الخميس, ديسمبر 26, 2024

حوار مع الفنان الفلكلوري الكردي شفيق أبو رعد

حاوره: دجوار هرميسي

كلمة تراث تأتي من أرث وتعني ما تخلفه الآباء والأجداد للأجيال اللاحقة إما الفلكلور فهو المأثور الشعبي من عادات وتقاليد وأغاني وغيرها يتم تناقله بين أفراد المجتمع شفهيا وتبرز أهمية التراث والفلكلور في تنمية الحس الوطني والاجتماعي لدى الاشخاص من خلال نقل الموروث والتغني به وضيفنا اليوم هو أحد هؤلاء الذين يحملون التراث والفلكلور معا من أجل ايصالها الى الاجيال بكل مصداقية فدعونا نغوص معا في حديث شيق مع الفنان الفلكلوري الجميل شفيق أبو رعد

س1_ بداية أود أن ارحب بك وسمحت لي أن أعمل معك مقابلة تحدثني فيها عن شخصك وولادتك ومن اين انت؟
انا ولدت في قرية كيستك قرية آل جمعة التابع لناحية عامودا سنة ١٩٤٨
بعدها انتقلنا إلى قرية اولجيا قرب حدود كوردستان باكوور
والدي كان يعمل فلاحا وذو شخصية قوية اتذكر كان له سلاح يلازمه في كل وقت
ونحن من عشيرة حبزبني ( حبس بني ) ووالدتي كانت من عشيرة متيني
بعد ذلك انتقلنا إلى قرية تل فرس سكانها من المكون العربي وكان عمري حينها قرابة العشر سنوات وبعدها انتقلنا إلى قامشلو إلى حي العنترية
وبعدها انتقلنا إلى حي الهلالية وبقيت هناك حتى قبل عدة أشهر انتقلت إلى كوردستان الجميلة وارغب ان أقيم فيها
س2_متى ارتبطت بالفن ومن الذي اكتشفك ؟
قبل أن ننتقل من قرية اولجيا كان عمري ثمانية سنوات ذات ليلة سمعنا صوت الطلقات النارية ” رصاص ” من بعيد كان آتيا من قرية حاصدة والدي قال هذا بالتأكيد صوت خالي يوسف جلبي ” ûsivê çelebî ”
وكان العرس في ذاك الوقت يغمر السعادة على قلوب الأكثرية فأتى خال والدي أو خالي يوسف جلبي
وضع يديه على كتفي قائلا اتحب العزف والغناء فقلت نعم ف أرتب على كتفي وقال ستصبح فنانا مشورا يوما ما وحينها كانت كلمته كافية أن أصبح متعلقا أكثر بالموسيقى والفن وكلمته بمثابة شهادة اعلقها على صدري حتى الآن وعمري يقارب الثمانين
س3_يقال ان الراحل يوسف جلبي من اقرباءك هل جلست معه وما مدى تأثيره عليك ؟
الخال يوسف جلبي كان بمثابة مدرسة وهو صاحب أول أغنية سياسية وانا جلست معه ثلاث إلى أربع مرات وحينها كان الوحيد أمام أعيننا نسمع اغانية ونحفظها
كان مميزا بفنه وكلامه حتى عندما يناقش كل كلمة كان ينطقها كحكمة
وكنت اقلده في أسلوبه بالغناء واحفظ أغانيه واحدة تلو الأخرى
فاستطيع أن أقول هو قدوتي وأستاذي في الفن وهو الوحيد الذي تأثرت به بكل تفاصيله
حملت آلة الطمبور وتعلمتها بسرعة وكانت اغاني خالي يوسف هي التي كنت اغنيها واول عرس احييته كان حفل زفافي انا وكان عمري ثلاثة عشر سنة ومنذ حينها بدأت رحلتي مع الغناء
س4_ مَن من الفنانين الذين تعتبرهم من مدرسة يوسف جلبي ؟
اول من تأثر به كان المرحوم اسماعيل جناتي من عامودا وغيره الكثيرون كانوا يتبعون نفس أسلوبه بعد وفاته امثال المرحوم حزني ابو عادل وانا تستطيع أن تقول كنت اتبع أسلوبه بدقة رحمه الله ترك إرثا لا ينتسى
س5_ برأيك هل تعتقد المجتمع الكوردي قد منحك ما تستحقه من الشئ الذي قدمتها ومدى تقديرهم لك ؟
انا اعتبر نفسي محظوظا ومحبوبا من شعبي الكوردي كنا نتبادل نفس الحب هم وضعوني في مكانة أحسد عليها وانا وضعتهم في قلبي
في الوقت الذي كنا نزف الاعراس كان هناك فئة كثيرة لا تمتلك قوت يومها والحمد لله حاولت ووقفت بجانبهم دون مقابل واعزف لهم في سبع ليالي بآلتي كي أسعدهم وكنت أفرح لفرحهم دون مقابل وانا تميزت ولله الحمد ببساطتي وقربي من أبناء شعبنا الكوردي في كوردستان روج افا
لذا انا اجد نفسي في مكانة احبها جدا وهو تقديري من قبل شعبي ولا أنكر محبتهم ابدا ابدا ما دمت حياً وسأبقى وفياً لهذه المحبة
س6_انت كان لك باع طويل في النكتة الكوردية هل تجد أن النكتة لها أهمية في إلى جانب الفن وهل تعتبر النكتة فنا شعبياً ؟
بالنسبة لي اعتبر النكتة فناً عظيما وهي تعطي رسالة قوية
وانا اتقنتها بصورة جيدة إلى جانب فني الموسيقي ففي القديم عندما كنت أذهب لأحيي حفل زفاف والتي كانت من خمسة إلى سبعة أيام كنا حين ننتهي نعود إلى الغرفة أو الاوضة حسب التسمية الكوردية ذاك الوقت والتي كانت تتميز بمساحتها الكبيرة كنا نجلس وأبدأ بقول النكت التي تجعلهم يضحكون ملأ قلبهم وتزيد من سعادتهم يعني في النهار كنت أسعدهم بالعزف والغناء وفي الليل بالنكات والمواقف المضحكة وانا اعتبر نفسي من الاوائل الذين قالوا النكتة بعد انتهاء العرس ذاك الوقت وكنت اتميز بذلك
واريد أن أوضح شيئاً آخر حول النكتة كنا كثيرا نوصل رسالة ما عبر النكتة أو ننقد السلطة أو من يواليهم من فئة كانت متواجدة في مناطقنا ذاك الوقت وأقصد هنا الاقطاعيين ونرمي نكتة تكون مبطنة جدا ومنذ ذاك الوقت اعتبر نفسي من طبقة المسحوقين أو الفقراء بصورة قوية جدا فكنت فنانا و حمّالا لجوالات الحنطة
س7_انت من الجيل الذي لم يستخدم الأجهزة الموسيقية الحديثة في مجال الاعراس الكوردية الموصولة بالكهرباء كيف تجد الفارق بين استخدامها وعدم استخدمها مثلما كانت على ايامكم ؟

