في الذكرى السنوية الثانية عشرة للحرك الثوري في سوريا
مرّت على الأزمة السورية /12/ سنة قاسية من الحرب الداخلية والتدخلات العسكرية الخارجية التي هي بحق حرب في وعلى سوريا، هي ليست حرباً داخلية بحتة، وإنما هي أيضاً – وفي الوقت نفسه – حرباً خارجية على سوريا تستهدف الظفر بسوريا كموقع جغرافي ومنطقة جيوسياسية، وبهذا المعنى فهي أشبه بحرب عالمية ثالثة مصغرة متعددة الأطراف والأهداف، وآخر ما تفكر به تلك الأطراف هو الشعب السوري وطموحه نحو الحرية والديمقراطية.
لقد ساد في سوريا نظام حكم استبدادي منذ بداية الستينات من القرن الماضي نظام حكم يستند إلى نظام الحزب الواحد، وإذ كان يزيّن صورته بوجود مجموعة من الأحزاب حوله تحت مسمى الجبهة الوطنية التقدمية، والتي لا تقدم ولا تؤخر شيئاً سوى خداع الشعب بأنه لا يحكم بمفرده، وتميزت سوريا في ظله بالأحكام العرفية والحكم الأوتوقراطي، والاستيلاء على السلطة والثروة، وحكم المخابرات والعسكر، يقود الدولة والمجتمع والانتخابات المزيفة، والتمييز الشديد ضد الشعب الكردي وبالفساد وقمع الحريات العامة…الخ.
ومع بداية ما سمي بالربيع العربي كان الجو مؤاتياً لتحرك ثوري في البلاد بدأ فعلاً في منتصف شهر آذار 2011م، هذا الحراك الذي توسع بسرعة، وانضم إليه أغلب الشعب السوري في معظم المحافظات، ورفع شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) وسميت في حينه بـ (ثورة الكرامة).
يؤخذ على هذا الحراك بأن معظم – بل كل – المظاهرات كانت تنطلق في أيام الجمع ومن أمام المساجد، وكان ذلك يؤشر إلى ضعف المعارضة التي لم تتمكن من تنظيم المظاهرات بنفسها وفي المكان الذي تريده، كما كان يؤشر إلى دور المتدينين، وبشكل خاص الأخوان المسلمين وغيرهم من المدعومين من الجهات الخارجية، وقد نبّه حزبنا إلى ذلك منذ البداية، وأشار إلى الخطورة الناجمة عنه، كما يؤخذ عليها عدم امتلاكها لبرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي محدد، وقد أشار إليه حزبنا في أدبياته.
وبالرغم من توسع هذا الحراك الشعبي الثوري يوماً بعد آخر، لم يقم النظام بتقديم أي حل سوى الحل الأمني العسكري، وبدأ يقمع المظاهرات بكل الأشكال بما في ذلك استعمال الرصاص الحي وقتل المتظاهرين، وبدأت بعض القوى في المعارضة شيئاً فشيئاً برفع شعارات طائفية أظهرت بأن الحراك بدأ ينحدر إلى الطائفية من خلال القوى الإسلامية، وتحديداً جماعة الأخوان المسلمين، ثم تم البدء بحمل السلاح تحت شعار (حماية المظاهرات)، وبذلك بدأ تسليح الثوار.
بالرغم من أننا قيّمنا الثورة منذ البداية بأنها ثورة شعبية ديمقراطية سلمية، وبالرغم من انضمام الشعب الكردي بكل قواه السياسية إليها فقد توضح بعد أكثر من ستة أشهر على بدايتها ظهور القوى الإرهابية والتحول نحو الطائفية وتسليح الثورة، وعندها تأكد حزبنا بأن الثورة قد سرقت بعد أن تمكن الأخوان المسلمون والقوى الإرهابية من ركوب موجة الثورة، وأن الثورة قد أفرغت من مضمونها كثورة شعبية ديمقراطية سلمية، وعند هذه النقطة اتجه الشعب الكردي نحو خوض الثورة بلونه الخاص ورؤيته الخاصة، وكان يوم /19/ تموز 2012م بداية هذه الثورة التي انطلقت من كوباني.
بدأ بعض الضباط والجنود بالانشقاق عن الجيش، وتشكلت مجموعات عديدة اختارت لنفسها أسماء خاصة ضمن ما يسمى بالجيش الحر، وتميزت هذه المجموعات بأغلبيتها الساحقة بكونها مجموعات ذات توجه إسلاموي، وأما القوى الديمقراطية أو المعارضة الوطنية الديمقراطية فقد تقلص دورها وحجمها، وضاعت في خضم هذه المجموعات إلى درجة فقدان هويتها الخاصة بها، وتجربة ما يسمى بالائتلاف السوري دليل واضح على ذلك.
إذا كان النظام قد جلب إيران، بل أصبح جزءاً من المشروع الإيراني ومنظومتها، واستقطب المجموعات الشيعية من كل حدب وصوب، فإن ما يسمى بالائتلاف السوري، وكل المجموعات المسلحة قد وجدت مكانها عند تركيا، وأصبحت جزءاً من المشروع التركي الذي هو توأم المشروع الإيراني.
وعلى التوالي تشكل التحالف الدولي من أكثر من /60/ دولة بقيادة الولايات المتحدة، وقد تدخل عسكرياً في سوريا ضد النظام ولمساعدة المعارضة، وفي عام 2015م تدخلت روسيا عسكرياً لمساعدة النظام الذي كان يتهاوى وضد المعارضة، في الوقت الذي استكملت فيه القوى الإرهابية وفي مقدمتها داعش وجبهة النصرة وغيرهما انتشارها في معظم الجغرافيا السورية واحتلت مساحات واسعة منها.
في هذا الوقت كانت قد تشكلت وحدات حماية الشعب، ومن ثم وحدات حماية المرأة التي تصدت لتلك المجموعات الإرهابية وتمكنت من تحرير مناطق واسعة من روج آفاي كردستان.
وبتاريخ 21/1/2014م تشكلت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة، وبعده بأيام تشكلت الإدارتان الذاتيتان الديمقراطيتان في كل من عفرين وكوباني، وتشكلت فيما بعد قوات سوريا الديمقراطية التي تمكنت من تحرير كَري سبي (تل أبيض) ومنبج، ومن ثم الطبقة والرقة وشمال وشرق نهر الفرات لتتشكل إدارة ذاتية باسم (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، وتم القضاء على دولة الخلافة الإسلامية المزعومة وتحرير عاصمتها الرقة.
وبذلك فإن سوريا قد قسمت إلى ثلاث مناطق هي:
1- منطقة تحت سيطرة النظام في ظل حماية روسيا وإيران بامتداداتها مثل حزب الله اللبناني والمجموعات الشيعية الأخرى المرتبطة بإيران.
2- روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية وحماية التحالف الدولي.
3- مناطق تحت سيطرة الدولة التركية والمجموعات المرتبطة بها.
إن من يدقق في الأزمة السورية، أسبابها وملابساتها والتطورات التي مرت بها، يدرك بجلاء أن السبب الرئيسي للأزمة هو النظام، ويتحمل المسؤولية الرئيسية ما لحق بسوريا والسوريين من قتل وتشريد ومآس إنسانية، ومن دمار للبنية التحتية للبلاد، وأن المسؤولية بدرجة موازية أو بالدرجة الثانية هو جماعة الأخوان المسلمين السورية والعالمية والمجموعات الإرهابية التي خرجت بالأساس من تحت عباءة الأخوان المسلمين وعباءة أردوغان.
وإذا كانت إيران تقود الأولى، وتركيا أردوغان تقود الثانية فإنهما – أي إيران وتركيا – تتحملان مسؤولية إيصال الوضع السوري إلى ما هو عليه، وبالتالي لن يكون هناك حل للأزمة السورية بدون إخراجهما من سوريا، وتنحصر مسؤولية أطراف المعارضة الوطنية والديمقراطية في ضعفها وعدم نضوج رؤاها، واستسلامها لرؤية الأخوان المسلمين وللضغوط الأخرى، وبالتالي فإن الحل يجب أن يكون سورياً بالدرجة الرئيسية في حوار سوري – سوري للوصول إلى توافق وطني، وفي المحصلة إخراج كل العقوبات الأجنبية.
إذا كان الحراك الثوري في سوريا قد بدأ في البداية كثورة ديمقراطية شعبية سلمية فإنه وللأسف الشديد لم تتم حماية هذه الثورة والحفاظ على جوهرها، وبعد أن تمكن الأخوان المسلمون والمجموعات الإرهابية من ركوب موجة الثورة ومن ثم سرقتها بدعم مباشر من تركيا أردوغان، وبعد أن تحول الأمر وكأنه صراع سني – شيعي وتحولت إلى الطائفية فإننا نبدي الملاحظات التالية:
1- إن مضامين كل الثورات هي مضامين اجتماعية، فهناك ثورات ديمقراطية وهناك ثورات لحركات التحرر الوطني والقومي وهناك ثورات اشتراكية…الخ ولكنه لا يوجد في التاريخ شيء اسمه ثورات طائفية، هناك فقط اقتتال طائفي وهناك حروب طائفية وأشياء من هذا القبيل.
2- لا يمكن أن تكون هناك ثورات يقودها المرتزقة، للأسف الشديد تمكن أردوغان والأخوان المسلمون من تحويل ما يسمى بالجيش الحر إلى مرتزقة يستخدمها ضد الإدارة الذاتية وفي ليبيا وأرمينيا وكشمير وفي العديد من بقاع العالم.
3- ثم أنه لا يمكن للعملية الثورية، لأية ثورة أن تستخدم من قبل الخارج لاحتلال أجزاء من وطنها.
4- ليس هناك برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي ديمقراطي واضح لسوريا المستقبل لدى من يدّعون قيادة الثورة.
لقد أجهضت تركيا والجهات المرتبطة بها الثورة الديمقراطية الشعبية السلمية التي بدأت في 15/3/2011م ولم تعد ثورة بمعناها الحقيقي، وتحولت إلى أزمة تعيشها سوريا.
إن الثورة الحقيقية في سوريا هي التي بدأت من كوباني في 19 تموز 2012م والتي نعتبرها امتداداً طبيعياً لانتفاضة قامشلو الباسلة عام 2004م، هذه الثورة التي تقود الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة، والتي يمكنها أن تتحول إلى نموذج لكل سوريا لأنها تعبّر عن تطلعات وآمال جميع المكونات السورية ومصالحهم.
15/ آذار/ 2023م
الحزب اليساري الكردي في سوريا
الحزب اليساري الكردي في سوريا
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=14878