصيان مدني وكسر حاجز الخوف في مناطق الطائفة العلوية, فالأوضاع المعيشية باتت لا تحتمل, لا ماء ولا كهرباء , وأسعار السلع أصبحت خيالية مقابل دخل المواطن, ليس هناك مبرر بعد اليوم أمام حالة الفقر وانتشار الفساد وابتزاز الناس, لا سيل أقوى من سيل الجائعين, لان الحياة عليها أن تأخذ حقها من الأحداث , أكثر من خمسين عام والشعب الكوردي في سوريا كان يعمل ليكون مستعدا لمرحلة جديدة تتوفر فيها الظروف الذاتية والموضوعية, بأحزابها ومنظماتها وشخصياتها الدينية والثقافية والاجتماعية,  وقد أتت هذه المرحلة, وقادتها قوى شبابية وطنية نظيفة الأيدي عام 2011, لكن سرعان ما انسحب البساط من بين أرجل هذه القوى, وألقت الصدفة بقيادة المرحلة على أناس لم يكونوا أهلا لقيادتها. وقد عملت قيادة هذه المرحلة على استبعاد الحركة الشبابية والمثقفين الثوريين والمنظمات والشخصيات المستقلة , وداروا في حلقة مغلقة على المكاسب الشخصية, وأوجدوا عشرات الدوائر ضمن دائرتهم الضيقة , وتراجعوا عن كل المبادئ التي نادوا بها من قبل, تعاملوا مع الشوفينيين وناكري حقوق الكورد ومع التكفيريين بطرق غير مباشرة.

المسلسل اليوم في حلقاته الأخيرة , لأن المعطيات الحالية, من : حراك في المدن السورية عامة وفي حاضنك النظام بشكل خاص, وأصوات الشرفاء والغيورين على البلد التي باتت عالية مسموعة, وتجربة أكثر من عقد علمت البسطاء ما لم يعلمون, كل هذا يوحي أن هناك جديد يلوح في أفاق سوريا, والجديد آت لا محال , وستكون هناك ثورة, وربما تكون مغايرة تماما من سابقتها, كونها تمتلك الأدوات من سلاح وخبرة عسكرية, ومعلومات سرّية دقيقة عن طرق الضباط الأحرار, ستضم المعارضة وما كانوا يسمّون ب (الموالاه), و حركة 10 آب في الساحل السوري  وانتفاضة جبل الدروز الذي أنهكه الصبر على الظلم, والإضرابات التي تعم المدن السورية, خير دليل على أن الظلم والفساد والارتزاق لا يدوم . فكرة الثلج بدأ تتدحرج هذه المرّة في مناطق سيطرة النظام .

فقد طفح الكيل لدى الناس عامة, وستنتهي قريبا كل الأطر السياسية  والعسكرية, وتضمحل بين عشية وضحاها, , ما يسمى ب : الجيش السوري الحر (الفصائل الراديكالية ) – الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية – المجلس الوطني الكوردي – الإدارة الذاتية الخ ……..

وسيعد المجتمع الدولي حساباته بشأن سوريا, مع استمرار الحراك الجديد .

سنرى أحزابا ومنظمات جديدة,  ومشاريع سياسية جديدة, وسينتهي النظام وأعوانه كما انتهى كل من سبقوه من حكام القتل الإجرام عبر التاريخ .

والكل يدرك أن الشعب لا يموت بموت فئة فاسدة, وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي : إذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ    فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ    ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي    ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ.

قوات سوريا الديمقراطية تطلق عملية “تعزيز الأمن” ضد “داعش” في ريف دير الزور

نشر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بياناً أعلن فيه إطلاق عملية “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور ضد خلايا تنظيم “داعش”.

وجاء في نص البيان:

“نظراً لما مرت به منطقة دير الزور من عمليات إرهابية استهدفت السكان الآمنين ووجهاء المنطقة والقوّات الأمنية من قبل خلايا تنظيم داعش الإرهابي، واستناداً إلى جهود التواصل المستمر بين القيادة العامة لقوّاتنا، قوّات سوريا الديمقراطية ووجهاء وشيوخ العشائر وآخرها الاجتماعات الأخيرة وما نجم عنها من توصيات ومطالب للأهالي بضرورة ملاحقة الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادرها، وتنفيذاً لمهامها الوطنية والأخلاقية العسكرية، فقد أطلقت قواتنا بتمام الساعة ٠٨:٠٠ من مساء اليوم الأحد، وبدعم ومساندة من قوّات التحالف الدولي عملية “تعزيز الأمن” في الضفة الشرقية لنهر الفرات وبالتحديد في منطقة دير الزور.
إن هذه العملية – محددة الأهداف- تأتي امتداداً للعمليات السابقة في الجزيرة ومنطقة الرقة، تهدف إلى القضاء على بقايا خلايا تنظيم داعش الإرهابي ومنع عملياتهم المحتملة، وكذلك تعقب المجرمين الذين ارتكبوا المظالم بحق السكان، إضافة إلى ملاحقة المهربين الذين يتاجرون بلقمة عيش الأهالي.
إن هذه العملية هي إحدى المراحل المتقدمة في الكفاح المشترك التي تقودها قواتنا بدعم ومساندة من قوّات التحالف الدولي ضد داعش، وستستمر حتى تحقيق الأهداف المحددة لها.
ستعمل القوّات المشاركة في العملية لتثبيت الأمن والاستقرار جنباً إلى جنب مع الإدارة المدنية ووجهاء المنطقة وتعتمد على وعي الأهالي بمخاطر الخلايا الإرهابية والعناصر الإجرامية، وهي لن تتوانى في إنجاز مهامها والضرب بيد من حديد على الإرهابيين والقتلة ولكل من يتستر عليهم.”