عندما تطورت الآلات الموسيقية وتحولت إلى اسلاك كهربائية برأيي ابتعد الفنان في العرس عن الجمهور قليلا واصبح الفنان لا يجتهد بالصورة التي كنا نفعلها دون البافلات أو مضخمات الصوت
فانا كنت احمل آلتي الطمبور على كتفي وكنت اتنقل بين الجمهور وابتسم وامازحهم واغني واجعلهم في حماسٍ وفرحٍ لا يوصف وتستطيع أن تقول كان يُخلق بيني وبين الجمهور علاقة روحية ننسجم سويا اعزف بحب ويرقصون بحب
وانا هنا لا اقلل من قيمة الآلات ومكبرات الصوت كوني استخدمتها في أواخر أيامي التي كنت أذهب فيها إلى الاعراس لكن فقط أريد أن أقول كان العزف حوالي اللوكس ( الإضاءة في ذاك الوقت ) مميزا جدا نسمع صوت الآلة وضحك الجمهور والابتسامات الجميلة المتبادلة كانت السعادة حقيقية جدا جدا
س8_ اغنية عدلايه كان لها صدى كوردستاني وعالمي أيضا انت ما رأيك بها وهل توقعت نجاحها لتتحدث عنها قليلاً ؟
برأي كل اغاني خالي يوسف جلبي لو تُقال من جديد ويسمعها الجيل الجديد سيحبها بعمق وحب لا يوصف وقبل أن أسجل اغنية عدلاية كان رأيي كذلك لو اغني اي اغنية لخالي يوسف جلبي ستأخذ الأغنية صدى قوي جدا
وعندما قمنا بتسجيل اغنية عدلاية كنت اتوقع هذه الشهرة كوني غنيتها بحب وكنت اغنيها من اعماق قلبي وكنت أتوقع أن تصل إلى قلوب شعبنا الكوردي وأحبها المكونات الأخرى أيضا فالأغنية التراثية حقيقية جدا ولا تصبح قديمة برأيي هي في تجدد دائم
واستطيع أن أقول إن اغنية عدلاية جعل الجيل الجديد أو الناشئ يتعرف علي أيضا وانا محظوظ بذلك ولله الحمد
س9_ هل تحضر حاليا لاي اغنية جديدة لتسجيلها ونشرها ؟
بالتأكيد احاول أن أقول اغاني خالي يوسف جلبي وسجلت بعد عدلاية أغاني اخرى ايضا
وللأسف وضعي الصحي لا يساعدني أن أغني أكثر فأنا امنح الكثير من اغاني خالي التي حفظتها عن ظهر قلب وغير مؤرشفة في كاسيتات واغاني فلكلورية أخرى واعطيها للفنانين الجدد كي يغنوها وهم ينجحون بها كثيرا امثال الفنان سيبان حسكو وعماد سليمان ومحمود مراد وعبدالقادر توفيق وابنائي بالدرجة الأولى اعطيهم بسخاء الفنان شيار وكاوا وفرهاد شفيق والى الان انا في خدمة من يرغبون في أن اساعدهم بمحبة وسخاء أيضا لكن أسعى أن أسجل اغاني اخرى للارشفة
س10_ماذا تنصح الجيل الناشئ أو فناني هذا الوقت بالنسبة الفلكلور ؟
انا انصح الجيل الناشئ بالعودة إلى فلكلورهم الكوردي الاصيل وحفظ الكثير من اغاني التراث فمن لا ماضي له لا حاضر له والاغاني الفلكلورية بمثابة اثاث يبنى عليه الموسيقى الحديثة ومن لم يغني من الفلكلور اعتبره قد حرم نفسه من المتعة الحقيقة
فالكلمات المليئة بالحب والموسيقى المليئة بالسعادة او الحزن فيها هي حقيقية جدا جدا
فالأغنية التي كانت حزينة كانت تُبكي الجميع والاغنية التي كانت فيها سعادة كانت تفرح الجميع أيضا فأنا أقول لهم اهتموا بتراثكم الموسيقي ولا تهملون كي لا تكونوا ايتاما بموسيقاكم ففي كل الدول المتحضرة الموسيقى الفلكلورية لديهم في موضع التقديس تماما
س11_ عائلتك مهتمة بالفن أيضا ولديك اولاد في هذا المجال حبذا لو تحدثنا عنهم وعن مجالاتهم الفنية ؟
اعتبر بيتي هو بيت الفن حسب أقوال أبناء شعبي ويعتبرونني مرجعا للفلكلور الكوردي ويضعونني في هذه المكانة بقوة اما أبنائي المهتمون بالموسيقى ويمارسونها حتى اللحظة فهو الفنان شيار شفيق وكاوا شفيق يحييون الحفلات حتى الآن في بأمور كوردستان ويهتمون بالفلكلور الكوردي أيضا ولا ابخل عليهم بهذا الجانب
ولدي ابني الفنان فرهاد شفيق أيضا مهتم جدا بالفلكلور الكوردي ويغني حتى الآن وصوته مميز وان أتوقع أن يقدم الافضل من هذا الجانب
وابني سوار شفيق رسام مرموق جدا أقام معارض كثيرة في فرنسا وألمانيا ودول أوروبية كثيرة وانا ولله الحمد محظوظ فيهم جدا واتمنى ان يكونوا في مكانة عالية أتمناها لهم دوما
س12_ كيف يمكننا الربط بين الفن والأخلاق والمبادئ ؟
برأيي هناك ترابط قوي جدا جدا بين الفن والأخلاق والقيم والمبادئ
فالفن الكوردي قديما بالنسبة لي وللعالم كان مدرسة يتعلم فيها ابناء شعبنا أن يحبو قوميتهم ويطالبوا بحقوقهم ويحترمون المرأة ويربوا أطفالهم على حب الوطن
فعندما غنى الفنان يوسف جلبي اغنية #زعيم_سلو كانت بمثابة ثورة وكانت رسالة قوية قيلت من خلال أغنية واحدة
وأغنيته ” ev kum ne kumê mine ”
وهي قيلت عن عدة أشخاص كانوا يلبسون الزي الكوردي من السروال والكوفية “العمامة” في حين كان ممنوعا من قبل نظام اتاتورك فكشفهم عدة مخبرين فتم شنقهم من قبل النظام الاتاتوركي حينها لأنهم لم يلبسوا الشفقة التي فرضها النظام التركي حينها
وهذه الأغنية عندما غناها خالي يوسف جلبي كانت رسالة لشعبه ان يتمسكون بتراثهم وزيهم والكثير الكثير من الاغاني كانت تلعب ولعبت دورا مهما في تغيير الواقع الكوردي نحو الأفضل
س13_ ما هي أمنيتك حاليا وانت في هذا السن اطال في عمرك وأقصد هنا أمنيتك في الحياة بصورة عامة وفي الفن أيضاً إن أحببت ؟
انا عشت في زمن كانت الاقطاعية مثل السيف فوق رقاب الفقراء والمساكين وكنا نحن من تلك الطبقة التي لا تملك المعرفة ولا القلم وحلمت منذ ذاك الوقت أن يحمل الفقراء القلم والمعرفة ليجابهوا فيها الاقطاعية وكان توجهنا حينها شيوعيا كونها كانت صوت الفقراء وحدث ذلك
لكن للأسف الاقطاعية غيرت لونها وظلمت شعبنا بصورة مختلفة وهنا لست سياسيا ولا القي املاءات على أحد إنما أنا فنان يتألم على شعبه ولا يريد أن يبقى أسير الاقطاعية الجديدة فأتمنى الآن أن ندرك وجعنا بشكل حقيقي ونلتزم بحب وطننا وأرضنا فقط
ف كوردستان باقية واتمنى ان اراها محررة من قيد الدول الغاصبة وتوابعهم قبل أن أموت.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية